الفلسطينيون يروون سرديتهم ويناضلون من أجل قضيتهم
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
في كتابه «الاستشراق» قدم المفكر إدوارد سعيد نقدا موضوعيا مهما للصورة التي يرسمها الغرب عن الشرق وخصوصا الشرق الأوسط، وبدت تلك الصورة مشوهة ومنزوعة من سياقها التاريخي. واليوم، بعد سنوات طويلة من صدور ذلك الكتاب المهم، لو طبقنا تلك المعادلة على القضية الفلسطينية فإننا نستطيع أن نكتشف بسهولة حجم التشويه الذي يقوم به الكثير من الغرب، بما في ذلك المفكرون والصحفيون والأكاديميون، لصورة النضال الفلسطيني من أجل استعادة الوطن المحتل، ووصم ذلك النضال «بالإرهاب» دون خجل من مستوى المعالجة والنتيجة التي يصل إليها الغرب في سردياتهم.
ورغم أن هذا الغرب ما زال في ذروة دعمه للقضية الأوكرانية والدفاع عن حق الأوكرانيين في استعادة أرضهم باستخدام كل الطرق العسكرية الممكنة إلا أن الأمر عندما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو قضايا المسلمين عموما، فإن المقاييس تختلف تماما والمقدمات، مهما تطابقت، لا تقود أبدا إلى النتائج نفسها! لذلك ليس غريبا أن نجد الخطابات الغربية السياسية والأكاديمية وأصوات الكثير من المفكرين تنظر إلى ما قامت به كتائب القسام، خلال الأيام الماضية، باعتباره عملا إرهابيا لا يمت إلى الإنسانية بأي صلة، ولا مُسوغ له على الإطلاق.. وشاهدنا كيف ركزت التغطية الصحفية الغربية المصورة والمكتوبة على إظهار المحتل الإسرائيلي ضحيةً «لإرهاب» حماس، وأنه مشرد في «أرضه»، فيما يتم تجاوز المعنى الحقيقي لتلك الأحداث التي لا يمكن أن تفصل عن سياق النضال الفلسطيني من أجل الكرامة الفلسطينية التي انتهكت عبر الممارسات القمعية التي قامت بها إسرائيل عبر العقود الماضية، ومن أجل استعادة الأرض المحتلة، وتكوين الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا حق مدعوم بالقرارات الدولية، ومسنود بشكل مطلق من كل الأديان والأعراف الإنسانية.
لكن الصورة الحقيقية لما حدث كما في السردية الفلسطينية والسردية العربية والإسلامية هو امتداد لنضال تاريخي طويل عمره أكثر من 75 عاما، وهو أكبر، حتى، من سياقه الوطني، فهو يحمل أبعادا قومية ودينية ولا يمكن تجاهل أيّ من تلك الأبعاد إذا ما أراد الغرب، على وجه الخصوص، قراءة المشهد من الزاوية الحقيقية للحدث.. وعندما يحمل النضال من أجل قضية كل هذه الأبعاد: الوطنية والقومية والدينية، فلا يمكن التفكير في الوصول إلى حل دائم في معزل عن أي منها.. وتجاهل أي بُعد من هذه الأبعاد من شأنه أن يزيد القضية تعقيدا، ويحوّل الصراع إلى مساحات أكبر في محيط فلسطين وربما الوطن العربي كما كان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
أما الجديد فيما حدث في محيط غزة فهو التطور الكبير الذي شهدته المقاومة الفلسطينية على يد أجيال من الفلسطينيين لم تفتر عزيمتهم، ولم ينسوا قضيتهم بكل أبعادها الكبرى، الأمر الذي جعل إسرائيل تفقد توازنها، وتعيش أسوأ أيامها على الإطلاق بشهادة مفكرين ومؤرخين غرب وبشهادة الإسرائيليين أنفسهم الذين قالوا: إنهم عاشوا «أسود» يوم في تاريخهم المليء بالسواد. على أن الصدمة تجاوزت الإسرائيليين وحدهم إلى الغرب الذي تفاجأ بما حدث، تفاجأ مما وصلت له حركات المقاومة الفلسطينية من تطور وقدرات عسكرية، وقدرة على المباغتة، وتفاجأ من هشاشة «الدولة» الإسرائيلية وضعف أجهزتها الاستخبارية عن رصد مثل هذا الحدث العظيم، رغم التضخيم الذي عاش عليه هذا الكيان الغاصب.
وإذا كان الجميع يتفق أن ما حدث كان كبيرا بكل المقاييس، وهو كذلك دون شك، فإن الأحداث الكبرى عبر التاريخ تفرز حلولا كبرى أيضا، ولذلك فهذه فرصة إسرائيل الذهبية للدخول في سلام مع العرب عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الخامس من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. كما أنها الفرصة الذهبية للغرب عموما لإحلال الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، حيث لا يمكن التفكير بشكل جدي في الاستقرار والسلام دون حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.
ونستعيد هنا ما جاء في بيان وزارة الخارجية في سلطنة عمان التي اعتبرت أن التصعيد الذي حدث صباح السبت الماضي هو نتيجة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي اللامشروع للأراضي الفلسطينية، ودعت إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وهذه الرؤية العمانية قائمة على فهم مفاده أن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ومناطق كثيرة في العالم مرهون بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية بما لها من بعد قومي وديني لدى جميع المسلمين.
ولذلك أعود إلى الفكرة الأولى التي طرحتها في بداية هذا المقال، وهي حق الفلسطينيين في النضال من أجل قضيتهم، ومن أجل كرامتهم واستعادة هُويتهم التي غمرتها عقود من الاستعمار والسلب والتضليل بصور ذهنية بعيدة كل البعد عن الحقيقة.
وعلى العالم المستلب والمضلل من الصهيونية العالمية أن يحاول فهم حقيقة النضال الفلسطيني بعيدا عن الصورة الذهنية المنحرفة التي عاش الكثير من الغرب في وهمها لعقود طويلة، وعلينا في العالم العربي، وفي فلسطين بالتحديد أن نكون أقدر على تقديم القضية الفلسطينية في سياقها الحقيقي للعالم.. ويمكن هنا استعارة إدوارد سعيد مرة أخرى وهو يقول: «لا يمكننا أن نناضل من أجل حقوقنا وتاريخنا ومستقبلنا حتى نتسلح بأسلحة النقد والوعي المخلص».
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لا یمکن من أجل ما حدث
إقرأ أيضاً:
اندفاع العراق نحو العالم يجعله يستعيد نفوذه
مارس 10, 2025آخر تحديث: مارس 10, 2025
محمد حسن الساعدي
بعد سقوط نظام صدام عام 2003 تمكن العراق من إعادة ترسيخ وجوده السياسي ومحاولة فرض نفوذه على علاقاته بالمنطقة من خلال شبكة عنكبوتية من العلاقات السياسية والاقتصادية والتبادل التجاري بينه وبين الدول الإقليمية والعالم لذلك ازدادت وتيرة العلاقة والمصالح الاقتصادية بينه وبين الغرب ما يجعلنا نسلط الضوء على المشاركة الغربية المتزايدة في قطاع الطاقة المهم والحيوي في العراق الأمر الذي أدى إلى زيادة التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي للعراق في عموم القضايا العربية وساعدت في إشعال شرارة التحول الديمقراطي وتأثيره على الوضع الإقليمي والدولي .
يمكن القول أن الغرب خسر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والذي تركز هذه المرة حول غزة وخسر الإسرائيلي لأنه في الوقت الحاضر لم تستطيع اسرائيل من اقناع العالم وحلفائها الرئيسيون من إثبات قدرتها على تحقيق نقاط قوة أو على الاقل إعلان نصر أثناء الصراع مع الفلسطينيين أو اللبنانيين وفتح جبهتين في أن واحد، أو أن يكون لواشنطن لها تأثير في الصراع (الروسي-الأوكراني) ويبدو إن الغرب لم يتمكن من فعل شيء في هذه الصراع واللي بعضه يتركز في الشرق الأوسط أو كان خارج منطقة نفوذه والتي ركز فيها على تايوان.
لقد أثبتت الإطاحة السريعة والغير متوقعة بالنظام السوري إن الولايات المتحدة وحلفائها ما زالوا قادرين على تغيير الأنظمة وحشد ونشر مجموعة واسعة من الأصول السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية لإزالة زعيم حكم سوريا لفترة طويلة الأمد ليس من خلال الأدبيات الديمقراطية التي تنادي بها بل من خلال التآمر وحشد القوة الظلامية والخارجة عن القانون كما أنه أظهر أنه قادر على قلب توازن القوة الراسخ منذ فترة طويلة عند الضرورة وهذه دروس بسيطة وقويه يمكن أن تستفيد منها دول كالصين وروسيا وإيران وجميع اللاعبين الرئيسيين الآخرين في الشرق الاوسط.
العراق عقد مؤخرا العديد من الاتفاقيات مع الشركات البريطانية وتحديدا مع شركة شل لمناقشة فرص توسيع التعاون بين العراق وشركة الطاقة العملاقة بالإضافة إلى توقيع العراق مع بنك ستاندرد تشارترد البريطاني والمصرف العقاري للتجارة إلى جانبي اتفاقيات أخرى في مجال المياه والبنى التحتية بالإضافة إلى التعاون التعليمي وتبادل البعثات الأكاديمية اتفاقية أخرى مع شركة هاليبرتون لتطوير حقلي نهر ابن عمر وسندبان النفطيين.
يعد العراق أعظم جائزة إلى الغرب في الشرق الاوسط بسبب الاحتياطي النفط المهول التي يمتلكها والتي تعد الأرخص في المنطقة وأثبت العراق أنه كنز لا يمكن تفويته من الطاقة سواء الغربي أو الشرق على حد سواء وموقعه الجغرافي المهم الجاذب في قلب الشرق الأوسط.
حالة الانفتاح الذي يمارسها العراق على العالم تعزز فرص نفوذه الى المنطقة وتجعله محطة من محطات التفاهم والحوار بين مختلف الدول الاقليمية والدولية وهذا فعلاً ما تحقق خلال السنوات القليلة الماضية في حلحلة الكثير من الملفات العالقة بين دول المنطقة، وتجعله يأخذ مكانه الطبيعي في تهدئة المنطقة وإبعاد العراق عن ساحة الصراع ليكون نقطة الالتقاء لا ساحة صراع.