10 أكتوبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث: قال تشاي جون مبعوث الصين الخاص إلى الشرق الأوسط إن بلاده “تندد” بالأعمال التي تلحق الضرر بالمدنيين في الصراع بين حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وإسرائيل، وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.

أضاف تشاي يوم الثلاثاء “تشعر الصين بقلق عميق إزاء التصعيد الحالي للتوتر والعنف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما تشعر بالحزن إزاء سقوط هذا العدد الكبير من القتلى والمصابين المدنيين بسبب هذا الصراع”.

وأردف قائلا “نعارض ونندد بالأعمال التي تلحق الضرر بالمدنيين وندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار”.

كان إعلان الصين عن اتفاق مفاجئ لعودة العلاقات بين السعودية وإيران في وقت سابق هذا العام بمثابة بادرة على رغبتها في أن تكون صاحبة نفوذ دبلوماسي في الشرق الأوسط.

لكن الأزمة الحالية بين إسرائيل وغزة قد تكشف عن حدود هذا الطموح.

فبعد اتفاق السعودية وإيران على عودة العلاقات بينهما في مارس آذار بوساطة صينية، أشادت وسائل الإعلام الصينية ببزوغ نجم بكين في منطقة تهيمن عليها النفوذ الأمريكي منذ فترة طويلة. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن بلاده ستواصل لعب دور بناء في التعامل مع “القضايا الساخنة” في العالم.

لكن بعد مقتل أكثر من 900 إسرائيلي في هجمات منسقة شنتها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، كان رد الفعل الصيني خافتا.

ولم تصل متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية في أكثر من إفادة إلى حد التنديد بهجوم حماس، بل دعت إلى وقف التصعيد وطالبت إسرائيل وفلسطين بالسعي إلى تنفيذ “حل الدولتين” من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة. والتزم الرئيس الصيني شي جين بينغ الصمت حيال ما يجري.

وقال بيل فيجيروا، الأستاذ المساعد في جامعة خرونينجن في هولندا والخبير في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط “بالتأكيد سيشكك ذلك في هذا النوع من الدعاية… عن أن الصين أصبحت لاعبا محوريا في الشرق الأوسط”.

وأثار حياد الصين انتقادات من جانب مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، وقال بعضهم إن هذا النهج يقوض مزاعم بكين عن أنها تلعب دورا غير منحاز في الوساطة لإقرار السلام في المنطقة.

ويقول محللون إن هذا الأمر لا ينبغي أن يمثل مفاجأة، وذلك لأن الدبلوماسية الصينية ظلت بعيدة عن المخاطرة لفترة طويلة. لكن الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحماس يضع الدبلوماسيين الصينيين في موقف صعب نظرا لدعم الصين التاريخي للفلسطينيين وتنافسها مع الولايات المتحدة.

وقال وانغ ون بين المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية يوم الثلاثاء “لقد أوضحنا أن الصين تشعر بقلق بالغ إزاء التصعيد المستمر للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ونحث جميع الأطراف المعنية على وقف إطلاق النار والقتال فورا”.

وأضاف “الصين مستعدة لمواصلة اتصالاتها بجميع الأطراف وبذل جهود متواصلة من أجل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”.

* الحساسية تجاه فلسطين

منذ نهاية عمليات الإغلاق التي فرضتها الصين لمدة ثلاث سنوات تقريبا بسبب جائحة كورونا، أطلق الرئيس الصيني حملة دبلوماسية تهدف إلى مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الذين يقول إنهم يسعون لاحتواء وكبح بلاده.

وعززت بكين تحالفاتها مع المنظمات متعددة الأطراف التي تقودها دول غير غربية، مثل مجموعة بريكس، وتمسكت بعلاقاتها الوثيقة مع روسيا على الرغم من غزو الأخيرة لأوكرانيا إلى جانب تعزيز علاقاتها مع بعض الدول في الشرق الأوسط والدول الواقعة في جنوب الكرة الأرضية.

وعلى الرغم من وجود فرصة للبناء على النجاح الذي حققته في الاتفاق بين إيران والسعودية، فمن غير المرجح أن تتدخل الصين بثقلها في الأزمة الحالية.

ومن بين الأسباب في ذلك سياسة عدم التدخل التي تنتهجها الصين منذ فترة طويلة والتي تتعارض في بعض الأحيان مع هدفها المتمثل في التصرف كقوة عظمى على الساحة العالمية.

وقال ستيف تسانغ مدير معهد الدراسات الشرقية والأفريقية الصيني (سواس ) بجامعة لندن “الصين في عهد شي (جين بينغ) تريد أن تحظى بالاحترام والإعجاب في كل مكان، بما يشمل الشرق الأوسط، لكنها في نهاية المطاف غير مستعدة لفعل ما يلزم لحل القضايا الأمنية الإقليمية الصعبة حقا… إنها تتجه للقضايا السهلة وتتوقف عند هذا الحد”.

وعملت الصين من قبل على حل القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

وأجرى المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جون اتصالات مع مسؤولين من إسرائيل والسلطة الفلسطينية بالإضافة إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي في العام الماضي لمناقشة حل الدولتين والاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة.

لكن علاقات الصين الراسخة في المنطقة، التي تشمل علاقاتها مع الفلسطينيين، تحد من خياراتها.

وانتقد بعض الباحثين الصينيين مؤخرا تهميش الفلسطينيين والاتفاق الذي تقوده الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، باعتبارهما السببين الرئيسيين في تأجيج الأزمة.

وقال ليو تشونغ مين الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية في مقابلة نشرتها وسيلة إعلامية صينية “أبرز العوامل الخارجية وراء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو محاولة الولايات المتحدة فرض اتفاقيات إبراهيم… لا يمكن الفصل بين تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط والتسوية العادلة لقضية فلسطين”.

* الحد من المجازفة

وقال يون سون مدير البرنامج الصيني في مركز ستيمسون في واشنطن “لم يتضح بعد من الذي يقف وراء حماس، من المحتمل جدا أن يكون شريكا أو شركاء للصين… تستفيد روسيا من حيث تشتيت انتباه الولايات المتحدة، وإيران مرشح محتمل. وإدانة الصين للهجوم يعني أيضا أنها ستكون ملزمة باتخاذ إجراءات إذا تم تحديد الطرف المسؤول”.

ورغم أن الصين واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بنفوذ لدى إيران حيث تعتزم استثمار ما يقرب من 400 مليار دولار في البلاد خلال العقود المقبلة، تثور شكوك إسرائيل في أن بكين ستتدخل بصورة ما.

وقالت توفيا جيرينج الباحثة في الشأن الصيني في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل “الصين لا تستخدم صوتها وثقلها على الساحة الدولية لتغيير الأمور نحو الأفضل”.

ويعني استيراد الصين للنفط من الشرق الأوسط ووجود استثمارات لها في المنطقة تشمل الاتصالات والبنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقها شي، أن بكين ترغب في تحقيق السلام لكن هناك حدودا واضحة لاستعداد الرئيس الصيني لتحمل المخاطر.

وقال جان لوب سمعان كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية “الصين ناجحة جدا عندما تكون الأحوال مستقرة في الشرق الأوسط.. حين يكون من الممكن التوسط في اتفاقات مصالحة بين السعودية وإيران.

“لكن عندما يتعلق الأمر بإدارة صراع، يختلف الوضع تماما… ولا أظن أن الصين أرادت في أي يوم من الأيام أن تلعب هذا الدور”.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط العلاقات بین أن الصین

إقرأ أيضاً:

الأكراد.. رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط

مجموعة عرقية ذات أغلبية مسلمة، تشترك في التاريخ واللغة والثقافة والحيز الجغرافي، وتعد رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، ويقدر تعدادها ما بين 36.4 مليونا و45.6 مليون نسمة وفق إحصائية نشرها المعهد الكردي بباريس عام 2017، وتنتشر حول العالم، ويتركز وجودها في 4 دول، هي: تركيا وإيران والعراق وسوريا.

الأصل والمنشأ

اختلف المؤرخون في الجذور التي يعود إليها العرق الكردي، فقد مال بعض المؤرخين إلى أن الأكراد هم السكان الأصليون لجبال آسيا الصغرى، وقد كانوا مزيجا من قبائل عديدة قديمة محلية سكنت المنطقة الممتدة من غربي المنحدرات الشرقية لسلسلة جبال طوروس في تركيا وحتى جبال زاغروس غرب إيران.

ويذكر مؤرخون أن الأكراد ينحدرون من أصول عربية، وكانوا قد هاجروا إلى جبال كردستان، وانقطعوا عن لغتهم الأم بسبب بعدهم واختلاطهم بغيرهم. وتؤكد بعض القبائل الكردية أنها تنحدر من أصول عربية، مثل: قبيلة الجاف والبهدينان والقيسانية والخالدية والمروانية.

وهناك رأي تعضده اكتشافات أثرية أن الأكراد ينحدرون من الجنس الآري، من فرع العائلة الهندوأوروبية، وهاجروا على شكل موجات من وسط آسيا، في الفترة ما بين القرنين الـ12 والـ9 قبل الميلاد، واستوطنوا المنطقة التي أصبح يطلق عليها كردستان إلى جانب الأقلية من السكان الأصليين.

وامتدت كردستان عبر أجزاء من غرب آسيا، وغطت مناطق في 4 دول رئيسية: تركيا شمالا وإيران شرقا والعراق جنوبا وسوريا غربا، ووقعت ضمن سلسلة جبال زاغروس غرب إيران وكانت تحتضن منابع أنهار رئيسية مثل دجلة والفرات.

وتعود أصول الكرد إلى 4 شعوب آرية هي: كرمانج وكوران ولور وكلهر، وهي من أقدم الشعوب الآرية التي أسست حضارة مزدهرة في هضبة إيران والمناطق المحيطة بها، وتمكنت من فرض هيمنتها ولغتها الكردية على القبائل الآرية الأخرى في المنطقة.

إعلان

وكلمة "كرد" تعني في اللغة الكردية الشجاع الغيور، وهي تقارب معنى اللفظ الفارسي في المعاجم الفارسية، وتعني البطل أو المحارب أو الشجاع.

الدين واللغة

وتدين الغالبية العظمى من الأكراد بالإسلام على المذهب السني، كما تعتنق طوائف منهم المذهب الشيعي، ومنهم من يدين بالمسيحية واليهودية واليزيدية واليارسانية.

ولا يجتمع الأكراد على لغة موحدة، بل يتحدثون الكثير من اللهجات المنبثقة من اللغات القديمة، مثل: البهلوية والسنسكريتية والميدية، وتختلف تلك اللهجات اختلافا بيِّنا، وتتباين باختلاف القبائل والمناطق.

ومن أشهر تلك اللهجات:

اللهجة الكورمانجية: وهي لهجة سائدة بين الأكراد، يتحدث بها أكراد تركيا وسوريا وأرمينيا وأذربيجان، وإقليم الموصل وزبار في العراق. اللهجة السورانية: ويتحدث بها غالبية الأكراد في إيران والسليمانية وأربيل وكركوك في العراق. لهجة فيلي: وهي أقل انتشارا من اللهجتين السابقتين، ويتحدث بها بعض أكراد إيران وبعض أكراد بغداد وبدرة وكوت العمارة في العراق. لهجة جوراني: وهي لهجة بعض أكراد العراق وجنوب إيران. لهجة كلهوري: يتحدث بها القليل من أكراد العراق وإيران. المكونات الأيديولوجية

وتتنوع التوجهات الأيديولوجية في المجتمع الكردي، ويبرز فيها التيار القومي الذي يُعتبر توجها شائعا بين الأكراد في الدول الأربع (إيران وتركيا والعراق وسوريا)، ويمثل التيار أحزاب وحركات، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق وحزب العمال الكردستاني في تركيا والاتحاد الديمقراطي في سوريا.

وينتشر التيار الإسلامي بين الأكراد، ويمثله أحزاب وجماعات عديدة أبرزها: الاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية وجماعة أنصار الإسلام في العراق، وحزب الدعوة الحرة في تركيا، واتحاد علماء المسلمين الكرد والحزب الإسلامي الكردي السوري وحركة الحق والعدالة الإسلامية الكردية في سوريا.

إعلان

ومن الإيديولوجيات البارزة بين الأكراد التيار اليساري، ويمثله حزب كادحي كردستان في العراق، والحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، وحزب العمال الكردستاني في تركيا، حزب الحياة الحرة الكردي (بيجاك) في إيران.

كرديات في مدينة ماردين التركية يرتدين اللباس الشعبي الكردي (شترستوك) التاريخ القديم

شكّلت القبائل الآرية التي استوطنت منطقة كردستان في عصور ما قبل التاريخ فروع العرق الكردي في المنطقة، وكانت تلك القبائل كثيرا ما تتوحد سياسيا تحت راية بعض الفروع البارزة، وتكوِّن دولا قوية وحضارات مزدهرة، مثل حضارة الغوتیین (أواخر الألفية الثالثة ق.م) والميتانيين (الألفية الثانية ق.م).

ومن أبرز فروع أسلاف الكرد:

فرع لولّو: وهو شعب زاغروسي جبلي، ويُرجع بعض الباحثين وجودهم في المنطقة إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وامتد نفوذهم إلى نحو عام 1900 قبل الميلاد، حتى أصبح اسمهم يدل على كل القبائل الجبلية، وفي القرن الثامن قبل الميلاد أصبحت مناطق لولوبي (تقع في منطقة إقليم كردستان العراق وأجزاء من غرب إيران) مشهورة باسم زاموا. فرع غوتي: وينتمي إلى شعوب زاغروس الكبرى، ويعتقد الباحثون أنه الفرع الأم للأمة الكردية، وقد أسس أبناؤه في أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد مملكة في جنوبي إقليم كردستان العراق، وامتدت إلى منطقة بوتان شرقا (تضم أجزاء من منطقة إقليم كردستان العراق وتمتد إلى نهر بوتان تشاي أحدر روافد نهر دجلة)، ودمروا مملكة آكد، وفرضوا سلطتهم على بابل، وهيَّؤوا مناخا ملائما لانتشار ثقافة متجانسة في تلك الجغرافيا. قوم کاشو (الكاساي): استوطنوا الجزء الأوسط من سلسلة جبال زاغروس، وتعاونوا مع الغوتيين واللولو للاستيلاء على بابل وبلاد سومر سنة 1760 قبل الميلاد تقريبا، وحكموهما نحو 6 قرون، وفي فترات قوتهم سيطروا كذلك على قبائل كردية أخرى، مثل قبائل غوتي. فرع حوري: ظهر الحوريون في الألفية الثالثة قبل الميلاد، في المنطقة الواقعة بين منعطف نهر الفرات والمجرى العلوي لنهر دجلة، وكان مرکزهم منطقة مثلث ينابيع الخابور، وبرز دورهم الحضاري في منتصف الألفية الثانية، حين أسسوا مملكة ميتاني التي وحدت أسلاف الأكراد في تكوين سياسي وثقافي متجانس، وعممت الثقافة الآرية، وشمل نفوذها منطقة کردستان وشمال سوريا وصولا إلى البحر المتوسط. فرع سوباري: ويضم قبائل كبيرة تنتمي إلى شعوب زاغروس، واستوطنت وادي الرافدين وسوريا والأناضول، وفي عهد الحكومات الآشورية أطلق على هذا الفرع نايري، ويرى بعض المؤرخين أن سوباري اسم أطلقه السومريون على الغوتیین. فرع خلدي (نايري): استطاع النايريون أن يوحدوا جميع أقوام كُردستان في كيان واحد، وامتدت مملكتهم في أوج ازدهارها من بحيرة أورميا (شمال غرب إيران) شرقا إلى الفرات غربا والقفقاس (الاسم العربي القديم الذي يُستخدم للإشارة إلى منطقة القوقاز) شمالا، وانتهى حكمهم سنة 585 قبل الميلاد. إعلان

ويرى مؤرخون أن الدولة الميدية التي ظهرت في القرن الثامن قبل الميلاد هي بداية التاريخ الفعلي للدولة الكردية، إذ فرضت هيمنتها على الفروع الأخرى، وأسست كيانا إثنولوجيا وحضاريا متميزا، وعملت على تكريس الهوية الآرية بدلالتها الثقافية.

وتمكّن المديون من ضم بعض القبائل الإيرانية، وأطاحوا بالدولة الآشورية في مطلع القرن السابع قبل الميلاد، وسيطروا على إيران ووسط الأناضول، وفي منتصف القرن السابع قبل الميلاد تأسست الدولة الأخمينية التي استطاعت تقويض الدولة الميدية والسيطرة على المنطقة.

وفي عام 331 قبل الميلاد، استولى الإسكندر المقدوني على بلاد ميديا، وبسط هيمنته على المناطق الكردية الجنوبية، وبعد وفاته عام 323 قبل الميلاد أصبحت غالبية المناطق الكردية تحت سيطرة قائده سلوقس الأول، وفي تلك الحقبة ساد طابع الحضارة الإغريقية في المجتمع.

وفي القرن الثاني قبل الميلاد تأسست الدولة الفرثية، وسيطرت على بلاد فارس وبابل والمناطق الكردية، وبدأت تصطدم بالنفوذ الروماني المتجه نحو الشرق، وأسفر الصدام عن إبرام معاهدة وقعت قبل الميلاد بسنة واحدة، تنازلت بموجبها الدولة الفرثية عن مناطق أرمينيا والمنطقة الكردية للدولة الرومانية التي حكمتها حتى القرن الرابع الميلادي، حين حلت الإمبراطورية البيزنطية محلها.

بعد الفتح الإسلامي

شهد إقليم كردستان في القرن السابع الميلادي الفتح العربي الإسلامي، وحينئذ اعتنقت الغالبية العظمى من الشعب الكردي الإسلام، ومعظمهم كانوا يدينون بالزرادشتية، لكنهم احتفظوا بلغتهم والعناصر المميزة للثقافة الكردية كعادة الأمم التي تعتنق الإسلام دينا.

وفي العهد الإسلامي، حكمت بعض السلالات الكردية منطقة كردستان، وبرز في القرن العاشر الميلادي 4 إمارات كردية رئيسية: الشداديون في الشمال (951م-1174م)، والحسنويون (959م-1015م) وبنو عناز (990م-1116م) في الشرق، والمروانيون (990م-1096م) في الغرب.

إعلان

وكان الأيوبيون من أشهر السلالات الكردية الحاكمة (1169م-1250م)، لا سيما في عهد الملك صلاح الدين الأيوبي الذي شملت دولته كامل كردستان وسوريا ومصر واليمن تقريبا، ومع منتصف القرن الثالث عشر الميلادي تعرضت المنطقة للغزو المغولي.

وفي عهد السلاجقة العظام، حُوّلت المنطقة الكردية التي كانت تسمى ميديا إلى مقاطعة، وأطلق عليها لأول مرة اسم كردستان، وذلك حوالي عام 1150، وشملت المقاطعة ولايتي سنجار وشهرزور غرب سلسلة جبال زاغروس، وولايات همدان وديناور وكرمانشاه شرقها.

وظلت المناطق الكردية جميعها جزءا من الأراضي الإيرانية التاريخية حتى عام 1514، حين تم تقسيمها على إثر انتصار العثمانيين على الصفويين في معركة جالديران، وحازت الدولة العثمانية حينئذ على نحو 3 أرباع كردستان، وضمت كردستان الشمالية والغربية والجنوبية، ولاحقا أصبح يُطلق على المناطق الثلاث اسم كردستان العثمانية.

ومنح العثمانيون الحكم الذاتي لكردستان العثمانية، التي شملت في ذلك الوقت 17 إمارة تتمتع باستقلال ذاتي واسع النطاق، وفي مقابل ذلك كان على الأكراد حماية الحدود بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، والقتال إلى جانب العثمانيين في حالة نشوب صراع فارسي عثماني، وأرسى هذا الوضع السلام لكردستان لنحو 3 قرون.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء معاهدة سيفر عام 1920، وكان ضمن بعض موادها تأسيس دولة كردية مستقلة تحت اسم كردستان، ولكن معاهدة لوزان التي جاءت بعد 3 سنوات، ألغت المعاهدة السابقة، وقضت بتوزيع المنطقة الكردية بين 4 بلدان، وحصلت تركيا على نحو نصف الإقليم، وقُسم النصف الآخر بين إيران والعراق، باستثناء جزء صغير مُنح لسوريا.

الانتشار الجغرافي

تعتبر منطقة كردستان الموطن الأصلي والتاريخي للأكراد منذ عصور ما قبل التاريخ، وهو إقليم فسيح تقدر مساحته بنحو 200 ألف ميل مربع (تعادل 518 كيلومترا مربعا)، ويأخذ شكل مثلث، رأسه يمثله جبل أرارات (شمال شرقي الأناضول في تركيا)، وتشكل جبال زاغروس ضلعه الجنوبي الشرقي، وجبال طوروس ضلعه الشمالي الغربي، والتخوم الشرقية لبلاد ما بين النهرين قاعدته في الجنوب الغربي.

إعلان

وتقع تلك المنطقة ضمن 4 دول هي تركيا والعراق وسوريا وإيران، وتقطنها الغالبية العظمى من الأكراد، بخلاف نسبة قليلة هاجرت إلى أنحاء مختلفة من العالم.

الأكراد في تركيا

تنتمي نصف مساحة كردستان إلى تركيا، وتقع هذه المساحة في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية من البلاد، ويعيش فيها أغلبية كردية ساحقة، على الرغم من الأعداد الكبيرة التي هاجرت أو رُحّلت قسرا.

ويعد الأكراد أكبر أقلية عرقية ولغوية في تركيا، ولا توجد إحصائية مؤكدة حول تعدادهم في البلاد، وقد تباينت التقديرات بشأنهم بشكل ملحوظ، وتشير معظم التقديرات إلى أنهم يشكلون نسبة تتراوح بين 15 و20% من سكان البلاد، حسب ما ذكرته منظمة "مجموعة حقوق الأقليات" الدولية غير حكومية، بينما يرى المعهد الكردي بباريس أن نسبتهم تفوق ذلك، وقد تصل إلى 25% من المجموع الكلي للسكان في عموم تركيا، بتعداد يبلغ نحو 20 مليون نسمة.

وكانت الدولة التركية قد اعتمدت في أعقاب تأسيس الجمهورية عام 1923 سياسة تفكيك المؤسسات والمجتمعات الكردية، بما في ذلك حظر اللغة الكردية في التعليم، وإيقاف المؤسسات والمدارس والمطبوعات الكردية، ووقف التمردات المنادية بالاستقلال.

وفي الستينيات والسبعينيات بدأ الأكراد بمطالبة الحكومة بالاعتراف بالقومية الكردية، وأخذت وتيرة المطالبات بالارتفاع حتى وصلت أوجها عام 1984 حين اتجه حزب العمال الكردستاني لاستخدام المقاومة المسلحة ضد الحكومة.

وأصبحت مسألة الأكراد والصراع المسلح لتقرير المصير من القضايا المزمنة التي تؤرق الحكومة التركية، الرافضة لأي تحرك كردي نحو الاستقلال عن الدولة.

وفي العقدين الأخيرين من القرن العشرين، شهدت البلاد أكثر فترات الصراع دموية بين الأكراد والجيش التركي، وقتلت المليشيات الكردية الآلاف، بما في ذلك، جنود في الجيش التركي ومدنيون من الأتراك وأكراد اعتبرتهم متعاونين مع الحكومة.

إعلان

وللسيطرة على الوضع، قامت الحكومة على مدى سنوات بإخلاء قسري لأكثر من 3 آلاف قرية كردية، كانت محور الصراع مع حزب العمال الكردستاني، والترحيل القسري الداخلي لمليون كردي على أقل تقدير، فضلا عن عشرات الآلاف من الضحايا، الذين سقطوا جرّاء الصراع.

وفي عام 1999، اعتقل زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وأودع السجن، وفي العام نفسه، أعلن حزب العمال وقف إطلاق النار من جهة واحدة، لكنه عاد واستأنف العمل العسكري عام 2004، واستهدفت عناصره مدنيين في مدن تركية عدة.

ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، تسلم حزب العدالة والتنمية زمام الحكم في تركيا، وبدأت الحكومة حينئذ دعم توجهات حقيقية نحو إيجاد حل سلمي للمسألة الكردية.

وبالفعل، اتُّخذت خطوات قانونية وتنموية تجاه تحقيق المساواة في الحقوق، وتأمين فرص للأكراد في مختلف المجالات السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، مع توفير مساحة أكبر لحرية التعبير عن الهوية الكردية.

وكان من أبرز تلك الخطوات:

تعديل قانون حظر تعليم اللغة الكردية. إلغاء الحظر المفروض على تسمية المواليد بأسماء كردية. إلغاء "لائحة البث الإذاعي والتلفزيوني الخاص" التي تُقيد البث الإذاعي والتلفزيوني بلغات ولهجات غير تركية. إقرار حق التأليف والنشر باللغة الكردية. إقرار قانون "إنهاء الإرهاب وتمتين الوحدة المجتمعية"، الذي يسمح بعودة من يُلقي السلاح لبيته ويضمن مشاركته في الحياة المجتمعية. تنمية مناطق جنوبي شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية، عبر إنشاء عشرات المشاريع الاقتصادية والتنموية، مثل: الطرق والمستشفيات والمطارات والجامعات والمرافق سياحية.

وانعكست تلك الإصلاحات على الحركة السياسية الكردية، فأصبح للأكراد حضور متزايد في الحياة السياسية، وشهدت الانتخابات الرئاسية لعام 2014، ولأول مرة مرشحا كرديا للرئاسة، هو صلاح الدين دميرطاش، وعلى الرغم من عدم فوزه، فقد سجل ذلك الحدث سابقة في تاريخ السياسة التركية.

إعلان

وفي عام 2015، شارك حزب الشعوب الديمقراطي، المحسوب على حزب العمال الكردستاني، في الانتخابات التشريعية، وتمكن من الفوز بـ13% من مجموع الأصوات، والحصول على 80 مقعدا في البرلمان، لكنه خسر 19 مقعدا منها في انتخابات الإعادة التي أقيمت في العام نفسه، بسبب تعثر المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية، وفي انتخابات عام 2018 ارتفعت حصته إلى 67 مقعدا، ثم تراجعت مجددا إلى 62 مقعدا في انتخابات 2023.

وتشارك أحزاب كردية أخرى في الحياة السياسية، مثل حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب المؤيد للأكراد، وحزب الدعوة الحرة (حزب الهدى) المحافظ، وهو قريب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وفي الوقت نفسه، على خصومة تاريخية مع حزب العمال الكردستاني.

وعملت الحكومة، في تلك الفترة، على مسار المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني من أجل إيجاد حلول يتوافق عليها الطرفان بما يضمن إحلال السلام، وقد أحرز هذا المسار تقدما ملموسا عام 2013، حين وجه أوجلان دعوة إلى الأكراد لإلقاء السلاح، والتوجه لحل القضية الكردية بالطرق السلمية.

ولكن المفاوضات توقفت بعد مرور عامين، بسبب تطلعات الحزب لمكاسب أكبر، لا سيما بعد حصول أكراد سوريا على الإدارة الذاتية بدعم من الولايات المتحدة، مما دعا حزب العمال إلى تجميد عملية التسوية، ودعوة الأكراد لحمل السلاح، وخوض ما أسماها "حرب الشعب الثوري".

وفي عام 2015، أعلن حزب العمال الكردستاني 16 منطقة في جنوب شرق تركيا مناطق حكم ذاتي خاضعة له، فشن الجيش التركي عمليات عسكرية على مناطق التمرد، ونجح في إعادة بسط نفوذ الدولة على تلك المناطق.

وشهد عام 2016 عددا من العمليات العسكرية في أنحاء مختلفة من البلاد، واتهم حزب العمال بتنفيذها، ومنها، هجوم بسيارة مفخخة أثناء مرور مركبات عسكرية في أنقرة، نجم عنه مقتل 36، وإصابة 125. وفي عملية أخرى بديار بكر، قتل 16 مدنيا، وأصيب 23. وفي إسطنبول، استُهدفت حافلة شرطة فقُتل 12 وأصيب 36.

إعلان

وفي عام 2022، اتهمت الحكومة التركية الحزب بتنفيذ عملية في شارع الاستقلال بإسطنبول، لكن الحزب نفى مسؤوليته عنها، وأدت العملية إلى مقتل 6 وجرح أكثر من 80.

وفي عام 2024، أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن هجوم استهدف شركة صناعات الطيران والفضاء التركية "توساش" في أنقرة، والذي أدى لمقتل 5.

وفي تلك السنوات امتد الصراع خارج الحدود التركية، وشنّ الجيش التركي غارات جوية على شمال العراق وشمال شرق سوريا لملاحقة مقاتلي حزب العمال، ومنعهم من تهريب السلاح للمليشيات الكردية داخل تركيا.

وتظل "المسألة الكردية" والصراع المسلح لتقرير المصير من القضايا المزمنة التي تؤرق الحكومة التركية الرافضة لأي تحرك كردي نحو الاستقلال عن الدولة، وإن كانت المساعي جارية في سبيل التوصل إلى حلول أخرى تُرضي جميع الأطراف.

الأكراد في العراق

يبلغ عدد أكراد العراق أكثر من 6.5 ملايين نسمة، بحسب أرقام هيئة الإحصاء الرسمية لإقليم كردستان العراق لعام 2023، وهناك من يقدرهم بـ5.2 ملايين نسمة فقط. ويقطن معظمهم في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، وبعضهم في محافظة كركوك، وعدد قليل في نينوى وديالى ومدن أخرى.

وتمتع أكراد العراق بحكم ذاتي، بموجب وثيقة أصدرتها الحكومة العراقية عام 1970، التي أُلحقت بعد 4 سنوات بقانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق، واشتمل على حق الإقليم في حرية التصرف في الأمور المحلية والإدارية، وميزانية مالية ذاتية، وجعل اللغة الكردية لغة رسمية في التعليم.

ولكن القرار لم يطبق، إذ انهار بعد 4 سنوات، ورفضه الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي قدم مطالب إضافية رفضتها الحكومة، مما فتح صراعا طويلا استمر لعقود.

تدهورت الأوضاع في كردستان العراق بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 التي دفعت العراق إلى السيطرة على شمال البلاد وإنهاء الإدارة الكردية، مما أدى إلى اندلاع "الحرب الكردية العراقية الثانية". ولاحقا استفاد الأكراد من تغيرات النظام الدولي والدعم الأميركي لإنشاء إقليم كردي بشمال العراق.

إعلان

وبعد حرب الخليج الأولى عام 1991، وسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، تحولت منطقة كردستان العراق إلى إقليم يتمتع بصلاحيات واسعة.

تطور الصراع إلى نزاع داخلي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مما أدى إلى حرب أهلية كردية استمرت حتى عام 1998، حين وُقّعت اتفاقية سلام برعاية أميركية.

وبدأت مرحلة من الاستقرار النسبي حتى عام 2003، عندما أدى الغزو الأميركي للعراق إلى تغيير النظام السياسي وإقرار الدستور العراقي عام 2005 الذي ثبّت الفيدرالية مرحلة مؤقتة.

وفي استفتاء أُجري عام 2017، صوتت غالبية الأكراد العراقيين لصالح الاستقلال التام، لكنه تسبب بأزمة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بعد أن رفضت سلطات الإقليم التراجع عنه، وتمسكت الحكومة في بغداد بموقفها الرافض له، كما لقي الاستفتاء معارضة إقليمية ودولية من العراق وتركيا وإيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ومع إصرار سلطات الإقليم على موقفها، فرضت الحكومة المركزية في بغداد حظرا جويا على الإقليم، وأوقفت كافة الرحلات الدولية من مطاري أربيل والسليمانية وإليهما، وأعادت القوات العراقية سيطرتها على مدينة كركوك وحقول النفط المحيطة بها، واستعادت الأراضي المتنازع عليها على طول الحدود الإيرانية والسورية.

وكان من تداعيات تلك الأزمة، استقالة رئيس الحكم الذاتي للإقليم مسعود البارزاني في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، بعد رهانه الفاشل على تحقيق الاستقلال التام لأكراد العراق.

الأكراد في إيران

يشكل الأكراد نحو 15% من سكان إيران، بحسب أرقام المعهد الكردي بباريس عام 2017، ويصل تعدادهم إلى نحو 12 مليون نسمة، يعيش معظمهم في المناطق الغربية والشمالية الغربية على طول الحدود مع العراق وتركيا في محافظات کردستان وکرمانشاه وعيلام وأذربيجان الغربية، ويعيش مجتمع كردي كبير آخر في الشمال الشرقي على طول الحدود مع تركمانستان.

إعلان

ويشكل الأكراد ثالث أكبر قومية في إيران بعد الفرس والأذريين حسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومع ذلك لم تعترف إيران بخصوصية العرق الكردي، مما تسبب بصراع مستمر من أجل الانفصال بين الجماعات الكردية المسلحة والحكومات المتعاقبة.

وتضيق السلطات الإيرانية على استخدام اللغة الكردية، ومن ذلك حظرها في مجال التعليم، وعدم السماح بتسجيل معظم الأسماء الكردية للأطفال في السجلات الرسمية.

وكان أكراد إيران قد تمكنوا من بسط سيطرتهم في المناطق الواقعة غربي البلاد، وتأسيس جمهورية مهاباد الكردية عام 1946، بعد تاريخ طويل من الصراع مع السلطات الحاكمة، لكنها لم تستمر سوى 11 شهرا، إذ تم تقويض الدولة، والقضاء على الزعماء الأكراد المتورطين.

واستأنف الأكراد صراعهم من أجل الاستقلال بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وقاد الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني و"حزب كومه له" ثورة منظمة، قوبلت بقمع شديد من النظام الإيراني، وحُظر الحزب الديمقراطي الكردستاني واغتيل قادته، ودُمر ما يقارب 271 قرية كردية حسب منظمة هيومن رايتس ووتش.

وعلى الرغم من توقف الأحزاب السابقة عن المقاومة المسلحة، يتأجج الصراع الكردي مع السلطات الحاكمة بين الحين والآخر بفعل أطراف أخرى، مما أبقى القضية الكردية معضلة للحكومة الإيرانية.

الأكراد في سوريا

ووفق المعهد الكردي بباريس، يشكل الأكراد 15% من سكان سوريا، ويبلغ تعدادهم أكثر من 3 ملايين نسمة، يتمركزون في مناطق شمال شرقي البلاد، مثل الحسكة والقامشلي والمالكية، ويعيش أكثر من ثلثهم في سفوح جبال طوروس شمال حلب، وفي محيط جرابلس شمال شرق حلب، ويقطن كثير منهم في تجمع كبير في حي الأكراد في دمشق.

وقد اندمج معظم أكراد سوريا جزئيا في المجتمع العربي، ويتحدث غالبيتهم اللغة العربية إلى جانب اللغة الكردية، وخصوصا أكراد شمالي غرب سوريا الذين يعيشون في المنطقة منذ قرون، فهم أكثر اندماجا في الثقافة العربية، بخلاف مناطق الشمال الشرقي التي تضم عددا كبيرا من الأكراد الذين فروا من تركيا أثناء حملات القمع في عشرينيات القرن العشرين.

إعلان

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، أتاح الفراغ الذي سببه غياب سيطرة الحكومة، حرية أكبر للأكراد لتنمية خصوصيتهم العرقية، مثل تدريس اللغة الكردية التي كانت محظورة سابقا، ونالوا بعض المكتسبات بسبب صفقات أو تنازلات من الرئيس السوري بشار الأسد لكسب ودهم.

وفي أثناء الثورة السورية، شاركت مجموعات كردية مسلحة ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى جانب عدد من الميليشيات العربية المحلية الأخرى، في "الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية". واعتمدت على دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مما أسهم في السيطرة على منطقة واسعة شمالي البلاد تمتد على طول الحدود مع تركيا.

وفي مطلع عام 2014، أعلن الأكراد السوريون إنشاء "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" كإدارة انتقالية مؤقتة، شملت مناطق الجزيرة وكوباني وعفرين. وفي عام 2016 توسعت هذه الإدارة لتعلن نظاما فيدراليا في مناطق سيطرتها، التي باتت تشكل نحو 25% من الأراضي السورية.

استفادت الإدارة الذاتية من الفراغ الذي خلّفه انهيار تنظيم الدولة الإسلامية للاستيلاء على مناطق ذات أغلبية عربية، مما أثار جدلا حول علاقتها مع القبائل العربية. وانضمت بعض القبائل إلى الإدارة الذاتية، بينما احتفظت قبائل أخرى بمواقف متباينة بين التعاون والحذر، مما أضاف تعقيدا إلى المشهد السياسي والاجتماعي في تلك المناطق.

ونأت العديد من الأحزاب الكردية عن المشاركة في الإدارة الذاتية، أبرزها المجلس الوطني الكردي الذي يضم 15 حزبا وفصيلا من أكراد سوريا.

وعلى الرغم من اتفاق كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي على اقتسام السلطة في المناطق الكردية في سوريا بموجب "إعلان أربيل" عام 2012، فإن المجلس تراجع عن المشاركة في السلطة عام 2015، بسبب الخلافات على انتخابات الهيئات المحلية في منطقة الجزيرة.

إعلان

وفي أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد عام 2024، ركزت فصائل الثورة السورية المسلحة على تنظيم قوات سوريا الديمقراطية، وانتزعوا مواقع مهمة كانت تسيطر عليها، أبرزها تل رفعت شمال حلب ومنبج ومدينة دير الزور.

وكان النظام السوري المخلوع قبل انسحابه يسلم مواقعه وأماكن سيطرته لقوات سوريا الديمقراطية، التي دخلت في معارك شديدة مع قوات المعارضة السورية.

وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية دعمها لقوات سوريا الديمقراطية بهدف "محاربة تنظيم الدولة الإسلامية"، وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن الأكراد أفضل شركائنا لمحاربة التنظيم ونخشى أن ينشغلوا عن ذلك إذا حاربتهم تركيا.

ودعت الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مناطق في شمال شرق سوريا يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2024 لوقف العمليات العسكرية في كامل البلاد فور سقوط حكومة الرئيس المخلوع بشار الأسد، وطالبت بالبدء في حوار وطني شامل، وأبدت استعدادها للتعاون مع السلطات الجديدة في دمشق.

لكن وبعد يومين فقط دعت قوات سوريا الديمقراطية سكان عين العرب (كوباني) شمالي سوريا إلى حمل السلاح، مؤكدة أنها ستقاتل تركيا والمعارضة السورية.

ويمثل انسحاب المقاتلين الأكراد غير السوريين أحد المطالب الرئيسية لتركيا، التي تعتبر الجماعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا تهديدا لأمنها القومي، وتدعم حملة عسكرية جديدة ضدهم في الشمال السوري.

العلاقة مع إسرائيل

تربط علاقات تعاون وثيقة بعض الجماعات الكردية في شمال العراق وسوريا بإسرائيل التي تدعم الحركات الانفصالية الكردية وتغذي الأزمات المرتبطة بها.

وبحسب تقرير منشور على موقع القناة 12 الإسرائيلية، عمل الجيش الإسرائيلي ووحدات استخباراتية في المناطق الكردية في العراق وإيران وسوريا عام 2004، وقدمت الدعم والتدريب للوحدات الكردية، ونفذت عمليات سرية على الحدود الإيرانية.

إعلان

وكشفت تقارير عربية ودولية عن وجود تعاون اقتصادي بين حكومة إقليم كردستان العراق وشركات إسرائيلية، وأن مدنا كردية تحتضن استثمارات إسرائيلية في مجالات عدة، كالإعمار والاتصالات والاستشارات الأمنية والطاقة.

وأكد الكاتب الإسرائيلي يوعاز هندل في مقال له بصحيفة يديعوت أحرونوت وجود تعاون وثيق وتنسيق بين إسرائيل والأكراد في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية.

مقالات مشابهة

  • أبرز الأسلحة التي ظهرت في حروب الشرق الأوسط
  • الغاز القطري إلى أوروبا عبر سوريا.. تداعيات على العراق
  • أمطار وعواصف رعدية و زخات ثلجية نادرة متوقعة في شمال الشرق الاوسط / تفاصيل
  • الأكراد.. رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط
  • هل الشرق الأوسط على أبواب ربيع جديد؟ قراءة في كتابات غربية
  • 2024 .. عام لا كالأعوام !
  • من بغداد.. تصريح إيراني حول الشرق الأوسط الجديد
  • فزغلياد: لماذا تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟
  • “رابطة محترفات التنس”: “مبادلة أبوظبي” من أبرز البطولات بالشرق الأوسط
  • "رابطة محترفات التنس": "مبادلة أبوظبي" من أبرز البطولات بالشرق الأوسط