صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-25@22:07:21 GMT

التراشق السياسي حول فض الاعتصام

تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT

التراشق السياسي حول فض الاعتصام

فيصل محمد صالح

يلقي السياسيون الكلمات بلا تحقق منها ولا من عواقبها، شعارهم فيما يبدو هو «كلام والسلام»، ويظنون أن الكلام سيمضي مع الهواء، لا يبقى له أثر ولا يتذكره الناس. وكم من سياسي أو حاكم ورّطه لسانه في حديث قاله، ثم لم يجد طريقة للتملص منه.

وما قاله الفريق البرهان قبل أيام عن أن قوات «الدعم السريع» هي التي قامت بفض الاعتصام لن يمضي بسهولة، ولن يحمله الهواء، فهو حديث عن جريمة بشعة كاملة الأركان، راح ضحيتها ما يزيد على المائة شهيد شاب، ومئات الجرحى، وعدد غير معروف من المفقودين، وكلهم كانوا من المدنيين السلميين، بجانب حوادث اغتصاب وتعذيب وإلقاء للجثث في النيل.

وقعت الجريمة فجر يوم الاثنين، الثالث من يونيو (حزيران) عام 2019، عندما هاجمت قوات عسكرية منطقة الاعتصام السلمي أمام القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، والتي أقامها المتظاهرون المطالبون بإسقاط نظام الإنقاذ، وإقامة حكم مدني ديمقراطي، واستمر الاعتصام قرابة الشهرين.

تم تكوين لجنة تحقيق برئاسة المحامي المعروف نبيل أديب، ولم تكمل اللجنة مهامها أو ترفع تقريرها خلال العامين الأولين من الحكم الانتقالي، ثم تجمّد عملها بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وبالتالي فإن من الصعب إصدار حكم قانوني متكامل في الجريمة، لكن رغم ذلك كانت هناك حقائق واضحة لا جدال حولها.

أولى الحقائق هي الاعتراف الصريح والمُسجّل بالصورة والصوت للفريق شمس الدين كباشي عضو المجلس العسكري، في ذلك الوقت، الذي كشف فيه عن اجتماع عقده المجلس العسكري بحضور النائب العام ورئيس القضاء، وتم في الاجتماع اتخاذ قرار بفض الاعتصام، ثم تبع ذلك فض الاعتصامات المماثلة في عدد من المدن السودانية.

الحقيقة الثانية هي الصور والفيديوهات التي حملت شواهد ودلائل واضحة على الوجود المكثف لقوات «الدعم السريع» في ساحة الاعتصام، ومشاركتها في الاعتداء على المعتصمين، مع وجود مجموعات أخرى بزي الشرطة والقوات الخاصة مع تسليح مكثف.

الحقيقة الثالثة، وربما الأكثر إيلاماً، هي أن أبواب القيادة العامة للقوات المسلحة، الكثيرة والمتعددة، والممتدة بطول مساحة الاعتصام، قد تم إغلاقها في وجه المعتصمين الذين حاولوا الاحتماء بها خلال ساعات الاقتحام، وفي وقت واحد، رغم الصرخات والرجاءات، بما يكشف وجود تنسيق وتعليمات مشددة بذلك.

في صبيحة يوم فض الاعتصام أذاع الفريق البرهان بياناً أوقف فيه التفاوض مع القيادة السياسية للثورة في ذلك الوقت، وهي «قوى الحرية والتغيير»، وأعلن أنه سيُعيّن حكومة انتقالية تجري الانتخابات في ظرف 9 أشهر. هذا البيان حمل إشارات بأن الأمر عبارة عن انقلاب عسكري، لكنه لم يكتمل، فقد أجهضته الحركة الجماهيرية المتصاعدة في الشهر نفسه، وأجبرت المجلس العسكري على سحب قراراته والعودة لطاولة التفاوض.

طوال الأربع سنين الماضية، ظلت القيادة العسكرية للدولة، وعلى رأسها الفريق البرهان، تنكر مسؤولية القوات النظامية عن المجزرة، بما في ذلك قوات «الدعم السريع»، وتقول إنها كانت تخطط لحفظ الأمن في مساحة محددة، وإن هناك متفلتين انحرفوا عن المهمة المحددة، وفي مرات أخرى يحمّلون المعتصمين المدنيين وقوى «الحرية والتغيير» المسؤولية.

الأدهى أن الفريق البرهان ظلّ رئيساً لمجلس السيادة لأربع سنين، منها سنتان من الحكم المطلق، ولم يتخذ أي إجراء تجاه مَن اتهمهم بفض الاعتصام. كما أنه، وبموجب القوانين المحلية والدولية والقانون الدولي الإنساني يعدّ مسؤولاً بشكل مباشر عمّا حدث بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، والحاكم الفعلي في ذلك الوقت.

لجنة التحقيق في جريمة فض الاعتصام استمعت لشهادات عدد كبير من المسؤولين والشهود، بمَن فيهم الفريق البرهان والفريق حميدتي، ورغم أنها لم تفصح عن مضمون الشهادات، فإن الرجلين تحدثا أكثر من مرة عن هذه الجريمة وكررا عدم مسؤولية الجيش و«الدعم السريع» عنها. وبالتالي فإن من المنطقي تصور أنهما كررا النفي والإنكار نفسهما أمام اللجنة.

هذه الجريمة لا تزال تؤرق ضمائر السودانيين، وهناك الآلاف من أسر وأقارب وأصدقاء الضحايا لا يزال جرحهم نازفاً، وهم يتوقون لمعرفة الحقيقة ومحاسبة الجناة، ولذلك يبدو من غير اللائق أن يخرج الفريق البرهان بهذا الاتهام بعد 4 سنين، وفي إطار التراشق مع قائد قوات «الدعم السريع»، وينسى أنه كان، ولا يزال، رأس الدولة، وكلمته لها وزنها وقيمتها.

هذه الجريمة لها أبعاد سياسية وجنائية واجتماعية، ولها آثار نفسية قاسية على أسر ورفاق الشهداء، وتستحق أن يتم التعامل معها بالجدية والشفافية اللازمتين، وألّا تصبح مجرد ستار للتراشق السياسي بين القوى المتصارعة، وإن كانت التصريحات المتناقضة حولها غير مقبولة من كل الأطراف، فهي تصبح محرمة على القيادات السياسية ورجال الدولة، فما بالك بأعلى قمة الهرم؟!

الوسومفيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الفریق البرهان الدعم السریع فض الاعتصام فی ذلک

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يكشف عن هروب مفاجئ لقوة تتبع  لـ”الدعم السريع” من الفاشر 

متابعات ــ تاق برس   كشف الجيش السوداني عبر تعميم صادر من الفرقة السادسة مشاه بالفاشر عن هروب جماعي لقوات الدعم السريع اليوم الأربعاء من المحور الشمالي الغربي بعدد 17 عربة قتالية.

وأرجع الجيش السوداني انسحاب قوات الدعم السريع لتعرض تمركزاتهم لقصف مكثّف ودقيق من الجيش ، ونوه البيان إلى موجات هروب متواصلة من قبل قوات الدعم السريع من محاور الفاشر المختلفة. ولفت البيان إلى أن الشرطة العسكرية التابعة للدعم السريع حاولت تعقب القوة الهاربة بثلاث مركبات قتالية مما أدى لاشتباك عنيف بين الطرفين، إنتهى بمقتل جميع أفراد الشرطة العسكرية ، وتدمير مركبة واحدة، بينما استولت القوة الهاربة على العربتين الأخريين وواصلت فرارها خارج محور القتال الغربي. الجيش السودانيالدعم السريعالفاشر

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: مخيم زمزم للنازحين في غرب السودان “شبه خال” بعدما سيطرت عليه قوات الدعم السريع
  • اتهامات للدعم السريع بقتل عشرات المدنيين بكردفان والبرهان يتوعدها
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 60 عنصراً من قوات الدعم السريع في الفاشر
  • مقتل عشرات المدنيين في مجزرة للدعم السريع بغرب كردفان
  • مساعد البرهان يبلغ مبعوث للامم المتحدة شروط توقف الحرب ضد الدعم السريع
  • الجيش السوداني: مقتل 60 عنصرا من "الدعم السريع" بهجوم على الفاشر  
  • الدعم السريع: لم نقصف أيّ مرفق خدمي من قبل ولو بالخطأ
  • الحكومة السودانية: الدعم السريع أحرقت 270 قرية في شمال دارفور
  • ناشطون: الدعم السريع تصعد الانتهاكات ضد المدنيين في أم درمان
  • الجيش السوداني يكشف عن هروب مفاجئ لقوة تتبع  لـ”الدعم السريع” من الفاشر