أكد صندوق النقد العربي، التزام المنطقة العربية بتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة ومواجهة تغيرات المناخ، مع إدراكها أنه لا غنى عن التنمية لتحقيق استقرار الاقتصاد والرفاه الاجتماعي وحماية البيئة على المدي الطويل.

وقال الصندوق، في ورقة عمل بعنوان (رؤية حول الموقف تجاه تغيرات المناخ وخيارات السياسات.

. الطريق إلى “كوب 28”)، إن هناك توجها متزايدا لدى معظم دول المنطقة نحو دمج الاستدامة ضمن سياساتها وممارساتها سعيا للموازنة بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة بما يخدم الجيل الحالي والأجيال المستقبلية.

وأضاف أن المنطقة العربية تعد من بين أكثر المناطق تأثراً بتغيرات المناخ رغم أن مساهمتها في انبعاثات الكربون محدودة، مشيراً إلى أن السياسات العامة لمواجهة تحديات ومخاطر هذه التغيرات تمثل عنصراً حاسماً في الحد من آثارها، أن السلطات في الدول العربية بذلت جهوداً معتبرة في إطار التوجه نحو مستقبل مستدام، ودعمت تنفيذ اتفاق باريس، إلى جانب دعمها تحقيق مستهدف صافي الانبعاثات الصفري.

وذكر الصندوق أن معظم الدول العربية أعلنت بالفعل التزامها تجاه مستهدف صافي الانبعاثات الصفري ووضعت خططاً وبرامج لتحقيق ذلك، في الوقت الذي يتزايد فيه تبني الدول العربية مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، من أجل تنويع مصادر الطاقة وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ولفت الصندوق إلى حرص الدول العربية على توسيع دورها فيما يسمى بالتدابير التعويضية، مثل زراعة الأشجار وتقنيات احتجاز وإعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون في إطار الاقتصاد الدائري للكربون، مؤكدا أن هذه الجهود لا تساعد فقط في التخفيف من تغيرات المناخ، بل توفر مجالات اقتصادية كبيرة لخلق فرص عمل جديدة وتحفيز الابتكار في قطاع الطاقة المتجددة.

وأوضح الصندوق أن المنطقة العربية تدرك أن مواجهة تحديات تغيرات المناخ تتطلب التعاون والشراكة الدولية، وأن التضامن والإنصاف مبدآن أساسيان يستند إليهما أي نظام متعدد الأطراف، لذلك تعتبر مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في عام 2021، مثالا على جهود المنطقة ونموذجاً للتضامن والإنصاف لمواجهة مخاطر تغيرات المناخ.

ولفت الصندوق إلى أن المنطقة العربية تشارك بفعالية في مفاوضات ومبادرات التغيرات المناخية العالمية، حيث استضافت مصر مؤتمر “كوب 27” العام الماضي، فيما تستضيف دولة الإمارات “كوب 28” هذا العام، حيث تعرب الدول العربية من خلال هذه المنصات الدولية عن وجهة نظرها وآرائها في الحوار العالمي الخاص بقضايا المناخ، وتعمل على إيجاد حلول عادلة لتحديات تغيراته.وام


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

ما بعد الانتخابات السنغالية: أبعاد وفرص التعاون مع العالم العربي

تُعتبر السنغال دولة محوريّة لها أهمية إستراتيجية إقليميًا ودوليًّا، وقد نجحت إدارة الدولة منذ الاستقلال سنة 1960م في الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي دون حدوث أي انقلاب عسكريّ فيها؛ الأمر الذي مكّنها من الفوز بمكاسب سياسية واقتصادية واستثمارية بالشراكة مع الدول الصديقة.

ومع ذلك، عانت الدولة من ظروف سياسية قاسية في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث اتّسعت دائرة النزاع بين السلطة والمعارضة، حدثت خلالها انتفاضة شعبيّة أثرت الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي؛ بيد أن الانتخابات الرئاسية 2024م ألهمت العالم مجددًا بالتغيير السياسي الذي اختاره الشعب مُتجرّدًا من قيود السياسات الكلاسيكية نحو الإصلاح؛ وذلك بتنصيب باسيرو ديوماي فاي رئيسًا، حيث فاز بنسبة 54.28% من الأصوات، ويعتبر هذا الأمر نقطةَ تحوّل جذريّ في السياق السياسي السنغالي.

⁠استقرار الديمقراطية في السنغال

تقع السنغال في غرب أفريقيا، وهي دولة تزخر بتاريخ غني وتنوّع ثقافيّ استثنائيّ، وتُعَدّ منارة للديمقراطية. حيث تعتبر واحدة من أكثر الدول استقرارًا، وتتعاطى مؤسسات الدولة نهج الديمقراطية في الحكم، والتعامل مع المجتمع المدني.

ومع ذلك، شهدت الدولة اتجاهًا للتراجع الديمقراطي منذ عام 2020م، وكانت الأحداث التي تعرقل المسارات الديمقراطية للبلد تتجدد في كل وقت؛ تزامنًا مع توسّع قوّة المعارضة بقيادة عثمان سونكو، وتعقّد الوضع السياسي حتّى توقّع الجميع انهيار الدولة سياسيًا لتلتحق بفئة الدول المرتدّة عن الديمقراطية، في إقليم يعاني من كثرة الانقلابات السياسية. وقد خرجت السنغال من مختلف الأزمات السياسية التي مرت بها في الآونة الأخيرة، بما فيها أزمة تأجيل الانتخابات، وغيرها، وترجع عودة الاستقرار السياسي في السنغال إلى عدة عوامل أهمها:

الحوار الوطني: أدرك النظام السابق مدى خطورة الوضع، وعدم قدرته على تحمّل الضغط الشعبي جراء ما عانته المعارضة من الاضطهاد، دفعهم ذلك إلى الدعوة للحوار، ورغم رفض سونكو المشاركة فيه؛ فإن ذلك لم يمنع فاعلية نتائجه لعودة الاستقرار في الدولة.

الانتفاضة الشعبية: سبّبت الاحتجاجات خسائر مادية، وأدت إلى كثير من الوفيات؛ وخوفًا من تفاقم الوضع كان لابدّ من الاستجابة لمطالب الشعب بتنظيم انتخابات نزيهة لعودة الأمن.

قانون العفو العام: أثمر الحوار الوطنيّ قرارًا يفضي إلى تصويت البرلمان على مقترح "قانون العفو العام لجميع السجناء السياسيين"؛ وساهم هذا الأمر في استقرار الممارسة السياسية، وتسليم الحكم بطريقة ديمقراطية.

نزاهة الانتخابات: حيث ساهم ذلك في الفوز المستحقّ لرجل المرحلة باسيرو ديوماي فاي، وهو الذي رشّحه سونكو لحمل المشروع السياسي بعد عرقلته عن الترشح، وقد ساعد هذا النجاح في استرجاع السِلم الأهلي.

الدور الإقليمي والدولي للسنغال

على الصعيد الإقليمي، تلعب السنغال دورًا أساسيًا في غرب أفريقيا من خلال تأثيرها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بالإضافة إلى كونها راعية للديمقراطية في المنطقة، ومساهمة في حلّ الأزمات الأمنية فيها.

على المستوى الدولي، أدركت القيادة السنغالية الجديدة ضرورة التفاعل السياسي مع مختلف الشركاء، وتشارك السنغال بتاريخها الدبلوماسي في مبادرات الأمم المتحدة التي أسهمت في مواصلة إبراز تأثيرها الدولي لصالح القارة الأفريقية، ويؤكّد ذلك إجراء وزير الاقتصاد والتخطيط والتعاون د. عبد الرحمن سار، يوم الأحد 10 يونيو/حزيران 2024م، جلسةَ عمل مع وفد صندوق النقد الدولي في مهمة رسمية إلى السنغال؛ من أجل المراجعة الثانية للبَرنامج الاقتصادي.

إن التغيرات السياسية الأخيرة بعد انتخابات 2024م، اختبارٌ للسنغال لإعادة تأكيد دورها على الساحتين: الدولية والعربية؛ كي تسرع وتيرة التعافي من الأزمات الاقتصادية، فالإستراتيجية الدولية للسنغال تتجه نحو تعزيز الشراكات الاستثمارية في: الطاقة، والذكاء الاصطناعي، والرقمنة والتكنولوجيا، والثروة الحيوانية، وتعمل على ذلك من خلال إعادة التفاوض في الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية، وفي تعديل واعتماد المراسيم القانونية المنظمة للتوجّه الإستراتيجي للنفط والغاز، وسيساهم الإنتاج النفطي لدولة السنغال في تعزيز موقعها الجيوسياسي على المستويَين: الإقليمي والدولي.

السنغال والعالم العربي: آفاق التعاون

في ظل هذا السياق الجيوسياسي، تبرز أهمية السنغال كنموذج للتطور الديمقراطي والتنمية في غرب أفريقيا، وكفاعل رئيس في الدبلوماسية الإقليمية والدولية، حيث يمكنها أن تلعب دورًا محوريًا في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية من خلال تعزيز الشراكات الإستراتيجية، وتوقيع اتفاقيات استثمارية مع الدول العربية الخبيرة في مجال إنتاج النفط، يعزز ذلك وجود قواسم مشتركة بين السنغال والأقطار العربية، دينية وثقافية، بالإضافة إلى انتشار استعمال اللغة العربية تعلّمًا وتعليمًا، محادثة وكتابة.

وعلى الصعيدَين: الاستثماري والثقافي، توسّعت العلاقة في: التجارة، والاستثمار، والتبادل الثقافيّ؛ وتعدّ السنغال من أكثر الدول استفادة من التّمويلات والمساعدات التي تقدمها الدول العربية لأفريقيا، وهي في الترتيب الثاني بعد غينيا، حسب تصنيف BADEA؛ إلا أنها لا تزال محدودة، وقد جاءت زيارة وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال إلى دولة المغرب – مع وصول السلطة الجديدة – تجديدًا للثقة المتبادلة بين البلدين، وهي زيارة إستراتيجية للتعاون من أجل التأثير الإيجابي في الإقليم؛ ولاستثمار العلاقة في تشجيع الاستثمارات مع البلدان الأفريقية المجاورة والدول العربية.

وفي هذا السياق، وجدت السنغال قطراتها الأولى من النفط، وأدى ذلك إلى توسع نقاش النسب المئوية التي تحصل عليها الدولة لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية. وعلى هذا الأساس، تم اعتماد وثيقة الميزانية والبرمجة الاقتصادية متعددة السنوات 2026- 2024 (DPBEP) في اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 12 يونيو/حزيران، وفيه التفاصيل الموضحة لحصص الدولة، والمبلغ الذي يتم سداده كتكاليف استثمار، بالإضافة إلى ما يمكن لها التصرف فيه من الإنتاج النفطي.

وفيما يأتي أهمّ فرص التعاون التي يمكن للسنغال والدول العربية اغتنامها من أجل تحقيق التنمية:

تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي:

تواجه دولة السنغال تحديات اقتصادية، وتعمل الحكومة على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال الاستثمار في النفط، ويؤكد عثمان سونكو أن حصص البلاد من الموارد الطبيعية ضئيلة.. وإنتاج البترول بكميات كبيرة هذا العام، جعلها تتخذ قرارات لمراجعة الاتفاقيات الاستثمارية، وإعادة التفاوض مع الشركات الأجنبية من أجل تخصيص جزء كبير منه لصالح السيادة الوطنية، والاستفادة من ذلك في حلّ مشاكل المواطنين.

كما تسعى السلطة لإجراء مراجعات للبرنامج الاقتصادي، ووضع مقترحات وإستراتيجيات جديدة تخفف من الديون؛ وهذه الخطوة ستعزز من التعاون التجاري والاقتصادي مع الدول العربية كشركاء مؤثّرين؛ وإعادة التفاوض في العقود فرصة لها للدخول في استثمارات ضخمة مع السنغال يستفيد منها كلا الجانبين.

الاستثمار النفطي:

تسعى القيادة السنغالية لتحسين وتجديد علاقتها مع دول الخليج العربيّ، وبالأخص دولة قطر، ويُستحسن استثمار هذه العلاقة الثنائية بين الدولتين في تحديث ملفات التعاون المشترك، كما أن اللقاء بين سفير دولة قطر ورئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو في الأيام الماضية، تمهيد لوضع خطط مشتركة لتعزيز الشراكة الإستراتيجية؛ ونظرًا لريادة دولة قطر في قطاع الطاقة واحتياج دولة السنغال إلى شريك نوعيّ للتنمية المستدامة، فإن هذه الخطوة مهمة. ويضاف إلى ذلك زيارة وزير الطاقة والبترول والمناجم بيرام سُلي جوب لدولة قطر في الشهر الماضي، وقدم الوزير تقريرًا شاملًا عن زيارته الرسمية في اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 12 يونيو/حزيران 2024.

وتحمل القيادة الجديدة توجّهًا يميل إلى إعادة دراسة الاتفاقيات السابقة في قطاعات النفط والغاز؛ وربما تهدف لإفساح المجال للمستثمرين الدوليين المؤثرين كالعرب الذين تمّ إبعادهم من طرف الحكومة السابقة لأسباب غير مقنعة. وهذا النوع من المبادرات يجذب المستثمرين الجدد من العالم العربي، ومن خلال ذلك تتمكن السلطة من تنويع الاقتصاد.

التبادل الثقافي:

إن حضور الإسلام واللغة العربية في السنغال متجذّر؛ والدور الريادي للعالم العربي يجعله قادرًا على استغلال فرصة تفعيل الدبلوماسية الثقافية والدينية، والنظر إلى أوجه الاستفادة بالشراكة مع مكتب مديرية الشؤون الدينية في قصر الجمهورية المنشأ حديثًا بقرار الرئيس باسيرو، والعمل على التأثير النوعي في الشؤون الاجتماعية والثقافية عن طريق توقيع شراكات مع المؤسسات السنغالية التي ترتقي إلى هذه المهمّة، ومن بينها: مديرية دمج حملة الشهادات العربية في قصر الجمهورية، ووزارة الإعلام، ووزارة التعليم العالي، ووزارة التربية الوطنية، والهيئة العليا للوقف، والمشيخة الدينية السنغالية، والجامعات.

وعليه، فإن الدول العربية ذات التأثير الثقافي ستكون مرآة لدولة السنغال للاستفادة من تجاربها، وتلقِّي الدعم منها.

وختامًا؛ تعمل القيادة السنغالية الجديدة على إيجاد شراكات قويّة لتحقيق أهدافها السياسية، ويعد العالم العربيّ شريكًا مناسبًا للسنغال؛ لكونه يتكون من دول قادرة على ممارسة التأثير على التفاعلات والأحداث العالمية في البيئة الجيوبوليتكية التي تتحرك فيها، والمناخ السياسي والديني والثقافي متوفر لنجاح هذا الدور.

ومما يبعث على الاطمئنان إلى التعامل الاقتصادي مع السنغال أنَّ سياستها تتميز بالاستمرارية في الخطط والبرامج، رغم اختلاف وجهات نظر الرؤساء المتعاقبين في الحكم، كما أن هناك حاجة من الدول الشريكة للسنغال في العالم العربيّ لوضع خطط استثمارية ومشاريع إستراتيجية لمساندتها في استغلال النفط والغاز، وإدارتها بطريقة شفافة تعزّز النمو الاقتصادي في البلد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الثقافة تستضيف ورشة عمل دولية حول الحفاظ على تقاليد الطعام العربية
  • «الثقافة» تستضيف ورشة عمل دولية حول حماية وصون التراث غير المادي
  • “يحيى” يناقش عرض اللجنة الأفريقية للطاقة النووية بشأن تسخير الطاقة لأغراض التنمية المستدامة
  • الثقافة تستضيف ورشة عمل دولية حول "حماية وصون تقاليد الطعام العربية"
  • ما بعد الانتخابات السنغالية: أبعاد وفرص التعاون مع العالم العربي
  • رئيس تغيرات المناخ: قطع الأشجار بدون داعي مُجرم.. وشركات السيارات مسؤولة عن العوادم
  • 100 مليار دولار فجوة تمويل التنمية المستدامة عربياً
  • رئيس البرلمان العربي: التكامل العربي الإفريقي أولوية ملحة في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية
  • العسومي: التكامل العربي الإفريقي بات أولوية ملحة في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية
  • “روساتوم” في ذكرى إطلاق أول محطة نووية في العالم: روسيا حريصة على دعم شركائها من الدول الصديقة