نشر موقع "ميدل إيست آي"، تقريرا للصحفي والكاتب البريطاني جوناثان كوك، حمل عنوان "نفاق الغرب إزاء الحرب في غزة يثير الاشمئزاز".

وأكد الكاتب البريطاني أن الغرب لن يعرب عن كثير من التعاطف مع الفلسطينيين وهم يُقصفون من قبل إسرائيل، وتلك المعاناة الهائلة التي يخضعون لها تُبرَّر باسم "انتقام إسرائيل".

وفي ما يأتي النص الكامل للتقرير الذي ترجمته "عربي21":

كل من لديه ضمير يصاب بالغثيان وهو يرى التعاطف الحالي الذي تحظى به إسرائيل.



ليس لأنه لا بأس في أن يموت المدنيون الإسرائيليون وأن يعانوا بهذه الأعداد الضخمة. ولكن لأن المدنيين الفلسطينيين في غزة، الذين لا يزالون يواجهون تدميراً متكرراً على يد الإسرائيليين، عقداً بعد عقد، ويتعرضون لمعاناة أكبر، لم يحظوا ولا حتى بجزء بسيط من التعاطف الذي يعبر عنه حالياً السياسيون والجماهير في الغرب مع إسرائيل.

يسفر النفاق الغربي عن وجهه حين يتعلق الأمر بالمقاتلين الفلسطينيين الذين قتلوا وجرحوا مئات الإسرائيليين وأسروا العشرات منهم وأخذوهم رهائن من المناطق المحيطة بغزة المحاصرة.

هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الفلسطينيون المحبوسون في الجيب الساحلي من توجيه ضربة كبيرة لإسرائيل في ما يشبه إلى حد ما التوحش الذي يتعرض له الفلسطينيون في غزة، وما انفكوا يواجهونه مراراً وتكراراً، منذ أن فرض عليهم الحصار براً وبحراً وجواً قبل 15 عاماً وظلوا في هذا القفص منذ عام 2007.

تصف وسائل الإعلام الغربية الهروب الفلسطيني من السجن والهجوم من غزة بأنه غير مسبوق – وبأنه أكبر إخفاق استخباراتي ترتكبه إسرائيل منذ أن أخذت على حين غرة في حرب يوم الغفران قبل خمسين عاماً بالضبط.

اتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حماس، التي تدير اسمياً السجن المفتوح في غزة، بالبدء بإشعال حرب وحشية وشريرة. ولكن الحقيقة هي أن الفلسطينيين لم يبدأوا شيئاً. كل ما هنالك هو أنهم تمكنوا بعد كثير من النضال من أن يجدوا سبيلاً لإيذاء جلادهم.

بالنسبة للفلسطينيين، وكما قال نتنياهو، لا مفر من أن الثمن سيكون باهظاً – وخاصة بالنسبة للمدنيين. سوف توقع إسرائيل بالسجناء أقسى العقوبات على جرأتهم.

راقبوا كم من التعاطف سيحظى به كثير من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين من الغرب، رغم أن هؤلاء الرجال والنساء والأطفال يقتلون تارة أخرى على يد الإسرائيليين. سوف يغض الطرف عن معاناتهم الضخمة، بل سوف يتم تبريرها باستخدام مصطلح "الانتقام الإسرائيلي".

الدروس الحقيقية

كل التحليل الحالي المركز على "الأخطاء" الاستخباراتية الإسرائيلية يقصد منه إشغال الناس عن الدرس الحقيقي من هذه الأحداث المتسارعة.

في الحقيقة لم يعبأ أحد حينما كان الفلسطينيون في غزة يتعرضون لحصار فرضته عليهم إسرائيل التي حرمتهم به من ضروريات الحياة. لا يكاد يبين بضع عشرات من الإسرائيليين الذين أسرهم مقاتلو حماس مقارنة بمليونين من الفلسطينيين الذين هم بحكم الرهائن في سجن مفتوح لما يقرب من عقدين من الزمن.

في الواقع لم يأبه أحد عندما تبين أن إسرائيل أخضعت فلسطينيي غزة لنظام تجويع غذائي – حيث لم يسمح إلا لكميات محدودة من الطعام بالدخول، تم حسابها حتى يحصل السكان على الحد الأدنى من الغذاء.

ولم يأبه أحد عندما قصفت إسرائيل الجيب الساحلي كل بضع سنين فقتلت المئات من المدنيين الفلسطينيين في كل مرة. وكانت إسرائيل ببساطة تطلق على ذلك مصطلح "قص العشب". وتم تدمير مساحات شاسعة من غزة، فيما تفاخر الجنرالات الإسرائيليون بما أسموه "إعادة القطاع إلى العصر الحجري"، وكان قد صيغ على شكل استراتيجية عسكرية أطلق عليها اسم "عقيدة الضاحية".

ولم يأبه أحد حينما استهدف القناصة الإسرائيليون الممرضين والممرضات، والصغار، والجالسين في كراسي العجزة، عندما خرجوا للاحتجاج على القهر الذي تمارسه إسرائيل بحقهم. وكثير من هؤلاء فقدوا أطرافهم بعد أن تلقى القناصة أوامر بإطلاق النار على المحتجين بشكل عشوائي يستهدفون سيقانهم وأقدامهم.

يصعب تقبل القلق الغربي إزاء مقتل المدنيين الإسرائيليين على أيدي المقاتلين الفلسطينيين. أولم يمت مئات من الأطفال الفلسطينيين على مدى 15 سنة سابقة في حملات القصف الإسرائيلية المتكررة على غزة؟ ألم تكن لحياتهم قيمة كما لحياة الإسرائيليين قيمة – وإذا كان الجواب لا، فلم لا؟

بعد كل هذه اللامبالاة ولزمن طويل، يصعب على المرء سماع الارتياع المفاجئ من قبل الحكومات ووسائل الإعلام الغربية لأن الفلسطينيين وجدوا أخيراً سبيلاً – يعكس السياسة الإسرائيلية غير الإنسانية على مدى عقود –لرد الصاع صاعين، وبفاعلية بالغة.

تنزع هذه اللحظة القناع وتعري العنصرية السافرة التي تتنكر على هيئة قلق أخلاقي صادر عن مختلف العواصم الغربية.

نفاق مقطر

يقطر هذا النفاق لدى فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، الذي كتب في نهاية هذا الأسبوع تغريدة طويلة ندد فيها بالفلسطينيين باعتبارهم إرهابيين، وأعرب للإسرائيليين عن دعمه الذي لا يتزحزح.

وقال إن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا يرقى إلى الشك". وأضاف قائلاً: "يجب على العالم أن يقف موحداً وفي تضامن حتى لا يتمكن الإرهاب من محاولة كسر أو إخضاع الحياة في أي مكان وفي أي وقت".

إن قلب الحقائق يأخذ بالألباب. فالفلسطينيون لا يمكنهم "إخضاع الحياة" في إسرائيل، إذ ليس لديهم القدرة على ذلك، حتى لو تمكن عدد قليل منهم لبرهة من الخروج من محبسهم. بل إن إسرائيل هي التي ما لبثت تخضع الحياة الفلسطينية لسلطانها، ولعقود متتالية.

لا يبدو أن كل أشكال الإرهاب متساوية في عيني زيلينسكي أو في عيون شركائه في العواصم الغربية، وبالتأكيد ليس إرهاب الدولة في إسرائيل الذي حول حياة الفلسطينيين إلى شقاء لعدة عقود.

كيف يكون لإسرائيل حق لا يرقى إليه الشك في الدفاع عن نفسها من الفلسطينيين الذين تحتل هي أراضيهم وتسيطر عليها؟ وكيف إذن لا يحق لروسيا أن تزعم بشكل مكافئ بأنها تمارس حق الدفاع عن نفسها حينما تضرب المدن الأوكرانية انتقاماً من الضربات الأوكرانية التي يقصد بها تحرير أراضي أوكرانيا من الاحتلال الروسي؟

والآن تقوم إسرائيل، القوة الأكبر والطرف المعتدي، بتدمير غزة انتقاماً، على حد تعبير الـ بي بي سي، من الهجمات الفلسطينية الأخيرة.

إذن على أي أساس يمكن لزيلينسكي أو أي من المسؤولين في حكومته التنديد بموسكو حينما تطلق صواريخها انتقاماً من الضربات الأوكرانية على الأراضي الروسية؟ وإذا كانت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي إرهاباً، كما يؤكد زيلينسكي، فهل المقاومة الأوكرانية ضد الاحتلال الروسي تصنف على أنها إرهاب؟

لا مكان للاختباء

من خلال مسايرة إسرائيل في خداعها، يسمح حلفاء إسرائيل لها بافتراء أكاذيب أشد بشاعة. ففي نهاية الأسبوع، حذر نتنياهو الفلسطينيين في غزة مطالباً إياهم بالمغادرة حالاً لأن القوات الإسرائيلية تستعد لاستخدام كل ما لديها من قوة.

إلا أن نتنياهو يعلم، كما يعلم مساندوه في الغرب، أن سكان غزة لا يمكنهم الهرب إلى أي مكان. لا يوجد لديهم مكان يختبئون فيه. فمنذ أن فرضت إسرائيل الحصار براء وبحراً وجواً على قطاع غزة والناس محبوسون فيها.

الفلسطينيون الوحيدون الذين لديهم القدرة على مغادرة غزة هم الفصائل المسلحة التي كسرت القيد وخرجت من السجن الذي فرضته إسرائيل على القطاع. وهؤلاء هم الذين يصنفون الآن من قبل السياسيين والإعلام في الغرب "إرهابيين".

نفس الحكومات التي راعها الهجوم الفلسطيني على إسرائيل هي نفس الحكومات التي التزمت الصمت إزاء قطع إسرائيل للتيار الكهربائي عن السجن الذي يسمى غزة – وتارة أخرى في ما يفترض أنه إجراء انتقامي.

إن العقاب الجماعي بحق مليوني فلسطيني في غزة، وهم الذين يعتمدون على إسرائيل من أجل الطاقة لأن إسرائيل تحيط بهم وتتحكم بكل جانب من جوانب حياتهم داخل القطاع، ما هو إلا جريمة حرب.

والغريب في الأمر أن المسؤولين الغربيين يفهمون أنها جريمة حرب عندما تقصف روسيا محطات الطاقة في أوكرانيا فتطفئ بذلك الأنوار فيها. تعلو أصواتهم بالمطالبة بجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. فما هو وجه الصعوبة إذن في فهم أن ما تقوم به إسرائيل ضد غزة لا يختلف عن ذلك؟

هروب جريء

هناك درسان مباشران ومتقابلان يمكن تعلمهما مما حدث نهاية هذا الأسبوع.

أما الأول فهو أن الروح الإنسانية لا يمكن حبسها في قفص إلى ما لا نهاية. فلم يتوقف الفلسطينيون بتاتاً عن ابتكار طرق جديدة للانعتاق والتحرر وكسر الأغلال.

لقد حفروا شبكة من الأنفاق، تمكن الإسرائيليون من تحديد مواقع معظمها، فدمروها. ثم أطلقوا الصواريخ التي كانت كلها تقريباً يتصيدها الإسرائيليون ويسقطونها بما يتوفر لديهم من أنظمة اعتراض متقدمة. كما أنهم نظموا احتجاجات جماعية أمام الأسيجة المحصنة والمنيعة، بما أحاطها الإسرائيليون على امتدادها من أبراج مراقبة وقنص، فكان القناصة يتصيدونهم ويقتلونهم.

والآن ها هم يقومون بعملية هروب جريئة. ما من شك في أن إسرائيل سوف تضرب القطاع وتخضعه ثانية من خلال قصف هائل ومكثف، ولكن بالطبع فقط "من باب الانتقام". إلا أن الفلسطينيين الذين يتعطشون للحرية والكرامة لن يختفوا، ولسوف يبرز شكل جديد من المقاومة، ما من شك في أنه سيكون أشد عنفاً.

والأطراف التي تتحمل جل المسؤولية عن ذلك العنف والتوحش ستكون إسرائيل والغرب الذي يقدم لها دعماً سخياً، وذلك لأن إسرائيل ترفض التوقف عن التنكيل بالفلسطينيين الذين تفرض عليهم العيش تحت حكمها.

وأما الدرس الثاني فهو أن إسرائيل، والتي لا نهاية للدلال الذي تحظى به من قبل رعاتها في الغرب، ما زالت لا يوجد لديها حافز لاستيعاب حقيقة ما يجري والاعتبار منه. قد تكون قبيحة تلك اللغة الصادرة عن الفاشيين في حكومتها الحالية ممن يؤمنون بالفوقية اليهودية، ولكن ثمة إجماع عام بين الإسرائيليين من كل ألوان الطيف السياسي على أن الفلسطينيين ينبغي أن يظلوا مقهورين ومضطهدين.

وهذا يفسر لماذا لن تتردد ما تسمى المعارضة في تأييد الدك العسكري لقطاع غزة المحاصر منذ زمن طويل، وتأييد قتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين "من أجل تلقينهم درساً"، وهو درس لا يوجد في إسرائيل من لديه القدرة على صياغته سوى على شكل الإصرار بأن على الفلسطينيين أن يقبلوا بالعيش في ذل دائم داخل محبسهم.

وها هم "الإسرائيليون الطيبون" – المعارضة التي يقودها يائير لابيد وبيني غانتز – قد دخلوا في حوار مع نتنياهو حول الانضمام إلى "حكومة وحدة طارئة".

وما الذي طرأ على الوضع سوى أن الفلسطينيين خرجوا يطالبون بحقهم في ألا يعيشوا في وطنهم داخل السجن.

بإمكان الإسرائيليين والغربيين الاستمرار في ممارسة الجمباز الذهني لتبرير قهر الفلسطينيين وحرمانهم من أي حق في المقاومة. إلا أن نفاقهم وخداعهم للذات تعرى تماماً أمام العالم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية غزة الاحتلال غزة الاحتلال طوفان الاقصي سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفلسطینیین الذین أن الفلسطینیین أن إسرائیل فی الغرب من قبل فی غزة

إقرأ أيضاً:

حماس: الخيار العسكري لن يعيد الأسرى الإسرائيليين ويعني التضحية بهم

الجديد برس|

أكدت حركة حماس، أن استئناف الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على غزة، يعني التضحية بالأسرى الإسرائيلي الذين لن تستردهم إلى بوقف الحرب.

وقالت عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق، إن قرار رئيس حكومة الاحتلال استئناف الحرب “يأتي كقارب نجاة له من أزماته الداخلية”.

وأكد “الرشق” في تصريحاتٍ صحفية اليوم الثلاثاء، أن قرار استئناف يعني التضحية بأسرى الاحتلال وإصدار حكم بالإعدام ضدهم.

وأضاف أن الوساطات الدولية يجب أن تكشف الحقائق حول انقلاب نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار وتحمله مسؤولية تصعيد الوضع في غزة والإقليم، موضحًا أن الاحتلال لن يحقق من خلال الحرب والدمار ما عجز عن تحقيقه عبر المفاوضات.

من جانبه، قال المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القانوع، إن الحركة، كانت ولا زالت حريصة على استكمال مراحل الاتفاق، “لكن مصالح رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الشخصية وهروباً من أزماته انقلب على الاتفاق”.

وأضاف القانوع في تصريح “لـ”العربي الجديد”، اليوم الثلاثاء، أن الوسطاء جميعاً يدركون التزام حماس ببنود الاتفاق رغم مماطلة نتنياهو وانقلابه ويتطلب منهم كشف ذلك للعالم.

وحول تأثير التصعيد العسكري حول موقف حماس في المفاوضات أكد القانوع، أن الخيار العسكري فشل في استرداد الأسرى وليس من خيار أمام العدو إلا وقف الحرب وتنفيذ اتفاق وقف النار.

وشنت إسرائيل فجر اليوم الثلاثاء سلسلة غارات جوية على قطاع غزة أدت لاستشهاد أكثر من 420 فلسطيني ومئات الجرحى بينهم مسؤولين في العمل الحكومي.

مقالات مشابهة

  • الكنيست تقرّ بتغليظ العقوبات على الفلسطينيين الذين يدخلون إسرائيل دون تصاريح
  • هآرتس: إسرائيل وليست حماس هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • عبد السلام فاروق يكتب: جون ميرشايمر.. رجل رأى العاصفة قادمة
  • حماس: الخيار العسكري لن يعيد الأسرى الإسرائيليين ويعني التضحية بهم
  • صاروخ يمني يثير الهلع في إسرائيل.. وسقوط مصابين في النقب
  • رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
  • عائلات المحتجزين الإسرائيليين: الحكومة تخلت عن أبنائنا وأعلنت استئناف الحرب
  • عائلات المحتجزين الإسرائيليين: يجب إعادة الـ59 محتجزًا من غزة حتى لو كلف ذلك إنهاء الحرب
  • استطلاع: 70 بالمئة من الإسرائيليين يرون إعادة الأسرى الهدف الأهم
  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب