قال فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن من أسرار عظمة ديننا الإسلامي أنه ما ترك جانبا من جوانب الحياة إلا وتناوله إما تصريحا وإما تلويحا، ومن الجوانب التي تناولها هذا الدين واهتم بها اهتماما بالغا قضية الأمن؛ فالأمن نعمة عظيمة، بها يهنأ الإنسان بعيشه، فيشعر بلذة العبادة ومتعتها التي هي غذاء القلب والروح، ولذة الطعام ومتعته الذي هو غذاء الجسد.

وأضاف وكيل الأزهر، خلال كلمته بمؤتمر كلية الزراعة بجامعة الأزهر والذي جاء تحت عنوان: “الزراعة والتحديات المستقبلية: الأمن الغذائي: التحديات والمواجهة”، أن تأمين الغذاء من مجالات الأمن التي عني بها الإسلام؛ وذلك لأن الغذاء به قوام النفس وبقاؤها، وحفظ النفس إحدى الضرورات الخمس التي أوجب الشارع حفظها، «بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين» على حد عبارة الشاطبي رحمه الله.

وبين الضويني أن القرآن لفت أنظار البشرية إلى أهمية الغذاء في حياة الأمم والشعوب، وبين أنه أحد ركني الحياة الآمنة التي تستحق الشكر، وذلك من خلال ربط الأمن الغذائي بالاستقرار؛ وقد تجلى ذلك المعنى في سورة قريش؛ حيث أعلن الله -عز وجل- أنه امتن على قريش بنعم تستوجب شكر الله وعبادته، فقال: {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}؛ وفي الجمع بين إطعامهم من جوع وتأمينهم من خوف بيان لصفات الحياة الآمنة حقيقة؛ لأن الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل هاتين النعمتين معا؛ إذ لا عيش مع الجوع، ولا أمن مع الخوف، وإنما تكمل النعمة باجتماعهما.

وتابع فضيلته أن السنة النبوية لم تغفل الإشارة إلى أهمية الأمن الغذائي في حياة الأمة، فقد جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفير القوت والغذاء أحد أركان ثلاثة من أركان الحياة الآمنة المستقرة؛ فقال: «من أصبح منكم آمنا في سربه؛ معافى في جسده؛ عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا»، مضيفا أن الغذاء كان متوفر وسهل في فجر التاريخ للإنسان، ولكن مع زيادة الطلب بسبب زيادة السكان، أو بسبب الترف ونمط الاستهلاك والجور على الأراضي الزراعية وشيوع الأنماط التقليدية في الاستزراع؛ لهذا كله ولغيره أيضا صار الإنسان يعاني من أجل توفير غذائه.

وأوضح وكيل الأزهر أن نقص الغذاء على مر العصور شكل تحديا للإنسان يدفعه إلى العمل والكدح وابتكار وسائل جديدة تحاول من الإفادة من هذه الأقوات المقدرة التي وهبها لنا الخالق جل وعلا، ولم لا يكون الأمن الغذائي مطلبا ضروريا وهو سبيل المحافظة على النفس التي تحمل الدين، وتصون الوطن، وقد أشار إلى هذا المعنى الغزالي رحمه الله في كتابه «الاقتصاد في الاعتقاد» حين قال: «إن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، ونظام الدين يحصل بالمعرفة والعبادة ولا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجات من الكسوة، والمسكن، والأقوات» إلى أن يقول: «فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضروريات».

وبين وكيل الأزهر أنه إذا كان عالمنا اليوم يعاني من مشكلات عديدة في جميع مجالات الحياة فإن قضية الأمن الغذائي تأتي في مقدمة هذه القضايا، وذلك نظرا لانعكاساتها السلبية وأخطارها التي تسهم في صيانة العقائد والهويات، ومن هنا كان واجبا على الأمة الإسلامية، بل فرض عين عليها أن تتنبه لهذا الموضوع وأن تبادر لبناء جسور التعاون والتواصل والتنسيق فيما بين مؤسساتها لاستثمار طاقات العالم الإسلامي وثرواته وتحقيق الأمن الغذائي في إطار تنموي مستقل ومتكامل مبني على أساس إسلامي بالأخذ بالأساليب العلمية والتقنية الحديثة في العمل والإنتاج كالتزام إسلامي لضمان نجاح التنمية.

وأكد الدكتور الضويني أن تحقيق الأمن الغذائي للبشر مطلب أساسي تعمل الدول كلها على تحقيقه، بل هدف ملح تسعى جميع الدول بأسرها إلى الوصول إليه خصوصا في هذا الوقت الذي نشهد فيه ركودا اقتصاديا عالميا، وتتوالى فيه الأزمات المالية التي تعصف بسلامة العالم واستقراره، وتترك خلفها ملايين الفقراء والجياع الذين يبحثون عن مصدر رزق يوفر لهم لقمة العيش والأمن؛ ومن هنا كان منهج الإسلام واضحا في الحد من هذا الفقر الغذائي، حتى إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالغرس حتى وإن كان قرب قيام الساعة، فيقول: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه إذا كان من أهم التحديات التي تحول دون تحقيق الأمن الغذائي ما يواجهه العالم من تغيرات مناخية، وتصحر، وندرة المياه، وشيوع أساليب تقليدية في الزراعة وغير ذلك من تحديات؛ فإنا لنرجو أن يتمخض هذا المؤتمر عن نتائج عملية تقدم حلا حقيقيا يكشف عن الاتجاهات الحديثة والمبتكرة لزيادة الإنتاج الزراعي، واتساع الرقعة الزراعية أفقيا ورأسيا، وطرق الحد من تأثير التغيرات المناخية على الغذاء ومصادره، وكيفية تحقيق التنمية المستدامة للأراضي والمياه، والاستفادة من التكنولوجيا وإمكانياتها في الهندسة الزراعية إلى آخر ما ننتظره من هذا المؤتمر العلمي الواعي.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأمن الغذائی وکیل الأزهر

إقرأ أيضاً:

صور| قوات الأمن والحماية تنفذ أعمال تأمين سباق درب العلا 2025

نفذت القوة الخاصة للأمن والحماية بمحافظة العُلا، مهام الأمن والحماية في سباق درب العلا 2025، الذي تنظمه لحظات العُلا يومي 23 - 24 يناير الجاري لمسافة 100 كيلومتر بين أجمل المعالم التاريخية في محافظة العلا.
وأظهرت القوة الخاصة للأمن والحماية بمحافظة العُلا بالتعاون مع الجهات الأمنية جاهزيتها في تأمين وتقديم الحماية اللازمة للسباق الذي تستضيفه العُلا.
أخبار متعلقة رئيس الوزراء اليوناني يزور معالم العُلا الأثريةضبط 3 مخالفين لنظام البيئة لاستغلالهم الرواسب في المدينة المنورةالعلا.. حملة "الصخر الشاهد" ترفع الوعي بالثروات الطبيعية .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } سباق درب العلا - واس سباق درب العلا - واس سباق درب العلا - واس سباق درب العلا - واس var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });

مقالات مشابهة

  • «استشاري الشارقة» يوصي بإنشاء منطقة حرة متخصصة في مجالات الغذاء
  • “استشاري الشارقة” يوصي بإنشاء منطقة حرة متخصصة في مجالات الغذاء
  • وكيل الأزهر: الإسلام أولى الأسرة اهتمامًا بالغًا فجعلها أساس بناء المجتمع
  • صناعة النواب: دعم المواطنين يبدأ بضمان استدامة الأمن الغذائي
  • وكيل الأزهر يؤكد أهمية الإعداد المسبق والتربية الصالحة للمقبلين على الزواج
  • «استشاري الشارقة» يوصي بإنشاء منطقة حرة متخصصة في مجالات الغذاء
  • صور| قوات الأمن والحماية تنفذ أعمال تأمين سباق درب العلا 2025
  • الدهون الصحية من بين الأطعمة التي تعزز عملية التمثيل الغذائي
  • الأمن الغذائي.. ركيزة تحقيق الاستقرار
  • باحث بمرصد الأزهر: عيد الشرطة ذكرى وطنية عظيمة ومصدر فخر لكل مصري