شَهِد توقيع مذكرة تفاهم حول إطلاق الدورة الـ12 لحملة "دمي لوطني"
منصور بن محمد يحضر جانباً من فعاليات "ملتقى الأمين" مع انعقاد ثاني دوراته في دبي
الملتقى بحث مواكبة القطاعات الاقتصادية والأمنية للثورة الصناعية الرابعة
عمر العلماء تطرق إلى الآثار المحتملة للسباق العالمي في تبنّي للتكنولوجيا الحديثة وتأثيره على المجتمعات


دبي في 9 أكتوبر/وام/ حضر سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي لأمن المنافذ الحدودية، جانباً من فعاليات "ملتقى الأمين" في نسخته الثانية والتي حملت عنوان "الأمن ركيزة الاقتصاد الحديث.

..الثورة الصناعية الرابعة"، لبحث مواكبة القطاعات الاقتصادية والأمنية للثورة الصناعية الرابعة، ودور المؤسسات الأمنية والشركات المصنِّعة للتكنولوجيا الحديثة، والتحديات المستقبلية في هذا المجال.
وشارك في جلسات "ملتقى الأمين" الثاني، الذي انعقد في مكتبة محمد بن راشد، معالي عمر سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، وسعادة فيصل بن سليطين، المدير التنفيذي لمركز دبي للأمن الاقتصادي، وسعادة عامر شرف، المدير التنفيذي لقطاع أنظمة وخدمات الأمن السيبراني، في مركز دبي للأمن الالكتروني، وديفيد أوربان، مؤسس شركة فيوتشرويد المتخصصة في دراسة المتغيرات التكنولوجية.
وناقش الملتقى دور الأمن في تطور ونمو الاقتصادات الحديثة التي تتبنى حلول الثورة الصناعية الرابعة، كما تم استعراض التغيرات المستقبلية التي قد تطراً على الصناعة الأمنية، فيما دار النقاش على مدار جلسات الملتقى حول محاور رئيسية ركّزت على سباق الدول في تبنّي الثورة الصناعية الرابعة، والثورة الصناعية الرابعة ومواكبتها الأمنية، ودور مركز دبي للأمن الاقتصادي، كذلك دور الشركات المُصنّعة للتكنولوجيا الحديثة على صعيد ضمان البيئة التقنية الآمنة لاسيما على الصعيد الاقتصادي.
وهدف الملتقى من خلال تلك المحاور إلى تسليط الضوء على مواكبة الأمن للثورة الصناعية الرابعة، ودور المؤسسات الأمنية في تفعيل تلك المواكبة، كذلك مساهمة المؤسسات الامنية في دعم الاقتصاد، كما سعى للوقوف على أهم الآثار التي قد تمس المجتمع من الناحية الاقتصادية والأخلاقية، وبيان دور الشركات المصنعة لتكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة وتعاونها في تصميم الأنظمة الآمنة للمستخدم والمجتمع، ومناقشة التحديات المستقبلية المحتمل مواجهتها إلى جانب مستقبل التحديات وطرق فهمها والاستعداد لها أمنياً واجتماعياً.
وأوضحت خدمة الأمين، أن الثورة الصناعية الرابعة بمفاهيمها الرقمية الواسعة والمتشعبة، تحمل في طياتها أبعاداً اجتماعية وأمنية واقتصادية وثقافية تستدعي إجراء دراسات دقيقة حول آثارها المتوقعة آنياً ومستقبلياً على المجتمعات والأفراد، واتخاذ أطر ومنهجيات وتشريعات لمواجهة آثارها السلبية وتحقيق الاستفادة القصوى من إيجابياتها.
وأكدت الخدمة أن الانخراط في الثورة الصناعية الرابعة على المستوى الحكومي والخاص، يتطلب تضافر الجهود وتبادلاً معرفياً وعلمياً، وفهماً عميقاً لمسارات التحول في التكنولوجيا الرقمية ونظم الذكاء الاصطناعي، والسعي لاستشراف آثارها الإيجابية والسلبية على مختلف القطاعات، وتحديداً القطاع الاقتصادي، نظرا لارتباطه الوثيق بتعزيز التنمية في المجتمعات، بالتزامن مع تنمية وعي الأفراد أمنياً ومجتمعياً للتعامل مع هذه التحولات الرقمية المُتسارعة.
سباق عالمي
وتطرّق معالي عمر سلطان العلماء خلال مشاركته إلى سباق دول العالم نحو تبنّي حلول الثورة الصناعية الرابعة، في محاولة لفهم الآثار المحتملة الناتجة عن هذا السباق والتبنّي السريع للتكنولوجيا الحديثة، وتأثير ذلك على المجتمعات من الناحية الاجتماعية والأمنية وكيف لهذه التكنولوجيا أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على مجتمعاتنا ومعتقداتنا وسلوكياتنا الاجتماعية، ومدى انتشار التكنولوجيا الحديثة لتصبح عنصراً أساسياً لدى الأفراد، بما قد يحمله ذلك من تأثير أعمق على المجتمعات وتناسقها وقيمها.
دعم الاقتصاد
وتحدث سعادة فيصل بن سليطين، المدير التنفيذي لمركز دبي للأمن الاقتصادي، عن الدور المهم للمركز في دعم اقتصاد الإمارة من خلال الوقوف على آخر التحديات التي تواجه الاقتصاد الحديث، والإسهام المحوري للمركز ودوره في تحقيق تطلعات دبي الرامية لترسيخ دعائم اقتصاد آمن يؤكد مكانتها عاصمةً اقتصاديةً عالميةً ووجهةً مفضلة للاستثمار من مختلف أنحاء العالم.
المواكبة الأمنية
وتطرّق سعادة عامر شرف، المدير التنفيذي لقطاع أنظمة وخدمات الأمن السيبراني في مركز دبي للأمن الالكتروني، إلى مستجدات الثورة الصناعية الرابعة وأهمية الانتباه لها من الناحية الأمنية، وطرق مواكبة المؤسسات الأمنية للتحديات والمتغيرات المستقبلية التي تخلقها مختلف التطبيقات الخاصة بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، كذلك كيفية الاستعداد الأمثل في المجالات التي ستمكن المؤسسات الأمنية من مواكبتها ودعم الاقتصاد الآمن من خلالها.
متغيرات تكنولوجية
وتحدث ديفيد اوربان، مؤسس شركة فيوتشرويد المعنية بدراسة المتغيرات التكنولوجية في العالم، حول "دور الشركات المصنعة للتكنولوجيا الحديثة"، ودور الشركات المصنعة والتزامها اتجاه صناعة التكنولوجيا الحديثة، والدور المهم الذي يقع على عاتق هذه الشركات، والتأثير الإيجابي الذي يمكن لها أن تلعبه في حفظ أمن المجتمعات بالتزامن مع التزاماتها نحو مستخدمي أنظمتها.


الدورة الـ12 لحملة دمي لوطني
وعلى هامش الملتقى، شهد سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي لأمن المنافذ الحدودية، توقيع مذكرة تفاهم لإطلاق الدورة الثانية عشرة من حملة "دمي لوطني"، والتي تقام برعاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، وتستهدف تحفيز المجتمع على التبرّع بالدم، لتوفير وحدات دم للمرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة وحالات الطوارئ وإصابات الحوادث.
وقّع مذكرة التفاهم كل من المشرف العام لخدمة الأمين بدبي عمر الفلاسي، ومنى بو سمرة، رئيسة تحرير صحيفة "الإمارات اليوم"، و الدكتور حسين السمت، مدير إدارة المختبرات وعلم الوراثة في مؤسسة دبي الأكاديمية الصحية، والدكتور رمضان البلوشي مدير إدارة حماية الصحة العامة في هيئة الصحة بدبي.
ويتم تنظيم حملة "دمي لوطني" المبادرة بشراكة استراتيجية وتعاون بين خدمة «الأمين»، وهيئة الصحة في دبي، وصحيفة «الإمارات اليوم»، ومؤسسة دبي الأكاديمية الصحية، وانطلقت في دورتها الأولى عام 2012، برعاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، حيث كان سموه أول المتبرعين بالدم، ما كان له بالغ الأثر في إنجاح المبادرة، وتشجيع أفراد المجتمع على المشاركة فيها، لتحقق الحملة نجاحات متتالية، عززت من مخزون وإمكانات مركز دبي للتبرع بالدم، وقدرته على توفير كميات الدم الكافية لمحتاجيها من المرضى، بمختلف مستشفيات القطاعين العام والخاص في دبي.

محمد نبيل أبو طه/ زكريا محي الدين

المصدر: وكالة أنباء الإمارات

كلمات دلالية: الثورة الصناعیة الرابعة بن محمد بن راشد آل مکتوم المؤسسات الأمنیة المدیر التنفیذی على المجتمعات منصور بن محمد دور الشرکات سمو الشیخ

إقرأ أيضاً:

في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة قائد الثورة : الإنسان بحاجة إلى هداية الله تعالى في كل شؤون حياته

 

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي تَقُصّ لنا قصة نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في مقامٍ عظيمٍ من مقاماته في قومه، وهو يبلغ رسالة الله إليهم، ويسعى لإنقاذهم من الضلال الكبير الذي هم فيه، والذي في مقدمته: الشرك بالله، يسعى لهدايتهم، ويسعى للسير بهم في طريق الحق، في عبادة الله وحده، وفي نهج الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يُقدِّم لهم البراهين العظيمة، المقنعة، المهمة، ويبيِّن لهم أنه ليس لهم أي حقّ ولا أي مبرر في العبادة لغير الله، فالإنسان هو ملكٌ لله، وعبدٌ لله، وكل أموره الأساسية، متطلباته الأساسية والمهمة، هي من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فلماذا يتَّجه بالعبادة إلى غير الله؟!
وقَدَّم عرضاً، قدَّمه بشكلٍ شخصي، يعني: يُعبِّر عن نفسه؛ بينما هو لكل إنسان، الحال لكل إنسان هو: أنه مفتقرٌ إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في ذلك كله، في كل ما ذكره نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وكان في بداية ما قال، في هذا العرض الذي يُبَيِّن ارتباط الإنسان بالله، وحاجته إلى الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وبدأنا بالحديث عن ذلك في محاضرة الأمس.
كما قلنا: الإنسان في وجوده مفتقرٌ إلى الله، هو الذي وهبك الحياة، هو الذي خلقك، هو الذي أنعم عليك بما خلق فيك ولك من أعضائك، وجوارحك، وحواسك، وطاقاتك، وقدراتك، فأنت ملكٌ لله، وهو ولي النعمة عليك، هو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ووهبه ما وهبه من النعم، في نفسه ابتداءً، ثم في مقدمة هذه النعم: نعمة الهداية، التي تأتي قبل كل النعم، وبدأنا بالحديث بالأمس عنها.
فهذا التذكير هو للإنسان، ليُبَيِّن أنه ليس هناك ما يربطه في حاجيَّاته الأساسية، ومتطلباته الضرورية والأساسية، بمن يتخذهم أنداداً من دون الله:
• إمَّا يتخذهم أنداداً عن طريق الشرك، باعتقاد الألوهية والربوبية لهم.
• أو يتخذهم أنداداً من دون الله، من خلال التولِّي لهم على الباطل، وطاعتهم في معصية الله تعالى، وإيثار طاعتهم على طاعة الله «جَلَّ شَأنُهُ»، وفوق طاعة الله «جَلَّ شَأنُهُ».
ليسوا هم من خَلَقك، ولا من وهبك كل هذه القدرات، وليسوا هم من ترتبط بهم في أمور حياتك الأساسية، التي يأتي الحديث عنها.
في مقدمة ما يحتاجه الإنسان، ومن أهم ما يحتاجه: الهداية، والله هو مصدر الهداية، الهداية وردت في القرآن الكريم في صدارة النعم- كما قلنا بالأمس- في آيات كثيرة ومقامات متعددة، ومنها هنا: في هذه القصة، قدَّمها قبل الطعام، وقبل الماء والشراب: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:78-79].
حاجة الإنسان إلى الهداية من الله تعالى هي حاجةٌ في كل مجالات وشؤون حياته، والإنسان لولا هداية الله له بأنواعها، بأنواع الهداية التي سنتحدث عنها، لكان في وضعٍ صعبٍ جدًّا، لكان أشبه ما يكون بكتلة لحمٍ حيٍ، لا يدرك ماذا يفعل، ولا كيف يتصرف، ولا ماذا يعمل، أو لكان أشبه بكمبيوتر بدون أي برامج تُشَغِّله، وتبيِّن كيف يستفاد منه، لكان لا يعرف أن يتصرف في أي شيء، وكيفية التصرف في أي شيء؛ لـذلك هو بحاجة إلى الهداية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومنذ بداية وجوده، قبل الأشياء الأخرى؛ لأنه من خلال هذه الهداية سيتصرف في بقية أموره.
فالهداية من الله تعالى للإنسان هي واسعة ومتنوعة، في مقدمتها: الهداية الفطرية، بما غرزه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في فطرة الإنسان.
الهداية الفطرية يحتاجها الإنسان منذ لحظة وجوده، من بعد مولده، قبل أي شيءٍ آخر، وكما شرحنا بالأمس عن الطفل، بعد أن يولد وهو بحاجة إلى الغذاء، إلى الرضاعة، كيف يُلهمه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أن يرضع، وكيف ترى الحال في بعض المواليد، يبحث عن ثدي أمه ويحرِّك فمه يريد أن يرضع، قبل حتى أن يُفَتِّح عينيه، وهو في تلك المرحلة من طفولته المُبَكِّرَة، كان من المستحيل تفهيمه، وتعليمه بالتلقين والشرح عن كيفية الرضاعة، لولا أن الله ألهمه وهداه لذلك.
في طفولته المبكرة، يُلْهِمه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بهدايته وما غرز في فطرته كيف يصيح؛ للتنبيه على مختلف احتياجاته وأحواله:
• في وقت جوعه، يعني: في وقت حاجته إلى الرضاعة يصيح.
• في حالة الألم، إذا شعر بالألم، يصيح.
• في حالة الاحتياج للنظافة يصيح.
• في مختلف أحواله من حرٍ، أو بردٍ… أو غير ذلك، يصيح.
• في حالة الوِحْشَة، إذا استوحش، يصيح… وهكذا.
كل هذا في إطار هذه الهداية الفطرية، التي فطره الله عليها، وهذه آية من آيات الله، ومن رعاية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، برمجة ربانية له، وهي عون كبير في رعايته؛ وإلَّا لكانت الرعاية صعبة جدًّا، لكانت تحتاج إلى تَفَقُّد دائم بعناء شديد، لكن هو يُؤَدِّي هذا الدور هو في التنبيه على ذلك، يأنس بأمه وأبيه، ومحيطه الأسري، وبالقائمين على رعايته، في طفولته المبكرة تلك، يتناغم معهم، ويرتبط بعلاقةٍ عاطفيةٍ مؤثِّرةٍ معهم، وهم كذلك… كل هذا في إطار هذه الهداية الفطرية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
الهداية الفطرية، بما غرزه الله في الفطرة، هي تشمل مع الإنسان أيضاً الكائنات الحَيَّة، والحيوانات الأخرى، وبحسب دورها ومهامها في الحياة؛ ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:2-3]، مع التقدير والخلق، الهداية وفق ذلك التقدير، الهداية للكائنات الحَيَّة والحيوانات، في سُبُل معيشتها، وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في هذه الحياة، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]، فهي أساسيةٌ في حياة البشر من جهة، وحياة بقية الكائنات الحَيَّة، التي تهتدي لذلك، بما هو مُقَدَّرٌ لها من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
ولـذلك في الدراسات والأبحاث المعاصرة، التي تعتمد على أجهزة للرصد، والتصوير الدقيق، والرقابة الطويلة، لأنواع من الحيوانات والكائنات؛ تظهر العجائب، التي تُبيِّن كم ألهمها الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أن تتصرف بدقة، ووفق نظام معيَّن، مثلاً: فيما يتعلق بعالم الطيور، هناك دراسات وأبحاث، البعض منها أيضاً يعتمد على التوثيق بالفيديو، ومُنْتجٌ الكثير منه، كذلك عن عالم النمل، عن عالم النحل، عن عالم الأسماك، تظهر العجائب الكثيرة جدًّا، التي تُبيِّن أنها تتصرف بهداية فطرية، فطرها الله عليها، وألهمها الله بها، فتتصرف بدقة، ووفق نظام مُعَيَّن، وتسعى في سُبُل معيشتها وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في الحياة بشكلٍ عجيب.
ولـذلك يقول الله عن النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:68-69]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يُبَيِّن أنه أوحى إليها، هذا الوحي هو هذا الإلهام، في ما غرزه الله في فطرتها، هذه الهداية الفطرية، التي منحها الله إياها، وهي تنتج العسل ببراعة فائقة جدًّا.
وهكذا بَقِيَّة الحيوانات، بل إن في فطرتها- بالنسبة للكائنات الحَيَّة والحيوانات- في فطرتها، وإدراكها في هذه الهداية الفطرية، ما هو أوسع من ذلك، لها مستوى مُعيَّن من الإدراك، وفي إطار أدوارها ومهامها.
ولـذلك نجد في قصة نبي الله سليمان «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في قصة الهدهد، وكيف تخاطب مع الهدهد، وكيف شرح الهدهد عن قصته في رحلته تلك إلى اليمن: {فَقَالَ}، الهدهد يخاطب نبي الله سليمان، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}، {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}[النمل:22-24]، يُقدِّم تقريراً كاملاً، وموجزاً في نفس الوقت، عن واقع أهل مملكة سبأ: على المستوى السياسي، على المستوى الديني، على المستوى الاقتصادي، على المستوى العسكري، على مستوى الإمكانات؛ وكذلك ينقدهم فيما هم عليه من ضلال، في عبادتهم للشمس من دون الله، وكيف أن الشيطان ورَّطَهم، وأضلَّهم، وزيَّن لهم ما هم عليه من الضلال الرهيب، فهذا الفهم، وهذا المستوى من الإدراك للهدهد، يُبيِّن مستوى الهداية الإلهية الفطرية.
في قصة النملة نفسها، في (سورة النمل)، في قصة نبي الله سليمان «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، عندما تحرك بجنوده: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[النمل:18]، هذا المستوى من الإدراك، من المعرفة، من الفهم، هو في إطار هذه الهداية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في الكائنات الحَيَّة تتفاوت المسألة- كما قلنا- في إطار مهامها في الحياة، ودورها في الحياة.
الهداية الفطرية للإنسان واسعة أكثر من غيره؛ وذلـك لاتِّساع مهامه، واتِّساع شؤونه في الحياة، ولحجم مسؤولياته ودوره في هذه الأرض، فالهداية الفطرية للإنسان بما غرزه الله في فطرته واسعة، في إطار هذه المسؤوليات الواسعة في الاستخلاف في الأرض، وأيضاً بالنظر إلى احتياجاته الواسعة.
ومع الهداية الفطرية، يوازي هذه الهداية الفطرية بما غرزه الله في فطرة الإنسان، ما زوَّد الله به الإنسان من وسائل وقدرات للإدراك، والمعرفة، والتمييز، والتعقُّل، التي يكتسب الإنسان بها أيضاً المزيد من المعارف والمعلومات، ويستفيد من خلالها من التجارب، فمنحه الله إدراك التمييز والتعقُّل؛ ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:78].
ومع ذلك أيضاً، جعل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبموازاة ذلك، معالم هداية للإنسان يهتدي بها، ويعرف من خلالها، بما يساعده على المعرفة اللازمة لحركة حياته، وفي حركة حياته، ولـذلك يأتي عنوان الهداية- نفسه- في القرآن الكريم، مع التذكير بنعم الله في تلك المعالم نفسها، من مثل قول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل:15-16]، ويقول الله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[النمل:63].
فالهداية واسعة للإنسان، في سُبُلِ معيشته، وأسباب بقائه، في جلب المنافع، في دفع المضار، في حركته الواسعة في الحياة:
• هدايةٌ في داخل الإنسان.
• هدايةٌ أيضاً في محيطه في الحياة، في معالم واضحة.
• وهداية إرشادية، هداية بكتب الله، برسله، بأنبيائه، بالهداية التي تمتد من بعدهم على ضوء الوراثة لكتبه من الهداة من عباده.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هدى الإنسان هدايةً واسعة، نعمة الهدى هي نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا، دورها كبير في حياة الإنسان، وأساسيٌ في حياة الإنسان؛ ولـذلك هناك في داخل الإنسان الهداية الفطرية، ومعها- كما قلنا- ما وهب الله الإنسان من وسائل للإدراك، والتمييز، والتعقُّل، التي تساعده أيضاً على الاستيعاب، وعلى التفهُّم، وفي نفس الوقت في نفس الهداية الفطرية أُسسٌ وبديهيات ومفاهيم ضرورية، الإنسان يعتمد عليها، كمعلومات ضرورية، مما هو معلومٌ ضرورة لدى الإنسان، ثم تبنى عليها الكثير من التفاصيل المعرفية في حياة الناس، وهذه مسألة مهمة، لها دورٌ كبيرٌ في حياة الإنسان؛ لأنها مشتركةٌ بين البشر، معلومةٌ بالضرورة لهم، بديهياتٌ بالنسبة لهم؛ وبالتـالي لا يمكن الإنكار لها، أو الجحود لها، إلَّا ويخرج الإنسان عن نطاق العقلاء، ويُعتَبر في حالة مكابرة، أو كما يقولون: (سفسطة، أو عبث).
فيما فطره الله في الإنسان، في الهداية الفطرية نفسها، أسس يحتاج إليها أيضاً في الهداية الإرشادية، فالهداية الإرشادية هي تأتي منسجمةً تماماً مع ما قد فطر الله الإنسان عليه:
• في مقدِّمة ذلك: الإقرار بربوبية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هذا أمرٌ فطري، أنَّ الإنسان عبدٌ لله، وأنَّ الله هو ربُّه، وربُّ العالمين، وربُّ السماوات والأرض، والخالق لكل شيء، هذه مسألة فطرية في الإنسان، غرزها الله في فطرة الإنسان.
• ثم تأتي الهداية الإرشادية لتوسِّع معارف الإنسان، ليعرف الله أكثر، ليستفيد من التأمل في مظاهر قدرة الله ورحمته، وحكمته وعلمه… وغير ذلك، مما يزيده معرفةً.
• كذلك مغروزٌ في فطرة الإنسان، في الهداية الفطرية، الأسس والمفاهيم الأخلاقية، والفضائل كذلك.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال عن مسألة الفطرة والهداية الفطرية، فيما يتعلق بالربوبية، بربوبية الله «جَلَّ «شَأنُهُ»: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف:172-173]، يعني: ليس لكم حُجَّة في أن تستندوا إلى انحراف آبائكم في مسألة الشرك، ولا يمكن أن تُبَرِّروا بالغفلة عن مبدأ التوحيد، لماذا؟ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قد غرز في فطرتكم الإقرار بربوبيته، فليس لكم أي مستند، ولا مُبَرِّر، ولا حُجَّة، في أن تخالفوا ذلك، ومع ذلك أتى رسل الله وأنبياؤه لتذكيركم بهذا المبدأ العظيم، وبهذا الحق الكبير، الذي تبنى عليه كل التفاصيل.
في مسألة الفضائل، في مسألة مكارم الأخلاق، في مسألة المفاهيم الأخلاقية، يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8]، النفس البشرية مُلهمة، جزءٌ من هذا الإلهام هو بالهداية الفطرية.
ولـذلك العناوين التي تُعبِّر عن الفضائل وعن الأخلاق: عنوان الحق، عنوان الهدى، عنوان العدل، عنوان الصدق، عنوان الإحسان، عنوان الشرف، عنوان العِفَّة، عنوان الوفاء، عنوان الرحمة، عنوان الكرم… وبقية العناوين التي تُعبِّر عن مكارم الأخلاق، تُعبِّر عن الفضائل، هي عناوين معترفٌ بها عند كلِّ البشر، عند كل البشر، وإن اختلفوا في التفاصيل، لكن من حيث المبدأ هم يعترفون بها، ويعترفون بأنها فضائل، وبأنها صفة كمال للإنسان الذي يتَّصف بها، يُثنى عليه بها، يُمدح بها.
ويتَّفقون أيضاً- من حيث المبدأ- فيما يتعلَّق بنقائضها أنها سيئة، وأنها تُعبِّر عن نقص في من يتصف بها، وغير ذلك، فمثلاً: الكذب، الكذب مذموم عند كل البشر، لا يعتبر من الفضائل، ونَقِيصَة معروفة عند كل البشر، يُذمُّ من يتَّصف به. كذلك الظلم، الرذيلة… مختلف أنواع الجرائم، السرقة مثلاً، فالبشر متَّفقون على هذا.
من أين جاء هذا الاتفاق بين البشر؟ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بهدايته لهم في فطرتهم، فيما غرزه في فطرتهم، ألهمهم ذلك، وإن اختلفوا في التفاصيل، أو حاول بعضهم في سياق العصيان، والتعنت، والضلال، أن يقلب الحقائق تجاه هذه العناوين، أن يطلق على ظلمه عدلاً، أو يطلق على أكاذيبه صدقاً… أو غير ذلك، هو من التوظيف والاستغلال الباطل المتعمد، ليس لأن هناك اشتباه فيما تطلق عليه هذه العناوين، لا، المسألة واضحة عند البشر جميعاً في حقيقة الصدق، في حقيقة الكذب، في حقيقة الباطل، في الحق، في العدل، الظلم…إلخ. المسألة واضحة، فهذا هو أيضاً مما أتى في واقع البشر في الهداية الفطرية، وليكون متناغماً ومنسجماً بشكلٍ تام، ومتطابقاً مع الهداية الإرشادية، التي تأتي عبر الأنبياء والرسل، ومن خلال كتب الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
مثلاً: عنوان الهدى، عنوان معظَّم عند البشر؛ وعنوان الضلال، عنوان سيء عند البشر؛ ولهـذا مثلاً حتى أنَّ أهل الضلال بأنفسهم، يحاولون أن يقدِّموا عنوان الهدى أمام الآخرين، فرعون- بنفسه- قال لقومه: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، لماذا؟ لأنه يعرف أن الفطرة البشرية تنجذب إلى عنوان الهدى، وترى أنَّ الطريق الصحيح، والموقف الصحيح، هو الذي يُعبَّر عنه بالهدى، فهو يحاول أن يستغل هذا العنوان لخداعهم، وليس لأن هناك اشتباه فيما ينطبق عليه هذا العنوان؛ إنما للخداع، وهكذا هو الحال بالنسبة لعنوان الباطل والضلال، أنها عناوين سيئة، نقيضة لعنوان الهدى، لعنوان الحق، ومذمومٌ من يسير عليها، من يتَّبعها، هذه أمور فطرية، لكن من أين؟ من هداية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، بما غرزه الله في فطرة البشر.
الهداية الفطرية تتعرض في واقع الناس لكثيرٍ من المؤثرات السلبية، فيتنكَّر الإنسان لها، حتى فيما يتعلَّق بالوازع الذي يسميه الناس بـ (الضمير)، أنَّ الإنسان في فطرته ليس فقط يعرف، بل ينسجم، يُعظِّم، يشعر في نفسه أنَّ الهدى، أنَّ الحق، أن مكارم الأخلاق، هي شرف، هي شيءٌ عظيم، يُقدِّسه، ينجذب إليه، يُحسُّ في نفسه بتعظيمه، وأنَّ المذام، ومساوئ الأخلاق، والجرائم، والمفاسد، هي أشياء سيئة، ينفر منها، يخجل منها، يعتبرها مسيئة إلى كرامته، إلى شرفه… وغير ذلك، يعني: حتى المشاعر، معرفة مع مشاعر، هذا هو أيضاً يعود إلى ماذا؟ إلى الهداية الإلهية، لكن الإنسان عندما يتمادى في طريق الباطل والضلال؛ تفسد نفسيته، يتغير على مستوى المشاعر ابتداءً، حتى لو بقي له معرفة يُميِّز بها بين أنَّ ذلك حسن، أو ذلك قبيح، لكن اِسْتِسَاغت المفاسد، الرذائل، هذه حالة فسدت فيها نفسية الإنسان، ومن خلال ممارساته السيئة في الحياة، وتماديه في الأشياء السيئة؛ تفسد نفسيته، فيبدأ ضميره الإنساني بالتأثر، بالتراجع… وهكذا هو الحال بالنسبة لابتعاده عن القيم العظيمة، يبدأ يتأثر كذلك، ويبتعد عنها شيئاً فشيئاً في مشاعره، في تفاعله الوجداني معها، ثم يتَّجه اتِّجاهاً آخر في الحياة.
ولـذلك الإنسان من حيث الجانب التربوي لتزكية النفس، ولتنمية مكارم الأخلاق في نفسه، التي هي فطرية، يحتاج إلى الهدى، أيضاً اتِّساع شؤون الإنسان في هذه الحياة، في إطار مهامه ودوره، يحتاج فيها أيضاً إلى الهداية الإرشادية، التي من الله عبر كتبه ورسله وأنبيائه.
فلأهمية دور الإنسان في الحياة، ولسعة دوره في الحياة، كان محتاجاً أيضاً أن يرتبط بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هدايةٍ أوسع، هداية بالتعليمات؛ لأن طبيعة حياة الإنسان أوسع من حياة غيره من الحيوانات والكائنات، مهامه في هذه الحياة، والإنسان في هذه الحياة هو مرتبطٌ بالله، لا يمكن أن ينفصل وأن يبتعد عن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ثم تكون المسألة عادية، وخلاص له خياره في ذلك وانتهى الأمر، أنت كإنسان عبدٌ لله، في أرض الله، في جزءٍ من مملكة الله الواسعة، هذا العالم بكله هو مملكة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فالله ربُّ العالمين، وملك السماوات والأرض؛ ولـذلك أنت عبده، أنت في مملكته، هذه الأرض هي حَيِّزٌ صغيرٌ جدًّا، لكن في مملكة الله الواسعة، فالله هو الذي أتى بك إلى الوجود، ووهبك الحياة، ووهبك ما وهبك من طاقات وقدرات، وسخَّر لك ما سخَّر لك ومكَّنك فيه كإنسان، كمجتمع بشري، فيما مكَّنهم فيه على هذه الأرض، في إطار دورٍ تقوم به، لا يخرج عن نطاق العبودية لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، أنت عبدٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فأنت في إطار مسؤولية في هذه الحياة، لست عبثاً، ولم تأتِ في هذا الوجود لمجرد أن تتيه كيفما أردت، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يقول: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الجاثية:22].
فالإنسان بما وهبه الله في نفسه من: طاقات، وقدرات، ومدارك، وبما سخَّر له في السماوات والأرض، عليه مسؤولية كبيرة، وما وهبه الله هي أمانة كبرى، في كيفية التصرف معها، الإنسان فيما يتصرف فيه، هو يتصرف فيما هو مِلكٌ لله، هذه الأرض مِلكٌ لله، ما فيها مِلكٌ لله، وما وهبك الله وأنت مِلكٌ لله، فكيف تتصرف وفق إذنه، وفق تعليماته، وفق توجيهاته.
والله رسم لك في مسيرة حياتك أقوم طريقة لتعيش فيها أحسن حياة؛ لأن الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ، وانحرف عن دوره في هذه الحياة، يترتب على ذلك أضرار ومفاسد كبيرة جدًّا، فالإنسان في مقام مسؤولية أمام الله؛ ولهـذا يُعبِّر القرآن عن حجم هذه المسؤولية بقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:72]، الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ في هذه الحياة، في مقابل ما وهبه الله من طاقات، وقدرات، ومدارك، وما سخَّر له، وعظيم ما سخَّر له من النعم، إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ، يترتب على ذلك: مفاسد كبيرة، مظالم كبيرة، مخاطر كبيرة، أعمال الإنسان في دائرة الخير والشر ذات تأثير كبير في الحياة، ليس كغيره من الحيوانات ذات الدور المحدود، التي حتى لو حصل منها شيءٌ ما، يكون تأثيره محدوداً، الله يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:41].
ولـذلك لأهمية دور الإنسان، وحجم مسؤوليته، ارتبط بذلك جزاء كبير، جزاء عظيم:
• جزاء على الخير: ما وعد الله به من رضوانه وجنته، النعيم العظيم الأبدي الخالص.
• وجزاء رهيب جدًّا: غضب الله وسخطه، والعذاب في النار للأبد، لمن ينحرف عن نهج الله ورسالة الله، ويتَّجه في اتجاه الشر.
عِظَم الجزاء وكِبَره يدل على حجم هذه المسؤولية للإنسان في هذه الحياة؛ ولـذلك هو بحاجة إلى هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وإلى تعليمات من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهداية من الله «جَلَّ شَأنُهُ»؛ لأن انحرافه خطير جدًّا عليه، على حياته، ويترتب عليه مفاسد كبيرة جدًّا، وعواقب خطيرة جدًّا.
فلذلك نأتي إلى الحديث عن الهداية الإرشادية والتشريعية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، نستكملها- إن شاء الله- في محاضرة الغد.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • منصور بن محمد يشهد جانباً من منافسات النسخة الثانية عشرة لدورة ند الشبا الرياضية
  • برعاية منصور بن زايد.. «الشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة» تطلق فعاليات مؤتمر الوقف والمجتمع
  • منصور بن محمد يشهد جانباً من منافسات النسخة 12 لدورة ند الشبا
  • الذكرى الرابعة عشر للثورة.. سوريا بدون نظام الأسد
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الوزارة تضع آليات لضمان استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل وتعتبرهم جزءاً أصيلاً من المؤسسة العسكرية ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • محافظة دمشق: تدعوكم جماهير الثورة للمشاركة في استكمال فعاليات احتفال ذكرى الثورة السورية المباركة، التي ستُقام اليوم السبت عند الساعة الثامنة والنصف مساءً في ساحة الأمويين، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة نهاراً
  • في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة قائد الثورة : الإنسان بحاجة إلى هداية الله تعالى في كل شؤون حياته
  • منصور بن زايد يحضر مأدبة الإفطار التي أقامها محمد بن بطي آل حامد
  • منصور بن زايد يحضر مأدبة إفطار أقامها محمد بن بطي آل حامد