أهون من بيت العنكبوت
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
خالد بن سعد الشنفري
في يونيو عام 2021، كتبتُ مقالًا عن حرب الأيام الـ11 على غزة العزة، في جريدة الرؤية بعنوان "بين أحمد سعيد ووائل الدحدوح"؛ بمُناسبة مُضي نصف قرن على "نكسة 67" ومذيعها الشهير أحمد سعيد مذيع إذاعة صوت العرب، وقارنت الوضع بانتصار غزة في يونيو 2021 ووائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة.
ما زال الدحدوح متسيدًا موقعه وحصريًا بلا منازع في نقل حروب غزة في كل جولاتها الأخيرة التي تكررت وتصاعدت وتيرة صواريخ كتائب المقاومة على غلاف غزة في الجولات الأولى وتمدد رقعة أهدافها بعد ذلك في كل جولة، وازدياد مداها حتى طالت تل أبيب ومطار بن جوريون.
كنَّا كعرب قد اكتفينا مؤخرا بالتفرج- للأسف الشديد- على ما يحصل وكُنّا بين مؤيد للمقاومة وصواريخها، وبين مشكك بأنها لا تتعدى كونها ألعابًا نارية وليست فعَّالة وتتسب في موت مدنيين أكثر من فعاليتها، نتيجة ردة الفعل العكسية بقصف المدنيين بأحدث الطائرات الأمريكية وأثقل وأفتك الذخائر في العالم بعد كل جولة صواريخ.
لم أكن مقتنعًا شخصيًا بأنَّ قوة إسرائيل وجيشها أهون من بيت العنكبوت بعد كل المعارك التي دخلناها معها كعرب على مدى 75 عامًا .
اليوم وفي حرب "طوفان الأقصى" الحرب الأكتوبرية الثانية (7 أكتوبر)، ورغم أن "الألعاب النارية" (كما يحلو للبعض أن يطلق عليها للأسف) أرعدت وأربدت وغطى لهيبها سماء العدو كعادتها كل مرة، كانت هذه المرة ليس الهدف منها مجرد القصف في حد ذاته، وإنما تمهيد لينشغل بها العدو وقبته الحديدية كالعادة لينساب على إثر ذلك المئات من رجال المقاومة إلى عقر دار العدو ليقلبوا الأرض هذه المرة تحت أقدام جنوده، ويقلبوا الموازين ويتفاجأوا ببسالة رجال المقاومة وجها لوجه وجرأتهم التي صدمتهم وشلّت قدراتهم تمامًا.
هل كنَّا نحن سابقًا من ينطبق عليهم وصف "أهون من بيت العنكبوت"، ولذلك لم ننتصر أم هل كانوا هم فعلاً قوة لا تُقهر؟ وهل إننا قهرناهم هذه المرة لأننا لم نعد أهون من بيت العنكبوت كما كنَّا سابقا؟! لقد أجاب على كل ذلك أبو عبيدة المتحدث الإعلامي الرسمي باسم كتائب القسام في آخر تصريح له بأن العدو انهار وأصيب بالصدمة عندما شاهد بسالة رجال المقاومة وإيمانهم مصداقًا لقوله تعالى: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز" (الحج: 40).
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فيلم حقيبة سفر.. الاختيار بين المقاومة والخيانة
في الفيلم السينمائي، يثبت الإبداع الأصيل وجوده فور بداية العرض، وبالتحديد في الدقائق الأولى، لكن إذا توقف المشاهد لثوانٍ متسائلا عما إذا كان قد شاهد هذا الفيلم من قبل، فإن هذا يعني أن ثمة ظلالا لفيلم آخر في العمل.
وفي فيلم" حقيبة سفر" (Carry-On)، الذي يحتل المرتبة الأولى في نسبة المشاهدات على شاشة نتفليكس، لا يلمح المشاهد مجرد ظلال لفيلم "موت قاس 2" 1990 (Die Hard 2)، ولكنه يجد ما يشبه الاستنساخ للقصة وعدد كبير من المشاهد.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لبنان يرحب برئيسه الجديد.. نجوم الفن يهنئون جوزيف عونlist 2 of 2لطفي لبيب يعلن اعتزاله الفن نهائيا استعدادا لجراحة دقيقةend of listتتضاعف الأزمة حين يجد المشاهد نفسه أمام فيلم حائر بين الدفع بالأجواء الاحتفالية لموسم أعياد الميلاد السينمائي في العمل، وبين الرغبة في صناعة فيلم حركة وإثارة، وقد توصل صناع العمل إلى فكرة صناعة فيلم يجمع بين الاثنين عبر عمل تحتل فيه العائلة مكانا رئيسيا، إلى جانب الإثارة والحركة.
وقد اعتاد صناع السينما تقديم أعمال "استهلاكية" في الأعياد والمواسم، وكما يقدم السينمائيون المصريون أفلاما للتسلية في مواسم عيدي الفطر والأضحى، فإن هوليود ونتفليكس وغيرهما يقدمون أفلاما تهدف بالأساس للترفيه والتسلية، وتقدم الملامح الثقافية للمناسبة، وتعد العائلة هي المحور الرئيسي لأفكار أفلام أعياد الميلاد في السينما الأميركية.
أحداث “حقيبة سفر" للمخرج الأميركي ذي الأصول الإسبانية جاومي كوليت سيرا، تدور في ليلة عيد الميلاد (آي إم دي بي) مفاجأة في المطارتدور أحداث “حقيبة سفر" للمخرج الأميركي ذي الأصول الإسبانية جاومي كوليت سيرا، في ليلة عيد الميلاد، حيث يتلقى ضابط أمن النقل الشاب إيثان كوبيك (تارون إدغيرتون) مكالمة من سماعة أذن لشخص يرغب في عدم تفتيش حقيبة تحتوي على قنبلة، ويؤكد له أن زوجته (صوفيا كارسون) في مرمى رصاصاته، فإذا لم ينفذ ما يطلب منه، ستموت مع جنينها الذي لم يولد بعد.
إعلانويقدم السيناريست تي. جي. فيكسمان حبكة قوية ولافتة، حيث يواجه "إيثان"، بطل العمل، تحديات شخصية، ومهنية، فقد فشل في الالتحاق بالشرطة، واضطر للقبول بالعمل كضابط أمن مدني، وهو يمارس عمله دون حماس أو طموح، لكن خبر حمل زوجته يدفع به للضغط على مديره لترقيته، وفي اليوم الأول لاستلام عمله الجديد بعد الترقية، يواجه حدثا، يضعه بين خيارين إما موت زوجته وطفله، أو السماح بنقل قنبلة قد تودي بحياة المئات من الأبرياء، خاصة مع أجواء الإجازات في عيد الميلاد.
ويقدم المخرج أجواء المطار، والأبطال الذين يواجهون أزمات أخلاقية، ويستخدم ليلة عيد الميلاد كخلفية للفيلم، وجميعها ملامح أساسية من فيلم "موت قاس 2" ويصور رحلة إيثان كبطل متردد بالطريقة نفسها التي صور بها المخرج ريني هارلين رحلة البطل جون ماكلين (بروس ويليس)، ولكن بدون كاريزما أو عمق. كما ينسخ المخرج، مشاهد المطاردة في مكان استلام الأمتعة والمحاولة اليائسة لتعطيل جهاز التفجير في منتصف الرحلة. ويبدو الإرهابي في "حقيبة سفر" خفيفا، سطحيا، ينفذ ما يطلب منه دون أي بعد يجعل منها شريرا مؤثرا، وهو ما يرشحه للنسيان فور نهاية الفيلم.
مشهد البدايةقدم فيكسمان للحدث الرئيسي بشكل لا يخلو من مداهنة وتملق للسلطة، إذ يختار الضابط أفرادا بشكل عشوائي للتفتيش في المطارات أو ما يشبه حقائبهم، وفي لقطات سريعة، يتكرر احتجاج هؤلاء الأفراد، كل طبقا لعرقه أو لونه أو دينه، فالأسود يتساءل محتجا: هل تم اختياري للتفتيش لأني أسود؟ ويتساءل شخص آخر: هل تفعل ذلك معي لأني مسلم؟ وحتى الأبيض يتساءل مستنكرا: هل تفتشني لأني أبيض؟
ويستمر التتابع السريع للقطات ليتوقف عند راكبة تدفع بسماعة أذن إلى الضابط إيثان قائلة: هذه السماعة لا تخصني.. فيتناولها الضابط، ويضعها في أذنه في محاولة لمعرفة أي شيء عنها، فيبدأ الشرير الذي لا يحمل اسما في إملاء شروطه، ليضعه بين اختيار المقاومة الذي يحتل فيه احتمال النصر نسبة بسيطة، والخيانة بالاستسلام وعدم المقاومة.
إعلانويأتي عدم تحديد اسم الشرير أو الإرهابي في العمل رغبة في عدم لفت نظر المشاهد إليه، ودفعا للمشاهد باتجاه التفكير في الموقف الصعب الذي وضع فيه "إيثان"، فقد يتسبب في قتل الآلاف من البشر إذا سمح بمرور الحقيبة المتفجرة، وقد يفقد زوجته وطفله إذا رفض، وبالتالي فإن صانع العمل أراد لرسالة التضحية والفداء والمواجهة، وقيم الأسرة أن تكون محور العمل.
ممثلو فيلم "حقيبة سفر" يقدمون أداء مقبولا، لكن ما يعوقهم هو افتقار السيناريو إلى الأصالة والعمق (آي إم دي بي) شبح بروس ويليسيقدم ممثلو فيلم "حقيبة سفر" أداء مقبولا، لكن ما يعوقهم هو افتقار السيناريو إلى الأصالة والعمق. ويقدم تارون إدغيرتون جهدا جديرا بالثناء في دور إيثان، حيث يضفي على الدور ضعفا إنسانيا يستحق التعاطف، لكنه لا يترك انطباعا دائما، ولم يكن أداء الممثلين المساعدين أفضل حالا، حيث لعب جيسون باتمان دور الشرير النمطي الذي يفتقر إلى الكاريزما أو التعقيد الذي يجعله مهددا حقا.
ونجح صناع العمل في تقديم بعض اللحظات المميزة بصريا. فمشاهد الحركة، رغم أنها مقتبسة، تم تصميمها بمهارة، مع مطاردة سير نقل الأمتعة والمواجهة في الطائرة.
وحاول الفيلم الإبحار في موضوعات التضحية والفداء والأسرة، لكنه لم يلتزم بالغوص عميقا فيها، فقد تم حل كل المشكلات لمجرد اختيار المقاومة والانتصار على الشرير، مما ترك مساحة صغيرة لتطوير الشخصية الحقيقية أو العمق الذي يتعلق بحدود الأمل والحماس واليأس حين يتعلق الأمر بالاختيارات المهنية والأسرية.
ورغم الاستنساخ الفاضح، والرقص على السلم بين فيلم حركة وفيلم احتفالي، فإن لغز تحقيق الفيلم لنجاح ملحوظ يظل مطروحا كسؤال إلى أن يكشف الفيلم عن إيقاعه المذهل، وهي المهمة التي أنجزها جاومي سيرا على أكمل وجه، إذ جاءت المطاردات في المطار محبوكة بشكل واضح، وكأن كل مشهد، وكل "كادر سينمائي" قد صنع خصيصا ووضع في مكانه ليقدم نوعا محددا من المشاعر.
إعلانوالأمر نفسه ينطبق على مشاهد القلق والإثارة التي دارت حول جهاز الكشف على الحقائب في المطار، وجاء القطع المتبادل بين "إيثان" وزملائه ورؤسائه من ضباط، وبين المجرم وأتباعه، ليغذي حالة القلق والتوتر لدى المشاهد، ويجعله مستغرقا بكامل مشاعره حرصا على الزوجة المسكينة وجنينها، وحرصا على آلاف الأبرياء الذين يمكن أن تحرمهم حقيبة المتفجرات من الحياة والاحتفال بالعيد، لكن الأكثر تأثيرا في دور المونتاج وضبط الإيقاع من خلاله هو قدرته على خلق حالة الاستغراق الكامل، رغم تكرار القصة ومواقع التصوير.