كُلُّ دوَل العالَم مهما كان تصنيفها صناعيَّة أم نفطيَّة أم سياحيَّة تُعاني من أزمات اقتصاديَّة، سواء عجزًا من ميزانيَّة الدَّولة أم ركودًا اقتصاديًّا بسبب تأثُّرها بالأزمات الدوليَّة التي تعصف بكُلِّ دوَل العالَم.
وهنا تؤدِّي الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة دَوْرًا جوهريًّا في تنويع مصادر الدخل القومي للفرد وجلب الاستثمار الأجنبي لبلدها، وفي بعض الدوَل تُقاس وتُقيَّم سفارتها وكادرها على مدى نشاطها، وكَمْ من الاستثمارات أُدخلت إلى البلد.


الاستراتيجيَّة هي عِلْم التخطيط لفترات طويلة مِثل رؤية (عُمان 2040) (خطَّة طويلة الأمد)، أمَّا التكتيك فهو التخطيط الآني القريب مُحدَّد الفترة مترابطة بالنتائج والخطط.. مثال ذلك لعبة كرة القدم، حيث تكتيك اللعب الذي سوف يعتمده المدرِّب خلال التسعين دقيقة (خطَّة قصيرة الأمد أو الوقت).
المدارس الدبلوماسيَّة بدأت تتعمَّق وتبتكر مفاهيم جديدة خلال الثلاثين عامًا الماضية بما يخصُّ الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة، والابتعاد عن الاستراتيجيَّات طويلة الأمد من الموارد النفطيَّة وغيرها، ووضعت الخطط التكتيكيَّة لغرض التطوير ضِمْن المدى القصير، وبذلك أنشأت الأنواع الآتية: الدبلوماسيَّة الطبيَّة، الدبلوماسيَّة الثقافيَّة، الدبلوماسيَّة الدينيَّة، الدبلوماسيَّة التراثيَّة، الدبلوماسيَّة السِّياحيَّة، الدبلوماسيَّة الصِّناعيَّة، الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة، الدبلوماسيَّة الأكاديميَّة وغيرها من الأنواع التي لها تأثير مباشر على الدخل القومي. تُعدُّ هذه الأنواع والمجالات جالِبةً لإيرادات ماليَّة ثابتة بعيدًا عن تقلُّبات السُّوق النفطيَّة.
بدأت بعض الدوَل الاهتمام بالدبلوماسيَّة الطبيَّة، وإنشاء مستشفيات راقية واحتكار تخصُّصات طبيَّة فريدة من نَوْعها، وعملت البعثات الدبلوماسيَّة على الترويج لها لجلْبِ الواردات الماليَّة الكبيرة. وهذا ما نلاحظه في بعض بُلدان أوروبا وغرب آسيا، وكذلك الدبلوماسيَّة الصِّناعيَّة حيث كان العراق في ثمانينيَّات وتسعينيَّات القرن الماضي بلدًا صناعيًّا بامتياز، حيث رفدت السَّفارات العراقيَّة ـ آنذاك ـ الحكومة العراقيَّة بخطط ومفاتيح جوهريَّة وصادقة وشفَّافة من خلال مفاتحة الشركات الرصينة الموجودة في ساحة عملها وفتح فروع لها بالعراق، وتضْمَن لها كثيرًا من الامتيازات التي لا حصر لها ولا مجال للتطرُّق إليها في هذا المقال. فبدأت المصانع بمختلف أنواعها بإنتاج (الثلَّاجات، الطبَّاخات، المبرِّدات الهوائيَّة، الغسَّالات، السخَّانات، إطارات السيَّارات، بطاريَّة السيَّارات، حافلات النقل، والجرارات الزراعيَّة.. وغيرها من المعدَّات والمكائن الخدميَّة التي تحتاجها العائلة العراقيَّة)، وبذلك وفَّر العراق الكثير من العملة الصعبة، بالإضافة إلى تشغيل الآلاف من الشَّباب بمختلف التخصُّصات، ولَمْ يكُنْ هناك باحثون عن عمل.
الشَّقيقة مصر العروبة أيضًا التي لدَيْها مصانع وطنيَّة كبيرة بمختلف المنتجات التي تسدُّ الحاجة، بل وتصدِّر إلى دوَل الجوار، كانت السّفارات بالخارج الدينامو الرئيس لترشيح الشركات والمصانع الأجنبيَّة التي ترغب وتعمل شراكة مع الحكومة المصريَّة؛ لغرض زيادة إنتاجها ضِمْن الرقعة الجغرافيَّة المُتَّفق بَيْنَ الطرفَيْنِ. في الزمن القريب تؤدِّي المغرب الشَّقيقة دورًا مهمًّا في تطبيق الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة من خلال التوجيهات الملكيَّة المركزيَّة بالاهتمام بالدبلوماسيَّة الصِّناعيَّة والدبلوماسيَّة السِّياحيَّة بصورة خاصَّة، وفعلًا تميَّزت العقول المغربيَّة الدبلوماسيَّة بمختلف مناصبها بدرجة عالية من الحرفيَّة معتمِدةً على البعثات المغربيَّة بالخارج، حيث تمَّ ترشيح الشركات الفرنسيَّة الرصينة التي لها باع كبير في مجال صناعة السيَّارات، وهي شركة (رينو وبيجو) الفرنسيَّة لتبني أكبر مصانع لها في مدينة طنجة، ووصف الشقيري مدينة طنجة بأنَّها (ديترويت العالَم العربي)؛ لأنَّها صارت عاصمة صناعات السيَّارات بالعالَم العربي، على غرار ديترويت الأميركيَّة.
وكشف الشقيري في برنامجه بشهر رمضان المبارك عن مجموعة من الأرقام التي تهمُّ المصنع، خصوصًا كونه ينتح 700 ألف سيَّارة في السَّنة، ويصنِّع (7) ملايين قطعة، لِيكُونَ بذلك أكبر مصنع في إفريقيا يتمُّ تصدير 90% مِنْها إلى أوروبا، كما يتوافر في المغرب (10) منظومات صناعيَّة مرتبطة بصناعة السيَّارات، تتعلق بالأسلاك الكهربائيَّة والبطاريَّات والمقاعد وإطارات السيَّارات والمُحرِّكات.
وتحاول المملكة تحقيق منظومة متكاملة تُمكِّنها من تصنيع سيَّارة محلِّيَّة بنسبة 100%، حيث حضر ملك المغرب محمد السادس في منتصف الشهر الماضي حفل تدشين نموذج السيَّارة الجديدة في الرباط بامتياز (نيو موتورز)، وهي شركة برأس مال مغربي وتكنولوجيا أجنبيَّة والتي رشَّحتها البعثات الأجنبيَّة الموجودة بالخارج. وأضافت وزارة الصِّناعة المغربيَّة في تقرير لها أنَّ البلاد تعمل على تقوية تنافسيَّة القِطاع والاقتراب من الصين، والوصول إلى مستوى الهند في التنافسيَّة، وأشارت إلى أنَّ المغرب يضمُّ (251) معملًا لصناعة السيَّارات، توظف أكثر من 160 ألف شخص. وأوضح وزير الصِّناعة في سبتمبر 2022 أنَّ المملكة باتتْ تصدِّر أجزاء السيَّارات لنَحْوِ (70) وجهة عالَميَّة، معتبرًا ذلك (نجاحًا) حقَّقته مجموعة (رونو) المغربيَّة، وشدَّد على ضرورة إبقاء المغرب ضِمْن البُلدان «الأكثر تنافسيَّة» في صناعة السيَّارات وهذا بفضل التطبيق النموذجي للدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة كما فعلها العراق بثمانينيَّات القرن الماضي، ولا تزال تَسير في ظلِّها مصر الحبيبة.

د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الاقتصادی ة السی ة التی

إقرأ أيضاً:

تعزيز العلاقات الجزائرية الإيرانية والتأكيد على تفعيل الدبلوماسية الإقتصادية

أجرى رئيس لجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية بالمجلس الشعبي الوطني، محمد خوان، بمقر المجلس، محادثات مع الدكتور إبراهيم عزيزي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي الإيراني، وحضر اللقاء سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالجزائر، محمد رضا بابائي، وممثل عن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية.

وحسب بيان للمجلس، تمحور اللقاء حول سبل تعزيز العلاقات بين الجزائر وإيران وآفاق تطويرها. في مختلف المجالات، مع التأكيد على أهمية تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لخدمة المصالح المشتركة.

وأكد محمد خوان أن الجزائر وإيران تتقاسمان إرادة قوية لتطوير شراكة استراتيجية شاملة. مشيدًا بالتجربة الإيرانية في تحقيق الاكتفاء الذاتي وفتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي.

من جهته شدد الدكتور إبراهيم عزيزي على ضرورة ترقية التعاون الاقتصادي ليواكب المستوى المتميز للعلاقات السياسية. مشيرًا إلى أهمية الشراكة في مجالات مهمة مثل اقتصاد المعرفة ودعم المؤسسات الناشئة.

كما تطرق الجانبان أيضا إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك، مجددين المواقف المشتركة والثابتة. تجاه القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الأوضاع المتوترة التي تشهدها المنطقة. واستمرار الكيان الصهيوني في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق المدنيين في كل غزة ولبنان.

يشار أن اللقاء حضره موسى خرفي رئيس مجموعة الصداقة “الجزائر-إيران”.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • اللغو الدبلوماسي.. وحل الدولتين
  • أبوزريبة: فتح تدريبات لأعضاء الشرطة للانتقال لإدارة حماية البعثات الدبلوماسية
  • تعزيز العلاقات الجزائرية الإيرانية والتأكيد على تفعيل الدبلوماسية الإقتصادية
  • السوداني: أبارك للعراقيين مرور قرن كامل على العمل الدبلوماسي في العراق
  • اختتام المؤتمر الدبلوماسي للتصاميم الصناعية بالرياض بمشاركة اليمن
  • دور كاميرون هدسون في الشأن السوداني: بين الدبلوماسية والمعلومات الاستخباراتية
  • وزير الخارجية يوقع على مذكرة تعاون بين معهد الدراسات الدبلوماسية والأكاديمية الدبلوماسية البوليفية
  • إعفاء السيارات الكهربائية بنسبة 50% من الضريبة الخاصة حتى نهاية العام ولمرة واحدة
  • عبد الكبير: الدبلوماسية الليبية بحاجة إلى قيادة ذات خبرة لمواجهة التحديات
  • في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة تريفي