ماذا تفعل حاملة طائرات بالمعركة على أرض فلسطين؟

فعلت أمريكا ما بوسعها؛ وما تضيفه اليوم رسائل تضامن وتحسُّب من استثمار إيران وروسيا للفرصة: رسائل ليست مضمونة النتيجة في عالمٍ يمر بتحول كبير.

تحاول أمريكا ردع إيران من استثمار فراغ القوة بتدخل وهي قطب إقليمي ينافس الكيان الصهيوني على قيادة المنطقة والداعم العسكري الأكبر لقوى المقاومة.

بادرت إسرائيل بقصف سفينة التجسس ليبرتي الأمريكية عام 1967 ضمن عمليات الحرب كإشارة للأمريكان بأنهم غير راغبين بالالتزام بأي سقوف محدودة للعدوان.

ليس لدى أمريكا ما تقدمه حقاً لتعديل الهزيمة الصهيونية المذلة؛ فقررت إرسال حاملة طائرات كإشارة معنوية؛ فالصهاينة لا تنقصهم القوة الجوية بل ليس لديهم غيرها حتى الآن.

* * *

قرار الولايات المتحدة إرسال حاملة طائرات إلى شرق البحر المتوسط له أكثر من دلالة أهمها:

أولاً: أن الولايات المتحدة ليس لديها ما يمكن أن تقدمه حقاً لتعديل الهزيمة الصهيونية المذلة؛ ولذلك قررت أن ترسل أكبر حاملات طائراتها وأحدثها كإشارة معنوية؛ فالصهاينة لا تنقصهم القوة الجوية بل إنهم ليس لديهم غيرها في المعركة حتى الآن.

عملياً حروب القوى غير المتناظرة كالتي تشنها المقاومة الفلسطينية بقوات غير تقليدية على جيش نظامي حديث كجيش الاحتلال تكمن معظم حلوله بالنسبة للجيش النظامي في الاستخبارات والاستحكامات وتوظيف التكنولوجيا المتفوقة لمباغتة القوة الصغيرة الأقل تطوراً، وتدريب الجنود والكتائب على ظروف حرب العصابات.

وكل هذه العناصر كان الكيان الصهيوني يفاخر بأنه المختبر العالمي لتطويرها وإنتاجها ومد دول العالم بها؛ وكلها كُسرت تماماً في الضربة الأولى من المعركة؛ فلا يوجد عملياً لدى الولايات المتحدة مساعدة طارئة تغير موازين القوى يمكن تقديمها؛ خصوصاً بمخازن سلاح شبه فارغة بسبب إمداد أوكرانيا بكل أنواع السلاح على مدى عام ونصف.

ثانياً: هي محاولة ردع تجاه إيران من استثمار فراغ القوة الناشئ بتدخل مباشر أو غير مباشر؛ وهي القطب الثاني في الإقليم الذي ينافس الكيان الصهيوني على قيادة المنطقة ويقع في قلب هواجسه الوجودية، وهو الداعم العسكري الأكبر لقوى المقاومة.

الثالثة: هي أن تحريك حاملة طائرات من غرب المتوسط إلى شرقه يشكل أيضاً رسالة يقظة موجهة لروسيا ضمن منافسة الأقطاب العالمية؛ ويمكن أن يقرأ باعتباره تكيفاً أمريكياً مع جبهة جديدة مُني حليفها فيها بخسارة غير متوقعة قد تفتح لروسيا ثغرة يمكن استغلالها.

أما التجربة التاريخية فتقول إن الأسطول الأمريكي لطالما كان يرافق كل الحروب الصهيونية بقِطع استراتيجية ليضمن بقاء ميدان الحرب بأكمله تحت نطاق السيطرة الأمريكية، بما يضمن عدم تدخل أي قوة أخرى ويسمح بالتدخل لمواجهة المفاجآت.

ولم يكن هذا يروق للصهاينة دوماً إذ بادروا إلى إغراق سفينة التجسس ليبرتي الأمريكية عام 1967 ضمن عمليات الحرب كإشارة للأمريكان بأنهم غير راغبين بالالتزام بأي سقوف محدودة للعدوان.

لكن هذا لم يمنع أن يتحول هذا الحضور في مناسبة أخرى إلى أداة تفاوض في خدمة الصهاينة والتمهيد لنظام سياسي تابع لهم كما جرت المحاولة في لبنان صيف عام 1982 عبر قوات متعددة الجنسيات بقيادة البحرية الأمريكية.

وانتهت إلى الفشل الذريع والانسحاب بكرامة ممرغة بعد تفجير مزدوج قتل 241 من مشاة البحرية الأمريكية و 57 من البحرية الفرنسية.

باختصار؛ أمريكا سبق أن فعلت كل ما بوسعها بالفعل؛ وما تضيفه اليوم هو رسائل تضامن من جهة وتحسُّب من استثمار إيران ثم روسيا للفرصة الناشئة من جهة أخرى، رسائل ليست مضمونة النتيجة أيضاً في عالمٍ يمر بمرحلة تحولٍ كبرى كالتي نعيشها.

*زياد أبحيص كاتب وباحث فلسطيني

المصدر | السبيل

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا روسيا إيران فلسطين طوفان الأقصى المقاومة كتائب القسام حاملة طائرات الأسطول الأمريكي الكيان الصهيوني السيطرة الأمريكية حاملة طائرات من استثمار

إقرأ أيضاً:

من يملك القوة يملك الهيمنة

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

لم يعد للقانون الدولي اي اعتبار، ولم تعد للشرعية الدولية اية اهمية، فالهيمنة اليوم محسومة للأقوى والأشرس. محسومة لمن يمتلك الأسلحة الفتاكة والأساطيل البحرية المرعبة والغواصات النووية المختبأة في القيعان السحيقة. محسومة لمن يتحكم بالأقمار الاصطناعية والذكاء الاصطناعي. محسومة لمن يتحكم بالمضايق والممرات الملاحية. محسومة لمن لا يحترم توازن المصالح، ولا يعبء بالعلاقات الدولية. محسومة للطغاة والبغاة والجبابرة والمستهترين والمستبدين. .
سوف يشهد العالم انتاج خرائط غير مسبوقة، ويشهد ولادة حزمة معقدة من سلاسل التوريد. .
خرائط وسلاسل مرسومة بمنطق القوة لا بمنطق السوق الحرة ولا بقواعد الجات GATT، فالجات مات، والمفاوضات في سبات، وكل ما هو آتٍ آت. ليل داجٍ، ونهار ساجٍ، وسماء ذات أبراج، ونجوم تنذر، وبحار تزجر. .
لقد اصبحت حدودنا في الشرق الأوسط مفتوحة تماما لمن يريد ان يتقدم بجيوشه، ولمن يريد ان يتسلل بعصاباته، حتى مطاراتنا باتت مفتوحة ومتاحة ومستباحة للمسيرات غير المأهولة، ولعيون المراصد الجوية، ولتحليق طائرات الأباتشي. لم تعد لدينا خطوط حمراء في زمن الرجل البرتقالي. فهذا هو الأمر الواقع المفروض علينا بالقوة الحربية التي ليس لها رادع. لم يقتصر الأمر علينا نحن العرب، ففي اوربا عادت الصراعات الحدودية لتفرض نفسها من جديد وسط عجز المنظومة الغربية عن فرض حلول ملزمة. فما بالك بما يحصل الآن في ليبيا وسوريا والعراق ولبنان ؟. ولنا في يوغسلافيا القديمة دروسا لا ينبغي تجاهلها بعدما تقسمت وتشرذمت إلى سبع دويلات متنافرة. اما في جنوب شرق آسيا وفي بحر الصين ومضيق تايون فان الرياح تنذر بعواصف لا تُحمد عقباها. .
من يملك القوة يملك السلطة ويملك الهيمنة ويملك اتخاذ القرارات الطائشة. ولا مكان للدويلات الصغيرة والضعيفة وقياداتها المهزوزة التي فشلت حتى في الاستفادة من ثرواتها وفي استرداد عوائدها المالية. اما ان تتحد القوى الوطنية وتتحلى بالثبات في مواجهة الأزمات او تتحول ارضها إلى ساحات لتصفية الحسابات. .
لم تعد هنالك ثوابت في الدبلوماسية الدولية، فالصفقات الكبرى هي البلدوزرات المسموح لها في تقطيع السهول والجبال وتوزيع الغنائم، وهذا ما يحدث الآن بين روسيا والولايات المتحدة. خذ انت النصف الشرقي من أوكرانيا وسوف استحوذ أنا على النصف الغربي منها وليشرب حلف الناتو من البحر. نحن الآن في عصر التحالفات المبنية على المغانم الكبرى. فاللعبة الجديدة قائمة على النفوذ والبطش الذي سوف يعيدنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي. إلى الحقبة الاستعمارية التوسعية التي لا صوت فيها يعلو فوق اصوات القنابل والدبابات. وسوف يعاد السيناريو القديم ليمهد الطريق نحو اندلاع حروب من نوع يذهل العقول ويسلب الحقوق ويلغي سيادة الشعوب والامم فوق ارضها وفي مياهها. .
ولكن تذكروا قول الشاعر عمارة بن علي الحكمي اليمني:
لا تحتقر كيد الضعيف فربما
تموت الأفاعي من سموم العقارب
فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهدٌ
وخرب فأرٌ قبل ذا سد مأرب

د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • تفاصيل حبس 13 متهما في معركة السحور بسبب لعب الأطفال بقنا
  • فيدان يحذر طهران.. معركة تركيا وإيران في سوريا
  • كردستان في معركة التوازن السياسي.. راقص بين عتمة الخلافات ونور المصالح
  • ترامب واكبر معركة استخبارات لمواجهة العالم 
  • من يملك القوة يملك الهيمنة
  • طائرات البيرقدار التركية
  • يأبى الله لمصر إلا أن يدفع الثمن مواطنوها مع السودان، لأن اسمها معركة الكرامة
  • طلعة جوية ثالثة لقاذفات بي 52 فوق الشرق الأوسط بمرافقة إسرائيلية
  • سوريا في معركة المصير.. دعمها واجب قومي وإنساني
  • ترامب إلى السعودية بعد أن وافقت على استثمار تريليون دولار