ماذا لو أن الشعر اختفى؟ سيحدث بالضبط ما حدث في رواية ابتسام عازم «سِفر الاختفاء» عندما وفي غفلة من كل شيء اختفى كل فلسطينيي العالم، من كانوا في فلسطين المحتلة، أو اللاجئين، أولئك الذين يمتلكون جوازات جديدة في المهجر، لا أحد يعرف أين ذهبوا ولا كيف اختفوا كما لو أنهم يتواطؤون على خطة ما، حتى نحن نظن أن هنالك خطة ما ليعودوا بطريقة ما معا، إلا أنهم وببساطة اختفوا!
لو اختفى الشعر، كيف يمكن أن أقول شيئا عن الإيماءات التي تعذبني ولا أستطيع تسميتها، لو اختفى الشعر، أظن بأنني سأتطاير بدوري، نثارا مثل الغبار، وما من وردة ستنبثق منه، كما يحبُ كامو أن يرى الرغبة في العيش في مذكراته، التي ربما كان يتدرب فيها على كتابة شيء ذي معنى، ربما لم يكن يعني هذا كله، أراد أن يجرب، أن يختبر إيقاع الجملة، أن يعتقد أنه بدلا من أن يكون عبثيا، سيكون مؤمنا ولو بشيء واحد ولو لساعة واحدة، كما كتبت الشاعرة الألمانية انجبورج باخمان: أن أكون حرة لساعة واحدة/ حرة وبعيدة/ مثل أغاني الليل في الأجواء.
ماذا لو اختفى الشعر؟ ربما حينها سيقولون إن العالم فرض واقعه، كما لو أن هنالك حقيقة واحدة، وجها واحدا لهذا العالم، تماما مثل فوكوياما عندما خرج لنا صارخا: الرأسمالية هي نهاية التاريخ. هذا النوع من الواقعية الذي يستبعد أن يحدث شيء ما غير معقول منطقيا، لكنهم ينسون أن المنطق ليس كل شيء على هذه الأرض. ليس هذا فحسب بل إن هذا النوع من التصريحات هو جزء من بروباغندا استمرار الرأسمالية مثلا، حتى أن ماركس فيشر عندما جاء ليتحدث عن مستقبل ما بعد الرأسمالية، قوض في البداية «الواقعية الرأسمالية» مثل آخرين رأوا أن هذه هي الخطوة الأولى في سبيل تجاوزها. لم يتوقف الأمر عند هذا، بل إن الأدبيات التي تناولت هذه المسألة، وجدت أن الرأسمالية نفسها ستنتج ما يودي بها. وهذا ما يحدث فعلا مع كل يوم جديد ننهض فيه في هذا العالم. لكن على ماذا استند ماركس فيشر وآخرون؟ على المخيلة! لقد وجدوا أن فرصة أن نتخيل العالم بشكل آخر قد تساعدنا وإن بشكل من الأشكال على صناعة واقع أفضل وأجمل. يروقني أن أدعو المخيلة بـ «الشعر» على طريقة السينمائي الروسي تاركوفسكي في كتابه النحت في الزمن، عندما اعتبر أن الشعر هو رؤية جديدة للعالم، رؤية متجاوزة له.
أظن أن ما يحدث هذه الأيام في فلسطين، هو بالضبط ما أوصى به فيشر حول «الخيال»، أمام خطاب التطبيع الذي يدعي ضربا متطرفا من «الواقعية السياسية» التي فرضت طريقا واحدة للتعامل مع الاحتلال، إلا أن ما حدث يوم السبت، يعيد خلخلة هذا الخطاب السلطوي، ويقول أن هنالك دوما ما هو أكثر من حدود الواقع الذي تدعونه. ليس هذا هو الحدث الوحيد الذي شهدناه مؤخرا ويذهب في الاتجاه نفسه فهل ننسى هرب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي الأشد حراسة في سبتمبر عام 2021 وذلك عبر نفق استخدموا لحفره ملاعق وأشياء أخرى مماثلة!
أظن أن ما يحدث الآن هو درس «شعري» خالص في الرد على ذلك الخطاب المستسلم والمذعن والذي يدعونا كعرب للتسليم نهائيا بوجود المحتل وبحضوره المتغطرس الذي لا مناص منه، ومن أننا ولأسباب واقعية كثيرة، وبراغماتية محضة، سنضع أيدينا في أيدي واحد من أكثر الأنظمة وحشية وبطشا.
ماذا لو لم تختفِ فلسطين ولم يختف الفلسطينيون، ولم يكن الفلسطيني الوحيد المقبول دوليا هو الفلسطيني الميت؟ ماذا لو؟
وكالعادة تمنحنا فلسطين فرصة التفكير في واقعنا بدوره بصورة مختلفة، عندما نستعيد زمام توجيهه والنظر بإمكانية فعل أي شيء بمجرد أن نتخيل، أن نتخيل فحسب أننا نستحق ما هو أفضل. وربما لهذا بالضبط يعادي العالم اليوم، الأدب والعلوم الإنسانية الممثل الشرعي للخيال، ربما لهذا ترفض السلطة داخل الأدب المتمثلة في النقد، التجريب والذهاب بعيدا جدا عن حدود الأجناس الأدبية والمعالجات المتنوعة. إن الفلسطينيين يدعوننا هذه الأيام لنتخيل، فلنتخيل إذن.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ماذا لو
إقرأ أيضاً:
ساعة نهاية العالم تقترب ثانية واحدة من منتصف الليل
في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها كوكب الأرض، مثل تغير المناخ، والتهديدات النووية، وانتشار المعلومات المضللة، تم تعديل “ساعة نهاية العالم” لتقترب ثانية واحدة من “منتصف الليل”، وهو التوقيت الرمزي الذي يمثل اقتراب وقوع كارثة عالمية.
وفي تقريرها السنوي، حددت مجلة “بوليتين أوف ذي أكاديميك ساينتيستس”، المسؤولة عن ضبط عقارب الساعة، المسافة الزمنية إلى منتصف الليل بـ 89 ثانية، بعدما كانت 90 ثانية في العام الماضي. وتشير هذه التعديلات إلى تصاعد التهديدات التي تلوح في الأفق.
من جانبه، أكد الرئيس الكولومبي السابق خوان مانويل سانتوس، رئيس مجموعة “الحكماء”، على أن “ساعة نهاية العالم أصبحت الآن أقرب إلى الكارثة أكثر من أي وقت مضى في تاريخها”، مشددًا على ضرورة الوحدة العالمية واتخاذ إجراءات فورية لتفادي هذه التهديدات.
ويأتي هذا التعديل بعد فترة قصيرة من تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اتخذ مواقف مثيرة للجدل في مجالات التعاون الدولي. ورغم وعوده بالعمل الدبلوماسي مع روسيا والصين، إلا أن انسحابه من اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية أثار القلق لدى الخبراء.
وفي سياق متصل، حذر العلماء من تفاقم تأثيرات تغير المناخ، خاصة بعد تسجيل عام جديد من درجات الحرارة القياسية. كما شدد سانتوس على ضرورة مكافحة المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة، التي أصبحت أكثر انتشارًا في عالم مترابط تكنولوجيًا.
تجدر الإشارة إلى أن “ساعة نهاية العالم” قد تم تعديلها آخر مرة في عام 2023، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، حيث تم تقديم عقارب الساعة بمقدار 10 ثوانٍ لتصبح 90 ثانية قبل منتصف الليل.
وقد تم إطلاق هذه الساعة في عام 1947 كتحذير من خطر الأسلحة النووية والتوترات السياسية، وسعت لاحقًا لتشمل تهديدات جديدة مثل الأوبئة وأزمات المناخ وحملات التضليل.