ميدل إيست آي: نفاق الغرب إزاء الحرب في غزة يثير الاشمئزاز
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
نشر موقع "ميدل إيست آي"، تقريرا للصحفي والكاتب البريطاني جوناثان كوك، حمل عنوان "نفاق الغرب إزاء الحرب في غزة يثير الاشمئزاز".
وأكد الكاتب البريطاني أن الغرب لن يعرب عن كثير من التعاطف مع الفلسطينيين وهم يُقصفون من قبل إسرائيل، وتلك المعاناة الهائلة التي يخضعون لها تُبرَّر باسم "انتقام إسرائيل".
وفي ما يأتي النص الكامل للتقرير الذي ترجمته "عربي21":
كل من لديه ضمير يصاب بالغثيان وهو يرى التعاطف الحالي الذي تحظى به إسرائيل.
ليس لأنه لا بأس في أن يموت المدنيون الإسرائيليون وأن يعانوا بهذه الأعداد الضخمة. ولكن لأن المدنيين الفلسطينيين في غزة، الذين لا يزالون يواجهون تدميراً متكرراً على يد الإسرائيليين، عقداً بعد عقد، ويتعرضون لمعاناة أكبر، لم يحظوا ولا حتى بجزء بسيط من التعاطف الذي يعبر عنه حالياً السياسيون والجماهير في الغرب مع إسرائيل.
يسفر النفاق الغربي عن وجهه حين يتعلق الأمر بالمقاتلين الفلسطينيين الذين قتلوا وجرحوا مئات الإسرائيليين وأسروا العشرات منهم وأخذوهم رهائن من المناطق المحيطة بغزة المحاصرة.
هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الفلسطينيون المحبوسون في الجيب الساحلي من توجيه ضربة كبيرة لإسرائيل في ما يشبه إلى حد ما التوحش الذي يتعرض له الفلسطينيون في غزة، وما انفكوا يواجهونه مراراً وتكراراً، منذ أن فرض عليهم الحصار براً وبحراً وجواً قبل 15 عاماً وظلوا في هذا القفص منذ عام 2007.
تصف وسائل الإعلام الغربية الهروب الفلسطيني من السجن والهجوم من غزة بأنه غير مسبوق – وبأنه أكبر إخفاق استخباراتي ترتكبه إسرائيل منذ أن أخذت على حين غرة في حرب يوم الغفران قبل خمسين عاماً بالضبط.
اتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حماس، التي تدير اسمياً السجن المفتوح في غزة، بالبدء بإشعال حرب وحشية وشريرة. ولكن الحقيقة هي أن الفلسطينيين لم يبدأوا شيئاً. كل ما هنالك هو أنهم تمكنوا بعد كثير من النضال من أن يجدوا سبيلاً لإيذاء جلادهم.
بالنسبة للفلسطينيين، وكما قال نتنياهو، لا مفر من أن الثمن سيكون باهظاً – وخاصة بالنسبة للمدنيين. سوف توقع إسرائيل بالسجناء أقسى العقوبات على جرأتهم.
راقبوا كم من التعاطف سيحظى به كثير من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين من الغرب، رغم أن هؤلاء الرجال والنساء والأطفال يقتلون تارة أخرى على يد الإسرائيليين. سوف يغض الطرف عن معاناتهم الضخمة، بل سوف يتم تبريرها باستخدام مصطلح "الانتقام الإسرائيلي".
الدروس الحقيقية
كل التحليل الحالي المركز على "الأخطاء" الاستخباراتية الإسرائيلية يقصد منه إشغال الناس عن الدرس الحقيقي من هذه الأحداث المتسارعة.
في الحقيقة لم يعبأ أحد حينما كان الفلسطينيون في غزة يتعرضون لحصار فرضته عليهم إسرائيل التي حرمتهم به من ضروريات الحياة. لا يكاد يبين بضع عشرات من الإسرائيليين الذين أسرهم مقاتلو حماس مقارنة بمليونين من الفلسطينيين الذين هم بحكم الرهائن في سجن مفتوح لما يقرب من عقدين من الزمن.
في الواقع لم يأبه أحد عندما تبين أن إسرائيل أخضعت فلسطينيي غزة لنظام تجويع غذائي – حيث لم يسمح إلا لكميات محدودة من الطعام بالدخول، تم حسابها حتى يحصل السكان على الحد الأدنى من الغذاء.
ولم يأبه أحد عندما قصفت إسرائيل الجيب الساحلي كل بضع سنين فقتلت المئات من المدنيين الفلسطينيين في كل مرة. وكانت إسرائيل ببساطة تطلق على ذلك مصطلح "قص العشب". وتم تدمير مساحات شاسعة من غزة، فيما تفاخر الجنرالات الإسرائيليون بما أسموه "إعادة القطاع إلى العصر الحجري"، وكان قد صيغ على شكل استراتيجية عسكرية أطلق عليها اسم "عقيدة الضاحية".
ولم يأبه أحد حينما استهدف القناصة الإسرائيليون الممرضين والممرضات، والصغار، والجالسين في كراسي العجزة، عندما خرجوا للاحتجاج على القهر الذي تمارسه إسرائيل بحقهم. وكثير من هؤلاء فقدوا أطرافهم بعد أن تلقى القناصة أوامر بإطلاق النار على المحتجين بشكل عشوائي يستهدفون سيقانهم وأقدامهم.
يصعب تقبل القلق الغربي إزاء مقتل المدنيين الإسرائيليين على أيدي المقاتلين الفلسطينيين. أولم يمت مئات من الأطفال الفلسطينيين على مدى 15 سنة سابقة في حملات القصف الإسرائيلية المتكررة على غزة؟ ألم تكن لحياتهم قيمة كما لحياة الإسرائيليين قيمة – وإذا كان الجواب لا، فلم لا؟
بعد كل هذه اللامبالاة ولزمن طويل، يصعب على المرء سماع الارتياع المفاجئ من قبل الحكومات ووسائل الإعلام الغربية لأن الفلسطينيين وجدوا أخيراً سبيلاً – يعكس السياسة الإسرائيلية غير الإنسانية على مدى عقود –لرد الصاع صاعين، وبفاعلية بالغة.
تنزع هذه اللحظة القناع وتعري العنصرية السافرة التي تتنكر على هيئة قلق أخلاقي صادر عن مختلف العواصم الغربية.
نفاق مقطر
يقطر هذا النفاق لدى فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، الذي كتب في نهاية هذا الأسبوع تغريدة طويلة ندد فيها بالفلسطينيين باعتبارهم إرهابيين، وأعرب للإسرائيليين عن دعمه الذي لا يتزحزح.
وقال إن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا يرقى إلى الشك". وأضاف قائلاً: "يجب على العالم أن يقف موحداً وفي تضامن حتى لا يتمكن الإرهاب من محاولة كسر أو إخضاع الحياة في أي مكان وفي أي وقت".
إن قلب الحقائق يأخذ بالألباب. فالفلسطينيون لا يمكنهم "إخضاع الحياة" في إسرائيل، إذ ليس لديهم القدرة على ذلك، حتى لو تمكن عدد قليل منهم لبرهة من الخروج من محبسهم. بل إن إسرائيل هي التي ما لبثت تخضع الحياة الفلسطينية لسلطانها، ولعقود متتالية.
لا يبدو أن كل أشكال الإرهاب متساوية في عيني زيلينسكي أو في عيون شركائه في العواصم الغربية، وبالتأكيد ليس إرهاب الدولة في إسرائيل الذي حول حياة الفلسطينيين إلى شقاء لعدة عقود.
كيف يكون لإسرائيل حق لا يرقى إليه الشك في الدفاع عن نفسها من الفلسطينيين الذين تحتل هي أراضيهم وتسيطر عليها؟ وكيف إذن لا يحق لروسيا أن تزعم بشكل مكافئ بأنها تمارس حق الدفاع عن نفسها حينما تضرب المدن الأوكرانية انتقاماً من الضربات الأوكرانية التي يقصد بها تحرير أراضي أوكرانيا من الاحتلال الروسي؟
والآن تقوم إسرائيل، القوة الأكبر والطرف المعتدي، بتدمير غزة انتقاماً، على حد تعبير الـ بي بي سي، من الهجمات الفلسطينية الأخيرة.
إذن على أي أساس يمكن لزيلينسكي أو أي من المسؤولين في حكومته التنديد بموسكو حينما تطلق صواريخها انتقاماً من الضربات الأوكرانية على الأراضي الروسية؟ وإذا كانت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي إرهاباً، كما يؤكد زيلينسكي، فهل المقاومة الأوكرانية ضد الاحتلال الروسي تصنف على أنها إرهاب؟
لا مكان للاختباء
من خلال مسايرة إسرائيل في خداعها، يسمح حلفاء إسرائيل لها بافتراء أكاذيب أشد بشاعة. ففي نهاية الأسبوع، حذر نتنياهو الفلسطينيين في غزة مطالباً إياهم بالمغادرة حالاً لأن القوات الإسرائيلية تستعد لاستخدام كل ما لديها من قوة.
إلا أن نتنياهو يعلم، كما يعلم مساندوه في الغرب، أن سكان غزة لا يمكنهم الهرب إلى أي مكان. لا يوجد لديهم مكان يختبئون فيه. فمنذ أن فرضت إسرائيل الحصار براء وبحراً وجواً على قطاع غزة والناس محبوسون فيها.
الفلسطينيون الوحيدون الذين لديهم القدرة على مغادرة غزة هم الفصائل المسلحة التي كسرت القيد وخرجت من السجن الذي فرضته إسرائيل على القطاع. وهؤلاء هم الذين يصنفون الآن من قبل السياسيين والإعلام في الغرب "إرهابيين".
نفس الحكومات التي راعها الهجوم الفلسطيني على إسرائيل هي نفس الحكومات التي التزمت الصمت إزاء قطع إسرائيل للتيار الكهربائي عن السجن الذي يسمى غزة – وتارة أخرى في ما يفترض أنه إجراء انتقامي.
إن العقاب الجماعي بحق مليوني فلسطيني في غزة، وهم الذين يعتمدون على إسرائيل من أجل الطاقة لأن إسرائيل تحيط بهم وتتحكم بكل جانب من جوانب حياتهم داخل القطاع، ما هو إلا جريمة حرب.
والغريب في الأمر أن المسؤولين الغربيين يفهمون أنها جريمة حرب عندما تقصف روسيا محطات الطاقة في أوكرانيا فتطفئ بذلك الأنوار فيها. تعلو أصواتهم بالمطالبة بجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. فما هو وجه الصعوبة إذن في فهم أن ما تقوم به إسرائيل ضد غزة لا يختلف عن ذلك؟
هروب جريء
هناك درسان مباشران ومتقابلان يمكن تعلمهما مما حدث نهاية هذا الأسبوع.
أما الأول فهو أن الروح الإنسانية لا يمكن حبسها في قفص إلى ما لا نهاية. فلم يتوقف الفلسطينيون بتاتاً عن ابتكار طرق جديدة للانعتاق والتحرر وكسر الأغلال.
لقد حفروا شبكة من الأنفاق، تمكن الإسرائيليون من تحديد مواقع معظمها، فدمروها. ثم أطلقوا الصواريخ التي كانت كلها تقريباً يتصيدها الإسرائيليون ويسقطونها بما يتوفر لديهم من أنظمة اعتراض متقدمة. كما أنهم نظموا احتجاجات جماعية أمام الأسيجة المحصنة والمنيعة، بما أحاطها الإسرائيليون على امتدادها من أبراج مراقبة وقنص، فكان القناصة يتصيدونهم ويقتلونهم.
والآن ها هم يقومون بعملية هروب جريئة. ما من شك في أن إسرائيل سوف تضرب القطاع وتخضعه ثانية من خلال قصف هائل ومكثف، ولكن بالطبع فقط "من باب الانتقام". إلا أن الفلسطينيين الذين يتعطشون للحرية والكرامة لن يختفوا، ولسوف يبرز شكل جديد من المقاومة، ما من شك في أنه سيكون أشد عنفاً.
والأطراف التي تتحمل جل المسؤولية عن ذلك العنف والتوحش ستكون إسرائيل والغرب الذي يقدم لها دعماً سخياً، وذلك لأن إسرائيل ترفض التوقف عن التنكيل بالفلسطينيين الذين تفرض عليهم العيش تحت حكمها.
وأما الدرس الثاني فهو أن إسرائيل، والتي لا نهاية للدلال الذي تحظى به من قبل رعاتها في الغرب، ما زالت لا يوجد لديها حافز لاستيعاب حقيقة ما يجري والاعتبار منه. قد تكون قبيحة تلك اللغة الصادرة عن الفاشيين في حكومتها الحالية ممن يؤمنون بالفوقية اليهودية، ولكن ثمة إجماع عام بين الإسرائيليين من كل ألوان الطيف السياسي على أن الفلسطينيين ينبغي أن يظلوا مقهورين ومضطهدين.
وهذا يفسر لماذا لن تتردد ما تسمى المعارضة في تأييد الدك العسكري لقطاع غزة المحاصر منذ زمن طويل، وتأييد قتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين "من أجل تلقينهم درساً"، وهو درس لا يوجد في إسرائيل من لديه القدرة على صياغته سوى على شكل الإصرار بأن على الفلسطينيين أن يقبلوا بالعيش في ذل دائم داخل محبسهم.
وها هم "الإسرائيليون الطيبون" – المعارضة التي يقودها يائير لابيد وبيني غانتز – قد دخلوا في حوار مع نتنياهو حول الانضمام إلى "حكومة وحدة طارئة".
وما الذي طرأ على الوضع سوى أن الفلسطينيين خرجوا يطالبون بحقهم في ألا يعيشوا في وطنهم داخل السجن.
بإمكان الإسرائيليين والغربيين الاستمرار في ممارسة الجمباز الذهني لتبرير قهر الفلسطينيين وحرمانهم من أي حق في المقاومة. إلا أن نفاقهم وخداعهم للذات تعرى تماماً أمام العالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية غزة الاحتلال غزة الاحتلال طوفان الاقصي سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفلسطینیین الذین أن الفلسطینیین أن إسرائیل فی الغرب من قبل فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
خطا الرئيس السوري أحمد الشرع ثلاث خطوات مُهمة نحو إعادة توحيد سوريا، ومواجهة مشاريع تقسيمها. الأولى، إفشال التمرد المُسلّح الذي قادته خلايا النظام المخلوع في مناطق الساحل بهدف إسقاط الدولة الجديدة وإشعال حرب أهلية. والثانية، إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة الجديدة، والثالثة، الاتفاق مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء الجنوبية على دمجها الكامل في مؤسسات الدولة.
مع ذلك، تبقى مُعضلة الجنوب السوري إشكالية ضاغطة على سوريا؛ بسبب التحركات التي بدأتها إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد واحتلالها أجزاء جديدة من الأراضي السورية ومحاولتها تأليب دروز الجنوب على إدارة الرئيس الشرع.
على الرغم من أن إسرائيل سعت في البداية إلى تسويق تحرّكاتها العدوانية في سوريا في إطار مواجهة مخاطر أمنية مزعومة تُهددها، فإن النهج الإسرائيلي أصبح بعد ذلك أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 فبراير/ شباط الماضي عن نوايا إسرائيل الإستراتيجية في سوريا. وتتضمن هذه النوايا تحقيق أربعة أهداف متوسطة وبعيدة المدى.
أولًا، تكريس احتلال المنطقة العازلة في الجولان وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية كأمر واقع من خلال ربط التواجد الإسرائيلي فيهما بالتهديدات المزعومة بعيدة المدى التي تواجه إسرائيل من سوريا، وليس القريبة المدى. وبالنظر إلى أن المناطق المُحتلة الجديدة ليست كبيرة من حيث الحجم، فإن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بها، إما بهدف ضمها لها بشكل نهائي، أو بهدف تعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مُحتملة مع النظام الجديد في سوريا.
ثانيًا، محاولة إحداث شرخ كبير بين الدروز في جنوب سوريا والإدارة الجديدة كبوابة لتأسيس كيان درزي كمنطقة عازلة بينها وبين سوريا. ولا تقتصر وسائل إسرائيل بهذا الخصوص على تشجيع النزعة الانفصالية بين الدروز، وتقديم نفسها كحامٍ لهم، بل تشمل كذلك طرح مطلب تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح وعدم انتشار الجيش السوري الجديد فيها، فضلًا عن اعتزام السماح للدروز بالعمل داخل إسرائيل.
ثالثًا، تدمير ما تبقى من الأصول العسكرية التي أصبحت ملكًا للدولة السورية بعد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وتقويض قدرتها على امتلاك عناصر القوة لبسط سيطرتها على كافة أراضيها وللتعامل مع التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها، خصوصًا مع الأطراف: (قسد، خلايا النظام في الساحل، والتشكيلات المسلحة في الجنوب). وتندرج هذه الإستراتيجية ضمن أهداف إسرائيل في تشجيع النزعات الانفصالية على الأطراف لإضعاف السلطة المركزية في دمشق.
رابعًا، تقويض قدرة تركيا على الاستفادة من التحول السوري لتعزيز دورها في سوريا، وفي المنافسة الجيوسياسية مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، تعمل إسرائيل على مسارات مُتعددة، ليس فقط محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الدروز في الجنوب، بل أيضًا شيطنة الإدارة السورية الجديدة للتأثير على القبول الدولي بها، والضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم الاعتراف بالرئيس الشرع، وإبقاء العقوبات على سوريا كسيف مُصلت عليها لتحقيق مصالح إسرائيل، والضغط كذلك على واشنطن لإقناعها بالحاجة إلى بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا كضرورة لمواجهة نفوذ تركيا.
حتى في الوقت الذي يبدو فيه تقسيم سوريا أو فَدْرلتها أو تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح (عدم وجود الجيش السوري فيها)، غير مُمكن وغير واقعي، فإنه من المرجح أن تحتفظ إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية لفترة طويلة.
كما ستسعى لاستثمار الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أجل مواصلة شن ضربات على امتداد الأراضي السورية؛ بذريعة مواجهة تهديدات مُحتملة، أو خطر وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات تُشكل تهديدًا لإسرائيل.
إن هذا النهج الإسرائيلي المُحتمل ينطوي على مخاطر كبيرة على سوريا وإدارتها الجديدة، لأنه سيُقوض من قدرتها على تحقيق استقرار داخلي كامل وبناء مؤسسة عسكرية قوية. ولا تبدو احتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل واردة على الإطلاق على جدول أعمال الرئيس الشرع، خصوصًا في هذه المرحلة التي تفرض عليه تركيز أولوياته على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، وبناء علاقات جيدة مع الغرب من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإطلاق عملية إعادة الإعمار.
لقد شدد الشرع في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد. ويعمل الشرع على ثلاثة سياقات لمواجهة التحدي الإسرائيلي.
التأكيد على التزامه باتفاقية فض الاشتباك لإظهار رغبته في تجنب أي صدام عسكري مع إسرائيل.
تقويض قدرة إسرائيل على استثمار الانقسامات الطائفية والمجتمعية والعرقية في سوريا من خلال السعي لدمج الحالات على الأطراف: (الشمال الشرقي، الساحل، الجنوب) في الدولة الجديدة.
تعزيز القبول الدولي به لإقناع القوى الفاعلة في المجتمعين: الإقليمي والدولي بالضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد.
علاوة على ذلك، يُحاول الشرع توسيع هامش المناورة لديه في مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعميق الشراكة الجديدة لسوريا مع تركيا.
على الرغم من وجود مشروع لاتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، فإن الشرع لا يزال متريثًا في الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات مُتعددة. لكنه في حال تصاعد خطر التحدي الإسرائيلي على استقرار سوريا ووحدتها، فإنه قد يلجأ إلى هذه الاتفاقية للحصول على دعم تركي في تسليح الجيش السوري الجديد، وتعزيز قدرته على مواجهة هذا التحدي.
والخلاصة أن التحدي الإسرائيلي يُوجد عقبات كبيرة أمام نجاح التحول في سوريا، لكنه يُوجد في المقابل فرصًا للشرع لبلورة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، وتعزيز القبول الدولي به كضمان لمنع اندلاع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.