د. سالم عبدالله العامري
لم أكن أتوقع أو أحلم بأن أرى أو أعيش فرحة النصر التاريخي للمُقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني، النصر الذي أعزنا الله به ليغسل عن الأمة عار الهزيمة والذل الذي طال لعقود من الزمن، إذ لم نشعر بالنصر منذ 50 سنة في حرب 6 أكتوبر 1973.. فمُنذ صباح السبت الموافق 7 أكتوبر لعام 2023، تفاجأ العالم بهجمات أبطال القسام على غلاف غزة واقتحامهم للمستوطنات الإسرائيلية والتسلل عبر السياج الأمني والجدار الفاصل ليعبروا الحدود باستخدام أساليب وخطط محكمة ودقيقة.
هذا المشهد التاريخي تابعه المؤمنون والمتعاطفون مع القضية الفلسطينية بفرحة عارمة شاهدوا من خلال الصور ومقاطع الفيديو التي توالت عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة الأعمال البطولية التي وثقها الإعلام العسكري لكتائب القسام، وهم يقتحمون الحدود ويأسرون الجنود، ويجهزون على العدو، ويجرجرون جنود الصهاينة على الأرض، ويقصفون الطائرات، ويغنمون معدات وآليات الجيش الإسرائيلي الهارب من قواعده ومناطق الاشتباك، "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه"؛ فعرفوا حق المعرفة أنَّ الله وحده هو الغالب والقاهر؛ فآمنوا بأنَّ النصر من عند الله فثبتهم ونصرهم " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" وأن الله هو القوي العزيز فأعزهم وأثابهم إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ".
تواترت الأنباء على شاشات التلفاز وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، الجميع كان منبهرًا حقًا من هذه المشاهد التي يراها وكأنها حلم بعيد المنال، ولكنه كان واقعُ جميلُ اسمه طوفان الأقصى، أحيا في الأمة الإسلامية روح النصر والثبات والقوة والتمكين، بث في ضمائر اليائسين والمحبطين الذين أسرفوا على أنفسهم ذنوب الخيبة واليأس والخذلان والحسرة أن لا تقنطوا من رحمة الله "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
وعلى النقيض تمامًا، وفي الوقت الذي شاهد فيه أحرار العالم والمؤمنون بحقوق الشعب الفلسطيني هذه المشاهد المفعمة بمظاهر النصر والعزة والكرامة تلقى اليهود والموالون لهم في كل أصقاع العالم صدمة كبيرة وذهولاً غير مسبوق وخيبات وحسرات جراء ما لقوه وشاهدوه من قتل وأسر وتشريد وهروب إلى ملاجئ الذل والعار والهزيمة، كان هذا الذهول بمثابة زلزال دمر كل ما تملكه إسرائيل من قوة وعتاد، ولطخ سمعة جيشها الذي يدعى بأنه لا يقهر، وما هي إلا ساعات قليلة حتى استباح الأحرار أبطال المقاومة الفلسطينية مساحات شاسعة من أرض العدو المحتل، وتوغل الأبطال برًا وبحرًا وجوًا في كل المستوطنات المتاخمة لغلاف غزة ينشرون الرعب والخوف في قلوب الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح والعتاد والذي يصنف على أنه من أقوى جيوش العالم خصوصًا في مجال التقنية العسكرية، إلّا أن صبيحة يوم السبت 7 أكتوبر كشفت قناع الزيف والخداع عن وجه جيش إسرائيل الحقيقي، وإنه مجرد وهم مصنوع لإخافة المقاومة والأنظمة العربية والإسلامية.
إن هذا الطوفان الذي زلزل إسرائيل وضربها في مقتل هذه المرة يختلف تمامًا عن باقي العمليات العسكرية السابقة التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية، لقد غير هذا الطوفان معادلة الصراع وأحيا الأمل لدى الشعوب والجيوش العربية بالتحرير الكامل لأرض فلسطين، تحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والقبة الحديدية التي لا تخطئ، اهتزت ثقة المجتمع الإسرائيلي بجيشه، وقاداته، وأمنه، واستخباراته، عبرت الصحف الإسرائيلية عن خيبتها واستيائها لما جرى صبيحة اليوم الأسود كما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متوعدًا حماس بالانتقام جراء ما ألحقته بإسرائيل وشعبها من ذل وعار، الشيء الذي أثار ردة فعل شعبية كبيرة تكشف عن حجم الكارثة والصدمة التي يعيشها الكيان الصهيوني جراء عملية طوفان الأقصى.
خلاصة القول.. نختم بما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية لمقال بعنوان "إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة" للكاتب آري شبيت؛ إذ يقول: "يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الرئاسة الفلسطينية تدين إحراق الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان
أدانت الرئاسة الفلسطينية إحراق الجيش الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، والذي يقدم خدماته لأكثر من 400 ألف نسمة، معتبرة أن هذه الجريمة تأتي في سياق حرب الإبادة والتهجير.
واعتبرت الرئاسة في بيان أن "هذه الجريمة بحق المستشفيات الفلسطينية هي تجاوز خطير وصارخ للقانون الدولي والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي توفر الحماية للقطاع الطبي والكوادر الطبية أثناء الحروب"، مؤكدة أنها تأتي في إطار "المحاولات الإسرائيلية المستمرة تنفيذ مخططاتها لتهجير شعبنا من أرضه ووطنه".
وحملت الرئاسة "سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذه الجريمة الخطيرة، التي تنتهك جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة، مطالبة المؤسسات الصحية الدولية، خاصة منظمة الصحة العالمية، وأطباء بلا حدود، والمنظمات الدولية والإنسانية، بالوقوف عند واجباتها لوقف هذه الجريمة التي ترتكب بحق القطاع الطبي الفلسطيني، وتفعيل الاتفاقيات الدولية لتوفير الحماية للكوادر الطبية والمرضى والمصابين"