حرب طوفان الأقصى.. تقييمات إسرائيلية
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
استقيظ العالم صباح السبت 7 أكتوبر على خبر إعلان محمد الضيف القائد العسكري لحماس بدء حرب طوفان الأقصى، واقتحام قوات النخبة القسامية لأكبر مانع فولاذي وإليكتروني وعسكري في تاريخ الصراع، مانع ارتفاعه 18 مترا، نصفها تحت الأرض، ونصفها فوق الأرض، مع حساسات تكشف أي محاولة اختراق فوق الأرض أو تحتها، وكاميرات مراقبة، وأسلحة ذاتية الإطلاق>
انتشرت قوات النخبة في مدن وبلدات غلاف غزة والقواعد العسكرية، وحققت نجاحا مذهلا أصاب إسرائيل بصدمة فاقت في آثارها ونتائجها أي حرب سابقة في تاريخ الصراع حتى اليوم، وأعادت إلى أذهان العالم كله ذكرى العبور المصري لقناة السويس وسيطرة القوات المصرية على خط بارليف، خصوصا مع هذا التوافق العجيب بين الحربين، فكلتاهما في يوم السبت، وفي الأعياد اليهودية، وفي شهر أكتوبر.
ومما يدل على خطورة طوفان الأقصى: إعلان إسرائيل حالة الحرب وهو ما لم يحدث منذ 73، حشد ثلاثمائة ألف جندي من جنود الاحتياط في 48 ساعة، وإخلاء 24 بلدة من بلدان الجنوب من السكان.
وفي هذا التقرير، نقدم قراءة إسرائيلية لهذه الحرب، وتقييما لأسبابها، ومجرياتها، وسيناريوهات التعامل معها، وذلك من خلال الموضوعات التالية:
ـ المفاجأة وكيف تحققت؟
ـ هزيمة نفسية ستبقى إلى الأبد
ـ حرب شاملة متعددة الجبهات
ـ أهمية التوقيت
ـ ما الذي ستفعله إسرائيل اليوم وغدا؟
ـ أسئلة كارثية
ـ الخلاصة
المفاجأة وكيف تحققت؟
نشر مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية، أمس الإثنين 9 أكتوبر، عرضا موجزا ومحدثا للحرب بقلم د. إيدو هيشت، عنوانه "عدوان غزة الإرهابي": "تم الهجوم قبل السادسة والنصف صباح السبت أكتوبر. وفي العاشرة صباحا، أطلقت غزة رشقات صاروخية مكثفة لإعاقة عمل القبة الحديدية، بلغ عددها 2200 صاروخ على المدن والبلدات الإسرائيلية. وحتى ظهر الأحد 8 أكتوبر، كانت خسائر إسرائيل ما يلي:
ـ 700 قتيلا على الأقل، والبعض يتوقع أن يرتفع العدد إلى ألف قتيل.
ـ 2240 جريحا وصلوا إلى المستشفيات، بعضهم إصابات حرجة جدا قد يكونون عرضة للموت.
ـ سبعمائة مفقود معروفة أسماؤهم، لكن لا يُعرف مصيرهم، قد يكون بعضهم ميتا ولم يتم اكتشافه بعد، والبعض الآخر قد يكون مأسورا، وآخرون قد يكونوا مختبئين في مكان ما بعيدين عن الاتصال. وربما هناك المزيد من المفقودين الذين لم تُعرف أسماؤهم بعد.
تقدر خسائر حماس حاليا بما لا يقل عن 400 قتيل، وحوالي ألفي جريح. وتشمل هذه الأرقام أولئك الذين قُتلوا أو أُصيبوا داخل إسرائيل وفي الغارات المضادة على غزة. كما تم القبض على عشرات آخرين.
لقد تمكنت حماس من تخطيط وتنظيم وتجميع قواتها دون أن تكتشف الاستخبارات الإسرائيلية. وسيحتاج ذلك إلى تحليل عميق للغاية بمجرد انتهاء الحرب. لكن استجواب لأحد مقاتلي حماس اعتقله الجيش الإسرائيلي يوضح مدى الفشل التام لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وفقا للاستجواب:
ـ كانت حماس تُعد لهذا الهجوم منذ أكثر من عام.
ـ شجعت المظاهرات السياسية في إسرائيل حماس، واعتبرتها علامة على الضعف الإسرائيلي.
ـ كانت أعمال الشغب، التي قامت بها حماس في الأسابيع الأخيرة على السور العازل، مجرد أعمال خداعية لتمكينها من استكمال أعمال التحضير لهجومها وإخفاء استعداداتها.
ـ ضمت القوة المهاجمة ألف رجل، اخترقوا السياج الحدودي من 15 إلى 30 موقعا بما فيها معبر إيريز.
ـ فوجئ مقاتلو حماس بأن الجيش الإسرائيلي لم يكن ينتظرهم، وعملوا داخل إسرائيل لمدة خمس ساعات تقريبا قبل أن يواجهوا أي مقاومة مسلحة".
هزيمة نفسية ستبقى إلى الأبد
أساءت إسرائيل تقدير نوايا حماس، وغرتها قوتها التي لم تغن عنها شيئا، وشهدت حالة من التخبط على مستوياتها السياسية والعسكرية لا مثيل لها من قبل، وعجزت عن نجدة جنودها ومواطنيها، يقول الكاتب الإسرائيلي يوسي يهوشواع في صحيفة يديعوت في مقال عنوانه "حماس صدمت إسرائيل" في 7 أكتوبر 2023: "الجيش الإسرائيلي هو أقوى جيش في الشرق الأوسط، ومن أكثر الجيوش احتراما في العالم؛ لكنه فوجئ تماما بهجوم حماس. كانت جميع تقديرات الاستخبارات العسكرية أن حماس ليس لديها القدرة على الردع، ولا تسعى إلى إشعال جبهة غزة. لذا، خفض من انتشاره في الجنوب، ونقل قواته إلى الضفة الغربية. كما وضع ثقته في الجدار الحدودي الجديد الذي نجح في إحباط حفر الأنفاق الهجومية.
حتى الآن، تم اختراق جميع الدفاعات، وتم الاستيلاء على البلدات، وسُمعت النداءات اليائسة لسكان تلك المجتمعات على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يطلبون المساعدة من الجيش، الذي لم يستجب. ومرت ساعات شهدت تخبطا من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين. لقد كسبت حماس معركة نفسية كبيرة ستبقى ذكراها إلى الأبد". وقد جاءت تعليقات كاشفة كيف اجتاح طوفان الأقصى إسرائيل، وجرف كل شئ فيها بصورة غير مسبوقة من قبل:
مفاجأة غير مسبوقة
يقول كوبي ديكل في تدوينة له نشرها موقع معهد دراسات الأمن القومي يوم 7 أكتوبر: "المفاجأة التي حققها هجوم حماس ستظل محفورة في الوعي الوطني لسنوات عديدة". ويقول يوآف ليمور في صحيفة إسرائيل اليوم في مقال عنوانه "فشل إسرائيل" في 7 أكتوبر: "خططت حماس لهذا الهجوم بدقة. لقد خلقت انطباعا خاطئا لدى الإسرائيليين لعدة أشهر، وربما سنوات، بأنها رُدعت، فامتنعت عن الرد على العمليات التي يقوم بها الجيش ضد حركة الجهاد وفي الضفة والقدس. اقتنعت إسرائيل بهذا الهدوء. لكن حماس خططت لهجوم متكامل، سُمعت فيه صرخات الاستغاثة تُبث مباشرة على القنوات الإسرائيلية".
متسللو حماس يقبضون على إسرائيل
يقول ديفيد هوروفيتش في مقال له عنوانه "متسللو حماس يقبضون على إسرائيل": "بعد 50 عاما بالضبط من حرب يوم الغفران، تعرضت إسرائيل لهجوم مفاجئ من قبل حركة حماس الإرهابية. كل إسرائيل تسأل نفسها: أين الجيش الإسرائيلي؟ أين الشرطة، أين الأمن؟ إنه فشل هائل مع عواقب وخيمة".
شمشون خُدع مرة أخرى
يقول آندي بلومنتال في صحيفة تايمز أوف إسرائيل 8 أكتوبر: "لقد تمكنت روسيا من الاحتفاظ بخط مواجهة بطول 620 ميلا مع أوكرانيا خلال الأشهر الماضية؛ أفلا نكون قادرين على تأمين حدود بطول 32 ميلا مع غزة؟! يبدو أن شمشون بطل إسرائيل قد خُدع مرة أخرى، وقُيد بلا حول منه ولا قوة، واُقتلعت عيناه، وأُخذ إلى هيكل الفلسطينيين العظيم ليسخروا منه ومن أمة إسرائيل بأكملها".
إسرائيل الجريحة الضعيفة
يقول هافيف ريتيج جور في صحيفة تايمز أوف إسرائيل يوم 8 أكتوبر: "إن إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى مختلفة عن إسرائيل قبلها. لقد حدث تحول تكتوني في نفسية البلاد. لقد جعلت حماس من نفسها أمرا لا يطاق، وأقنعت الإسرائيليين أنهم ضعفاء، وضعفاء جدا. إن المقاومة الفلسطينية، كما تصورها حماس، هي نظرية أكبر للتجديد الإسلامي تضعها قيد التنفيذ".
حرب شاملة متعددة الجبهات
يقول يعقوب دلال تحت عنوان "يوم الغفران الثاني" في صحيفة تايمز أوف إسرائيل يوم 7 أكتوبر: "على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، تدرب عليه الجيش الإسرائيلي على سيناريو يوم القيامة، وهو أن يتسلل الإرهابيون إلى إسرائيل بشكل جماعي، يستولون على مدن إسرائيلية بأكملها، ويقتلون ويأخذون رهائن لمفاوضات لاحقة، مع استمرار إطلاق الصواريخ وحلول الفوضى وضباب الحرب على الجانب الإسرائيلي. لقد حدث هذا السيناريو اليوم بالضبط، وكان الفرق الوحيد أن هذا السيناريو كان متصورا أن يقوم به حزب الله، وليس حماس. إذ لم يعتقد أحد أن لديها مثل هذه القدرة، خاصة مع التغطية الاستخباراتية من قبل الشاباك الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية. هناك خطر حقيقي من أن ينضم حزب الله إلى الحرب، وهذا من شأنه أن يحولها إلى واحدة من أكبر حروب إسرائيل التي ستتغير المنطقة بعدها بطرق لا يمكننا معرفتها".
طوفان الأقصى، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم سيكون له آثار سياسية بعيدة المدى. وسيكون له آثاره على مسيرة التطبيع التي تسير فيها الدول العربية. وهناك خوف لدى العدو من أن يتحول طوفان الأقصى إلى حرب متعددة الساحات داخل فلسطين وخارجها، مما يقلل من قدرة الجيش الإسرائيلي على المناورة. وسيكون يوم السبت 7 أكتوبر 2023 يوما مفصليا في تاريخ الصراع، ما قبله مغايرا لما بعده.إذن، فإن أكبر ما تخشاه إسرائيل اليوم هو تحول هذه الحرب إلى حرب متعددة الجبهات، خمس جبهات فلسطينية: غزة، الضفة، القدس، الداخل المحتل، وفلسطينيي الشتات الذين يقودون حربا إعلامية في الساحة العالمية. وجبهة أخرى على الجبهة اللبنانية. وهي الحرب الذي سقلب الموازين وستغير الكثير من المعادلات الاستراتيجية. وهذه الحرب بدأت مؤشراتها في الجنوب اللبناني والضفة، والمظاهرات في مدن مختلفة؛ إلا أنها مازالت على مستوى غزة حتى الآن.
أهمية التوقيت
أحسنت حماس اختيار توقيت كوفان الأقصى. إسرائيل اليوم في أضعف حالاتها. وهو ضعف قادها إلى هذا العمى الاستراتيجي والفشل العسكري:
ضعف الصمود الوطني
يقول مائير إليران وعيديت شافير جيلمان على موقع معهد دراسات الأمن القومي في 27 سبتمبر 2023: "تضررت بشدة العناصر المكونة للصمود الوطني منذ تولي الحكومة اليمينية الحالية:
1 ـ تضرر التضامن المجتمعي بسبب الأزمة المجتمعية والسياسية المستمرة.
2 ـ التراجع المستمر في ثقة قطاعات المجتمع والجمهور الإسرائيلي بمؤسسات الحكم.
3 ـ فشل الحكومة الإسرائيلية داخليا وخارجيا، فأولوياتها غير مفهومة، وفشلت في مواجهة التحديات الشديدة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والأمن القومي.
4 ـ الديمقراطية الإسرائيلية المهددة من داخلها".
ضعف الجيش الإسرائيلي
يقول تامير هايمان وعوفر شيلح على موقع معهد دراسات الأمن القومي في 27 سبتمبر 2023: "يقف الجيش الإسرائيلي الآن على أرض أكثر اهتزازا من أي وقت مضى، إنه في قلب النزاع الداخلي. المستوى السياسي ينفر من الجيش الإسرائيلي، ويشن هجمات غير مسبوقة على قيادته. وهو ما يتطلب تجديد الشرعية العامة للجيش وتجنيبه الانغماس في العمل السياسي".
روح معنوية متداعية
يقول يوآف ليمور في صحيفة إسرائيل اليوم في مقال عنوانه "فشل إسرائيل في تخيل حماس" بتاريخ 7 اكتوبر 2023: "أصبحت إسرائيل في السنوات الأخيرة مجتمعا أقل استعدادا لدفع الثمن، على عكس ما كانت عليه قبل 50 عاما عندما شن أعداؤها حرب 73. لقد اختل التوازن اليوم: الخسائر ستكون شديدة، الحرب ليست سهلة، والمجتمع منهك ومنقسم من داخله".
الإنزلاق نحو سيناريو الدولة الواحدة
يقول أودي ديكل تحت عنوان "استقرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" يوم 27 سبتمبر 2023 على موقع معهد دراسات الأمن القومي: "على مدى العقد الماضي هناك انزلاق بطئ غير محسوس نحو واقع الدولة الواحدة. وكلما تقدم هذا الاتجاه، زاد التشابك والاحتكاك بين الفلسطيني والإسرائيلي، وزادت صعوبة التوصل إلى اتفاق سياسي بين الطرفين قائم على الفصل بينهما في كيانين متميزين. هذا على الرغم من الفهم السائد بأن واقع الدولة الواحدة سيشكل تهديدا وجوديا لمستقبل إسرائيل ومستقبلها وأمنها".
ما الذي ستفعله إسرائيل اليوم وغدا؟
يطرح الباحثون أهدافا وسياسات يجب تنفيذها. ومثال ذلك ما كتبه كوبي مايكل على موقع معهد دراسات الأمن القومي في 7 أكتوبر تحت عنوان "المفاجأة وأهداف المستقبل"، وكذلك تامير هايمن على نفس الموقع بتاريخ 8 أكتوبر "تغيير استراتيجي في الاتجاه". وأهم ما تضمنه المقالان من توصيات ما يلي :
تدمير القوة العسكرية والسياسية لحماس
يجب أن يسعى الهدف الاستراتيجي إلى تغيير جوهري في وضع حماس ونفوذها في الساحة الفلسطينية:
1 ـ لا يمكن لحماس أن تبقى العنوان في قطاع غزة.
2 ـ لا بد من إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة.
3 ـ يجب توجيه ضربة شديدة على قيادة حماس وقدراتها العسكرية..
4 ـ يجب إعادة جميع من تم أسرهم إلى إسرائيل حتى لا يبقوا سلاحا في يد حماس.
5 ـ إضعاف نفوذ حماس في الضفة الغربية فهي الأكثر تأثيرا وأهمية هناك".
الجبهة الداخلية الإسرائيلية
هذه الحرب هي حرب على الجبهة الداخلية، النصر فيها سيحققه الجيش في ساحة القتال، والمجتمع الإسرائيلي في الجبهة الداخلية، لذا يجب:
ـ تحقيق التضامن والتماسك المجتمعي
ـ دعم الجيش الإسرائيلي.
ـ التحلي بالمسئولية.
ـ وقف جنون المؤمرات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي".
إيران وحزب الله
المعادلة القائمة حاليا هي: حماس القوية تعني نفوذا إيرانيا أكبر في الساحة الفلسطينية. وقد ترى إيران وحزب الله أن الوقت قد حان لمهاجمة إسرائيل من جبهات عديدة لإسقاطها وإزالتها، لذا يجب:
ـ إضعاف نفوذ إيران في الساحة الفلسطينية بإضعاف أذرعها فيها.
ـ تعزيز صورة الردع الإسرائيلية لدى حزب الله وإيران وغيرهما من الجهات الفاعلة".
تعزيز العلاقة الخاصة مع أمريكا
إن إعلان بايدن دعم الإدارة الأمريكية القاطع لإسرائيل بعد وقت قصير من هجوم حماس، وتأكيده حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهذا معناه:
ـ توفير شرعية دولية لإسرائيل وخصوصا بين الدول الغربية.
ـ حاجة إسرائيل إلى تعزيز العلاقات الخاصة مع أمريكا كعنصر رئيسي لأمن إسرائيل القومي
أسئلة كارثية
يطرح د. إيدو هيشت في المقال، الذي أشرنا إليه من قبل، مجموعة من الأسئلة المهمة التي تبين مدى ضبابية الخيارات والمستقبل أمام إسرائيل ، فيقول: "أظهرت التجربة أن هجوما جويا بحتا كبيرا ومكثفا لا يمكن أن يحقق هدف إسرائيل. ويبدو أن هجوما بريا كبيرا في مناطق حضرية كثيفة سيتم تنفيذه عاجلا أم آجلا. لقد قامت حماس بتحصين أحياء ومدن غزة وتدريب جنودها على الحرب فيها بشكل كبير. ولذلك، فإن إسرائيل تخاطر بخوض حرب طويلة يتكبد فيها الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة، وتخاطر بإلحاق خسائر كبيرة بالمدنيين الفلسطينيين ستثير انتقادات شديدة من قبل الولايات المتحدة، الداعم الدولي الرئيسي لها. كما أن الدعم الدولي للحرب لن يستمر طويلا إذا زادت الخسائر البشرية الفلسطينية:
ـ في الدرع الواقي عام 2002، طالبت الحكومة الأمريكية إسرائيل بوقف العملية في منتصف الطريق.
ـ في حرب الجرف الصامد 2014، حاولت الحكومة الأمريكية وأوروبا إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات لحماس، لكن مصر منعتهم لأنها تعتبر حماس حليفا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية.
ـ إذا طالت مدة الحرب في غزة، قل مخزون الجيش الإسرائيلي، وقل استعداده للقتال على الجبهتين اللبنانية والسورية. وبالتالي فإن خطر توسع الحرب إلى جبهة أخرى ينمو بمرور الوقت.
إذا نجح الهجوم الإسرائيلي المضاد، فإن ما يحتاج إلى إجابة: من سيحل محل حماس؟ هل سيبقى الجيش الإسرائيلي في غزة ويواجه حرب عصابات مضادة بلا توقف؟ هل البديل هو الانسحاب والسماح للفصائل المختلفة بالقتال من أجل السيطرة؟ لكن بالنظر إلى ما هو معروف عن آراء الشعب الفلسطيني وتوجهاته: إما أن تستعيد حماس تنظيمها ومكانتها؛ أو قد يحل مكانها الجهاد الإسلامي منافسها القوي الوحيد والأكثر تطرفا".
خيارات ونتائج أحلاها مر
نشرت صحيفة يديعوت يوم 8 أكتوبر مقالا للصحفي ناحوم برنياع عنوانه "7 أكتوبر خطأ إسرائيل الفادح"، قال فيه: "في يوم الغفران عام 73 واجهنا أكبر الجيوش العربية، وليس منظمة إرهابية من الدرجة الثانية. ومن حرب 73 المؤلمة جاء سلام مازال قائما حتى بعد 50 عاما من انتهائها؛ فما هو الخير الذي سيخرج لنا من الحرب الحالية؟! وما هي الخيارات المتاحة لدى إسرائيل الآن؟:
ـ قصف غزة: لكن ما الهدف الذي سيحققه لنا؟ لقد علمنا حدث السبت المروع أنه لا يمكن ترويض حماس. والأهم من ذلك أن مصير عشرات الرهائن والأطفال الصغار والنساء وكبار السن والجنود معلق في الهواء، ولن يحسن القصف الجوي فرصهم في العودة إلى ديارهم بأمان. يمكن لحماس دائما أن تضعهم على الأسطح، كدروع بشرية. باختصار: القصف هو ما اعتاد الجيش الإسرائيلي القيام به، وهو رد فعل مشروط، ولكن من المشكوك فيه ما إذا كان مفيدا.
ـ خيار المفاوضات: في صفقة شاليط، أطلق نتنياهو سراح أكثر من ألف أسير مقابل جندي واحد، وهو ثمن صعب لا يطاق. كم عدد من ستطالب حماس بإطلاق سراحهم مقابل عشرات الأسرى الإسرائيليين؟ إن من شأن التوصل إلى اتفاق أن يمنح حماس انتصارا آخر وسيوجه ضربة قويةللردع ضد إيران وحزب الله، وسيزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية.
ـ إطلاق عملية برية: أغلبية الجمهور ستؤيد عملية كهذه في البداية. ثم ستظهر الأسئلة: ماذا سيحدث في اليوم التالي للعملية، إذا بقينا سننزف هناك وإذا غادرنا ، ماذا فعلنا؟ إذا قضينا على حماس فمن من سيحل محلهم بعد ذلك؟
الخلاصة
طوفان الأقصى، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم سيكون له آثار سياسية بعيدة المدى. وسيكون له آثاره على مسيرة التطبيع التي تسير فيها الدول العربية. وهناك خوف لدى العدو من أن يتحول طوفان الأقصى إلى حرب متعددة الساحات داخل فلسطين وخارجها، مما يقلل من قدرة الجيش الإسرائيلي على المناورة. وسيكون يوم السبت 7 أكتوبر 2023 يوما مفصليا في تاريخ الصراع، ما قبله مغايرا لما بعده.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الفلسطينيين احتلال فلسطين توجهات طوفان الاقصي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی إسرائیل الیوم طوفان الأقصى فی الساحة هذه الحرب فی صحیفة فی مقال لا یمکن من قبل
إقرأ أيضاً:
طوفان الأقصى: السياسي والإيديولوجي
يمكننا، كما استخلصنا بعض السمات التي أفرزها طوفان الأقصى من جانب تعامل الطغمة الصهيونية والأمريكية معه، نريد التوقف على الجانب العربي بهدف النظر في كيفية تعاطيه مع القضية الفلسطينية عموما، وحدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر بصفة خاصة.
لقد تصرف العرب عموما مع الحدث، وكأنه بعيد عن انشغالاتهم وهمومهم بالقدر الذي يتطلبه هذا الحدث العظيم. ولم يطرأ التغيير في مواقفهم منه إلا بعد أن طرح ترامب مسألة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، حيث بدأت القضية لديهم تأخذ مسارا آخر. فكان الإجماع الذي افتقدته القضية منذ مدة طويلة.
قد تتعدد تفسيرات الواقع العربي، حكومات، وشعوبا، وأحزابا والتحولات التي أدت إلى المواقف من القضية الفلسطينية عكس ما وقع مثلا في 1973. لكني أريد الذهاب إلى البحث في الذهنية التي تتحكم في التصور العربي، ولا سيما لدى من ظلت القضية الفلسطينية تمثل لديهم أولوية في الصراع ضد الاستيطان، والهيمنة الأمريكية. وأقصد بصورة خاصة الأحزاب المعارضة، والنقابات، والمثقفين على اختلاف طوائفهم وألوانهم. وللقيام بذلك سأميز بين الإيديولوجيا والسياسة لأنني أرى هذا التمييز المدخل الطبيعي والضروري لفهم وتفسير ما جرى.
أعتبر السياسة فن إدارة وتدبير الوجود البشري لتحقيق المكاسب. أما الإيديولوجيا فنشر أفكار، والدفاع عنها باستماتة بهدف كسب الأنصار. إن الإيديولوجي الذي يمارس السياسة يعمل بدون وضع الزمن وتحولاته في نطاق ممارسته. إن ما يهمه بالدرجة الأولى هو تقديم تصوره الإيديولوجي الذي يتبناه ويظل يدافع عنه. والعرب لم يكونوا يمارسون السياسة ولكن الإيديولوجيا. إن الإيديولوجيا العربية، أيا كانت منطلقاتها ومقاصدها، هي ما يمارسه العرب في علاقتهم فيما بينهم، فتجد الفرقة بينهم تتخذ بعدا دينيا وطائفيا (سنة، شيعة)، وجغرافيا وحدوديا (شمال وجنوب، وغرب وشرق)، وسياسيا (حكومات وحركات). وكل منهم يرى أن إيديولوجيته هي التي تمتلك الحقيقة، والآخر ضال. وفي ضوء هذا التمايز تتخذ المواقف ضد أو مع ما يجري في الساحة العربية داخل كل قطر عربي، وبين الأقطار العربية. وهذه المواقف هي التي تتحدد في العلاقة مع الصهيونية وأمريكا خارجيا، حيث الرضوخ لهما بدعوى التحالف أو اتخاذ الحياد السلبي، أو التصريحات المجانية.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا، وهو يصطف إلى جانب الأطروحة الصهيونية ــ الأمريكية. لقد تم التعامل مع الحدث على أنه عمل حركة إرهابية هي حماس ضد دولة معترف بها عالميا، ولم يكن التعامل معه باعتباره وليد صيرورة من الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. وأنه لم يأت إلا ضد ما كانت تمارسه السلطات الصهيونية ومستوطنوها في القدس، وما ظلت تقوم به لتصفية القضية نهائيا، وخاصة منذ ولاية ترامب الأولى التي دعا فيها إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مدعيا جعلها عاصمة أبدية لإسرائيل، متنكرا بذلك لكل القرارات الأممية حول القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين.
أمام عدم انخراط الضفة الغربية في طوفان الأقصى، وهو ما كانت تخشاه إسرائيل، ملأت جبهات الإسناد الساحة، وقامت بدورها في دعم المقاومة في غزة، فبدا طوفان الأقصى وكأنه وليد إملاءات إيرانية، فاستغل هذا عالميا، وخاصة من لدن إسرائيل وأمريكا لتحوير الحرب الحقيقية من كونها قضية وطن إلى حرب بالوكالة لفائدة إيران التي صارت قطب «محور الشر». فكانت الاغتيالات لهنية في طهران، وبعد ذلك لرموز حزب الله وحركة حماس ليست نهاية لطوفان الأقصى بل لتأجيجه ودفعه في اتجاه مناقض لما كانت تحلم به إسرائيل التي توهمت أن القضية الفلسطينية ليس وراءها سوى إرهابيين يكفي القضاء عليهم لإنهاء القضية وإقبارها إلى الأبد.
لكن الصمود الوطني الأسطوري للمقاومة دفعها إلى القبول بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وبعد ذلك في غزة. وخلال هدنة تبادل الأسرى والمختطفين تفرغت الآلة الجهنمية الصهيونية للضفة الغربية مستهدفة تهجير المواطنين وتدميرها كما فعلت في غزة. ومع التحول الذي عرفته سوريا، ونهاية «الممانعة» التي كانت تمنع من المواجهة مع العدو، ها هي إسرائيل تهدد أمن بلد خرج للتو من كابوس مرعب بدعوى السيمفونية النشاز: حماية أمنها القومي؟ إسرائيل شعب الله المختار عليه أن يحافظ على أمنه الذي عليه تكدير أمن «جيرانه» غير المحتملين، وتنغيص الحياة عليهم. هذه هي السياسة الصهيونية التي تنبني على إيديولوجية التسلط والهيمنة.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا،
إن كل هذا نتيجة الخلاف الإيديولوجي بين مكونات المقاومة الفلسطينية الذي ظلت إسرائيل تغذيه وتفرضه طيلة كل عقود الصراع. ولا فرق في ذلك من يحمل السلاح لأنه إرهابي، ومن يخضع للهيمنة الصهيونية باسم سلطة لا حق لها في ممارستها. فكلاهما غير مرغوب فيه لأن إسرائيل للإسرائيليين وليست لأي عربي. هذا الدرس لم يفهمه بعض الفلسطينيين والعرب الذين اتخذوا مواقف مضادة من طوفان الأقصى. وهو الدرس الأكبر الذي يقدمه الطوفان لمن لم يريدوا فهم طبيعة الكيان الصهيوني وأسطورته الإسرائيلية، وهو ما يبدو حاليا بشكل أجلى منذ انتخاب ترامب في ولايته الثانية. وهو ما ظل يصرح به أبدا سموتريتش وبن غفير بوقاحة وجرأة وطغيان وعنصرية مقيتة.
يمارس الفلسطينيون بمختلف تياراتهم واتجاهاتهم السياسة، ومعهم كل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والأهلية العربية من منظور حركات التحرر العالمية في الستينيات، أي في ضوء تصورات إيديولوجية معينة. ومواقفهم من بعضهم البعض تتأسس على قاعدة: من ليس معي، فهو ضدي. إنها القاعدة التي لا يتولد منها سوى الحقد الإيديولوجي، والاقتتال الداخلي، والصراع المستدام. إنهم لا يميزون بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. بل إن ما هو ثانوي يصبح لديهم أساسيا، وفي المستوى الأول، بينما التناقض الرئيسي يقبع في الخلفية. ولذلك نجدهم يُرهِّنون تناقضاتهم الداخلية الخاصة، وتحتل المكانة الكبرى أمام ما تمثله تناقضاتهم مع عدوهم الخارجي التي تصبح وكأنها غير موجودة. يغذي العدو هذه التناقضات، ومن مصلحته إدامتها لبسط هيمنته، وإدارته الصراع بما يخدم مصلحته.
تبدأ ممارسة السياسة لدى الفلسطينيين إذا ما جمدوا تناقضاتهم الداخلية، ووجهوا التناقض نحو العدو المشترك. في هذا التجميد يكمن الحس الوطني الحقيقي في بعده الديمقراطي والوحدوي الذي تهمه قضية الوطن عبر وضعها فوق أي اعتبار. أما تبادل الاتهامات وادعاءات تمثيل الشعب الفلسطيني فليس سوى خطابات جوفاء لا قيمة لها لأنها تعبير عن إيديولوجيا زائفة.
إن الدرس الأكبر الذي نستنتجه من الحدث الأكبر طوفان الأقصى، والذي هو في الحقيقة حلقة من حلقات ما يمكننا تعلمه من تاريخنا الحديث في صراعنا مع الآخر، أي من الاستعمار التقليدي إلى الجديد يدفعنا إلى تأكيد أن ما قلناه عن الفلسطينيين ينسحب على العرب حكومات وشعوبا وأحزابا ومنظمات مختلفة. إن التناقض الرئيسي ليس مع من يختلف معنا، ويعارضنا، إنه ضد التبعية، والتخلف، والتفرقة، والتأخر عن العصر الذي نعيش فيه. إنه ضد الآخر الذي يسعى لإدامة التفرقة بين الدول والشعوب، وإشاعة الفتنة، ونهب ثروات وخيرات البلاد العربية، والحيلولة دون تقدمها. إنه ضد الطائفية والعرقية والظلامية، ومع حرية المواطن وكرامته وعزته في وطنه، ووحدة الأوطان، وتعزيز التعاون والتقارب بينها لما فيه الخير للجميع.
إذا لم تكن السياسة فن إدارة التدبير من أجل الحياة الكريمة فإنها ليست سوى إيديولوجيا توليد التناقضات وتفريخ الصراعات، وإشعال النزعات وإشاعة النزاعات، ويكفي النظر إلى ما يمور به واقعنا لتأكيد أن الإيديولوجي مهيمن في حياتنا على السياسي.
لقد كشف طوفان الأقصى حقيقة واقعنا مع ذاتنا ومع الآخر. فإلى متى يظل يلدغ المؤمن من الجحر مرتين؟