#قواعد #المعارك_العشر
القاعدة العاشرة: فوزك الحقيقي
م. #أنس_معابرة
نصل اليوم إلى محطتنا الأخيرة في طريقنا للفوز بالمعارك، حيث تناولنا في المقالات السابقة قواعد مختلفة للفوز بالقتال، تنوعت بين الجاهزية، والسرعة، والروح القتالية، ومعرفة نقاط القوة والضعف، والليونة، والريادة والإبتكار، وتقليل الخسائر، والمنح في المحن، والمعارك حياتية، واليوم نتحدث عن الفوز الحقيقي.
إنه لمن الأنانية أن تقيس فوزك ونجاحك فيما حققته أنت فقط، بل إن الفوز الحقيقي في المعارك الحياتية يتلخص في مدى التأثير الذي ستتركه أفعالك وأقوالك، في مدى الإصلاح الذي ستحدثه في المجتمع المحيط بك، في عدد الناجين على يديك.
كان بإمكان سيدنا ونبينا محمد – عليه الصلاة والسلام – أن يكون أغنى الناس، وأكبر الملوك، ولكنه رضي بأن يكون خبزه كفافاً، وخرج من عند الغلام اليهودي وهو يقول: “الحمدُ للهِ الَّذي أنقَذه مِن النَّارِ”، فحمد الله – عز وجل – على إنجاز ساعد به غيره لعبور الطريق إلى الجنة.
وقوله – عليه السلام – لعليّ بن أبي طالب: “فواللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم”، فلم يذكره بكثرة التجارة والمال أو الصلاة أو الصيام، بل ذكره بفضل مساعدة غيره للوصول إلى هدفهم الديني أو الدنيوي.
يروي أحد رؤساء جنوب أفريقيا قصته فيقول: “أتممتُ المرحلة الثانوية، وبالكاد حصلت على قبول جامعي بإحدى الجامعات في فرنسا، وهي فرصة عمري، ولكنني لا أستطيع أن أترك أمي وأخواني دون مُعيل، فذهبت إلى بائع البقالة، وطلبت منه أن يُزود أهلي بالمواد الغذائية لحين عودتي، أخذ البائع بكلامي فقط، ووافق على ذلك دون شروط.
عدت بعد ثلاث سنوات، وتوجهت إلى بائع البقالة الذي أوفى بوعده، وطلبت منه تفاصيل حسابي لكي أسدده له في القريب العاجل، فقال البائع لي: لا عليك؛ بإمكانك تسديدي ديني من خلال مساعدة الآخرين كما ساعدتك أنا”.
لم يدرَ هذا البائع البسيط – الذي ربما كان أمياً – أنه يصنع رجلاً سيقود البلاد لاحقاً، لم يدرَ أنه بعمله البسيط هذا؛ قد كتب تاريخ شعبه ووطنه في جنوب أفريقيا.
يقول سيد قطب – رحمه الله -: “إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً”.
إن حجم الإنجازات التي قمت بها في حياتك لا يمكن أن يقاس بعدد السيارات التي تملكها، أو بعدد المنازل التي اشتريتها، أو بمساحة الأرض التي تنتمي إليك، بل يكون حجم إنجازاتك وانتصارك في المعارك الحياتية، بحجم الخدمات التي قدمتها لأهلك وأمتك ووطنك ودينك، بحجم حملك للأمانة التي استُأمنت عليها، بقدر نجاحك في تربية أبناءك وتعليمهم، بقدر الإحسان إلى جيرانك ودعوتهم بالحسنى.
بقي إلى أن أشير إلى نقطة واحدة فقط؛ صحيح أنني كنت قد دعوت هذه القاعدة بالأخيرة، فهي ربما الأخيرة حسب تصنيفي وفهمي للموضوع، ولكن أرجو ألا تكون الأخيرة بالنسبة إليك.
تأكد بأنك تعلم القواعد المختلفة للفوز بالمعارك، ثم حاول أن تضع القواعد الخاصة بك، طبقها في جميع المعارك الحياتية التي تخوضها، وسيكون الإنتصار حلفك إن شاء الله.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: المعارك العشر
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي الشامل.. الوحش الحقيقي!
مؤيد الزعبي
صحيحٌ أن أدوات الذكاء الاصطناعي باتت موجودة في كل المجالات تقريبًا فأحدها يكتب نصًا وآخر يرسم صورة أو يصمم تصميمًا أو يصنع فيديو أو حتى يؤلف موسيقى ويقلد فنانًا أو يحاورك ويسمعك كما لو كان طبيبًا أو صديقًا أو يدافع عن حقوقك كما لو كان محاميًا.
وهناك أدوات تتشكل على هيئة روبوتات وسيارات وثلاجات وهواتف وأجهزة مختلفة، كل هذا جميل ومذهل ولكن طالما أن كل هذه الأدوات لم تتجسد في نظام واحد شامل فالوحش الحقيقي لم يظهر بعد، فتخيل معي عزيزي القارئ كيف سيكون تأثير الذكاء الاصطناعي لو كان نظامًا متكاملًا يرسم ويكتب ويعزف ويحمل ويبني ويصنع ليس كل واحد على حدة إنما كيان واحد متكامل، وقتها سيكون الوحش قد خرج وظهر للعلن، وعندما أقول لك كلمة "وحش" لا أقصد أبدًا المعنى السلبي؛ بل أعني أن قدرات الذكاء الاصطناعي ستصبح كالوحش قادرة على القيام بكل شيء نجده اليوم صعبًا أو مستحيلًا.
كل ما نراه اليوم من تطورات في عالم الذكاء الاصطناعي مازالت متفرقة، فما يصنعه شات جي بي تي وشبيهاته من أنظمة التوليد اللغوي ما هي إلا كلمات وأفكار يولدها، لم يحرك بها ذراعًا آلية ليبتكر ويصنع، ولم يمسك ريشة فنان ويبدأ بالرسم، إنما يرسم إلكترونيًا ويكتب إلكترونيًا، وحتى لو سألته كيف بالإمكان أن تصنع طائرة مسيرة كمثال سيقدم لك الطريقة لكنه لن يذهب للمعمل أو المصنع ويصنعها بنفسه، ولو تحدثت معه عن كيفية بناء مفاعل نووي بطريقة مبتكرة وصديقة للبيئة سيقدم لك إجابة شافية ووافية ولكنه لا يملك السلطة ولا حتى الأذرع لتنفيذ فكرته، فهو مجرد مولد للكلمات والرسومات والصور، ولهذا أخبرتك أن الوحش مل يظهر بعد، فتخيل عندما تصبح هذه الأدوات عبارة عن عقول وأذرع وأرجل وأنظمة متكاملة حينها ستكون قادرة على كتابة فكرتها وتضع خطتها ولديها أذرع تنفذ ما في عقولها.
وإذا ذهبت لأدوات تصنيع الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي فصحيح أن نتائجها مذهلة ومتطورة فعندما تحول لك النص لفيديو، أو تقوم بتحويل فيديوهاتك لنماذج وأشكال غاية في الروعة إلا أنها حتى الآن لم تصبح نظامًا شاملًا قادرًا على إنشاء محتوى متكامل، وليست قادرة على إنشاء فيديو نستطيع القول بأنه احترافي من حيث الصورة والانيميشن والقصة والمؤثرات والنص، وبالطبع لم تصل قدرات الذكاء الاصطناعي لأن تصنع فيلمًا ولا حتى قصيرًا، فصحيح أن الأدوات موجودة بكل جانب على حدة إلا أنها غير شاملة في برنامج واحد، ولهذا تخيل عزيزي القارئ عندما تصبح هذه الأدوات متكاملة فحينها ستصنع لك فيلمًا سينمائيًا لو أردت، وربما لن تصنع لك ربما تصنع لنفسها وتصبح هي التي تدير قطاع المحتوى بأكمله، وسنجد حينها ذكاء اصطناعي قادر على كتابة سيناريو فيلم ويراجعه ويدققه ومن ثم يبدأ بتجهيزه وتنفيذه ونشره وترويجه دون أي تدخل منك، وربما نجدك تتفاوض معه لشراء حقوق بث أو استخدامه.
وكذلك الأمر في مسألة السيارات ذاتية القيادة، فنحن نجهز لسيارات تقود نفسها بنفسها وإلى الآن لم تكتمل الصيغة النهائية لهذه السيارة وحتى عندما تكتمل ستكون هذه السيارات ملكنا نحن البشر، ولكن ما أن تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي هي التي تحركها وتنظم حركتها وتضع قوانينها وتطبقها على أرض الواقع حينها سنقول بأن هذا النظام لم يعد نظام ذكاء اصطناعي بل سيكون بمثابة وزارة للمواصلات والطرق، وكذلك الأمر عندما تصبح الربوتات هي الطبيب وأجهزة الفحص وهي نفسها المعامل والمختبرات وهي ذاتها من تعمل على تصنيع الأدوية وتقوم بتجريبها واختبارها، وأنا أتحدث أن يكون كل هذا ضمن نظام شامل متكامل، حينها سنجد الذكاء الاصطناعي وحشًا قادر على القضاء على الكثير من الأمراض وبنفس الوقت سيكون بمقدوره تحديد مصائرنا أو التأثير فيها فأنا أتحدث عن ذكاء اصطناعي شامل يدير بيوتنا وشوارعنا ومدننا ومكاتبنا وشركاتنا ومستشفياتنا ومدارسنا وجامعاتنا وكل شيء من حولنا.
ربما قد يصل لك عزيزي القارئ تصورًا بأن الذكاء الاصطناعي سيعمل مكان الحكومات في قادم الوقت وهو من سينفذ أعمالها بدلًا عنها، ولكن ماذا إن قلت لك أن الذكاء الاصطناعي الشامل سيكون قادرًا على إدارة ما هو أصعب من ملفات الحكومات أنفسها، سيكون قادرًا على إدارة حياتنا بأرضنا وسمائنا والدليل أننا نصنع اليوم أدوات ذكاء اصطناعي متفرقة تقوم بمهام هنا وهناك وقد شاهدنا العجب العجاب من قدراتها فكيف هو الحال لو كان النظام شامل.
لا أجد الأمر سيئًا أو مخيفًا؛ بل إنني على يقين بأن الذكاء الاصطناعي سيقدم لنا حلولًا لمشاكل لم نستطع نحن البشر القيام بها، خصوصًا وأننا على مفترق طرق من أمور كثيرة تهدد حياتنا؛ كالحروب والنزاعات وقضايا البيئة وانتشار الأمراض وعدم المساواة والتفاوت في معيشة الشعوب، كل هذا سيجد له الذكاء الاصطناعي تصريفًا ربما شاملًا، لكن كل ذلك مرهون بكيفية بنائه وتأسيسه وبرمجته، وهذا هو دورنا كبشر من الآن وصاعدًا، حتى نضمن تواجدنا في عالم الذكاء الاصطناعي الشامل.
رابط مختصر