زيادة السكان في العراق .. غياب التخطيط الحكومي يضع النساء في دائرة الضحية
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
بغداد اليوم - متابعة
تقضي أمينة محمد (52 سنة) من منطقة الشعب ببغداد، معظم فترات اليوم في رعاية أحفادها الصغار، مستندة إلى خبرة أمومة قوامها تسعة أولاد، من تجربتي زواج، تقول بأنها غير نادمة لكثرتهم، وتشير إلى السماء” إنهم رزقٌ من الله”.
تلف بمهارة طفلاً رضيعاً بالقِماط، ثم تهز مهده الخشبي في غرفة تضجُ بالأطفال، وتترنم بأغنية عراقية قديمة، ينفجر الرضيعٌ بالبُكاء، تقرب وجهها، ثم تضع ظاهر كفها على جبينه: “إنه جائع ومريض”، تقول ذلك بصوت عالٍ لتُسمع أم الرضيع، زوجة ابنها الأكبر التي تستجيب لحماتها.
تنسحب الجدة لتتكئ بظهرها على جدار قريب، قبل ان تمد يدها ملتقطة صبياً في عامه الثاني وتضعه في حجرها وتردد: “كان يزورنا موظفو منظمة إنسانية ويوفرون لنا الحليب والملابس المستعملة وأحيانا بعض المال، كان ذلك قبل سنوات”.
يعد العراق واحدا من الدول التي تملك أعلى معدل نمو سكاني، فخلال ثلاثة عقود ارتفع عدد السكان من نحو 20 مليونا الى أكثر من 40 مليونا، في ظل التوسع في الإنجاب رغم الحروب وسوء الأوضاع الاقتصادية، وتراجع الخدمات وفرص التعليم والصحة والعمل.
الطابع القبلي في الكثير من مناطق البلاد، يقف وراء ما يصفه البعض بـ”الانفجار السكاني” الى جانب سوء فهم النص الديني، إذ تعتقد شريحة واسعة بأن الله يحث على زيادة النسل، وتحديده يعني بالنسبة إليهم خروجاً عن طاعة الله.
تضع الجدة أمينة يدها على بطنها، وتقول بشيء من الزهو: “أنجبتُ من زواجي الأول، أربعة، ثلاثة منهم صبية، وبنت واحدة. زوجي الأول مات وهم صغار، فتزوجت شقيقه وأنجبت خمسة آخرين، بنتان وثلاثة صبية، بينهم توأمان”.
أكبر أبنائها يبلغ من العمر 19، ويقطن معها في ذات المنزل الصغير ذي الغرفتين، مع زوجته وأطفاله الثلاثة، فضلاً عن شقيقيه الأصغر، أحدهما متزوج ولديه طفلان، وإثنين من أخواتهم غير الشقيقات.
تتابع أمينة، وهي تشير الى الفرش والأثاث القديم في غرفتها: “ثلاثٌ من البنات متزوجات ومنازلهن قريبة من هنا، وأنا أهتم بصغارهن كذلك، وكلنا نعاني من الفقر.. ننتظر المناسبات الدينية، وما تجود به المواكب الحسينية من أطعمة دسمة ولحوم، فنحن لا نقدر على شرائها.
لم يحظ أطفال وأحفاد أمينة بأي مستوى من التعليم، تقول: “هل ذهب ابنائي للمدارس أصلا لكي يذهب الأحفاد؟.. كيف سنوفر لهم الأحذية والملابس والدفاتر؟.. أي واحد يصل لعمر خمس أو ست سنوات يتجه للعمل.. يجمعون العلب الغازية الفارغة، أو يعملون في أي شيء”.
هي تصر على أن كثرة الإنجاب لا دخل له بالوضع الاقتصادي، وتعتقد بأن زيادة أو نقصان المال أمر يحدده الله، وأن المرأة التي تتناول أدوية منع الحمل آثمة: “سمعت السادة في التلفزيون يقولون الموانع حرام، وأن المذهب بحاجة إلى كثير من الناس لنصرته”. وتستدرك: نحن شيعية آل البيت وعلينا السمع والطاعة!”.
وراء معدلات التزايد السكاني المرتفعة، تكمن توجهات من رجال دين ومسؤولين سياسيين ذوي تأثير في المجتمع. فكما في جنوب البلاد ذو الغالبية الشيعية هناك في المناطق الكردية من يشجع على كثرة الانجاب، ولا يتردد نواب بالبرلمان الكردستاني على المطالبة بزيادة معدلات الانجاب “للحفاظ على التوازن السكاني مع باقي المكونات” ويحذرون من خطورة تراجع نسبة الكرد مقارنة بباقي السكان.
نمو سكاني
وفقاً لبيان صدر عن وزارة التخطيط في تموز/يوليو 2023، فأن أعداد العراقيين بلغت 43مليوناً و224 ألف نسمة، بنسبة نمو سكاني تبلغ 2.5%سنوياً، ويتركز حوالي 50% من السكان في محافظات (بغداد – نينوى – البصرة – ذي قار)، ويشكل سكان المدن (الحضر) 70% مقابل 30% نسبة سكان الريف.
وتوقع المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أن تصل أعداد العراقيين إلى 50 مليوناً بين سنتي 2025 و2030.
ومع إقراره بان العراق يشهد زيادة سنوية في أعداد سكانه، إلا أنه ينفي وجود: “تضخم أو انفجار سكاني يستدعي سن تشريعات لتحديد النسل”. ويشير إلى أن الوزارة وضعت (وثيقة الوطنية للسياسات السكانية) وهي توجيهات غير ملزمة مكونة من مسارين:
“أولها، تقليل أعداد الولادات، والثاني، المباعدة بين ولادة وأخرى وبالتالي يضمن لنا تحديد الاسرة والحفاظ على صحتها”، ويؤكد على أن قطف ثمار ما جاء في الوثيقة يتطلب حملات توعوية وتثقيف.
وعن تداعيات الزيادات السكانية، لا يخفي الهنداوي أثرها على الواقع الاقتصادي للبلاد، ويقول: “العراق عاش خلال العقدين الأخيرين في ظل تدهور أمني وسياسي، ساهما في ارتفاع مستويات البطالة التي وصلت الى 16.5% وفق آخر مسح نفذه الجهاز المركزي للإحصاء، كما أن نسبة الفقر بلغت 21%”.
وبدلاً من تحديد النسل، يرى الهندواي، بأن أحد الحلول الناجحة، يكمن في وضع خطط مستقبلية ومستدامة تستهدف خفض نسبة البطالة، من خلال تشجيع ودعم القطاع الخاص ومنحه شراكة حقيقية مع القطاع العام، من أجل خلق فرص العمل المطلوبة.
فضلاً عن زيادة الإنفاق لدعم المشاريع الاستثمارية الحكومية، واستقطاب الشركات العالمية وبالتالي تكون هناك فرص لتشغيل ايادٍ عاملة ووظائف في شتى التخصصات، بدلاً من التوظيف الحكومي لكون العراق “يعاني من تضخم في الجسد الحكومي، بمعنى وجود عدد كبير من الموظفين الحكوميين”. ويعول الهنداوي في نجاح ذلك إلى نسبة الشباب المرتفعة في المجتمع العراقي والبالغة 60%، ويقول بأنها: “هبة كبيرة ينبغي استثمارها”.
مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، أكد عبر مديره نستور اوموهانجي، أن الكثافة السكانية تزداد بسرعة في العراق مقارنة بالدول المجاورة له، جاء ذلك في كلمه ألقاها يوم الأربعاء 26تموز/يوليو 2023 خلال المؤتمر السنوي الذي اقامته وزارة التخطيط بالتعاون مع صندوق الامم المتحدة للسكان والجمعية العراقية للعلوم الإحصائية في بغداد لمناسبة اليوم العالمي للسكان.
ووصف اوموهانجي، الزيادة السكانية بأنها ظاهرة جيدة وإيجابية “ولكن يجب تكون سياسات البيانات السكانية المستخدمة صحيحة وحديثة لمعرفة نسبة السكان وتأثيرهم على البيئة” وشدد على ضرورة “الاعتراف بأن الاستثمار الرئيس للسكان وهو التحول الى الحياة السليمة”.
نبيل جعفر المرسومي، أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، يربط زيادة الإنجاب في العراق بانخفاض مستوى الوعي الثقافي في المجتمع الذي “يميل ذوو المداخيل المحدودة والفقراء فيه الى زيادة الإنجاب على الرغم من الافتقار للضمانين المعيشي والصحي، بينما المناطق التي تتمتع بالرخاء الاقتصادي تميل الى صغر العائلة وتحديد أفرادها لضمان الرفاهية ورغد العيش أو في الأقل كفايته”.
وأيضاً الجانب الديني الذي يرى بأنه يؤثر كثيراً في قرارات عدد كبير من العراقيين، عبر رجال دين يخاطبونهم من خلال المنابر، فيتم اتباع ما يقولونه دون تفكير: “هؤلاء، المنابر هي من ترسم لهم حياتهم وطريقة تفكيرهم، فتحثهم على التكاثر دون تخطيط، بادعاء أن الأرزاق مضمون سلفا، دون أن يبينوا لهم كيف للفقراء مثلاً أن يجنوا الأموال دون عمل أو رأس مال !؟”.
ويعتقد بأن على العراق توفير نصف مليون فرصة عمل سنوياً في الأقل في القطاعين العام والخاص “من أجل الحفاظ على التوازن وتفادي مشكلة ارتفاع نسبة البطالة، وغيرها من المشاكل المتعلقة بالتضخم السكاني، ويمكن في تلك الحالة استثمار المشكلة لأن العراق يتمتع بموقع جغرافي مهم ويمكن أن تزدهر فيه الزراعة والصناعة”.
التوعية الأسرية
الحقوقي باسم غنام، يتهم الدول العربية وبضمنها العراق، بالفشل في تحديد النسل، بسبب الافتقار إلى منظومة قانونية صارمة، وعدم وجود إرادة سياسية لتشريعها، على حد تعبيره.
ويقارن غنام، بين الدول الأوربية ومثيلاتها العربية: “الأولى تحافظ على اقتصادها وتتقدم باستمرار، أما الثانية فتشهد تراجعاً في مختلف المستويات، باستثناء أعداد السكان!”.
ويتفق مع المتحدث باسم وزارة التخطيط، في أن التوعية الأسرية هي الحل الوحيد بسبب الأعراف والتقاليد المنتشرة في البلاد والتي يفتخر المرء “بموجبها بأعداد عشيرته أو أفراد عائلته، وزيادة الإنجاب يعني مكانة مرموقة للعشيرة أو العائلة، وهكذا”.
الباحث مروان يحيى، يقول: “مستحيل أن تقوم أي من البلدان العربية وخصوصاً العراق الذي تمسك زمام السلطة فيه أحزاب دينية، بوضع قوانين تحدد النسل، لأنها تخالف الشريعة الإسلامية، وهي المصدر الرئيس لقوانينها”.
ولفت إلى ان الزيادة الكبيرة في أعداد السكان لاتواكبها خطط تنموية، لذا فهنالك دوماً “نقصٌ في البنى التحتية التعليمية، والصحية وتردٍ في نطاق الخدمات وارتفاع في مستويات البطالة والجريمة وتفشٍ للفقر والأمراض وأزمات سكن وغيرها من الآفات الاجتماعية”.
المهندسة والناشطة الإغاثية شيماء بهزاد، تعمل في مجال مساعدة الفئات الأشد فقراً في بغداد، تروي كيف أنها حين تزور مناطق عشوائية، تجد أن عدة عائلات عديدة تعيش سوية في منزل واحدِ صغير “ومع ذلك لا تتوقف عن الإنجاب، بل وبعض النساء هناك يعتقدن أن التي تنجب أقل من خمسة أطفال تعاني من مشكلة ما!”.
وتقول باستغراب شديد: “أسأل بعضهن كم مضى على زواجك، فيقلن ستة أو خمس سنوات. وأكتشف أن لديهن خمسة او ستة أطفال وقد يكن حوامل، لقد تحدثت إلى سيدة قالت بانها ولدت 12مرة، وأنها حامل للمرة 13 مع زوجة أحد أبنائها، كل هذا وهي لم تتجاوز بعد 43 سنة، إنه أمر جنوني”.
وتسجل ملاحظاتها عن العائلات الفقيرة كبيرة العدد: “الأطفال بثياب رثة، ولا ينتعلون أحذية، ولا يذهبون للمدارس أو لا يفعلون ذلك بانتظام، لا يتغذون جيداً، ولا يتلقون رعاية صحية كافية، ويجبرون على العمل في كثير من الأحيان من قبل ذويهم”.
وتحذر شيماء من إهمال المناطق العشوائية التي تتسع حسب قولها، يوماً بعد آخر في كل المدن العراقية، ودعت الحكومة المركزية إلى إنشاء مدارس ومراكز صحية فيها وتوفير فرص العمل لمن فيها “وإلا فأنها ستتحول إلى بؤر للجريمة المنظمة، بسبب الجهل المنتشر فيها وغيرها من الأمراض المجتمعية نتيجة للفقر”.
حمل عن طريق الخطأ!
عبارة شائعة، تسمع في العراق بكثرة، تشير بها الزوجة إلى أنها حملت دون رغبة منها وزوجها بذلك. وقد يعني ذلك احتمالات عدة منها عدم توخي الرجل الحذر باستخدام واقِ ذكري أو أن حبوب منع الحمل لم تأت بنتيجة، وغيرها من الأمور التي أدت إلى حصول الحمل.
يقول ذلك، مسلط حمادي، وهو باحثً اجتماعي من بغداد، لافتاً إلى أن القانون العراقي، والشريعة الإسلامية التي يعتنقها معظم العراقيون، “يمنعان الإجهاض، لذا فلا يكون أمام المرأة سوى إنجاب الطفل”.
“لكن قبل ذلك” يعود مسلط للقول، ويتابع: “الكثير من الأزواج، يجهلون أصلاً كيف يستخدمون موانع الحمل، ولا يستشيرون المتخصصين أو حتى الأقرباء الأكثر خبرة”.
ويرى الباحث أن فكرة “كثرة العدد تعني القوة” كان معمولاً بها في أزمنة غابرة، لأن القبائل والجيوش كانت تحتاج إلى التحشيد لإبراز قوتها، وفي أوقات السلم كانت الأيدي الكثيرة في الأسرة الواحدة ضرورية للزراعة ورعي المواشي. أما في العصر الحديث، فكلما زاد أفراد الأسرة كلما قلت فرصهم في الحصول على تعليم وصحة جيدتين، ويصبحون عبئاً على كاهل المجتمع”.
مينا سالم (40 سنة)من بابل، قالت بأنها وزوجها كانا يفكران بثلاثة أبناء كحد أقصى، لكن بسبب فشل موانع الحمل، أصبح عددهم ستة!، تدخل نوبة ضحك قبل أن تضيف وهي تفرج عن أصابع يديها: “وقد يصبحون عشرة!”.
تعمل مينا في صالون حلاقة نسائي، وتعرض ملابس للبيع على حساب خاص بها في الفيسبوك، وزوجها سائق سيارة أجرة. “لكننا بالكاد نستطيع أن نؤمن المال لمعيشتنا، ونفقات المدارس، لأننا نريد أن يحصلوا على شهادات حرمنا أنا وزوجي منها”.
أضرار نفسية وجسدية
الطبيبة النسائية المتخصصة مها الصكبان، مديرة مستشفى الديوانية سابقا، تذكر بأن قول بعض النساء بأن “الحمل عن طريق الخطأ سببه الجهل المتوارث بعدم معرفة كيفية استخدام موانع الحمل، فنسيان استخدامه ليوم واحد مع عملية الجماع ستكون النتيجة حمل في كثير من الأحيان”.
وأكدت الحاجة إلى تثقيف النساء من خلال دورات تدريبية توضح لهن مخاطر الانجاب المتكرر بالإضافة الى خطره على القاصرات، ولفتت إلى أن المستشفيات لا تجري عمليات الإجهاض لأنها غير قانونية، باستثناء بعض الحالات “إذا كان الجنين يهدد حياة الام، وشرط الإجهاض في المستشفى هو موافقة الزوج أولاً وكتاب موافقة من رجل دين” ثم تستدرك:” في أغلب الحالات لا تحصل موافقة الزوج حتى وإن هدد الجنين حياة الأم” تقول الطبيبة بأسف.
وتلفت الطبيبة مها، إلى أن لكثر الإنجاب أضرار نفسية وجسدية تصيب الأم، وتقول بالنسبة للأضرار الجسدية: “تكون الأم عرضة لمخاطر الوفاة والشيخوخة المبكرة اذا أنجبت أربعة أطفال، وتزداد هذه المخاطر إذا انجبت أكثر، إذ تكون عرضه للنزيف الحاد، وسكري الحمل، فضلاً عن الأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي مثل توسع المهبل، وزيادة فرص الإصابة بهبوط الرحم، وتعرضها للأنيميا ما يجعلها تشعر بالضعف والتعب وضيق النفس والعصبية وهشاشة العظام والاظافر، واحتمالات زيادة السمنة والاصابة بمرض السكري وآلام الظهر وترهل عضلات البطن”.
أما فيما يتعلق بالأضرار النفسية، فتجملها بـ”الكأبة وتغيير الملامح ووضوح علامات الشيخوخة بوقت مبكر”.
ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في 30 آذار/مارس2022 ذكرت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة ناتاليا كانيم، “يمثل العدد المذهل لحالات الحمل غير المقصود إخفاقاً عالميًا في دعم حقوق الإنسان الأساسية للنساء والفتيات، وبالنسبة للنساء المتضررات، فإن خيار الإنجاب الأكثر تغييرًا في الحياة – سواء حملن أم لا – لم يعد خياراً على الإطلاق. ويمكن للمجتمعات ضمان أن تكون الأمومة رغبةً وليست أمرا حتمياً، وذلك من خلال وضع سلطة اتخاذ هذا القرار الأساسي مباشرةً في أيدي النساء والفتيات”.
وجاء في ذات التقرير أن 257 مليون امرأة ممن يرغبن في تجنب الحمل لا يستخدمن وسائل منع الحمل الآمنة والحديثة، كما أن ما يقرب من ربع النساء غير قادرات على رفض العلاقة الحميمية.
“لا يعتبر الحمل غير المقصود بالضرورة عجزاً شخصياً وقد يكون مرده الافتقار إلى الاستقلالية التي يسمح بها المجتمع أو القيمة التي تولى لحياة المرأة.” يقول المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية، الدكتور لؤي شبانه، “العادات والأعراف الضارة والعنف الجنسي والإكراه الإنجابي وإصدار أحكام مسبقة أو الوصم أثناء تقديم الخدمات الصحية والفقر وتعثر التنمية الاقتصادية وأوجه عدم المساواة بين الجنسين كلها عوامل تعكس الضغط الذي تضعه المجتمعات على النساء والفتيات ليصبحن أمهات.”
وهنالك من ينسب ارتفاع معدلات الحمل غير المخطط له، إلى الأزمات. ومن بين هؤلاء، د. ماجد علي، وهو باحث اجتماعي، إذ يقول بأن الأزمات الكبيرة التي تجبر الناس على ملازمة منازلهم قد تكون من العوامل المهيأة لحدوث حالات حمل غير مقصودة.
وكمثال على ذلك يقول: “قرارات الحكومة بحظر التجوال خلال أزمة فايروس كورونا بسبب ارتفاع معدلات الإصابة به، أدت إلى حدوث الكثير من تلك الحالات، هذا فضلاً عن ارتفاع معدلات العنف المنزل والطلاق وغيرها من المشاكل بسبب اضطرار الرجال البقاء في المنازل”.
وقد تكون للحمل غير المقصود عواقب وخيمة، بينها د. ماجد: “قد يتخلى الأبوان عن تربية الطفل لعدم التمكن من إعالته بسبب الفقر، وفي حالات العلاقات غير الشرعية يتم التخلص منه بإلقائه في الشارع ليصبح لقيطاً، ونسمع بين حين وآخر العثور على طفل مرمي في مكان عام، أو أحد الأبوين وهو يعرض طفله للبيع!”.
القانون يحظر الإجهاض
الخبير القانوني والمحلل السياسي صفاء اللامي، يؤكد بأن القانون العراقي لا يبرر للام عدم مقدرتها تربية أطفالها أو أنها في حالة صحية غير جيدة، إذ يفرض عليها عقوبات في حالة إجهاض نفسها، فضلاً عن كل من يقدم لها المساعدة في ذلك، إلا في حدود ضيقة جداً، تتعلق بغسل العار.
وتنص المادة 417 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، على: 1 – يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل امرأة اجهضت نفسها بأية وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها.
2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها عمدا برضاها. وإذا افضى الاجهاض او الوسيلة التي استعملت في احداثه ولو لم يتم الاجهاض الى موت المجنى عليها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات.
3- ويعد ظرفا مشددا للجاني إذا كان طبيبا او صيدليا او كيميائيا او قابلة أو أحد معاونيهم.
4- ويعد ظرفا قضائيا مخففا اجهاض المرأة نفسها اتقاء للعار اذا كانت قد حملت سفاحا. وكذلك الامر في هذه الحالة بالنسبة لمن أجهضها من اقربائها الى الدرجة الثانية.
وترى طبيبة الصحة النفسية اخلاص جاسم جبرين، مديرة مؤسسة الق الندى للتنمية البشرية، أن زيادة الانجاب، مثلت في السنوات الأخيرة مشكلة أساسية عانى منها المجتمع العراقي، وتقول: “قرار زيادة في العائلة، يعني بالضرورة زيادة الإنفاق لتلبية احتياجات الأطفال، وزيادة في الانجاب دون تخطيط مسبق سيشكل تجاوزاً على ميزانية العائلة وقد تكون نتائجه وخيمة على الصعيد الصحي والغذائي في حال كان الدخل محدوداً “.
ولتدارك الحمل غير المقصود، وتبعاته على العائلة، تحاول بعض الأمهات إيجاد سبيل لإجهاض حملهن، ووفقاً للطبيبة إخلاص، هو أمر غير مسموح به في المستشفيات، لذا تعمد البعض من الأمهات الى فعل ذلك خارج نطاق المشافي، عبر قابلات وممرضات ماهرات.
المنبر الديني
يحمل البعض المنبر الديني بشقيه الشيعي والسني، مسؤولية الزيادة غير المدروسة للسكان، لأنه ووفقاً لما يقولون، يشجع على الإنجاب لزيادة الأتباع، كونه مشروعٌ لزيادة الأرزاق، والتباهي بين المذاهب.
غير أن لذلك انعكاسات سلبية على المجتمع وفقاً للمدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم، من بغداد، إذ ترى أن:”الكثير من الأطفال يولدون في العراق مجردين من الحقوق”.
استنتجت ذلك من خلال زياراتها الميدانية للأحياء والتجمعات الفقيرة لتقديم المساعدات الإنسانية هناك “العائلات تؤمن بان الأطفال أبواب رزق، في حين أطفالهم المساكين، يفتقرون لأبسط حقوقهم من ملبس ومأكل وعلاج”.
د. صلاح الدين محمد قاسم النعيمي، أستاذ في قسم أصول الفقه، كلية العلوم الإسلامية/ الجامعة العراقية، يقول بأن الإسلام رغب في كثرة النسل (الإنجاب ) وجعله من أهم مقاصد الزواج، ويستشهد بنص قرآني “فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ- سورة البقرة، الآية 187”.
ويدعم رأيه بحديث نبوي: “يقول الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”، ويتابع موضحاً “حب الأولاد والذرية أمر مركوز في الفطر السوية المستقيمة وطلب الولد هو منهج الأنبياء، وهم أكرم الخلق ـ فقد كانوا يدعون الله سبحانه ويلحون عليه في الدعاء أن يرزقهم بالذرية الصالحة فلا ينبغي لأحد أن يزهد في هذه النعمة العظيمة التي جعلها الله زينة الحياة الدنيا”.
لكنه مع ذلك لا يمانع في استخدام حبوب منع الحمل من أجل تنظيم النسل، وله في هذا الجانب شرطان، أولهما أن يكون بعلم الزوج “لأن تناول حبوب منع الحمل من قِبل الزوجة بدون إذن زوجها حرام، فالزوج قد يرغب بكثرة الأولاد وهذا من حقه فوجب على الزوجة اعلامه بذلك والاتفاق معه”.
والشرط الثاني الذي يسوقه د. صلاح الدين، هو وجود حاجة لحبوب منع الحمل، ويقول: “إن كان ثمة حاجة من كون المرأة يرهقها ويشق عليها إذا توالى عليها الحمل لا سيما إذا كانت ممن يحمل سريعاً فإنه لا حرج حينئذٍ في استعمالها بإذن الزوج أو كانت هناك مصلحة راجحة، وحاجة تقتضي ذلك ككثرة الأولاد، ومشقة التربية أو مرض الأم”.
“وماذا لو حملت رغما عني، والحمل يهدد حياتي؟ ” تتساءل بلقيس مصطفى( معلمة)، من الكرادة في بغداد، وتضيف: “عمتي الكبرى انجبت تسعة مرات، حذرتها الطبيبة من الإنجاب مرة أخرى لأن ذلك سيقتلها، لكن زوجها وهو ملتزم دينيا، قال بأن عليها التوكل على الله، ورفض أن تتناول مانع حمل أو تضع لولباً أو يتوخى هو الحذر، وكانت النتيجة أنها حملت وتوفيت متأثرة بحملها”.
وتعود للتساؤل: “لماذا لم يحاسب القانون زوج عمتي؟” ثم تجيب نفسها بنفسها متهمة القانون بالذكورية والقصور: “لأن القانون العراقي ذكوري، وضعه ذكور لمراعاة مصلحة الذكور بالدرجة الأساس”.
وتشير بلقيس التي أنجبت طفلين إثنين خلال سنوات زواجها السبع، إلى أنها وزوجها متفاهمان في مسألة اتخاذ الاحتياطات لمنع الحمل، لكن”زوجي أخبرني مرات عديدة، بأنني إذا حملت، فلن يكون بوسعي الإجهاض، أياً كانت النتيجة، لأن الإجهاض قتلٌ مع سبق الإصرار والتصميم حسبما أخبره رجل دين معروف!”.
المصدر: نيريج
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: المتحدة للسکان وزارة التخطیط الأمم المتحدة فی العراق وغیرها من الحمل غیر منع الحمل الکثیر من حمل غیر من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
وتعاتب الضحية ويترك الجلاد
وتعاتب الضحية ويترك الجلاد
#ليندا_حمدود
لم يكن طوفان بتاريخ السابع من أكتوبر من العام الماضي هو أول هجوم أو أول ردّ لمواجهة الكيان الغاصب.
معركة طوفان الأقصى لم تكن معركة البداية أو مقدمة التحرير.
السابع من أكتوبر لم يكن مجرد تاريخ في التأريخ الميلادي.
كانت بداية النهاية ،كانت الملحمة لمواصلة شرّ وإغتصاب و إحتلال لكيان عمره خمس و سبعين سنة.
الضحية تعاتب و الجلاد يترك حرّا في ممارسة الجريمة وتبرأ كل ملفاته القضائية الجنائية من شرذمة التاريخ وبياع الإنسانية الزائفة و صناع الديمقراطية الخاضعة للعبودية في زمن العصر الحديث!.
الضحية تلام على الثورة ،تلام لرفعها الظلم و الغبن و تقديمها النفس والنفيس في سبيل التحرير!
الضحية تجلد لتفجيرها الثورة ورفعها السلاح ورفضها حياة الذل و المهانة في وجه العبودية مقابل الحصار والعيش تحت سيد نازي باسم العيش بسلام لكي لا نموت جوعا!
الضحية تقذف في عقيدتها وتكفر في دينها وتُرّد عن الملة بعدما رفعت صوت عاش أكثر من سبعين عام يرمي الحجارة ويواجه بالخنجر ويجاهد بالدعوة محبوسا في ٱساور القدس المحتلة ومخنوق من رفع السلاح وتكوين مقاومة مسلحة!
الضحية اليوم يريدونها أن تستسلم وتقدم سلاحها أو بلغة الشرفاء تقدم شرفها وتبيع الوطن لكي تهود القدس وتستطان غزّة ويعيش من بقي نازح بكل الٱراضي المحتلة ذليلا ،فقيرا، يشرب ويأكل باسم دولة اسرائيل!
وترك الجلاد حرّا يملك السوط ليسفك دمائنا ويسلب نبض الأمة الإسلامية في ٱساور القدس المحتلة.