«روح المحارب» (2).. قراءة في كتاب ذكريات لا تنسى في جبال الأوراس!
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
الجنرال جان برنارد بيناتيل
جان برنارد بيناتيل ضابط المظليين ومدرب الكوماندوز أحد مؤسسى المجموعة الدائمة لتقييم الوضع (GPES) التى تم إنشاؤها فى SGDN بناءً على طلب الرئيس جيسكار ديستان، وأنشأ شركة متعددة اللغات لتحليل البيانات النصية وتم انتخابه فى يناير 2007 رئيسًا لاتحاد الاستخبارات الاقتصادية (Fépie) وهو أيضًا كاتب منتظم فى لو ديالوج وقد نشرت مذكراته مؤخرًا فى كتاب حمل عنوان "روح المحارب" نقوم بنشر صفحات من هذا الكتاب.
فى 25 فبراير 1961، بعد 5 أيام من العمل أتمنى أن أنعم بيومين من الراحة.. وفى الساعة الثالثة صباحا، استيقظت على صوت صفارة الإنذار إلى القفز من السرير وارتداء ملابسى وتوزيع الأسلحة والذخيرة وعلمت أنه قد تم رصد مجموعة من المتمردين على جبل الرفاع، أحد أعلى قمم جبال الأوراس بالقرب من كورنيليوس. تم توزيعى على الجناح الأيمن من الكتيبة والمكون من 25 رجلا وتلقيت الأمر بالذهاب والاستطلاع.
قمت بسرعة بتحليل تضاريس المكان: يمكن أن يكون الممر بمثابة طريق انسحاب مثالى للمتمردين نحو الشرق.
مقتطفات اختارها: رولان لومباردي
تقف بعض أشجار الأرز على منحدرها الجنوبى بينما منحدرها الشمالى واضحًا تمامًا. لقد تم الاختيار: سوف نتقدم على الجانب الأيمن، والذى سيمنحنا ميزة اخفاء تقدمنا. الظروف ليست مثالية فى هذا الوقت من العام ذلك أن التضاريس ثلجية.
انظر إلى الثلج!
استطعنا رصد خطى حوالى عشرة رجال يتجهون نحو الممر. قمت على الفور بإبلاغ الملازم ديشامب قائد السرية فى غياب الكابتن إيزابي. تم إرسال طائرة بايبر (طائرة مراقبة) فوقنا فى حين أن دورية من القراصنة فى حالة تأهب على الأرض ومستعدة للتدخل من مطار باتنة على بعد ٢٥ كلم. عند وصولى إلى الممر من الجنوب قررت التقدم فأمامى فريقين من اللاعبين البهلوانيين أمامى مدعومين بـ ١٥ رجلًا من الخلف. وضعت مدفعى الرشاش على نتوء صخرى يشرف على الممر الذى يجب علينا عبوره للتعرف على الجانب الآخر. تقدمت مع ١٠ رجال. فى الساعة ٩:٣٠ صباحًا كنت على وشك الوصول إلى حافة الغابة على الجانب الآخر من الممر وعندما رأى قائدى حركة فى الغابة فتح النار فوق رؤوسنا.. بالكاد لدينا بعض الوقت للغوص والاحتماء خلف جذوع الأشجار قبل أن يفتح العدو النار بدوره.
من بين العشرة أشخاص الذين رافقونى كان يتبعنى تسعة باستثناء واحد حيث بدأ نصرى بالركض إلى الخلف وانهار فقُتل على الفور على بعد مترين مني.
قفزت من ملجأى ليس لدى الوقت لأشعر بالحزن والصدمة عليه لأن حدة إطلاق النار تتزايد.. وهنا أتذكر كلماته الأخيرة عندما غادر:
" أيها الملازم، هل يمكننى البقاء عند الشاحنات؟ أنا مريض!".. لم يكن نصرى يميل إلى هذه المهمة، وكان معروفًا بأنه كسول.
هل كانت تنقصه الشجاعة فى مواجهة العدو؟ لن أعرف أبدا. لقد كانت هذه هى المرة الأولى التى أرى فيها شخصا يموت بهذه الطريقة. لملمت نفسى كثيرًا، وعندما عدت بعد فترة النقاهة، تحدثت عن الأمر مع البرقاوي، ضابط الصف الذى كان يأمره مباشرة أثناء المناوشات. فأجاب: “لا تقلق يا ملازمي، لقد كان مكتوبًا له”.
وفى هذه الأثناء، تسببت كثافة الطلقات فى تطاير شظايا الخشب فوق رؤوسنا. ثانية أخرى من عدم الانتباه وقد أكون أنا من سيفوتها! أدرك أننا نواجه مقاومة مكونة من أكثر من ١٠ رجال.
داخل مجموعتي، التوتر واضح. لم يعد لدى خيار وإصدار الأمر بالانسحاب.
- بن رميلة والحشناوى ألقوا قنبلة دخان لتغطية انسحابنا.
لسوء الحظ، يستغرق ستار الدخان وقتًا طويلًا للانتشار ويتقدم حوالى عشرين متمردًا من شجرة إلى أخرى للهجوم للقضاء علينا. شحنتهم متواصلة وتثبتنا على الأرض. هل سأموت هكذا دون أن أحاول اتخاذ إجراء أخير؟
أتاي، أتاي!
صوت زعيم الفركا القاسى يضرب أذني. إن فهمى للغة العربية سطحي، لكنه كافٍ لكى أفهم أنه يهينني! كبريائه وأهميته الذاتية تجاهنا سوف يتسببان فى سقوطه.. ودعوت رجالى إلى التراجع. لا يزال أمامنا ٧٥ مترًا لنقطعها قبل أن نعتبر أنفسنا آمنين من الهضاب، ولحسن الحظ فوجئنا بوفاة زعيمهم. عندما وصلنا إلى مجموعة الدعم، أدركت أننى فقدت خريطتي... ويسعدنى أننى حفظت موقعنا عن ظهر قلب، بناءً على أوامر من الكابتن إيزابي.
وحتى اليوم لا تزال هذه اللحظات محفورة فى ذاكرتي. على الفور وضعت الكتيبة تحت تصرفى خاصة الدعم الجوى المكون من اثنين من القراصنة فى حالة تأهب فى باتنة وخصصت لى قناة خاصة على TRPP٨ الخاصة بي، يستخدمها فقط الطيارون والقائد ميشود. لمدة خمس عشرة دقيقة تقريبًا، أصبح إطلاق النار أقل شدة واستفدنا من ذلك لتراكم الحجارة والصخور أمام خط دفاعنا، مما يوفر حماية بارتفاع ٥٠ إلى ٧٠ سم، وهو ما يكفى لحمايتنا من الضربات المباشرة من العدو. والسماح للقراصنة بالإقلاع والوصول إلى المنطقة. يعتنى الرقيب البرقاوى بجرحى الذى ينزف بغزارة، ويضع ضمادة ضاغطة على الفتحتين.. أحبس أنفاسى ورأيت القراصنة يطلقون قنابلهم التى تمر فوقنا على بعد أقل من ٥ أمتار وتصطدم بخط هجوم العدو الذى اشتعلت فيه النيران. يتم تحويل حوالى عشرين متمردًا إلى مشاعل حية، أما باقى الخط الذى يضم العديد من الأشخاص المحترقين فيتراجع فى حالة من الفوضى ويختفى بين الأشجار.
فرحة حيوانية تستحوذ على جنودى الذين يختصرون معاناة الرجال الذين يحترقون على الفور. المشهد مؤلم ومشفى فى نفس الوقت. ومع ذلك، فإن كل المخاطر لم تختف بعد. وانعطفت الطائرة فجأة على جناحها، وعلمت لاحقا أنها تمكنت من الوصول إلى مطار باتنة فى رحلة جوية شراعية، على بعد حوالى عشرين كيلومترا. وعلى الرغم من إصابتى وفقدان الوعى البسيط، تمكنت من توجيه الدعم الجوى طوال اليوم.
نحن نستفيد من هذا الهدوء لرفع أكوام الحجر أمامنا وأصبح خط دفاعنا بمثابة جسر متواصل بين قطعة FM الموضوعة فى الأعلى ولاعبى الدفاع المتمركزين على الجانب المواجه للحافة. كم هو متعجرف الاعتقاد بأننا آمنون: يفاجئنا هجوم جديد أثناء الاستراحة بين دوريتى القرصان. لقد تمكنا من صدهم فى اللحظة الأخيرة بنيران كثيفة، مما أدى إلى القضاء على حوالى عشرة أعداء آخرين.
لكن فى الوقت الحالي، لم نخرج من الغابة بعد.
لا بد لى من مواجهة عزلة قمعية متزايدة. أقضى وقتى بين نوبتى إغماء وأنا أصرخ لرجالى لإنقاذ ذخيرتهم. ويستمر هذا الوضع حتى حلول الظلام. يواصل القراصنة قصف الخط الأمامى الذى يمتد الآن لمسافة تزيد على ٥٠٠ متر. تم حصار الكتيبة على بعد ٥٠٠ متر تقريبًا من الخلف و٤٠٠ متر من جانب موقعى بنيران المتمردين المدفونين فى التحصينات. كما أنه لا يمكن لأى وحدة أن تأتى أو تساعدنى بشكل مباشر أو تأتى لمساعدتي..
يبدو أن الوقت طويل وأنا أضعف.. فكرة واحدة فقط تجعلنى أستمر، لدى قناعة عميقة بأننا سوف ننتهي!
لمدة عشر ساعات، واصلنا أنا ورجالى الخمسة عشر الأصحاء القتال. فى بداية فترة ما بعد الظهر، نظرًا لأن المباراة لم تكن تسير على ما يرام، حاول رجال معزولون الفرار مرورًا تحت موقعنا. فى مواجهة نيراننا، تراجع البعض لكن حوالى عشرة تمكنوا من الاختراق وسقطوا فى الكمين الذى نصبه الملازم مينوت، قائد قسم فى سرية مجاورة، على عمق ٦٠٠ متر.
فى حوالى الساعة الثامنة مساءً، انضم إلى الملازم ديشامب وقام بإجلائى مع قتيلى وجرحى الستة، إلى قمة الرفاع حيث تم إنشاء منطقة خالية للسماح لطائرة H٢٤ سيكورسكى بالهبوط وإجلائنا. ورفضت أن يتم نقلى على نقالة وبمساعدة رقيبى وصلت إلى القمة..
نتائج هذا اليوم لصالحنا: ٢ قتيل و٧ جرحى فى قسمي، وعدد قليل من الجرحى طفيفة فى الكتيبة وحوالى أربعين متمردًا قتلوا أمامنا مع استعادة أسلحة كبيرة بما فى ذلك مدفع رشاش ألمانى من طراز MG.
وفور وصولى إلى مستشفى باتنة، تم نقلى على الفور إلى غرفة العمليات وأجريت لى العملية بالتخدير الموضعى ومن حسن حظى أننى فقدت الوعي، وهو ما خفف من معاناتى عندما قطع الجراح ذراعى لينظف الجرح ويجمع كل عظامى المكسورة. أتذكر فقط إعادتى إلى غرفة حوالى الساعة الثانية صباحًا، واستيقاظى بعد خمس ساعات من قبل القائد هانز، كبير الجراحين فى مستشفى باتنة.
" إذن الملازم بيناتيل لم يستيقظ بعد؟ لدى زيارة لك!".. عند هذه الكلمات، دخل غرفتى أربعة طيارين من الذين أنقذونى بفضل دعمهم، وفى أيديهم زجاجة من الشمبانيا.. أحدهم هو ابن الجنرال جيل، القائد العظيم ورفيق التحرير.
نهاية المشهد! كتاب «روح المحارب»
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جان برنارد بيناتيل على الجانب على الفور على بعد
إقرأ أيضاً:
ذكريات توثيقية.. حرب اليمن والقصة الحقيقية لهروب عبدربه منصور هادي إلى السعودية.. مارس 2015م
أمضيتُ يومَ الأربعاء 25 مارس 2015م مُتنقِّلاً مع عددٍ من المُرافِقينَ بمعيَّتي بينَ عددٍ من المواقع الحُكوميَّة في مدينة عَدَن، بحُكمِ منصبي مُحافظاً لمُحافظة عَدَن يومَذاك، وكانَ برفقتي عددٌ من الأصدقاء المسؤولين الذين حضرُوا معي اجتماعاً مُهمَّاً في مبنى المقرّ الرَّئيسِ لمُحافظ مُحافظةِ عَدَن الواقع في الطّرفِ الجنُوبيّ لحيِّ المُعلا .. اجتماعاً ضمَّ عدداً من أعضاءِ مجلسِ النُّوَّاب مُمثلي مُديريَّات مدينةِ عَدَن، وأعضاءِ المجالسِ المحليَّة بالمُحافظة، ومُدراء الأمن العامّ ( الشُّرطة ) بالمُديريَّات، ومُدراء المُديريَّات، والمدراء العامِّين بالمُحافظة، استمرَّ الاجتماعُ لأزيدَ من ساعةٍ ونصفٍ، ونقاطُ محور الاجتماع، هي كيفيَّةُ الحفاظُ على أمنِ وسلامةِ المُواطنينَ في المدينة من عبثِ العابثينَ، والمُسلَّحينَ، والخارجينَ عن القانُون، وكلَّفتُ جميعَ المسؤولينَ التّنفيذيين، والقياداتِ على مُستوى الخدماتِ بالمُحافظة بمُختلفِ درجاتهم، وصلاحيَّاتهم، بأن يعملَ الجميعُ aعلى خدمةِ المُواطنِ العَدَنيّ اليمنيِّ، ومنع إثارةِ الفوضي؛ كيلا تصلَ إلى هؤلاءِ المُواطنين.
تحليل / أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور*
أتذكَّرُ أنَّ في تلك السَّاعاتِ الحرجةِ لحركةِ المُواطنين انتشارَ فوضى حركةِ السَّير (إياباً وذهاباً)، وبَدْءَ أعمالِ النَّهب والسَّرقة، وبدءَ الهُرُوبِ الجماعي لجميعِ المسؤولين القياديين بمُختلفِ درجاتِهم، ومناصبِهم من مدينةِ عَدَن إلى مُحافظتي أبين، وشبوةَ، بَدْءاً من منصبِ وكيلِ مُحافظةٍ، ووكيل وزارةٍ، وضابطٍ عسكريٍّ ومدنيٍّ، مُرُوراً بالوزراء، وأعضاءِ مجلسَي النُّوَّاب والشُّوري، وقادةِ الوحدات العسكريَّةِ، والأمنيَّة، وصُولاً إلى هُرُوب الرَّئيسِ الأسبقِ / عبدربّه منصُور هادي ذاتِه مع أصدقائه وحاشيتِه وعائلتِه.
كُنَّا في وداعِ الرَّئيسِ/ هادي للمرَّةِ الأخيرة:
ذهبتُ، وعدداً من الشَّخصياتِ السِّياسيَّةِ، والعسكريَّةِ؛ لزيارةِ مقرّ الرَّئيسِ/ عبدربّه منصُور هادي في مسكنه الشَّخصيّ، والرَّسميّ في حيّ المعاشيق من ضاحيةِ كريتر؛ لزيارته والاطمئنان عليه، والاطلاعِ على آخرِ الأخبار لديه، وإلى أين سارتْ، وتسيرُ الأمُور، ولأنَّ هُنَاكَ تعقيداتٍ في المشهد، فلن أتطرَّقَ إلى أسماء الشَّخصيَّاتِ التي رافقتني في هذه الزّيارة، ومُنذ ولوجنا بوَّابةَ مَجمْعِ مباني المعاشيق في كريتر لم نجدْ تلك الحراساتِ للقصرِ الجُمهُوريّ المُعتادةَ، ولم نُقابلْ سوى أعدادٍ مُحدُودةٍ من العسكر بعددِ أصابع اليد الواحدة، وسألتُ ذلك الضَّابطَ الذي اعتاد أَنْ يستقبلَنا بحرارةٍ كُلما زُرنا القصرَ، فقد وجدناه جالساً وحيداً مهزُوماً نفسيَّاً في البوَّابة الأولى بجانبِ نادي التِّلال الرّياضيّ، وكان يُرشدُنا إلى دُخُول المعاشيق بكلتا يديه، واصلنا السَّيرَ بموكب سيَّاراتنا، وكانتْ قافلةً طويلةً نسبيَّاً؛ نظراً للشَّخصيَّات التي قرَّرتْ زيارةَ الرَّئيسِ/ عبدربّه، وواصلنا الحركةَ والسَّيرَ إلى البوَّابةِ الثانية، وهي في الجهةِ المُقابلةِ لقاعة فلسطينَ، وهُنا لم نجدْ أحدَاً من الحراسات بالمُطلق، وواصلنا السَّيرَ باتِّجاه طُلُوع العقبةِ المُؤدِّية إلى مباني الرئاسة في قمَّةِ جبلِ المعاشيق حتَّى وصلنا إلى المبنى الذي يُقيمُ فيه فخامةُ الرَّئيسِ، وهناك أيضاً لم نجدْ أيَّةَ حراساتٍ سوى ثلاثةَ عشرَ جُنديَّاً تقريباً، هُم من أقاربِ الرَّئيس، وكي يطمئنَ قلبي سألتُ أحدَ حراسته المعرُوفين لديَّ، هل مازالَ الرَّئيسُ عبدربّه منصُور موجُوداً بالمكان؟ فأومأ لي بالإيجاب، وهُنا اطمأنَّ قلبي بأنَّه مازالَ موجُوداً.
دخلتُ – مع بقيَّة الزُّملاء القادمينَ لزيارةِ الرَّئيس – بهوَ المبنى الذي يُقيمُ فيه الرَّئيسُ، واستقبلني الدُّكتُور/ مُحمَّد علي مارم الذي عُيّن حديثاً مُديراً لمكتبِ الرَّئيس، والعميدُ / ناصر الإسرائيليّ- مُديرُ مكتبِ اللواء / ناصر منصُور هادي- وكيلِ جهاز الأمن السِّياسيِّ في عَدَن ولحج وأبين، وهو شقيقُ الرَّئيسِ/ عبدربّه منصُور هادي، ولم نجدْ غيرَهُم في كلِّ أرجاء دار الرّئاسة ( مباني المعاشيق كُلها )، أي لم يبقَ في هذا المبنى الرّئاسيّ سوى الرَّئيسِ/ عبدربه منصُور ،ومُدير مكتبه، ومُدير مكتب شقيقه، وابنه جلال عبدربّه منصُور، وثلاثةَ عشرَ جُنديَّاً وحارساً، مع أنَّ حراساتِ القصرِ الجُمهُوريّ قيلَ لي أنَّهم يتجاوزُون خمسةَ آلافِ جنديٍّ، وضابطٍ وقائدٍ، هذهِ من عجائب الأمُور في تاريخِ اليمن، وتفريعاته.
أتذكَّرُ ممَّن حضر لزيارة الرَّئيس كُلا من :
الدُّكتُور/ عبدالعزيز صالح بن حبتُور- مُحافظ مُحافظةِ عَدَن، الدُّكتُور/ مَهدي علي عبدالسَّلام العولقي- عُضو مجلسِ النُّوَّاب، اللواء / عبدربّه الطّاهري المصعبي البيحانيّ- قائد المنطقةِ العسكريَّةِ الجنُوبيَّةِ/ عَدَن وضواحيها، العميد رُكن / فرج حُسين العتيقي العولقي- قائد مُعسكر بئر أحمد، اللواء / غازي أحمد علي مُحسن لحول المصعبيّ- مُدير أمن عَدَن الأسبق، الدُّكتُور/ حاتم باسردة الحميري- أستاذ مُحاضِر بجامعةِ عَدَن، الدُّكتُور/ علي حسن الأحمدي العولقي- رئيس جهاز الأمن القوميّ؛ الأستاذ/ مُحمَّد بن حصامة العولقي- كادر مُعاون في الأمن القوميّ..
ملحُوظةٌ عابرةٌ : إنَّ جميعَ مَن حضر آنفاً لالتقاء الرَّئيسِ/ عبدربّه منصُور في ذلك الزَّمن الحاسِم، هُم من أبناءِ م/ شبوةَ فحسب.
انتظرْنا جميعاً في قاعةِ الاستقبال لدقائقَ إلى أَنْ حضرَ إلينا الرَّئيسُ ،يرافقُه ولدُه جلال عبدربّه، وأخذ مقعدَه على يميني، وكان في حَالَةِ يأسٍ وإحباطٍ شديدينِ، لكن يتَّضحُ من حديثه أنَّه في حَالَةِ انفصالٍ عن الواقع، وكأنَّ ما يدُورُ في الشَّارع العَدَنيّ لا يُدركُ مآلاتِه ولم يستوعبْ مُعطياتِه ولا حتَّى نتائجه، وأنَّ أقصى ما يُفكِّرُ فيه، هو كيفيَّةُ هُرُوبه إلى الخارج، هو وشلّته، وأسرته .
وقال ما نصَّه: خلاص خلاص، كُلُّ شَيْءٍ انتهى، والجماعةُ في أطراف مدينة عَدَن، ويقصدُ ( جيشَ أنصار الله الحُوثيين، والحرس الجُمهُوريّ للجيش اليمنيّ )، وأردف بالقول: لقد أخذُوا، و أسرُوا الأخ / محمُود الصُّبيحي، وزيرَ الدّفاع، والأخ / ناصر منصُور هادي- وكيلَ الأمن السِّياسيّ في عدن، والأخ فيصل رجب- قائد عسكريَ، وعليه فإنَّ كُلَّ واحدٍ منكُم أن يعُودُ إلى منزله، هكذا بكُلِّ وضُوحٍ، ودُونَ زيادةٍ، أو نُقصان، لكنَّه أعطى في تلك اللحظات الضَّائعة بعض التّوجيهات العسكريَّة غير الدَّقيقة لقائد المنطقة العسكريَّة الجنُوبيَّة اللواء / عبدربّه الطاهري المصعبي، وكأنَّه كان مُنفصلاً عن الواقع تماماً، أي أنَّه لا يعرفُ ماذا يدُورُ على أرض واقع عَدَن في تلك اللحظات، وقال لقائد المنطقة العسكريَّة الجنُوبيَّة» «اصرفْ لمُحافظ عَدَن 2.000 قطعةِ سِلاح كلاشنكُوف صُنع رُوسيّ ( ألفي قطعة كلاشنكُوف )، وكذلك مليوني طلقة رصاص- أي مليوني طلقةٍ ناريَّةٍ»، ردَّ عليه قائدُ المنطقة بكثيرٍ من الأدب، والانضباط بالقول، ولكنْ يا سيدي فخامةَ الرَّئيس جميعُ أبواب مُعسكر جبل حديد قد تمَّ اقتحامُها من قِبلِ الفوضويين، وعِصابات النَّهب، وبُدِئتْ السَّرقةُ لمُحتوياته من جميع أنواع الأسلحة، والذّخائر، وغيرها، نهبٌ من قِبلِ الجماعات المُسلّحة، و الشَّعبيَّة غير المُنظّمة في عَدَن، كما أنَّهُم قد نهبُوا بقيَّةَ المُعسكرات الأخرى للجيش والأمن، وحتّى مكتب القصر الجُمهُوريّ المُسمَّى قصرَ 22 مايُو في التَّواهي تعرَّض «مُنذ صباح هذا اليوم» للنَّهب والسَّرقة من قبلِ النَّاس المجاورين للمواقع التي نُهِبتْ.. ردَّ عليه الرَّئيسُ بعباراتٍ قاسيةٍ، وصارمةٍ، قائلا له: «يا هذا نفّذ التّوجيهات دُونَ تلكُّؤٍ وبس».
وهُنا أودُّ أن أشيرَ إلى أنَّ تلك الأسلحةَ نوع “الكلاشنكُوف الرُّوسيّ” التي وجَّه بها الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي، بأمر قائد المنطقة الجنُوبيَّة اللواء/ الطاهري البيحاني كي يصرفَها في تلك اللحظات الضَّائعة لمُحافظ مُحافظةِ عَدَن، هي تلك الأسلحةُ التي أرسلها الرَّئيسُ / فلاديمير بُوتن- الرَّئيس الرُّوسيّ، في سفينةٍ حربيَّةٍ من رُوسيا إلى اليمن قبلَ أشهرٍ، ووجَّه الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي بتحويل شُحنتها من ميناء الحُديدة إلى ميناء عَدَن، ووصلتْ في نهاية شهر يناير 2015م، وأنا حينها قد أصبحتُ مُحافظاً لمُحافظة عَدَن، وقمتُ أنا شخصيَّاً باستلامها رسميَّاً من سعادة السَّفير الرُّوسيّ في الجُمهُوريَّة اليمنيَّة، حتّى أنَّنا واجهنا مُعضلةً مُعقَّدةً في تفريغ شُحنة السَّفينة المُكوَّنة من 194 كونتينرز؛ خوفاً عليها، أو على أجزاءٍ منها منَ السَّطو المُسلّح من قبلِ العِصابات الإرهابية المُسلّحة، والتي انتشرتْ في تلك الأيَّام بالقُرب من مدينة عدن، وقد رسمنا خُطّةً عسكريَّةً مُحكمةً؛ للتَّفريغ والإنزال في المساء لعددٍ من الليالي بعدَ أن أغلقنا عدداً من الطّرقات العامَّة المُؤدِّية إلى بوَّابة مُعسكر جبل حديد، حتّى أننا نجحْنا في تأمين إنزالها ووصُولها وتفريغها في مُعسكر جبل حديد.
هذه حكايةٌ مُهمَّةٌ وددتُ سردَها فيما يتَّصلُ بالأسلحة المُهدَاة من جُمهوريَّة رُوسيا الاتحاديَّة إلى الجُمهُوريَّة اليمنيَّة، ودوري الشَّخصيُّ استلامُها، وتخزينُها كما يجب .
وبعدَ الشَّدِّ والجذب بينَ الرَّئيس وقائد المنطقة الجنُوبيَّة، وفي تلك اللحظات الصَّعبة علينا جميعاً، فإنَّنا قد طلبنا الاستئذان بالمُغادرة، وأذن لنا الرَّئيسُ بالمُغادرة، وكُنَّا (أنا وزُملائي) على يقينٍ تامٍّ بأنَّه قد خطّط هو والمُقرّبُون منه وله للمغادرة، إمَّا عبرَ طائرةٍ مروحيَّةٍ ( هيليكُوبتر )، وإمَّا عبرَ سفينةٍ ترسُو بالقُرب من الشَّواطئ اليمنيَّة، وتحديداً شواطئَ مدينة عَدَن، هكذا كُنَّا نتوقَّعُ مُغادرتِه.
اتّجه موكبُنا باتّجاه منزل اللواء / غازي أحمد علي مُحسن لحول، في الضَّواحي الشَّماليَّة لحي دار سعد / عَدَن؛ لتناول وجبةِ الغِداء، والاستراحة بعدَ عناءِ يومٍ طويلٍ من الاجتماعات واللقاءات والمُتابعات والمُشاحنات .
النَّهبُ الجماعيُّ لمُحتويات قصر المعاشيق / كريتر / عَدَن، ولحظة هُرُوب الرَّئيس هادي من عَدَن :
وفورَ خُرُوجنا بطابُورٍ طويلٍ من سيَّاراتنا من بوَّابة منطقة مباني المعاشيق، وقد شاهد خُرُوجَنا عوامُّ، وعامَّةُ النَّاس في ضاحية كريتر، اعتقد المُواطنُون أنَّ الرَّئيسَ قد غادر قصرَه في المعاشيق، وعليه اعتقدُوا أنَّ المكانَ قد خلا من مُرتاديه، وسُكَّانه، وعساكره، وهُنا انقضَّ المُواطنون – من مُعظم الأحياء السَّكنيَّة المُتاخِمة، والمُجاورة لنادي التّلال الرّياضيّ، وحي القطيع – وهجمُوا مشياً على الأقدام، وتسلّقُوا زحفاً في طريق عقبة المعاشيق بأرتالٍ منَ المُواطنين قدروا بالآلاف، وانقضُّوا على الفلل، والشّقق السَّكنيَّة، والمكاتب الرئاسيَّة، والاستراحات الخاصَّة بالرئاسة، وهجمُوا على كُلِّ مُحتوياتها من أثاثٍ، وتجهيزاتٍ، ومُعدَّاتٍ مكتبيَّةٍ، وغيره، والعجيب في الأمر أنَّ البُسطاءَ ينهبُون الأثاثَ البسيطَ الرَّخيصَ، بينَما عددٌ من الأشخاص المُتنفّذينَ قد نهبُوا مُستودعاتِ الأسلحة، والذّخائر والأوراقَ الخضراءَ والزَّرقاءَ غاليةَ الثّمن والسِّعر والقيمة .
وفي لحظات الاقتحام، والتّكسير، والتَّحطيم، والنّهب، مازال الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي، يقبعُ في غُرفة نومه، ويسترخي في استراحته الوثيرة المُطلّة على البحر العربيّ، بآفاقه اللامُتناهية النَّظر على المُحيط الهنديّ في القصر الرّئاسيّ، يُشاهدُ بأمِّ عينيه المُواطنين من ضاحية كريتر، وهُم ينهبُون أمامَ ناظريه مُحتويات دار الرّئاسة في المعاشيق بضاحية كريتر العدنيَّة.
لكنَّ الرَّئيسَ قرَّر السَّفرَ إلى الخارج عبرَ الطّريق البريّ إلى سلطنة عُمان، واضطّر لطلب العون العسكريّ والحمائي من قائد المنطقة الجنُوبيَّة، اللواء /عبدربّه الطّاهري المصعبي البيحاني، والعميد / فرج بن حُسين العتيقي العولقي مع مُرافقيهم من الجُنُود، علماً أنَّ القائدينِ العسكريينِ بعدَ أن غادرْنا، وإيَّاهُما معاً دار المعاشيق، هُما كذلك قرَّرا المُغادرةَ إلى مُحافظتهما شبوةَ، وفي مُنتصف الطّريق اتَّصل بهما الرَّئيسُ، وطلب منهما العودةَ لمُرافقته، وحمايته أثناءَ السَّفر إلى سلطنة عُمان عبرَ مُحافظات أبين، وشبوةَ، وحضرمُوت، والمهرة، وصُولاً إلى حُدُود السَّلطنة العُمانيَّة، ومن هُناك – كما يعرفُ الجميعُ- وصل في اليوم الثّاني وكان في استقباله؛ لأخذه إلى الرّياض الأميرُ / مُحمَّد بن سلمان، ابنُ ملك مملكة العُدوان السُّعُوديّ على الجُمهُوريَّة اليمنيَّة .
ومازال ارشيفُ القنوات الفضائيَّة العربيَّة والأجنبيَّة يحتفظُ بمقولة الرَّئيس / عبدربّه منصُور هادي، حينَما سُئل عن عُدوان عاصفة الحزم السُّعُوديَّة الخليجيَّة المُوجَّهة ضدَّ اليمن؟ ليجب بقوله: لا أعرف، لقد كُنَّا نسيرُ طيلة الليل، ولم نسمعْ بأخبار الحرب مُطلقاً، ولم نعرف بها سوى بعدَ وصولنا إلى عُمان.
هذا التَّصريحُ التّأريخيُّ المُوثّقُ بالصَّوت، والصُّورة يُعدُّ بمثابة وثيقةٍ تاريخية قاطعةٍ تُدينُ العُدوانَ السُّعُوديَّ، والإماراتيّ، والخليجي على اليمن، تُدينُهُم إدانةً دامغةً لا لبسَ فيها .
وهُنا علينا التَّأكيد للقارئ اللبيب، ومن وحي المُعايشة المُباشِرة، والشَّهادة للتّاريخ أن جميعَ المسؤولين اليمنيين القياديين الذين كانتْ تمتلِئُ بهم فنادقُ، ولوكندات أحياء وضواحي عَدَن والشُّقق والفلل المفرُوشة في مدينة عَدَن وضواحيها، قد هربُوا برَّاً، وبحراً، وجوَّاً، وتركُوا المدينةَ وأهلَها البُسطاءَ لمصيرهمُ المجهُول مع أهوال أيَّة مُواجهةٍ، ذهبُوا إلى دُول الجِوار لينعمُوا بدفء العيش، والسُّكنى في فنادق، ومُنتجعات الرّياض، وأبوظبي، والدَّوحة، وحتّى المنامة.
هُنا يتبادرُ السُّؤالُ المركزيُّ الآتي، ماذا يُمثلُ الوطنُ، وشرفُ حمايته، والدّفاع عن قيمه الأخلاقيَّة والدّينيَّة بالنّسبة لهؤلاءِ المسؤولين اليمنيين الذين هربُوا و لجأوا إلى الرّياض ؟، ومن هُناك يجتمعُون؛ ليُصادقُوا ويبصمُوا على الاعتداء على وطنهمُ اليمن ! ! ! .
هل يُمثلُ الوطنُ لكل من هؤلاءِ المسؤولين الحزبيين والقياديين من أصحاب (الفخامة، والمعالي، والسَّعادة و و و و و ) سوى قطعةُ أرضٍ جافّةٌ يبنى عليها مسكنَه الشَّخصيَّ، ولا يعنيه الوطنُ بشيء سوى أن يأويه فحسب، ولا يمثلُ له أيَّةَ قيمةٍ من حيثُ شرفِ المكان، وعظمة وطهارة الأوطان، وقُدسيَّة التّراب اليمنيّ الذي انتمى وترعرع على ترابه الطّهُور، واستنشق عبيرَ هوائه النّقي العليل، هكذا هو ترابُ الوطن الذي يجبُ الدّفاعُ عنه، وبذلُ الرُّوح والجسد، لحمايته من أيّ اعتداءٍ .
إنَّ الإنسانَ الذي يهربُ من الأرض والوطن الذي ينتمي إليه؛ تجنُّباً لبطش الغازي أيَّاً كان، هو أشبهُ بالإنسان الذي يسمحُ طواعيةً بدُخُول رجُلٍ غريبٍ منزله الخاصّ يرتعُ وينامُ ويستمتعُ بوقته مع أقرب المُقربين من أسرته، وأهله، هكذا هو التَّشبيهُ الأقربُ للمسؤول الذي هرب في وقتِ الشّدَّة من مدينته وقريته ووطنه، والأدهى والأمرُّ من ذلك أن يضعَ يدَه في يد العدوّ المُعتدِي على وطنه الأم، وهُنا تبدأ خيانةُ شرف الوطن، وتُرابه الطّاهر .
يومَ الخميس – المُوافقُ 26/ مارس / 2015 م انطلاقُ العُدوان السُّعُوديّ الخليجيّ على اليمن :
كان الرَّئيسُ / عبدربّه منصُور هادي آخرَ المسؤولينَ اليمنيينَ الفارين، الهاربين من عَدَن، وفي صبيحةِ يوم الخميس انطلقتْ صواريخُ الحقدِ، والكراهية الخليجيّ ضدَّ اليمن، ونعني بالدُّول الخليجيَّة :
المملكة العربيَّة السُّعُوديَّة.
مملكة البحرين.
دولة إمارة الكويت.
دولة إمارة قطر.
مشيخة الإمارات العربيَّة المتّحدة.
وكان الاستثناءُ الوحيدُ هو سلطنةُ عُمان، التي رفضتِ الاشتراكَ في العُدوان رفضاً قاطِعاً، وقال وزيرُ خارجيّتها يومَذاك الشَّيخ / ….. بن علوي إنَّ سلطنةَ عُمان، وجلالة السُّلطان قابُوس – رحمةُ الله عليه – لا يريدان بأن يكتبَ التَّاريخُ العربيُّ في المُستقبل أن سلطنة عمان اشتركتْ بجيشها في العُدوان الخليجيّ العُرُوبيّ على الجُمهُوريَّة اليمنيَّة وشعبها الشّقيق.
ويتذكَّرُ الرَّأيُ العامُّ العربيُّ، والإسلاميُّ، والأجنبيُّ أنَّ المدعُوَّ / عادل الجُبير- وزيرَ خارجيَّة المملكة السُّعُوديَّة أعلن عُدوانَ ( عاصفة الحزم ) على اليمن/ كما أسماها الأعداءُ من واشنطن، العاصمةِ الأمريكيَّة، وتبجَّح الوزيرُ ووليُّ عهد المملكة السُّعُوديَّة بأنَّ الحربَ على اليمن لن تستغرقَ أسبُوعين، أو شهرين على أبعد الحُدُود الزَّمنيَّة، وها نُحنُ نحتفلُ بالذّكرى العاشرة لاندلاعها المشؤوم .
يتذكّرُ الرَّأيُ العامُّ اليمنيُّ والعربيُّ والإسلامي، والأجنبيُّ ذلك الهُجُومَ العسكريَّ الجويَّ الغادرَ في تلك السَّاعات المُبكِّرة من يوم الخميس، حيثُ انهالتْ حُممُ الصَّواريخ الهوجاء؛ لتوزّعَ الموتَ على اليمنيين يميناً وشمالاً، وهُم في حالة سُكُونٍ، وهُدوءٍ وفي ليلةٍ آمنةٍ، جاءتِ الطّائراتُ العسكريَّةُ من القواعد العسكريَّة السُّعُوديَّة والإماراتَّية والقطريّة، كي تُوزّعَ هدايا صباحيَّةً على مُدُن اليمن الآمنة في صنعاء وعدن، وصعدة، والحُديدة، وذمار، وعتق، وحضرمُوت، ومارب، وحوطة لحج، وتعز، والبيضاء، وبيحان، وزُنجُبار، وصُولاً إلى تدمير جسرٍ في قرية الغُرير المُتواضِع، الواقع في غيل حبَّان.
استمرَّ الهُجُومُ الجويُّ العُدوانيُّ المُتوحِّشُ لأشهرٍ، وسنواتٍ، دمَّر فيها العديدَ من البُنى التَّحتيَّة، والجُسُور، والطّرقات، والسُّدُود، وآبار مياه الشُّرب، ومحطّات الكهرباء، والأسواق، وأجهز على مُعظم المعاهد، والمدارس، والجامعات، وحتى الأشجار، والمساجد لم تسلمْ من عُدوانهم، ولم تسلمْ من الاعتداء الموانئُ البحريَّةُ، والجويَّةُ، وتدمير الطّائرات المدنيَّة الرَّابضة في المطارات اليمنيَّة الآمنة، وحتّى الآثار اليمنيَّة التَّأريخيَّة هي الأخرى كانتْ هدفاً للعُدوان، والحقد التاريخي للشّيوخ الأَعْرَاب الخليجيين.
بذخُ المال الخليجي شبهُ السَّائب المُوظّف لتدمير مُقوّمات الأمَّة العربيَّة والإسلامية :
لسنا بحاجةٍ، ولا القارئ العادي لمقالتنا هذه إلى احتساب أموال البترو دُولار المُتدفِّقة على دُول مجلس التّعاون الخليجيّ ( الخمس ) التي شنَّتِ العُدوانَ الوحشيَّ على اليمن؛ لأنَّ ما تسجلّه وتحتسبُه أرقامُ الماكنة الحاسبة الإلكترونيَّة في كُلِّ دقيقةٍ، وساعةٍ، ويومٍ، وأسبُوعٍ، وشهرٍ، وعامٍ من عائدات الأموال السَّائلة للبترُو دُولار، تصلُ إلى التّريليُونات من الدُّولارات، وهي محفُوظة والحمد لله في بُنُوك وخزائن أمريكا، وغرب أوروبا .
وهذه الأموالُ الطائلةُ هي ملكٌ، وحقٌّ لهُم، وبارك اللهُ لهم في استخدامها، والاستفادة منها، كما شاؤوا، ورغبُوا لأغراضهم، وأسرهم، واحتياجاتهم، وحتّى بذخهمُ الفاحش، وليس لنا، ولا لغيرنا أيَّةُ ملحُوظاتٍ في التَّصرُّف بها، ومن حقّ دُول الخليج المُتخمة بالدُّولارات أن تُنفقَ جُزءاً من أمولها، أو حتّى مُعظمها على أيَّةِ دولةٍ عربيَّةٍ، أو أجنبية، لكنْ بشرطٍ واحدٍ أنَّها تُوظّفُ لصالح الأمَّة العربيَّة والإسلامية في الشَّأن العامّ، وليس لتدمير الأمَّة ومُستقبلها؛ لأنَّها أموالٌ مشرُوطةٌ، ومُستخرَجةٌ من باطن الأرض العربيَّة الإسلامية، أي من أراضي الحرمينِ الشَّريفين، وجوارها، وهي هُنا أرضٌ ريعيَّةٌ مُشاعةٌ للمُسلمين جميعاً، وليستْ أموالاً خاصَّةً مُنتجةً من عرق جبينهم، أي أنَّها ليستْ ملكاً خاصَّا للأسر الحاكمة في مشيخات مجلس التّعاون الخليجي، بل إنها مالٌ للأمَّة العربيَّة والإسلامية جميعاً، وليستْ أموالاً خاصَّةً، ووقفاً على أسرٍ ومشيخاتٍ فاسدةٍ فاجِرةٍ مُجرمةٍ سلّطتها الماسونيَّةُ الصُّهيُونيَّةُ العالميَّةُ الغربيَّةُ على رِقاب العرب والمُسلمين جميعاً، والى وقتٍ ليس بالبعيد؛ أي إلى مطلع السَّبعينيَّات من القرن العشرين، وحينَما كانتْ دُولُ مجلس التَّعاون الخليجيّ فقيرة، ولم تأتِ عائداتُ البترُول بعد، فقد كانتْ جميعُ دُول مجلس التَّعاون الخليجيّ تتلقَّى الهِباتِ، والعَطايا، والمُساعدات، وعائدات الزَّكاة من حُكُومات الصُّومال، والمملكة المُتوكُليَّة اليمنيَّة، ومن مُستعمرةِ عدن، ومن المملكة المصريَّة العربيَّة، والجزائر، وغيرها من بقيَّة الدُّول والأقطار العربيَّة، نعم هكذا كانتْ هذه الدُّولُ الخليجيَّةُ الفقيرةُ تستقبلُ المُساعداتِ من شقيقاتها من الدُّول العربيَّة، والتي للأسف تحوَّلتِ اليومَ إلى رأس حربةٍ في تدمير وتمزيق البلدان العربيَّة؛ خدمةً للأجنبيّ الطّامِع في ثروات الأمَّة كُلّها، كمصرَ، والعِراق، وسُوريا، ولبنانَ، واليمن، والجزائر .
لنأخذْ أمثلةً حيَّةً على ما نُشيرُ إليه على النَّحو الآتي :
أوَّلاً :
مُنذ مرحلة الخمسينيَّات من القرن العشرين، وبزُوغ حركة التَّحرُّر العربيَّة من الاستعمار الأورُبي بقيادة الزَّعيم / جمال عبدالنَّاصر، ونُشُوء، وتأسيس الأحزاب القوميَّة العربيَّة التَّحرُّريَّة، كحزب القوميين العرب، وحزب البعث، لعبتْ الدُّولُ الخليجيَّةُ دورَ مُمثل الرَّأسماليَّة الصُّهيُونيَّة العالميَّة، ومِعولَ هدمٍ لجميع الجبهات التَّحرُّريَّة في عالمنا العربيّ والإسلاميّ، ونصيراً خفيَّاً للكيان الإسرائيليّ الصُّهيُونيّ، وحليفاً علنيَّاً وسافراً للدُّول الرَّأسماليَّة الاستعماريَّة المُتصهينَة.
فالمملكةُ السُّعُوديَّةُ – ومن خلال الوثائق التاريخية المُعلَنة لعبتْ دوراً رئيسيَّاً في تدمير الجيش العربيّ المِصريّ، وهزيمة الزَّعيم جمال عبدالناصر في ما سميت بنكسة 5 / حُزيران / 1967 م، نكايةً بما قدَّمته مِصرُ / جمال عبدالنَّاصر من دعمٍ، وإسنادٍ للثّورة اليمنيَّة الأم 26 سبتمبر 1962م، وثورة 14 أكتوبر 1963م في جنوب اليمن .
ومُنذ ذلك الانكسار، وهزيمة العرب تقوَّتْ شوكةُ الكيان الصُّهيُونيّ الإسرائيلي من جهةٍ، وزادتْ مُعاناةُ الشَّعب العربيّ الفلسطينيّ، والمِصريّ، واللبنانيّ، والأردُنيّ، والسُّوري من جهةٍ أخرى.
ولولا تلك المُؤامرةُ الرَّخيصةُ التي دبَّرها قادةُ المملكة السُّعُوديَّة مع الخُبراء الأمريكان لما وقعتْ نكسةُ الأمَّة العربيَّة المُؤلمة التي مازالتْ آثارُها السّلبيَّةُ واضحةً وبيّنةً لكُلِّ الأمَّة العربيَّة .
ثانياً :
مُنذ قيام الثورة الاسلاميَّة الإيرانيَّة في عام 1979م بقيادة الشَّهيد المُجاهد الثّائر / آية الله الخُميني – رحمةُ الله عليه -، وجميعُ دُول مجلس التّعاون الخليجيّ تتآمرُ عليه ليلَ نهارَ، وتضعُ العصيَّ في دُولاب الثّورة من خلال المُساعدة المُباشرة في المُقاطعة، والحِصار الأمريكيّ الأورُبيّ الإسرائيليّ على الشَّعب الإيرانيّ المُسلم المُجاهد، ومن خلال تمويل، وتشجيع الرَّئيس العراقي / صدَّام حُسين على شنِّ حربٍ واسِعةٍ على الثّورة الإيرانيَّة الإسلاميَّة، وإلغاء الاتفاقيَّة الحُدُوديَّة المُوقَّعة بينَ جُمهُوريَّة العِراق، والإمبراطوريَّة الإيرانيَّة الشّاهنشاهية بقيادة ملك الملُوك مُحمَّد رضاء بهلوي، والمُوقَّعة عامَ 1975م في جُمهوريَّة الجزائر يومَذاك.
مازال التَّاريخُ حيَّاً ومكتوباً بأحرُفٍ من نُور العزَّة والكرامة، والشَّرف، حينَما اتّخذ الإمامُ آيةُ الله الخُميني قرارَه الشَّهير بقطع العلاقة الدُّبلوماسيَّة، والسِّياسيَّة، والاقتصاديَّة، والثقافيَّة مع كيان العدو الإسرائيليّ، وتحويل السَّفارة اليهُوديَّة الإسرائيليَّة إلى سفارة دُولة فلسطينَ، وحُضُور الرَّئيس الشَّهيد / ياسر عرفات – -رحمةُ الله عليه- يومَذاك لافتتاحها شخصيَّاً، وطرد السَّفير الأمريكيّ، واحتجاز مُوظّفي السَّفارة الأمريكيَّة في طهران لعددٍ من الأشهر، كُلُّ تلك المواقفِ الإسلاميَّة الشُّجاعة أقدم عليها ثُوَّارُ إيران الأحرار .
وبالمُناسبة هُنا للتذكير فحسب للقارئ اللبيب فإنَّه لم تُثَرْ قصَّةُ ونعرةُ الطّائفيَّة الدّينيَّة بينَ الطّائفتين المُسلمتين، وهُما الطّائفة المُسلمة السُّنيَّة الكريمة، والطّائفة المُسلمة الشّيعيَّة الكريمة ما قبلَ الثّورة الإيرانيَّة في زمن شاهنشاه إيران / مُحمَّد رضاء بهلوي، الحاكم المُطلق لإيران الشّيعيَّة، وحليف الصُّهيُونيَّة الإسرائيليَّة الأمريكيَّة، ولم تُثَرْ إلّا بعدَ الثّورة، حيثُ انبرتْ إعلامُ وأبواقُ الحركة الصُّهيُونيَّة، والبلدان الأورُبيَّة، والأمريكيَّة، وأبواق إعلام الصَّهاينة العرب من دُول الخليج، وأبواق حركة الإخوان المُسلمين، ومن في فَلَكهم، ودوائرهُمُ المسمُومة تحضُّ على الافتراق، والخِصام، وحتّى المُعاداة العلنيّة، والصَّريحة، تحتَ مُسميَّاتٍ ما أنزل اللهُ بها من سُلطانٍ؛ للضَّحِك والتّدليس، والمُغالطة على العَوام الدُّهماء من أقوام المُسلمين، وهُم كُثرٌ للأسف، واشترك في تلك الحَمْلَة الدّعائيَّة عُلماءُ دينٍ إسلاميين من الطّراز الرَّفيع، أمثال الشّيخ / عبدالمجيد الزّندانيّ من اليمن، والشّيخ / الدُّكتُور / عبدالله النفيسي من الكويت، والشَّيخ / سلمان العودة من السُّعُوديَّة، والشَّيخ / خيرت الشَّاطر، ومُحمَّد علي بشر من جُمهوريَّة مِصرَ العربيَّة، والدُّكتُور / الشَّيخ / حسن التُّرابي من السُّودان، والشَّيخ . علي صدر الدين البيانوني من الجُمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة، و و و.
إضافةً إلى الأبواق الإعلاميَّة الرَّسميَّة في الدُّول التي تنهجُ المذهبَ الإسلاميَّ السُّنيَّ للأسف، مع أنَّ ابسطَ وأصغرَ كاتبٍ أو كويتبٍ في صحيفةٍ مغمُورةٍ في بلدٍ معزُولٍ في هذا العالم يستطيعُ التَّمييز بسهُولةٍ ويُسرٍ، وأنَّ هذه الحملةَ الإعلاميَّة المسعُورة الرَّخيصة التي تستهدفُ جمهُوريَّة إيران الإسلامية، وثورتها الظّافرة، ماهي إلّا من صناعة المُخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة المُتصهينة، وحليفها الموساد اليهُودي، والحُكَّام العرب المُتصهينيين بطبيعة الحال.
ثالثاً :
تمَّ استدراجُ نظام الرَّئيس العِراقي / صدَّام حُسين لغزو، واحتلال إمارة الكويت، وهذا مُخالفٌ للعُرف الأخويّ، والمنطق، وحقّ الجِوار، والقانُون الدَّوليّ برُمَّته بطبيعة الحال، وهُنا حشدتْ دُويلاتُ مجلس التّعاون الخليجيّ مُعظمَ الدُّول الكُبرى، وموَّلتها بالمال والعَتاد، وحشدتْ لها العالمَ أجمعَ، وانقضُّوا على العِراق، ودمَّرُوه، وأعادُوه- كما يُشيرُ الخُبراءُ الاستراتيجيون- ثلاثين عاماً، وأزيدَ إلى الخلف، وفرضُوا عليه حِصاراً بريَّاً، وجويَّاً، وبحريَّاً حتّى تمّ افلاسُه، وتحوَّل الإنسانُ العِراقيُّ إلى إنسانٍ فقيرٍ مُعدَمٍ باع حتّى أثاثَ منزله الشّخصيّ؛ كي يعيشَ فحسب، ومن جرَّاء الحِصار الظّالم القاهر مات قُرابةُ مليونِ طفلٍ عراقيّ؛ بسبب الحِصار، ومات قُرابةُ مليون إنسانٍ بأسبابٍ مُختلفةٍ جرَّاءَ ذلك الحِصار الأمريكيّ الصُّهيُونيّ الجائر، وكان رأسَ الحربة في مُعاداة الشَّعب العِراقيّ الشّقيق، هي دول وممالك ومشيخات مجلس التَّعاون الخليجيّ .
وكُلنا يتذكّرُ ردَّ وزيرة خارجيَّة الولايات المتّحدة الأمريكيَّة المُتصهينة / (مادلين أولبرايت) حينَما سألها الصَّحفيُّون بالقول :إن حِصارَ الأمريكان للشَّعب العِراقيّ قد تسبَّب في وفاة مليونٍ ونصفِ المليون طفلٍ عراقيّ، هُنا ردَّتْ بوقاحةٍ مُفرَطَة : إن القضيَّة تستحقُّ الثّمن .
والعالمُ الُمنافقُ يشهدُ أنَّ التَّهمةَ الحُجَّة التي ساقتها دوائرُ الغرب الصُّهيُونيَّة، هي عبارةٌ عن أكذوبةٍ علنيَّةٍ ساذجةٍ بأنَّ العِراقَ يمتلكُ أسلحةً مُحرَّمةً أمريكيَّاً، لكنَّ السُّؤالَ الواضِح هو: ماذا كان دور الخلايجة العرب في تلك المؤامرة علي العِراق الشَّقيق ؟.
رابعاً :
جميعُنا سمع التَّصريحَ الشَّهيرَ المُتلفَزَ لوزير خارجيَّة حُكُومة قطر، ورئيس وزرائها الشَّيخ / حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، حينَما قال «شكلْنا غُرفةَ عمليَّاتٍ، ومقرُّها الأردن الهاشميَّة؛ من أجل إسقاط النَّظام الجُمهُوريّ في الجُمهوريَّة العربيَّة السُّوريّة- أي إسقاط نِظام الدُّكتُور / بشَّار الأسد»، وكانتْ غُرفةُ العمليَّات مُكوَّنةً من حُكُومة قطر، والمملكة السُّعُوديَّة، والمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة، وجُمهُوريَّة تُركيا الطّورانيَّة، وعرَّابة المُؤامرات العالميَّة، وهي الولاياتُ المُتحدةُ الأمريكيَّةُ المُتصهينَة.
قال الشَّيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني: لقد كان ملفُ إسقاط النّظام العربيّ السُّوريّ بأيدينا، هكذا صرَّح بالأمر بوضُوحٍ عجيبٍ ودُونَ أي خجلٍ، لا منَ الله ولا من رسُوله، ولا من المُؤمنين والمُسلمين جميعاً، أي ملف سُوريا بيد حُكومة قطر، وقد تمَّ صرفُ ما يقاربُ 150 مليارَ دُولارٍ؛ لتمويل الجماعات المُسلّحة التي استقدمُوها من أزيدَ من 77 دولةً وجنسيَّةً، وعِرقاً من حول العالم؛ لقتال النّظام العربيّ السُّوريّ المُقاوم للعدو الصُّهيُونيّ .
وقال الشَّيخُ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وفي أحد اجتماعات الدُّول الخمس في إطار الغُرفة المُقامة؛ لغرض إسقاط النّظام السُّوريّ، احتجَّ الأميرُ الملكيُّ السُّعُوديُّ بندر بن سُلطان آل سُعُود في أن يكُونَ الملفُ بيد قطر، وقال: السُّعُوديَّةُ أولى بهذا الملف المُهمّ بشرط أن تسلُمُوني ترليوني دُولار، وأنا سأسقطُ النّظامَ في غُضُون أشهرٍ، وهُنا انسحبتْ قطر من اللجنة الخُماسية، وعملتْ بمُفردها، وبتنسيقٍ مع الحُكُومة التُّركيَّة في تمويل الجماعات الارهابيَّة من قِطعان تنظيم القاعدة، وداعش، وغيرهم من الإرهابيين، وكان المدعُوُّ أبو مُحمَّد الجولاني الذي تحوَّل اسمُه إلى أحمد الشَّرع الذي قاد الجماعاتِ الإرهابية حتّى أسقط النّظامَ العربيَّ السُّوريَّ، وعاصمتُه دمشقُ بتنسيقٍ تامٍّ مع الحُكُومة التّركيَّة، بأجهزتها الاستخباراتيَّة، والأمنيَّة، وأموالِ دولةِ إمارة قطر، مع مُرافقةٍ إعلاميَّةٍ صاخِبةٍ لشبكة قناة الجزيرة القطريَّة.
خامساً :
كُلّنا يتذكَّرُ أنَّ دُولَ مجلس التَّعاون الخليجيّ، وتحديداً السُّعُوديَّةَ، وقطرَ، والإماراتِ المُتحدةَ، والبحرين عملوا بشكلٍ تضامُنيٍّ فيما بينَهُم؛ من أجل التَّآمُر، والتَّخطيط لإسقاط النّظام العربيّ الليبيّ، وقائده الشَّهيد /مُعمَّر القذافيّ، النّظام المُعادِي للكيان الصُّهيُونيّ الإسرائيليّ، وتمَّ حشدُ الأموال، والإعلام، والأسلحة الخليجيَّة؛ من أجل تدمير، وإسقاط النّظام العربيّ الليبيّ، كما أنَّ الخليجيين دعَوا قُوَّاتِ حلف شمال الأطلسيّ المُعادِي للشّعُوب التّحرُّريَّة، وحُريَّاتها للاشتراك في قصف، وتدمير المُدُن، والمُعسكرات الليبيَّة، وبُناها التَّحتيَّة وصُولاً إلى إلقاء القبض عسكريَّاً على الزَّعيم الشَّهيد / مُعمَّر القذافيّ، وقتله بطريقةٍ لا تُوصفُ سوى بالوحشيَّة الهمجيَّة، وغير الأخلاقيَّة.
ولعب المالُ، والإعلامُ الخليجيُّ – المهووسُ بالعَظَمة الصَّحراويَّة البَدَويَّة الفاجِرة – دوراً في تخريب وتدمير مُقدَّرات الشَّعب العربيّ الليبيّ، كما قامُوا بدَورٍ محوريّ في تقسيم ليبيا سياسيَّاً، وجُغرافيَّاً حتَّى يومنا هذا.
سادساً :
لعبتْ إمارةُ قطر، والحُكُومةُ التَّركيَّةُ العُثمانيَّة، وعصاباتُ جماعات الإخوان المُسلمين المُسلّحة، وسمُومُ قنوات الجزيرة القطريّة دوراً محوريَّاً خطيراً لتخريب دولةٍ عربيَّةٍ محوريَّةٍ عظيمةٍ، هي جُمهُوريَّة مِصرَ العربيَّة، وعملوا على تدمير المُؤسَّسات الأمنيَّة، والعسكريَّة، والمدنيَّة التي كانتْ هي الضَّامنةَ لأمن، وسلامة، وعصرنَة مُؤسَّسات جُمهُوريَّة مِصرَ العربيَّة، وامتداداً لدور مِصرَ بمُؤسَّساتها التَّاريخيَّة الكبيرة، عملوا كُلَّ ذلك من أجل أن تخدمَ دولةَ الكيان اليهُودي الإسرائيليّ الصُّهيُونيّ، وخدمةً للمشاريع الصُّهيُونيَّة العالميَّة.
ولولا التَّدخُّلُ العسكريُّ الحاسِمُ للجيش المِصريّ البطل، وفي اللحظات التَّاريخيَّة الحاسِمة، وإعادة البوصلة إلى اتّجاهها العُرُوبيّ الحقّ، لقُلنا إنَّ مِصرَ العُرُوبيَّة العُظمى قد ضاعتْ إلى الأبد.
سابعاً :
شنَّتِ السُّعُوديَّةُ، وحليفاتُها المشيخاتُ الخليجيَّة، أو الخلايجيَّة ( الخمسُ دُول الخلايجيَّة ) باستثناء الشَّقيقة سلطنة عُمان، شنَّتْ عُدوانَها الوحشيَّ والهمجيَّ على الجُمهُوريَّة اليمنيَّة، وعاصمتُها صنعاء، ولم تكتفِ بجيوشها الجرَّارة، وأسلحتها الفتَّاكة في هذا العدوان غير الأخلاقيّ، وغير الإنسانيّ، بل إنَّها استعانتْ بوحداتٍ عسكريَّةٍ من الجيش السُّودانيّ ( الشّقيق )، وتحديداً من عصابات الجنجويد السُّودانيَّة، في زمن الرَّئيس / الإخونجي / عُمر أحمد البشير، كما دعَوا عصاباتٍ أمنيَّةً أمريكيَّةً من مُجرمِي “البلاك ووتر”، وغيرها من العِصابات الأمنيَّة المُجرمة، كما أرادُوا توريطَ الحُكُومةَ الباكستانيَّة، وجيشها المُسلم في الاعتداء على اليمن، ولحُسن الحظّ فقد اعترض البرلمانُ الباكستانيُّ على المُشاركة في العُدوان.
لكن قبلَ العُدوان، وتحديداً فيما كان تُسمَّى ثوراتِ الرَّبيع العربيّ «العبري» صرفتْ حُكومةُ إمارة قطر المليارات العديدة من الدّولارات التي لم تُعَدْ، ولا تحصى لثوَّار عِصابات الإخوان المُسلمين في اليمن، ومَن لفَّ لفَّهُم من المُرتزقة، والمُنتفعين، وقائد ثورتهُمُ اللواء العجُوز / علي مُحسن الأحمر السّنحاني الذي بدوره قاد الانشقاقَ في الجيش اليمنيّ لمصلحة المُتمرّدين في ساحة التّغرير ( ساحة جامعة صنعاء )، وقبض مُقابلَ ذلك الانشقاق ملياراتِ الدُّولارات الأمريكيَّة، والوثائقُ الدَّامغةُ تُظهِرُ ذلك .
أمَّا حُكومةُ الإمارات العربيَّة المُتحدة هي الأخرى صرفتْ ملياراتِ الدُّولارات للعِصابات الانفصاليَّة في جنُوب الوطنّ، وكذلك لتمويل مُقاتلي تنظيمي القاعدة وداعش في حضرمُوت، وشبوة، وأبين، كما أسَّست وحداتٍ عسكريَّةً وأمنيَّةً، واسمُوها حُرَّاس الجُمهُوريَّة، الحزامَ الأمني، قُوَّات النّخبة الشّبوانيَّة، والحضرميَّة، والسُّقطريَّة، حُرَّاس الوطن، ودرع الوطن، وكُلّها عبارةٌ عن عِصاباتٍ مُسلّحةٍ؛ لنهب المُواطن اليمنيّ، وقتل أحراره الشّرفاء.
لقد عبث ( الأشقّاءُ ) الخلايجةُ غيرُ الأسوياء بالمُطلق، وطيلةَ عشر سنواتٍ عِجافٍ، أذاقوا فيها المُواطنَ اليمنيَّ صغيرَه، وكبيرَه، وشيخه مُرَّ العذاب، وعلقم القهر الإنسانيّ، وتعاملُوا مع شعبنا اليمنيّ الكريم بشيءٍ منَ الدُّونيَّة حدَّ الاحتقار، وباستخفاٍف فظيعٍ، رُبَّما لن نجدَ له مثيلاً بينَ الأعداء، فكيف بالأشقَّاء، واستهانُوا كثيراً بكرامة الإنسان اليمنيّ على طول اليمن وعرضها، وعبثُوا عبثاً لا يُوصفُ بحياتهمُ المعيشيَّة، والأمنيَّة، والصِّحيَّة، والثقافيَّة والاجتماعيَّة، وغيرها.
ذلك الاستخفافُ بكرامة الإنسان اليمنيّ جاء نِتاجَ تصرُّفاتٍ، وسُلُوكيَّاتِ حفنةٍ تافهةٍ، ورخيصةٍ من المُرتزقة اليمنيين، ومن خَوَنة اليمن الذين هرعُوا إلى الرّياض، وأبو ظبي، والدَّوحة، ودبي، وإسطنبول، وهُمُ الخَوَنةُ اليمنيُّون الذين فضَّلُوا الانبطاحَ، والارتماءَ في أحضان حُكَّام آلِ سُعُود، وآل نهيان، وآل ثاني.
ملحُوظة مهمَّة قبلَ الخُلاصة :
كيف يُفكِّرُ هؤلاءِ المُلوكُ والمشائخُ والأمراءُ وأعوانُهُم من أعداء اليمن العظيم، الذين استلذوا واستمتعُوا طيلةَ عشر سنواتٍ بقتل أبناء الشَّعب اليمنيّ وفي ممارسة التعذيب والتجويع والتَّنكيل بالمُواطنين اليمنيين الكِرام؟
كيف يهنأون بأطايب وملذات الحياة في معيشتهم ورغدهم، وهُم يُشاهدُون كُلَّ ذلك الذي صنعُوه عنوةً بهذا الشَّعب اليمنيّ العربيّ الكريم ؟
كيف يتسامرُ هؤلاءِ الأمراءُ والشّيوخ وجلساؤهُم، وهُم يصنعُون – بإتقانٍ شديدٍ – ذلك الحقدَ والكراهيةَ في عُقول وقُلُوب اليمنيين الذين تجرَّعُوا ويلاتِ المأساة طيلةَ عشرِ سنواتٍ؟
هُم يعلمُون وعُقلاؤهم أيضاً يعلمُون أنَّ الضَّيمَ والقهرَ الذي لحق بالمُواطن اليمنيّ حتماً لن ينساه، وسيُلاحقُ بالقانُون الوضعي والقانون الإلهي هؤلاءِ الظلمة ُالفَجَرَةُ المُجرمين، من اليوم حتى يوم القيامة بعون الله وصبر الأوفياء ! ! !
الخُلاصة :
إنَّ عشرَ سنواتٍ عُدوان، وحِصار، وتجويع، ونشر أمراضِ الدُّنيا في أوساط الشّعب اليمنيّ، وعمل كُلَّ ذلك الإجرام غير المُبرَّر بحقّ شعبٍ عزيزٍ كريمٍ سيُخلّفُ ويولّدُ لكُم أيُّها الحُكَّامُ الخلايجةُ المستبدين عواقبَ وخيمةً ستندمُون عليها أجيالاً وأجيالاً، وأنَّ التَّسامُحَ والكرمَ الأخويَّ اليمنيَّ الذي تعودتمُوه من اليمنيين الطّيبين بعدَ كُلِّ هذه الفترة من العُدوان، والصَّلَف والعنجهيَّة المَقيتة، لم يَعُدْ مُتاحاً على الإطلاق في تقديري، وسيحاسبُ هذا الشَّعبُ اليمنيُّ الأصيلُّ كُلَّ مَن عمل على قتله، وحِصاره، وتجويعه، وتدميره، وسيلاحِقُ بالقانُون الخَوَنةَ والمُرتزقةَ من اليمنيين وسيحاكمُهُم على خيانتِهُمُ لليمنَ العظيمَ.
“وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٌ”
عُضو المجلس السِّياسيّ الأعلى