قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، الاثنين، للصحفيين إن واشنطن ليس لديها أي نية لنشر قوات عسكرية على الأرض في أعقاب الهجمات التي شنتها حركة حماس على إسرائيل، لكنها ستحمي المصالح الأميركية في المنطقة.

وأضاف أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، "سيحرص دائما على أننا نحمي مصالح أمننا القومي وندافع عنها".

وبشأن المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لإسرائيل، أوضح كيربي أنه "إذا احتجنا تمويلا دفاعيا إضافيا لإسرائيل فسنطلب من الكونغرس".

وأكد أن واشنطن يمكنها دعم إسرائيل وأوكرانيا في الوقت نفسه، قائلا "نتوقع طلبات أمنية إضافية من إسرائيل وأميركا ستحاول تلبية كل ما تحتاجه في أسرع وقت ممكن".

وفيما يتعلق بتورط إيران في الهجوم ودعم حماس، قال كيربي في حديث لشبكة "سي أن أن": "ليس هناك شك في أن إيران متواطئة".

وأضاف: "لقد ظلت إيران تدعم حماس منذ سنوات عديدة، بالأدوات والتدريب والقدرات، وكذلك خطابيا من خلال تصريحاتهم العلنية، وآخرها تأييد المرشد الأعلى لإيران لهذا الهجوم".

وتابع كيربي "رغم علمنا بوجود تواطؤ، لكن واشنطن وكذلك إسرائيل لم يردهما أي معلومة استخبارية أو دليل دامغ يربط إيران مباشرة بهذه المجموعة المعقدة من الهجمات."

وقال كيربي إن الولايات المتحدة ستواصل النظر في الأمر و"مشاركة وجهات نظرنا مع مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي".

وفيما يتعلق بجهود التطبيع السعودي الإسرائيلي، قال كيربي "لا نستطيع التكهن في هذه المرحلة كيف ستتأثر"، مضيفا: "لن نذهب بعيدا بالقول إن هجوم حماس أوقف محادثات التطبيع بين إسرائيل والسعودية، لكن أميركا لا تزال تعتقد بأنه يجب التشجيع على تطبيع العلاقات بين البلدين".

وبشأن استعداد الإدارة الأميركية لورود أنباء عن مقتل المزيد من الأميركيين في إسرائيل، قال كيربي: "من الصعب قول هذا، لكن للأسف أعتقد أننا نستعد هنا في البيت الأبيض لاحتمال أن ينتهي الأمر بقتل المزيد من الأميركيين في هذه الهجمات الفظيعة التي تستحق الشجب".

وأضاف أنه لا يزال هناك عدد من الأميركيين في عداد المفقودين ولا يعرف مكان وجودهم، مضيفًا أن إدارة بايدن "تشعر بقلق عميق بشأن احتمال أن يكون بعض هؤلاء الأميركيين محتجزين الآن كرهائن لدى حماس".

وأكد كيربي "من الصعب جدًا أن ننظر إلى هذه الصور والتكلفة البشرية. هؤلاء بشر، هم أفراد من عائلاتنا، وأصدقاء، وأحباء، وأبناء عمومة، وإخوة، وأخوات. لذلك فالأمر صعب، وأنا أعتذر".

ومن جانبه، قال بايدن، الاثنين، أن 11 مواطنا أميركيا على الأقل من بين القتلى في إسرائيل بعد الهجمات التي نفذتها حركة حماس، في مطلع الأسبوع.

وأضاف في بيان نشره الموقع الرسمي للبيت الأبيض "نعتقد أنه من المحتمل أن يكون مواطنون أميركيون من بين المحتجزين لدى حماس ونعمل على التأكد من ذلك".

وأكد أن سلامة المواطنين الأميركيين، سواء في الداخل أو الخارج، هي أولويته القصوى كرئيس.

وتحدث عن متابعة واشنطن لمجريات الأوضاع على الأرض فيما يتعلق باحتجاز رهائن أميركيين، وقال "لقد وجهت فريقي للعمل مع نظرائهم الإسرائيليين في كل جانب من جوانب أزمة الرهائن، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية ونشر خبراء من مختلف أنحاء حكومة الولايات المتحدة للتشاور مع نظرائهم الإسرائيليين وتقديم المشورة لهم بشأن جهود استعادة الرهائن".

وبالنسبة للمواطنين الأميركيين الموجودين حاليا في إسرائيل، أوضح البيان أن وزارة الخارجية تقدم المساعدة القنصلية بالإضافة إلى التنبيهات الأمنية المحدثة.

أما بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في المغادرة، ذكر البيان أن الرحلات الجوية التجارية والخيارات الأرضية لا تزال متاحة.

وأكد الرئيس الأميركي في بيانه أن حرب غزة ليست مأساة بعيدة عن واشنطن، خاصة أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة عميقة، موضحا أنه أمر شخصي بالنسبة للعديد من العائلات الأميركية التي تشعر بألم هذا الهجوم بالإضافة إلى الندوب التي خلفتها آلاف السنين من معاداة السامية واضطهاد الشعب اليهودي.

وذكر البيان أنه في المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة، عززت إدارات الشرطة الأميركية الإجراءات الأمنية حول مراكز الحياة اليهودية، وتقوم وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي وشركاء إنفاذ القانون الفيدرالي الآخرون بمراقبة عن كثب بحثًا عن أي تهديدات محلية تتعلق بالإرهابي المروع.

وفي السياق نفسه، قال المتحدث بالبيت الأبيض إنه قد يكون هناك المزيد من القتلى الأميركيين في إسرائيل، وفقا لوكالة "رويترز".

إسرائيل بصدد إطلاق عملية برية

وأفادت صحيفة "أكسيوس"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أخبر بايدن، الأحد، في اتصال هاتفي، أن إسرائيل ليس أمامها خيار سوى إطلاق عملية عسكرية برية في قطاع غزة، بعد هجوم حركة حماس المفاجئ داخل تجمعات سكنية إسرائيلية، والذي أد إلى مقتل مئات الإسرائيليين، معظمهم مدنيون.

وقال نتانياهو خلال المكالمة لبايدن: "علينا أن ندخل. لا مجال للتفاوض الآن"، بحسب ما نقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية وأميركية مطلعة على المكالمة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين، استدعاء 300 ألف جندي احتياطي، وهو أكبر عدد من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للخدمة منذ عقود، في سياق الاستعدادات لهجوم بري محتمل في غزة.

وحشدت إسرائيل عشرات آلاف الجنود في محيط قطاع غزة الذي يعيش فيه 2.3 مليون شخص والذي تسيطر عليه منذ عام 2007 حركة حماس المدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية.

وقال نتانياهو لبايدن إنه "ليس أمام إسرائيل خيار آخر سوى الرد بالقوة لأنه لا يمكن لأي دولة أن تظهر ضعفا في الشرق الأوسط. نحن بحاجة إلى استعادة الردع".

ولم يحاول بايدن الضغط على نتنياهو أو إقناعه بعدم المضي في العملية البرية، بحسب مصادر أكسيوس.

لكن بايدن سأل نتانياهو عن سيناريو فتح جبهة ثانية على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث أطلقت جماعة حزب الله ثلاثة صواريخ باتجاه موقع عسكري إسرائيلي على الحدود الشمالية، الأحد.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين، قتل عدد من المسلحين الذين اجتازوا الحدود من الأراضي اللبنانية باتجاه الأراضي الإسرائيلية، فيما نفى مسؤول في "حزب الله" تحدث لوكالة "رويترز"، تنفيذ الجماعة أي عملية داخل إسرائيل.

وقالت المصادر إن نتنياهو أبلغ بايدن بأن وجود جبهة على الحدود اللبنانية يشكل مصدر قلق، وأن إسرائيل تستعد لهذا السيناريو، لكنه شدد على أنه ليس أمام إسرائيل أي خيار آخر سوى الرد بقوة كبيرة في غزة.

ورفض البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق، وفقا لأكسيوس.

إعادة تموضع القوات الأميركية إشارة ردع لإيران وحزب الله

وقال مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأميركية إن الهجوم على إسرائيل "غير مسبوق ويرقى إلى مستوى إرهاب داعش"، وفقا لما نقلت مراسلة "الحرة"، الاثنين.

وأضاف المسؤول في البنتاغون أنه "على الأطراف المعادية لإسرائيل التفكير مرتين قبل استغلال الوضع والسعي للتصعيد".

كما تحدث عن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حربها على غزة، قائلا: "يمكننا مواصلة دعمنا لكل من أوكرانيا وإسرائيل والحفاظ على جهوزيتنا حول العالم".

وأوضح أن إعادة تموضع القوات هو بمثابة "إشارة ردع لإيران وحزب الله اللبناني، وأي وكيل آخر في جميع أنحاء المنطقة قد يفكر في استغلال الوضع الحالي لتصعيد الصراع".

وأكد المسؤول قوله: "نشعر بقلق عميق إزاء اتخاذ حزب الله القرار الخاطئ بفتح جبهة ثانية لهذا الصراع".

وقالت وزيرة الجيش في الولايات المتحدة، كريستين ورموث، الاثنين، إنه يتعين على الكونغرس تمرير المزيد من التمويل بسرعة حتى تتمكن الولايات المتحدة من تزويد كل من إسرائيل وأوكرانيا بالأسلحة والذخائر التي تحتاجها الآن، بحسب ما نقلت وكالة "أسوشيتد برس".

وأضافت ورموث أن "القصد هو اتخاذ خطوات إلى الأمام لدعم إسرائيل. لكن على وجه الخصوص فيما يتعلق بالذخائر والقدرة على دعم إسرائيل وأوكرانيا في وقت واحد، هناك حاجة إلى تمويل إضافي لزيادة قدرتنا على توسيع الإنتاج ومن ثم دفع ثمن الذخائر نفسها".

وذكرت "أسوشيتد برس" أن الإدارة الأميركية تواجه الآن طلبات متنافسة محتملة من إسرائيل وأوكرانيا للحصول على أسلحة إضافية. وبينما يوجد دعم قوي من الحزبين في الكونغرس لمساعدة إسرائيل، فإن الخطوات التالية غير مؤكدة، إذ يفتقر مجلس النواب إلى زعيم بعد الإطاحة برئيس الكونغرس، حتى الأسبوع المقبل.

وليس من الواضح أيضًا، بحسب الوكالة، ما إذا كان الجدل حول تقديم المزيد من المساعدة لأوكرانيا، والذي تعارضه مجموعة من الجمهوريين اليمينيين، سيعقد الجهود الرامية إلى تمرير المساعدة لإسرائيل.

وقالت ورموث، متحدثة في المؤتمر السنوي لرابطة جيش الولايات المتحدة في واشنطن، إن الإدارة الأميركية لا تزال "في المرحلة المبكرة من عملية تقييم قدرتنا على دعم ما يحتاجه الجيش الإسرائيلي"، في إشارة إلى قوات الدفاع الإسرائيلية. ولم تقدم تفاصيل المزيد من التفاصيل.

ووفقا للوكالة، فإن معظم الأسلحة التي تم إرسالها بالفعل لمساعدة أوكرانيا جاءت من مخزونات الجيش ومقاولي الدفاع بمعدل يتحدى سلسلة التوريد العالمية، وبينما قام الجيش مؤخرًا بتكثيف إنتاج بعض الخطوط المهمة، مثل ذخيرة 155 ملم لمدافع الهاوتزر، فإن العملية لا تتم بأقصى سرعة بعد.

وفي أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، السبت، قال مسؤولون بالجيش الأميركي، الاثنين، إنهم قلقون بشأن القدرة على تلبية الطلب الإضافي على الذخائر الأرضية وأن الكونغرس بحاجة إلى التحرك بسرعة لتقديم المساعدة في الوقت المناسب.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: إسرائیل وأوکرانیا الولایات المتحدة الأمیرکیین فی فی إسرائیل قال کیربی المزید من حرکة حماس

إقرأ أيضاً:

اليمينيّان ترامب ومودي ومستقبل العلاقات الأميركية الهندية

تدخل العلاقات الهندية الأميركية مع فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، مرحلة جديدة قد تكون حافلة بالتحديات والتحالفات المتشابكة، كما يمكن أن تشهد مزيدا من التوافق في الرؤى، نظرا لأن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قادم من خلفية يمينية كالرئيس الأميركي المنتخب.

وتربط الهند بالولايات المتحدة علاقة إستراتيجية متينة، مبنية على المصالح المشتركة والتحالفات السياسية، لكن هذه العلاقات تحمل في طياتها ملفات شائكة وخلافات تضفي عليها نوعا من الهشاشة، خاصة في ظل التحولات السياسية العالمية وارتفاع حدة التوترات مع الصين.

تحقيق المكاسب

ومن القضايا الرئيسية التي تلقي بظلالها على العلاقة بين واشنطن ونيودلهي، النزاعات التجارية، وملف الأقليات، والهجرة، وتباين المواقف تجاه روسيا وإيران، والموقف الهندي من التحالفات الغربية لاحتواء الصين، كالحوار الأمني الرباعي "كواد" (QUAD) الذي يضم إلى جانب الهند كلًّا من الولايات المتحدة، اليابان، وأستراليا.

ومن المتوقع أن تتأثر العلاقات بين البلدين بسياسات ترامب الصارمة في ملفات عدة خاصة مواجهة الصين والهجرة والتجارة، مما قد يشكل تحديا لنيودلهي التي تفضل الحفاظ على توازن دقيق في علاقتها مع الصين بعيدا عن المواجهة المباشرة.

من خلال فترة حكمه السابقة يمكن استقراء المواقف السياسية لترامب، حيث يحكم سلوكه مجموعة من المبادئ لعل من أهمها حماية الصناعة الأميركية، والتوقف عن إعطاء خدمات مجانية للآخرين -كما يقول- والعودة بالإنتاج والصناعة إلى داخل الولايات المتحدة من أجل توليد فرص العمل.

بالإضافة إلى ذلك فإن سياسات ترامب ليست مسكونة بالبعد القيمي بل قائمة على تحقيق المكاسب -وفق كثير من المراقبين-، فهو لا يلقي بالا إلى كثير من المواضيع التي يعدها الديمقراطيون جزءا من مبادئ السياسة الخارجية لبلادهم، وعلى سبيل المثال موضوع التجارة الحرة، والتغيّر المناخي، وحقوق الأقليات والمرأة والمثليين، وهي قضايا كانت تشكل عنصرا مهما في العلاقة بين الإدارة الديمقراطية مع الآخرين.

مراقبون: سياسات ترامب ليست مسكونة بالبعد القيمي بل قائمة على تحقيق المكاسب (الفرنسية) التجارة العادلة

يعتبر ترامب الصين العدو الأول للولايات المتحدة، في حين ينظر إلى نيودلهي على أنها شريك أساسي في مواجهة بكين، فقد سبق أن صرح خلال زيارته الرسمية للهند في فبراير/شباط 2020، بأنّ "الهند شريك إستراتيجي رئيسي، وخاصة في مواجهة التحديات الصينية".

في المقابل، أكد رئيس الوزراء الهندي في القمم الثنائية التي جمعت البلدين في عامي 2019 و2020، "أن التعاون مع الولايات المتحدة يتجاوز القضايا الثنائية؛ إلى التحالف الذي يعزّز الاستقرار في المنطقة"، ورغم هذه التصريحات الوديّة، حذّر بعض المسؤولين الهنود من أن "توجهات ترامب الاقتصادية قد تزيد من صعوبة التعاون التجاري بين الطرفين".

كما عبّر رئيس منتدى الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند موكيش أغهي، عن أن فوز ترامب بولاية جديدة قد يؤدي إلى التركيز على خفض العجز التجاري الأميركي، مشيرا إلى أن ذلك قد يتطلب من الهند تقديم تنازلات صعبة في المفاوضات التجارية.

وتخيّم قضايا التجارة والهجرة على العلاقة الهندية الأميركية، ويسعى ترامب إلى إعادة تقييم الميزات التجارية الممنوحة للهند نتيجة موقعها الحساس في قارة آسيا واستقطابها لصالح مواجهة للصين.

أغهي: فوز ترامب قد يؤدي إلى التركيز على خفض العجز التجاري الأميركي ويتطلب ذلك من الهند تقديم تنازلات (مواقع التواصل)

وفي إطار ما يسميه "التجارة العادلة"، أشار ترامب خلال حملته الانتخابية إلى ضرورة دفع الدول المستفيدة من السوق والنفوذ الأميركي مقابل "التكافؤ" في التعامل، مشددا على ضرورة إصلاح العجز التجاري.

وتشير تصريحاته إلى أنه قد يفرض مزيدا من الرسوم الجمركية على واردات هندية، واتخاذ سياسات اقتصادية صارمة كما حدث في ولايته الأولى.

وتجدُّد هذا النهج في ولايته الجديدة، يعني أنّ الامتيازات التي تمتّعت بها الهند سابقا ستخضع لإعادة تقييم، بما فيها وضع قيود إضافية على تأشيرات العمل للمهاجرين الهنود، حيث أكد ترامب مؤخرًا على "الحاجة لإيجاد عمالة أكثر مهارة"، وهو ما يثير قلقًا في نيودلهي، لوجود حوالي 5 مليون هندي في الولايات المتحدة، وهم أكبر تجمع هندي خارج البلاد.

وتُعدّ الولايات المتحدة وجهة مفضلة للشباب الهندي للدراسة والعمل، وتشديد الإجراءات ربما يعني الإضرار بهذه العمالة الضخمة، كما أن نيودلهي كانت تطمح لأن يشكل الوجود الهندي هناك مدخلا للتأثير السياسي مستقبلا لصالحها.

ومع ذلك ربما يعمل ترامب على منح الهند بعض الامتيازات في هذا الملف، من خلال ما أسماه "العمالة المفيدة والعمالة غير مفيدة"، من خلال استقبال العمالة الهندية المدربة والأكثر كفاءة والتي يمكن أن تخدم في مفاصل يحتاجها الاقتصاد الأميركي، وهو ما يجعلها مشكلة يمكن التغلب عليها، ويضاف لذلك، موضوع التعريفات الجمركية واختلال الميزان التجاري، فالولايات المتحدة تمثل شريكا مهما للهند وهذا بحدّ ذاته شيء مطمئن في سياق استقرار العلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة.

حقوق الإنسان

تزايدت الانتقادات الأميركية الرسمية والحقوقية للهند بسبب الاضطهاد الذي تتعرض له الأقليات، وهو ما شكل ضغوطا متزايدة على نيودلهي وتوترا للعلاقات بين البلدين، خاصة في ظل قانون تعديل المواطنة المثير للجدل، والذي يهدف إلى تسهيل منح الجنسية لغير المسلمين القادمين من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش، وهو تعديل تم إقراره في ديسمبر/كانون الأول 2019 على قانون المواطنة الهندي لعام 1955.

ووفقا لهذا القانون، يمكن لأتباع الديانات الهندوسية، السيخية، البوذية، الجاينية، البارسية، والمسيحية الذين وصلوا إلى الهند قبل 31 ديسمبر/كانون الأول 2014 الحصول على الجنسية الهندية، ويعتبره منتقدوه قانونا تمييزيا لأنه يستثني المسلمين من الفئات المستفيدة، مما يتعارض مع القيم العلمانية التي ينص عليها الدستور الهندي.

كما أبدت منظمات أميركية وأخرى دولية قلقها من تراجع حرية الصحافة في الهند، كما واجهت انتقادات من الولايات المتحدة بسبب -ما يُوصف- بالتضييق على النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتركزت الانتقادات على استخدام قوانين مشددة مثل "قانون الأمن القومي" و"قانون الأنشطة غير المشروعة" لاحتجاز المعارضين.

وفي تقاريرها السنوية حول حقوق الإنسان، تناولت وزارة الخارجية الأميركية بانتظام الأوضاع في الهند، وسلطت الضوء على الانتهاكات التي تتعلق بمعاملة الأقليات، خاصة المسلمين، وقضايا حرية الصحافة والتعبير.

وفي تقريرها لعام 2022، أشارت الوزارة إلى "زيادة الضغوط على الصحفيين والنشطاء واعتقالات في كشمير"، و"تشريعات مقلقة تتعلق بالمواطنة وتستثني بعض الأقليات".

كما عبر بعض أعضاء الكونغرس عن قلقهم إزاء أوضاع حقوق الإنسان في الهند، وكتب النائب الديمقراطي بريت شيرمان رسالة دعا فيها الهند إلى مراجعة سياساتها الخاصة بالمواطنة، مشيرا إلى أنها تثير قلقا بشأن التمييز الديني.

ومارست الولايات المتحدة، خاصة في عهد الإدارات الديمقراطية، ضغوطا دبلوماسية على الهند لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، وإن كانت هذه الانتقادات أحيانا تتراجع نظرا للشراكة الإستراتيجية بين البلدين.

لكن ترامب يظهر عدم اكتراث واضح بالمخاوف الحقوقية مقارنة بالإدارات الديمقراطية، حيث لا تشكل قضايا مثل الحريات الدينية أو حقوق الأقليات أولوية بالنسبة له، ولا ضمن مبادئ السياسية الخارجية مع الدول، إضافة إلى أنه متهم بالعنصرية ضد المسلمين والمهاجرين، بل بالعكس فإن الخلفية اليمينية التي يأتي منها ستجعله أكثر تفهما للسياسات الهندية في هذا المجال، على الأرجح.

ترامب متهم بالعنصرية ضد المسلمين والمهاجرين (شترستوك) مواجهة الصين

تعتبِر الولايات المتحدة الهند شريكا أساسيا في إستراتيجيتها وجهودها لاحتواء النفوذ الصيني، ومن ذلك تصريحات ترامب بأن "الهند جزء أساسي من الإستراتيجية الأميركية لمواجهة الصين"، متوقعا من نيودلهي اتخاذ خطوات واضحة لدعم التحالفات التي تقودها واشنطن، لكن من الواضح أن الهند تحاول تجنب التورط في صدام مباشر مع بكين، عبر تعزيز علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع الصين، واتباع سياسة متوازنة للحفاظ على استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادي.

وقد أوضح ترامب أن "مواجهة الصين تتطلب تحالفات قوية في المنطقة الآسيوية، والهند تلعب دورا محوريا في هذا التحالف"، وهذه الفكرة صرح بها بوضوح خلال زيارته إلى الهند في فبراير/شباط 2020، في تجمع جماهيري بحضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو ما يعزز من أهمية الحوار الأمني الرباعي (QUAD) بين الهند وأميركا واليابان وأستراليا.

ورغم أن نيودلهي تُعد عضوا رئيسيا في التحالف الرباعي، لكنها تميل لتقديمه كتحالف هجين لا يرتكز فقط على الجانب العسكري، من خلال طرح قضايا إنسانية كالصحة والتقنية، في محاولة منها لتلطيف التجمع وجعله أكثر قبولا، وهذا الأمر لن يقبله ترامب وإدارته الجمهورية إذ يمكن أن يعدّوه وسيلة لتمييع هوية وأهداف التجمع.

لذا فإنه من المتوقع أن يُجري ترامب تغييرات على هذا النهج، وأن يطالب الهند بتعزيز الجانب العسكري ضمن التحالف وتقديم التزامات محددة أكثر وضوحا وصراحة بهذا الخصوص، مما قد يشكل تحديا لنيودلهي التي تفضل الحفاظ على توازن دقيق في علاقتها مع الصين، خاصة أن التجارة الثنائية بين البلدين تتطور رغم الخلافات الحدودية.

وإذا كانت الهند لم توقع على اتفاقية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) والذي يُعد الشريان الرئيس لمبادرة الحزام والطريق (BRI) الصينية، ويضم في عضويته 110 بلدان، مما يعني أنها ليست جزءا من المبادرة، إلا أن تجارتها مع الصين تتطور، مما يؤشر أنها تحاول عمل شبكة أمان في علاقتها مع بكين دون الاعتماد بالكلية على الولايات المتحدة.

كما يبقى منطق المواجهة الأميركية مع الصين ليس حتميا بالضرورة وإن كان هو المرجح، إذ أثنى ترامب على الرئيس الصيني شي جين بينغ في عدة مناسبات، منها تصريحاته في منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2020، حيث أشاد بعلاقته الشخصية مع شي، مشيرا إلى أنهم "يحب بعضهم بعضا"، رغم التوترات التجارية بين البلدين.

وفي مقابلة مع جو روغان في عام 2024، وصف ترامب شي بأنه "رجل عبقري" و"قائد بقبضة حديدية"، مؤكدا احترامه لقدراته في إدارة بلد ضخم مثل الصين، كما أن لدى الطرفين مقاربات براغماتية عالية ليس مستبعدا في ظلها وجود صفقات بين الجانبين، خصوصا في ظل سياسة ترامب المعلنة في الابتعاد عن إشعال الحروب.

ولدى ترامب خصومة مع المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة، لذا فهو يعتمد على إستراتيجية حل النزاعات بهدوء دون تدخل عسكري، وهو معني بإنهاء الحرب الأوكرانية كما أعلن مرارا، ومن غير المرجح أن يذهب إلى حالة مواجهة عسكرية مع الصين من أجل تايوان، بل بالعكس يمكن أن يسعى إلى تبريد العلاقة بينهما كما حصل سابقا مع كوريا الشمالية، وربما يشمل ذلك أيضا موضوع بحر جنوب الصين.

روسيا وإيران

تحافظ الهند على علاقات تاريخية وثيقة مع كل من روسيا وإيران، وتمثل هذه العلاقات بعدا إضافيا للعلاقات الهندية الأميركية، فقد يتعامل ترامب بمرونة أكبر مع ملف روسيا، حيث سبق أن قال في خطاب ألقاه في نادي الاقتصاديين الأميركيين بمدينة نيويورك في 5 سبتمبر/أيلول 2024، "إنه يسعى لإنهاء الصراع في أوكرانيا وإعادة روسيا إلى المجتمع الدولي"، وهذا يمنح نيودلهي هامشا أوسع لتعزيز علاقاتها بروسيا دون ضغوط كبيرة من واشنطن.

ومع تأكيد ترامب على أولويته لتطوير الاقتصاد الأميركي، فقد يغض الطرف عن تقارب الهند مع إيران، خصوصا إذا كان ذلك يخدم أهدافا اقتصادية مشتركة، إلا أن مسؤولين أميركيين أكدوا أن "علاقة الهند بإيران ستظل عاملا حساسا في السياسات الأميركية"، مما يثير تساؤلات حول كيفية معالجة إدارة ترامب لهذا الملف الشائك.

ورغم الخلافات المحتملة، تظل العلاقة بين الهند والولايات المتحدة مدفوعة بمصالح إستراتيجية مشتركة، أهمها التصدي للصعود الصيني، وتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والاقتصاد.

ومن المتوقع أن تشهد بعض الأولويات تغييرات في عهد ترامب، مع احتمالية زيادة الضغوط التجارية وإعادة تقييم سياسات الهجرة ومع ذلك، يبدو أن العلاقة بين البلدين ستستمر في التوازن بين المصالح المشتركة والتوترات السياسية.

وبالنظر إلى أسلوب ترامب الشخصي في تطوير العلاقات خلال ولايته السابقة، يُرجح أن تتسم العلاقات مع الهند بقدر من الانسجام، خاصة مع وجود تشابه بين شخصيتي ترامب ومودي؛ فكلاهما يأتي من خلفية يمينية، وهو ما قد يسهم في إيجاد قواسم مشتركة تعزز التفاهم بينهما.

مقالات مشابهة

  • اليمينيّان ترامب ومودي ومستقبل العلاقات الأميركية الهندية
  • بري : الورقة الأميركية لا تتضمن حرية حركة لإسرائيل ولا قوات أطلسية والأجواء إيجابية
  • طيارون أمريكيون يكشفون تفاصيل جديدة عن هجوم إيران على إسرائيل
  • طيارون أميركيون يكشفون ما حدث ليلة هجوم إيران على إسرائيل
  • إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم
  • قبيل هجوم حماس.. تحقيق إسرائيلي في مكالمة "تهز مستقبل نتنياهو"
  • برلين تنفي اتهامات من لبنان بتورط جنود ألمان في أعمال قتال لصالح إسرائيل
  • باحث في العلاقات الدولية لـ«الأسبوع»: «مايك هاكابي» ينفذ الأجندة الأمريكية التي تخدم إسرائيل
  • برلين تنفي تورط جنود ألمان بالقتال مع إسرائيل في لبنان
  • ألمانيا ترد على "تهم دعم إسرائيل" في لبنان.. ماذا حدث؟