عربي21:
2025-04-25@23:58:45 GMT

في غياب حزام إسناد ديمقراطي للمقاومة

تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT

نكتب بقلوب خافقة فالعقل والقلب في غزة وأكنافها، لكننا نعود أحيانا إلى الأرض إذ يقتحمنا السؤال عن برود التعاطف العربي مع المقاومة المظفرة. نقرأ تفاعلات الناس البسطاء فنجد حماسا غير قابل للضبط، ونتابع أهل السياسة فنجد الحسابات السياسية إياها، لذلك فهم صامتون ولم نظفر حتى بتلك البيانات الخجولة. الخريطة السياسية العربية مطعون في وعيها بعقل استئصالي يخشى أن يكسب فيها الإسلاميون مجدا، فيقف السياسيون الاستئصاليون ضد المقاومة حتى لا يكسب الإسلاميون شيئا.



كان هذا السبب الرئيسي في تخريب التجربة الديمقراطية، ففي هذه التجربة التي وئدت في المهد بانقلابات عسكرية فتح الحاكم الإسلامي المنتخب بوابات غزة للتضامن العربي فعبرت القوافل التضامنية وعبرت حكومة تونس مثبتة ترابط الشعارين الأقدس في الثورة: الشعب يريد إسقاط النظام والشعب يريد تحرير فلسطين. في حرب غزة 2023 نقف من جديد على نفس الحقيقة ترابط قضية بناء الديمقراطية بإنجاز التحرير بقوى الشعب وإن لم يحمل سلاحا، ونعيد اكتشاف العقل الاستئصالي.

كان هذا السبب الرئيسي في تخريب التجربة الديمقراطية، ففي هذه التجربة التي وئدت في المهد بانقلابات عسكرية فتح الحاكم الإسلامي المنتخب بوابات غزة للتضامن العربي فعبرت القوافل التضامنية وعبرت حكومة تونس مثبتة ترابط الشعارين الأقدس في الثورة: الشعب يريد إسقاط النظام والشعب يريد تحرير فلسطين
تلازم الشعارين حقيقة محسوسة

كلما نهض الناس لمعركة التحرير وقفت ضدهم أنظمة ونخب تزعم الحداثة. وهذا منذ النكبة الأولى حتى صارت الحداثة صنو القبول بالاحتلال، وعلى الأرض لا نجد إلا الرجعية ترفع السلاح المقاوم. الربيع العربي الذي رفع الشعارين قدم الإسلاميين للحكم فلم يفرقوا بين الشعارين، فظهرت خطورة الجمع للعدو ومن عاش من خدمته في الداخل، وأعني الأنظمة أولا، ولاحقا سنكتشف النخب التي تتعامى عن وضع اللا ديمقراطية وتكتفي بنضالات صوتية في الفنادق، وقد شربوا نخب موت الحاكم الإسلامي في سجنه.

وكان أن فصلت النخب الانقلابية بين الشعارين فقطعت الطريق نحو الديمقراطية ونحو التحرير، فردم شعار التحرير بانكسار المسارات الديمقراطية. إنه تحالف خياني بين الأنظمة والنخب الحداثية بكل فصائلها، والنتيجة الآن أن غزة تحارب معزولة عن عمقها العربي وحتى عن رديفتها الضفة التي يحكمها فصيل نراه تجسيدا مطلقا للروح الاستئصالية؛ وتاريخه النضالي المزعوم لن يشفع له عند الجيل الفلسطيني المقاوم ولا الأجيال التي ستولد فلا تجد أثره في المقاومة.

الصورة تتضح وهذا من فضل حرب غزة 2023، وحدها الديمقراطية في الأقطار تفتح طريق الشعوب الثائرة نحو التحرير عبر رفد المقاوم بما يحتاجه على الجبهة وبعض ما يحتاجه التنمية في الأقطار، فالجياع لا يقدرون على المساعدة.

الفرز وزمن الشعوب
الصورة تتضح وهذا من فضل حرب غزة 2023، وحدها الديمقراطية في الأقطار تفتح طريق الشعوب الثائرة نحو التحرير عبر رفد المقاوم بما يحتاجه على الجبهة وبعض ما يحتاجه التنمية في الأقطار، فالجياع لا يقدرون على المساعدة


حرب غزة 2023 أثخنت في العدو، ونحن نكتب في اليوم الرابع منها ونعرف أن لن تكون الحرب الأخيرة وأن الأثمان ما تزال مطلوبة، لكننا عشنا الانتفاضة الأولى والثانية وما تلاهما من حروب؛ كل حرب منها كانت تراكم الانتصارات وفي كل حرب كان الفرز يتضح فيسقط الاستئصاليون من غربال الشعوب. لقد تحرر الفلسطينيون من الزعامات المزيفة وحرروا الجمهور العربي الواسع، كل حرب منها كانت توضح للشعوب طبيعة الغرب وجوهر موقفه من الكيان الصهيوني ومن العرب، وإذا كان الصهيوني يصف العرب بالحيوانات فالغرب مجملا لا مفصلا يتعامل معهم على أنهم كذلك.

لم تتغير المعادلة التي تجعل دولا غربية تحسب حساب الجمهور العربي الثائر المقهور رغم أنها تشاهده وتسمع غليانه حتى في ملاعب كرة القدم.. هذا الجمهور "الحيواني" كما تراه ما يزال تحت سيطرة أنظمة خيانية وضعها الغرب بحيله على رأس كل دولة، قاطعا الطريق على كل محاولة لبناء ديمقراطية تحول هذا الجمهور إلى بشر له وزن وقرار على الساحة المحلية والدولية.

إنهم (الغربيون) لا ينفقون مالا كثيرا في قهر هذه الشعوب، وقد اكتفوا دوما بوضع حاكم يفكر في كرسييه ومتعه ورفاه أولاده من بعده، وقد وجدوا دوما نخبا في الداخل تبرر لهم وتستعين بهم ضد شعوبها، وغالبا ما كان ذلك يتم باسم محاربة الظلامية والرجعية.

إن الغرب هو الأقدر حتى الآن على فهم هذه الشعوب وقياس قدرتها إذا تحررت، لذلك يردمها تحت صراعات غرائزية بواسطة نخب صنعها على هواه في جامعاته غالبا؛ وكلّفها دون جهد كبير منه بجر شعوبها إلى هذه النزاعات البينية لغرق شعوبها في حضيض الغريزة.

الغرب هو الأقدر حتى الآن على فهم هذه الشعوب وقياس قدرتها إذا تحررت، لذلك يردمها تحت صراعات غرائزية بواسطة نخب صنعها على هواه في جامعاته غالبا؛ وكلّفها دون جهد كبير منه بجر شعوبها إلى هذه النزاعات البينية لغرق شعوبها في حضيض الغريزة
ذات يوم كتب مثقف تونسي بفرنسية ممتازة في جريدة فرنسية تُقرأ في تونس؛ أن حركة حماس تمارس البرنوغرافيا السياسية بمحاربة دولة ديمقراطية اسمها إسرائيل. هذا المثقف الحداثي التنويري ليس صوتا منفردا، إنه توجه عام يشق كل النخب العربية من المغرب إلى بلاد الشام. وهذا التوجه/ التيار يقف الآن مع السيسي ومع انقلاب تونس بل حتى مع حفتر، ويرى في حرب غزة برنوغرافيا سياسية.

لماذا يفعلون ذلك؟ إنهم صنيعة استعمارية مهما تحدثوا حديث التقدمية، وهؤلاء هم من يخذلون غزة الآن ويمنعون المواطن المسكين من التبرع بدمه للجرحى. لكن وراء هذا الجدار السميك يتعلم الناس ويفهمون من العدو ومن الصديق، ويتعلمون الصبر من الفرز الطويل الذي يمهد لمعارك أخرى وغزوات مظفرة ستنتهي حتما بالتحرير وبناء الديمقراطية دونهم. متى يكون ذلك؟

نذكر أن عمر القضايا الكبيرة أطول من عمر أفراد وأجيال، القضايا الكبيرة لا تموت، إنها تصنع رجالها كل يوم، وبين الطفل الذي نشأ يرمي حجرا على دبابة والشاب الذي اقتحم مخزن الدبابات ودمره؛ مرّ زمن قليل من عمر جيل بما يبشر بأن المعركة لن تطول كثيرا. والثمن؟ هذا سؤال الخائفين على متعتهم أن تنقص منها الحرب قليلا وإن لم يظهروا على أية جبهة، إنه سؤال المخذلين، وصوت هؤلاء لا يصل إلى غزة وإن كان يعيق أنصار غزة من خارجها من التبرع بدمهم حتى لا ينتصر "الخوانجية" الظلاميون. هو الفرز الذي نحسمه بقانون تاريخي بناء الديمقراطية في الأقطار هو الطريق إلى المعركة الأخيرة والتحرير، فالشعب يريد تحرير فلسطين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الحداثة غزة العالم العربي الاستبداد الحداثة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما یحتاجه

إقرأ أيضاً:

حين تتصدّع الشرعية ويُختَطف العقد ويشتعل الرجاء: متى تثور الشعوب؟

في لحظة ما، دون إنذارٍ مسبق، يُشعل أحدهم عود ثقاب على حافة مدينة نائمة. لا يظنّه أحد أكثر من فعلٍ فرديّ، انفعاليّ، عابر، لكن تلك الشعلة الصغيرة تُوقظ في ملايين الناس ما ظنّوا أنّه مات فيهم: الغضب، الكرامة، والحقّ في السؤال.

الثورات لا تُدبَّر على ورقٍ أبيض، ولا تُولد بمرسوم، ولا تمضي وفق تعليمات. إنّها انفجار مؤجل، تأتي حين تتآكل السلطة من الداخل، لا حين تسقط من الخارج. تأتي حين تُصبح الطاعة خيانة للذات، ويغدو الصبر مرضا جماعيا، ويصبح السكوت حُكما جائرا.

“ماذا تثور الشعوب؟"، ليس سؤالا صعبا، فالجوع، والذل، والقمع كفيل بجعل الأرض تغلي. لكن السؤال الأكثر إلحاحا هو: متى تثور الشعوب؟ ولماذا لا تثور دائما؟ ما اللحظة التي تنقلب فيها الموازين؟ متى يصبح الحُكم بلا غطاء، والخوف بلا وظيفة، واليأس بلا فائدة؟

الجوع، والذل، والقمع كفيل بجعل الأرض تغلي. لكن السؤال الأكثر إلحاحا هو: متى تثور الشعوب؟ ولماذا لا تثور دائما؟ ما اللحظة التي تنقلب فيها الموازين؟ متى يصبح الحُكم بلا غطاء، والخوف بلا وظيفة، واليأس بلا فائدة؟
لنفكّك هذا السؤال لا كمجرّد حدث سياسي، بل كتحوّلٍ أخلاقي- تاريخي، نقرأه من خلال ثلاث عدسات فكرية كاشفة: الماوردي، وروسو، وإرنست بلوخ.

لا يجمعهم عصر ولا مدرسة، لكن يجمعهم إدراك عميق بأنّ الطغيان لا يُهزَم بالسيف فقط.. بل بكشف زيفه، ونزع القداسة عنه، واستعادة الحلم من بين أنقاضه.

الماوردي: حين تتحوّل الشرعية إلى قيدٍ على الناس لا على السلطان

كان الماوردي ابن زمن سياسي مختلّ، حيث الخلافة العباسية قد فقدت هيبتها، والسلطة الواقعية انتقلت إلى السلاطين والولاة. لكن ما قاله في "الأحكام السلطانية" ظلّ أخطر من صراعات العروش:

"إذا جار السلطان، واستُنفدت وسائل النصح، وفُقد الأمل في إصلاحه، وصار بقاؤه فتنة على الجماعة.. جاز خلعه، إن وُجد العدل سواه".

بهذه العبارة، أسّس الماوردي لمفهوم شرعية مشروطة، لا شرعية مطلقة. فالسلطان لا يُطاع بوصفه رمزا، بل ما دام حافظا للعدل. والعدالة ليست فضيلة أخلاقية فقط، بل مبدأ بقاء سياسي.

هذه الرؤية تفسّر انفجار الثورة التونسية في شتاء 2010-2011: حين تحوّلت الدولة من حامٍ للشعب إلى عبءٍ عليه، حين صار القانون أداة انتقام، وكرامة المواطن محلّ مساومة، حين استُنفدت كل وسائل "الإصلاح من الداخل"، انقلب الناس على شرعية صارت أداة استعباد.

لم تكن الثورة مجرّد ردّ على بطالة أو فساد، بل كانت صرخة ضدّ دولة خانت معنى وجودها. ولهذا لم يكن الشعار الاقتصادي هو ما هزّ الشارع، بل الشعار السياسي العميق: "الشعب يريد إسقاط النظام".

حين تُصبح الدولة مظلّة لاحتكار السلطة والثروة، فإنها، وفق الماوردي، قد فقدت شرعيتها.. حتى وإن بقيت على الورق "قانونية".

روسو: حين يُختَطَف العقد الاجتماعي وتُقنّن الهيمنة

كتب جان جاك روسو عن السلطة في عصر بدا ديمقراطيا على الورق، لكنه حوّل الناس إلى رعايا باسم القانون:

"حين تمثّل الدولة مصالح فئة قليلة، فإنّها لم تعُد شرعية، حتى وإن بدت قانونية".

العقد الاجتماعي، عنده، ليس وثيقة مؤرشفة، بل ميثاق حيّ بين الناس. وإذا اختُطفت الإرادة العامة، سواء بالبيروقراطية أو المال أو الإعلام، فإنّ الدولة تصبح تمثيلا زائفا.. لا شرعية حقيقية.

انظري إلى ثورة يناير في مصر: لم تكن المشكلة في غياب المؤسسات، بل في أن هذه المؤسسات لا تُمثّل أحدا، البرلمان كان أداة تلميع، الانتخابات كانت مُسيّرة، والدولة كانت تتحدث عن الشعب، لكن دون أن تستمع إليه.

وحتى بعد الثورة، اختُطِف العقد من جديد، عادت الدولة في زيّها العسكري-المدني، تُعيد إنتاج منطق الهيمنة باسم "الاستقرار".

روسو لا يقدّس الثورة من حيث هي فوضى، بل يراها لحظة استعادة للعقد المغتصب، وحين تُستبدل الثورة بثورة مضادة ذات واجهة قانونية، يصبح الانفجار القادم أكثر عنفا.. وأقل توقيرا للنظام.

بلوخ: حين يتحوّل الحلم من رغبة فردية إلى طاقة جماعية
الثورة ليست معادلة حسابية، ليست حاصل ضرب الجوع في الظلم في القمع، بل هي لحظة شديدة التعقيد، تتولد حين يتصدّع هيكل الشرعية، ويُختطَف تمثيل الإرادة العامة، ويشتعل الرجاء في هوامش الحياة
لم يكن إرنست بلوخ مهتما بما يحدث فقط، بل بما يُمكن أن يحدث:

"ما من شيء عظيم حدث، إلا وكان مسبوقا بصورة عنه في الوجدان الجماعي".

الحلم، عند بلوخ، ليس خيالا مجرّدا، بل هو وقود التغيير. الثورة تبدأ حين ترى الجماهير في نفسها شيئا أكبر من وضعها، وتؤمن بأن هذا العالم لا يستحقّها كما هو.

هكذا بدأت الثورة الروسية، ليس فقط في مصانع بتروغراد، بل في تخيّل عالم بلا قياصرة، وهكذا خرج شباب السودان عام 2019 لا ليرفعوا لافتات خبز، بل ليقولوا: "حرية، سلام، وعدالة".

الحلم عند بلوخ ليس ترفا فكريا، بل ضرورة سياسية. فمن لا يحلم، لا يثور، ومن لا يرى مستقبلا آخر، لن يُخاطر بالخروج من الحاضر.

خاتمة: حين يلتقي الوعي بالهشاشة ويقوده الرجاء

الثورة ليست معادلة حسابية، ليست حاصل ضرب الجوع في الظلم في القمع، بل هي لحظة شديدة التعقيد، تتولد حين يتصدّع هيكل الشرعية، ويُختطَف تمثيل الإرادة العامة، ويشتعل الرجاء في هوامش الحياة.

الماوردي يحذّرنا من شرعية لا تحرس العدل.. روسو يكشف لنا أن العقد الاجتماعي لا يُكتب مرة واحدة.. بلوخ يمنحنا وعدا: أنّ الحلم ليس ترفا، بل نواة التحوّل.

السؤال إذا ليس: لماذا لا تثور الشعوب؟ بل: هل ما زالت ترى وجها آخر للمستقبل؟ هل ما زالت تحتفظ بصورة ما عن حياة تستحق أن تُعاش؟ فإن وُجد هذا الرجاء، ولو في أغنية، أو قصيدة، أو نظرة في الميدان.. فإنّ الثورة آتية، لا محالة.

مقالات مشابهة

  • قطر ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا
  • اتفاق سلام مرتقب بين الكونجو الديمقراطية ورواندا
  • إب.. 150 مسيرة تأكيدا على الصمود في مواجهة العدوان الأمريكي ومواصلة إسناد غزة
  • مصطفى بكري: المصالحات أنهت الثأر في قنا بوعي المواطنين ورموز الوطن
  • المقاطعة الاقتصادية.. سلاح الشعوب في وجه الطغيان
  • مقتل جندي إسرائيلي وإصابة 7 بكمين للمقاومة شمال غزة
  • الجبهة الديمقراطية تعلن الانسحاب من جلسة المجلس المركزي الـ32
  • حين تتصدّع الشرعية ويُختَطف العقد ويشتعل الرجاء: متى تثور الشعوب؟
  • لعبة العنكبوت والسرطان
  • الكونغو الديمقراطية: تسجيل 8 إصابات بمرض الجمرة الخبيثة وحالة وفاة في "كيفو الشمالية"