صراع الممرات جنوب القوقاز: هل يؤدي لحرب؟
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
صراع الممرات جنوب القوقاز: هل يؤدي لحرب؟
إصرار أذربيجان ومعها تركيا على السيطرة التامة على ممر زانجيزور، يشكّل تحديات استراتيجية لعدد من دول المنطقة.
رغم التهديدات الأذرية والتركية بفتح ممر "زانجيزور" بالقوة، فإن الحرب تبدو بعيدة الاحتمالات في المرحلة الراهنة.
التهديد الإيراني يشكّل ردعا لأذربيجان وتركيا، وروسيا لن تغض النظر عن اندلاع حرب جنوب القوقاز كما سبق في قضية ناغورنو كاراباخ لأسباب عديدة.
تسعى أرمينيا لإنهاء الصراع مع أذربيجان وتركيا للانضمام إلى حلف "الناتو" لتكون جزءا من مشاريع ممرات نقل الطاقة من آسيا الوسطى لأوروبا عبر أذربيجان وتركيا.
تطالب أذربيجان بالسيادة على الطريق وأن لا تخضع الآليات والمركبات لتفتيش أو جمرك أرمينيا أي أنها تسعى للسيطرة على جزء من أراضي أرمينيا عبر منحها السيادة عليها.
* * *
تغيرت موازين القوى في جنوب القوقاز بعد الحرب التي دارت رحاها بين أرمينيا وأذربيجان عام 2020، والتي انتهت بانتصار أذربيجان المدعومة تركياً وإسرائيلياً، أضيف إليها الهجوم الأخير لأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ، والذي أدى إلى استسلام الشعب الأرمني الذي يقطن الإقليم ورحيله قسرياً إلى أرمينيا.
وأدى تغيّر موازين القوى تلك إلى عودة الحديث عن ممر زانجيزور، إذ تتهم أذربيجان أرمينيا بأنها تنصلت من الالتزامات التي تعهدت بها عام 2020، ومنها فتح ممر في تلك المنطقة يربط إقليم نختشيفان الأذري على الحدود التركية، بأراضي أذربيحان.
وتعدّ أرمينيا أن التزاماتها بموجب الاتفاق يعني السماح بطريق نقل للبضائع وسفر الآليات وإعادة العمل بسكك حديد كانت موجودة سابقاً حين كانت جميع هذه الأراضي جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق، وأن أقصى ما يمكن أن تقبل به أن تكون في هذا الطريق ثلاث نقاط عبور حدودية: عند حدود منطقة كلبيجار، وفي كاراهونج الواقعة على حدود منطقة كوبادلي، وعلى الحدود مع إقليم نختشيفان.
أما ما تطالب به أذربيجان فهو أن تكون لها السيادة على تلك الطريق، وأن لا تخضع الآليات والمركبات لأي تفتيش أو جمرك من جانب السلطات الأرمينية، أي أنها تسعى للسيطرة على جزء من الأراضي الأرمينية عبر منحها السيادة عليها.
ومدفوعاً بنشوة الانتصار على الأرمن في إقليم كاراباخ، هدّد الرئيس الأذري إلهام علييف، بأن عدم امتثال أرمينيا لما يريده، سيجعله يسيطر عليه بالقوة. علماً أن إصرار أذربيجان ومعها تركيا على السيطرة التامة على ممر زانجيزور، يشكّل تحديات استراتيجية لعدد من دول المنطقة، وذلك على الشكل الآتي:
أرمينيا
تطمح أرمينيا للاستفادة من المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها من ممر زانجيزور. كما يسعى باشينيان إلى الانتهاء من الصراع الأرميني مع كل من أذربيجان وتركيا، من أجل التقدم بطلب الانضمام إلى حلف "الناتو"، وتكريس أرمينيا جزءاً من المشاريع الأوروبية التي تسعى إلى إنشاء ممرات لنقل الطاقة من آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر أذربيجان وتركيا، خاصة بعد تخليها عن الغاز الروسي.
لكن الإشكالية تكمن في أن ما تطالب به أذربيجان سوف يؤدي إلى عزل أرمينيا نهائياً عن إيران، بحيث تبقى حدودها الوحيدة المشتركة مع دولتين عدوّتين لها: تركيا وأذربيجان، ومع جورجيا.
روسيا
لا تمانع روسيا في فتح هذا الطريق لتأمين نقل البضائع وسكك الحديد، ولكنها لا تشير إليه بالصيغة التي تقترحها باكو. والأهم، أن موسكو تصر على تطبيق الاتفاقية الثلاثية التي تفترض أن يكون حرس الحدود الروسي مسؤولاً عن الإشراف على خطوط النقل هذه.
تركيا
تبدو تركيا الأكثر اهتماماً بالمشروع، فهو سيعزز اتصال تركيا برياً بالعالم التركي، ويجعلها "دولة مركز" لأنابيب الطاقة والتبادلات التجارية بين آسيا الوسطى وأوروبا، ويجعلها على طرق الممرات الرئيسية (خاصة الممر الأوسط) التي تربط الصين بأوروبا.
كما يقلّص فتح هذا الممر المسافة بين أذربيجان وتركيا، ويساهم في خفض التكاليف إذ سيكون هذا الطريق أقصر من خط سكة الحديد الممتد من أذربيجان إلى تركيا، والذي يمر عبر جورجيا.
ويمكن إعادة التفكير في إحياء مشروع نابوكو الذي توقف لأسباب عديدة منها الكلفة المرتفعة لنقل الغاز الأذري إلى أوروبا، والذي يمر عبر جورجيا ومنها إلى تركيا فأوروبا.
إيران
يسعى هذا الممر إلى تطويق إيران، وتهديد أمنها القومي خاصة، وقد حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، خلال زيارة إلى يريفان، من أن بلاده لن تتسامح مع أي تغييرات في الحدود الجيوسياسية والممرات التاريخية لجنوب القوقاز، معتبراً أن هذا الموضوع خط أحمر، مهدداً باستخدام جميع الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك.
أما الأخطار المتأتية عن فتح هذا الممر بالنسبة إلى إيران فهي:
أ) قطع الطريق الوحيد أمام إيران للعبور إلى جنوب القوقاز ومنه إلى روسيا وأوروبا.
ب) رغم العلاقات الجيدة مع كل من أذربيجان وتركيا، فإن القلق الإيراني المستمر من السياسات الأذرية يعود إلى أمرين:
- المطامع التاريخية الأذرية في الأراضي الإيرانية أو ما تسمّيه باكو "أذربيجان الغربية". وعليه، فإن قيام أذربيجان بالسيطرة بالقوة على الأراضي الأرمينية قد يغريها للمطالبة بحقوق تاريخية أو العدوان على إيران.
- علاقة أذربيجان بـ"إسرائيل"، وإمكانية أن تشكّل أراضي أذربيجان منطلقاً لـ"إسرائيل" لمهاجمة إيران، وكان وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قد دعا إلى تشكيل جبهة موحدة مع أذربيجان ضد إيران.
جــ) يؤدي هذا الممر إلى خسارة اقتصادية إيرانية، إذ إن مرور البضائع بين آسيا الوسطى وتركيا عبر ممر زانجيزور يؤدي إلى توقف طرق المرور عبر إيران. علماً أن إيران تطمح لأن تكون هي "دولة مركز" أيضاً لعبور البضائع من آسيا الوسطى والصين إلى العالم، بعد رفع العقوبات عنها.
في الخلاصة، رغم التهديدات الأذرية والتركية بفتح الممر بالقوة، فإن الحرب تبدو بعيدة الاحتمالات في المرحلة الراهنة، فالتهديد الإيراني يشكّل عامل ردع للدولتين، بالإضافة إلى أن روسيا لن تتساهل أو تغض النظر عن اندلاع حرب في جنوب القوقاز، كما تساهلت في قضية ناغورنو كاراباخ لأسباب عديدة.
*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
المصدر | الميادين نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إيران تركيا روسيا أرمينيا أذربيجان موازين القوى دولة مركز ناغورنو كاراباخ جنوب القوقاز ممر زانجيزور أذربیجان وترکیا جنوب القوقاز آسیا الوسطى هذا الممر
إقرأ أيضاً:
انضمام قطر وتركيا إلى "الشراكة الصناعية التكاملية"
انطلقت يوم الأحد في العاصمة القطرية الدوحة، فعاليات الاجتماع الخامس لـ"اللجنة العليا للشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة".
وشهدت اجتماعات اللجنة العليا الإعلان عن انضمام قطر وتركيا إلى الشراكة الصناعية التكاملية، مما يرفع عدد الدول الأعضاء إلى سبع دول وذلك خلال ثلاث سنوات على إطلاق الشراكة.
ويدعم انضمام قطر وتركيا التحول التنموي الاستراتيجي الذي تشهده الشراكة التي انطلقت من أبوظبي في عام 2022، بما يعكس الطموح المشترك لدول الشراكة لتعزيز التكامل الصناعي وترسيخ التعاون وبناء اقتصاد مرن وتنافسي ومستدام.
وسيساهم انضمام الدولتين في إضفاء زخم جديد للشراكة بفضل الموارد الطبيعية الغنية والتكنولوجيا التي تتمتع بها قطر، والقدرات الصناعية المتطورة لتركيا، حيث تتميز الدولتان بإمكاناتهما الصناعية المتقدمة في مجالات متنوعة تشمل الصناعات التحويلية، والطاقة المتجددة، وصناعة المنسوجات والملابس الجاهزة، والصناعات الدوائية، والأسمدة الكيماوية والفوسفات، والتعدين والمعادن، والصناعات الغذائية.
وتكتسب "الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة"، أهمية خاصة في ظل التطورات العالمية المتسارعة، حيث تسعى دول الشراكة إلى تعزيز سلاسل الإمداد وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات الاستراتيجية والحيوية وذات الأولوية.
كذلك شهدت الاجتماعات توقيع عدد من الاتفاقيات والإعلان عن مشروعات استراتيجية بقيمة إجمالية تتجاوز ملياري دولار تهدف إلى تعزيز الشراكة والتكامل بين الدول الأعضاء في قطاعات الصناعات المعدنية والدوائية والبلاستيكية، وتطوير الصناعات المرتبطة بالأغذية الصحية، ودفع عجلة الابتكار في التكنولوجيا الحيوية، بالإضافة إلى دعم الصناعات الكهربائية والتقنيات المتقدمة، حسبما أوردت وكالة الأنباء الإماراتية "وام".
وتجسد هذه المشروعات الجديدة التزام الدول المشاركة في الشراكة الصناعية التكاملية بتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، من خلال تسريع عجلة النمو الاقتصادي، ودعم جهود التنمية المستدامة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري.
كما تساهم في توفير فرص عمل جديدة، وتعزيز الأمن الغذائي والصناعي، ودعم الابتكار في الصناعات الحيوية والمتقدمة، وتمثل هذه الجهود خطوة نحو ترسيخ مكانة المنطقة كمركز عالمي رائد وجاذب للاستثمارات الصناعية.
وقال الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات إن هذه الشراكة تمثل رؤية موحدة تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، وترسيخ العلاقات التكاملية بين دولها، من خلال الاستفادة من المزايا التنافسية النوعية والإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها الدول الأعضاء.
وأضاف الجابر: "نرحب بانضمام دولة قطر وجمهورية تركيا إلى الشراكة الصناعية التكاملية، ونحن على ثقة بأن هذه الخطوة ستساهم في تعزيز المصالح المشتركة لجميع الأعضاء، خاصة لما تتمتع به الدولتان من مكانة صناعية واقتصادية رائدة، وسجل حافل بالنجاحات في مختلف القطاعات، خصوصا في القطاع الصناعي الذي يعد عنصرا محوريا في دعم الفرص الاستثمارية النوعية على المستويين الإقليمي والعالمي".
وأوضح أن الشراكة الصناعية التكاملية "تعد نموذجا متميزا لقصة نجاح انطلقت من أبوظبي في مايو 2022، حيث أثمرت عن تحويل عدد من الاتفاقيات التي تم توقيعها في الاجتماعات السابقة إلى مشروعات ملموسة نراها اليوم على أرض الواقع. ويسعدنا أن نشهد اليوم الإعلان عن عدد من المشروعات والاتفاقيات الجديدة في قطاعات حيوية وذات أولوية، بقيمة تتجاوز الـ 2 مليار دولار".