غزة ليست دولة عظمى
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
ما جرى في غزة خلال الأيام الماضية وما زال يجري حتى اليوم رسم صورة يراها الجميع ونفرح بها جميعا، صورة استخرجت عاطفة البحث عن فرح ونصر في واقعنا العربي، فرح وجدناه كثيفا وصادقا بما جرى من إهانة لإسرائيل عسكريا وسياسيا، ونجده بشكل آخر حتى عندما يحقق فريق كرة قدم عربي انتصارا في كأس العالم، مع اختلاف المضامين، لكنه فرح بأي إنجاز بعد عقود الهزائم والتراجع الشامل.
لكن تقديرنا وفخرنا بمن ألحق الهوان بالاحتلال، يجب ألا يغمض عيوننا عن مشهد هو الأصعب، وهو استحقاق للحالة العربية والفلسطينية، مشهد يقف فيه الجميع حتى في فلسطين وفي العالم العربي والإسلامي في صفوف المتفرجين على ما بعد العملية، وأقصد عمليات الانتقام العدوانية التي يقوم بها الاحتلال، والتي يسقط فيها كل ساعة شهداء وجرحى ونزوح عشرات الآلاف من أهل غزة من بيوتهم بحثا عن مأوى وحياة فقدت عناصرها الأولية.
سيقول البعض إن من فعلوا الفعل المقاوم يدركون أن هناك ثمنا، لكن المشكلة أنه حتى من يدفع الثمن يحتاج إلى تضامن وصوت حوله، لكن كل المشهد خارج غزة مشهد متفرجين، تماما مثلما يفرح المشاهدون بفريق يحرز هدفا لكن ما بعد ذلك، كل الموت والدمار والحرب هم تحت نارها وأقصد الناس لأن المقاتلين يدركون الثمن.
وحتى النصف الآخر من السلطة في رام الله هادئ، وكأن الأمر في قارة أخرى، بل إن السلطة هناك تعتقل من ينظم مظاهرة تضامن مع غزة، وما تفعله السلطة هو إعلان التضامن، مع أن الفعل الطبيعي ألا تكون الضفة متفرجة وتكتفي بشتم إسرائيل ودعوة دول العالم لحماية الشعب الفلسطيني.
وحتى عواصم مهمة في عالمنا العربي والإسلامي لم تخرج فيها مظاهرة ربما باستثناء الأردن، كلنا نريد من يجلب للأمّة النصر والفرح، وننسى أن هناك واقعا أقوى من مشاعرنا وهو أنه منذ نصف قرن تقريبا قررت دول الأمّة بما فيها منظمة التحرير وفصائلها أن الحرب ليست الطريق للتعامل مع إسرائيل.
ما بقي من طلقات وصواريخ في غزة هي آخر القناعات بأن بعض العمليات ضرورة، وربما بعدما جرى في غزة ستتسارع جهود أصدقاء حماس من دول الإقليم المهمة إلى البحث عن جلب حماس إلى طاولة التفاوض ولو بعد حين.
وإذا كانت دول العرب إما بعيدة وغير مكترثة أو تتبنى خيار السياسة والتفاوض فإن من يسمي نفسه معسكر المقاومة يصمت أيضا مثل معسكر السلام، فكل الجبهات تمارس نفس الفعل، لأن فكرة المقاومة ليست للتحرير بل لامتلاك نفوذ وورقة سياسية، ولهذا فالجميع يمارسون نفس الفعل باختلاف ما يتم الحديث به، بل إن الدول التي تؤمن بالتفاوض أكثر صدقا لأنها لا تمارس التضليل والثورية لأغراض سياسية.
الناس تريد إنجازا وفرحا، لكن غزة التي صنعت حالة فرح للناس هي التي تقف تدفع الثمن موتا وقصفا وتدميرا، وما بقى من أشقاء وأصدقاء ومحاور وفصائل ثورية وغير ثورية يمارسون تحليل ما يجري، ونطلب من غزة أن تزيل عن الأمة ركام هزائم عقود طويلة.. نريد انتصارات لكننا نريد من يصنعها لنا.
عملية "طوفان الأقصى" عملية مقاومة رفيعة المستوى ومدهشة جدا ودفع الاحتلال ثمنا باهظا فيها، لكنها ليست حرب تحرير، وغزة التي لا كهرباء فيها إذا أوقفت إسرائيل عنها الوقود قد تؤذي الاحتلال بعمليات مقاومة، لكنها ليست دولة عظمى، بل شعب يستقبل الموت مع كل هجمة إسرائيلية.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحشية
أعرب البابا فرانشيسكو، أمس السبت، عن رفضه القاطع للغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، واصفا إياها بأنها "ليست حربا، بل وحشية". وجاءت هذه التصريحات في إطار حديثه خلال لقاء مع أعضاء مجلس الوزراء البابوي للاحتفال بعيد الميلاد، إذ أشار إلى الأوضاع المأساوية التي يشهدها القطاع.
ووصف البابا الغارة الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت منزلا وسط مدينة غزة يوم الجمعة، وأسفرت عن مقتل 7 أشخاص بينهم 4 أطفال بالـ"وحشية"، وقال: "أريد أن أقول هذا، لأنه يدمي القلب".
وأشار البابا فرانشيسكو إلى أن الإسرائيليين لم يسمحوا للكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، بدخول قطاع غزة كما وعدوا، وهو ما وصفه البابا بأنه عمل غير مبرر.
وانتقدت وزارة الخارجية الإسرائيلية تصريحات البابا، معتبرة إياها "مخيبة للآمال" و"منفصلة عن السياق الواقعي لمحاربة الإرهاب".
وتأتي تصريحات البابا فرانشيسكو في وقتٍ حساس، إذ تشهد العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل توترا متزايدا. ولطالما كان البابا فرانشيسكو، الذي يمثل قيادة أتباع الكنيسة الكاثوليكية البالغ عددهم 1.4 مليار كاثوليكي، حذرا في التعامل مع الصراعات السياسية، لكنه أصبح أكثر جرأة في مواقفه الأخيرة تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.
إعلانوقال في وقت سابق إن ما يحدث في غزة يمكن تصنيفه على أنه إبادة جماعية، مما أثار ردود فعل غاضبة من الحكومة الإسرائيلية.
وتواصل إسرائيل شن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة بدعم أميركي، مما أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 155 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وسط دمار هائل ومجاعة كارثية في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية.