ملوك مصر| «مرنبتاح».. الأمير الـ 13
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
كان ترتيب الأمير «مرنبتاح» هو الثالث عشر، وفقا للقوائم التي تركها «رمسيس الثاني» بأسماء أولاده الذكور؛ وأمه هي الملكة «است نفرت»، وقد اختاره والده ولي عهد لعرش بلاده في السنة الخامسة والخمسين من حكمه، وذلك بعد موت الأمير «خعمواست»، الذي ظل وليًّا لعهد المملكة المصرية مدَّة طويلة.
وحسب ما ذكرت «موسوعة مصر القديمة» في الجزء السابع، الذي حمل عنوان «عصر أسرة مرنبتاح ورمسيس الثالث ولمحة في تاريخ لوبية»، فقد وصل «مرنبتاح» إلى مرتبة الكاهن الأعظم للإله «بتاح» -الكاهن سم- وكان يقوم بالمراسيم الدينية في جبانة «السرابيوم» «بسقارة» للعجل أبيس؛ وقد وجد اسمه على آثار «تل بسطة» و«تانيس» و«هليوبوليس».
وتشير بعض النقوش إلى السنوات الأخيرة من عهد «رمسيس الثاني» عندما كان طاعنًا في السن، وهو العهد الذي تولى فيه ابنه الثالث عشر «مرنبتاح» القيادة العليا لجيش الملك بعد موت إخوته الاثني عشر الذين كانوا أكبر منه سنًّا، حيث أن الملك «رمسيس الثاني» بعد حروبه التي شنها في النصف الأوَّل من حكمه، جنح للسلم وأخذ يحكم البلاد في هدوء مستمر أربعين عامًا تقريبًا. ورأى الأثري الراحل سليم حسن أنه في شيخوخته قد اعتزل كل سياسة تؤدِّي إلى الحرب، وترك أمر حراسة حدود إمبراطوريته لابنه.
تقول الموسوعة: استولى «مرنبتاح» على كل السلطات التي كانت في يده عندما كان وليًّا للعهد، ولما حضرت والده الوفاة لم يكن فتيًّا بعد، إذ يُحتمل أنه كان قد وُلد حين كان أبوه في السادسة والعشرين من عمره، وهي السنة الثامنة من سني حكمه على وجه التقريب، ولم يتولَّ «مرنبتاح» عرش الملك إلا وهو في نحو الستين من عمره، وليس لدينا ما يدل على أنه كان مشتركًا مع والده في الملك كما اشترك «رمسيس الثاني» مع والده «سيتي الأوَّل».
وتضيف: آخر أثر لدينا من عهد مؤرخ بالسنة الثامنة من سني حكمه. بيد أن «مانيتون»، على حسب ما نقله عنه «يوسفس»، يقدِّر سني حكمه بتسعة عشر عامًا وستة أشهر؛ أو بعشرين عامًا على حسب قول «أفريكانوس»، ولا بد لنا من أن نقبل هذا التقدير مؤقتًا بشيء من التحفظ حتى تنكشف الحقيقة عن مدة حكمه بما تجود به الآثار الدفينة في تربة مصر، ومن ثم نرى أن ملكًا طاعنًا في السنِّ قد خلفه آخر بلغ أرذل العمر، والبلاد في هذه الفترة بالذات في حاجة شديدة إلى ملك فتيٍّ ينهض بها، ويدافع عن حدودها المعرضة للخطر، والخطر في هذه المرة بخاصة لم يكن من ناحية آسيا كما اعتاد القوم، بل كان من ناحيتي بلاد «لوبيا» وأقوام البحر؛ لأن العلاقات التي كانت بين الملك وممتلكاته وقتئذ في «سوريا» كانت على غاية من الود والصفاء كما يبدو، ولا أدل على ذلك من أن الملك قد أرسل الغلال لحليفته «خيتا» في أثناء القحط الذي اجتاح «سوريا».
وتدل شواهد الأحوال على أن الأمور في مصر نفسها بعد تولية «مرنبتاح» كانت هادئة. ففي سني حكمه الأولى قد وجه اهتمامه إلى توطيد النظام في ممتلكاته الآسيوية؛ إذ كانت الأحوال قد اضطربت بعض الشيء على أثر التغيير الذي حدث في عرش الملك، وكما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات بقيام الأمراء المحليين ببعض الثورات.
وقد استند في هذه المزاعم على ما جاء في الجزء الأخير من قصيدة النصر التي أُلفت بمناسبة انتصاره على اللوبيين والتي أُرخت بتاريخ يوم الانتصار على اللوبيين وهو اليوم الثالث من الشهر الحادي عشر من السنة الخامسة، ولكنها أُلفت بطبيعة الحال فيما بعد.
ويرجح سليم حسن أن الحوادث التي ذُكرت في هذه القصيدة قد حدثت في زمن قبل زمن تاريخ اللوحة «وإذا كانت قد وقعت واقعة بعد انتصاره على اللوبيين لفصل لنا القول فيها كما هي العادة. أما قول «برستد» على حسب ما جاء في يوميات موظف حدود مؤرخة بالسنة الثالثة من حكم هذا الملك:١٣ إن الملك كان في ذلك الوقت في «فلسطين».
هذه القصيدة منقوشة على لوحة تذكارية من الجرانيت الأسود، وقد أُقيمت في معبد الملك الجنازي، وكذلك على لوحة في معبد «الكرنك» كما يُستدل على ذلك بقطعة وُجدت هناك، وقد كانت بلا شك قصيدة ذات أهمية كبرى لدى الملك، وهي في مجموعها فخار بالنصر العظيم الذي أحرزه الملك على اللوبيين في السنة الخامسة من حكمه 1230ق.م، وبه نجت مصر من خطر عظيم.
والقصيدة تزخر بالاستعارات والتشبيهات المختارة مما أسبغ عليها صورة أدبية، وقد وصف فيها الشاعر هزيمة الأعداء بمهارة تدعو إلى الدهشة فكأنها صورة رسمها المثَّال أمامنا غير أن هذه صورة ناطقة، يُضاف إلى ذلك أن الشاعر وسط هذه المدائح وتلك الأعمال الجسام التي قام بها «مرنبتاح» للذود عن حياض بلاده وتخليصها من غارات «اللوبيين» وكسر شوكتهم لم يَفُتْهُ أن وصف الملك بالاستقامة والعدل، فهو يعطي كل ذي حق حقه، فالثروة تتدفق على الرجل الصالح، أما المجرم فلن يتمتع بغنيمة ما، وما أحرزه الإنسان من ثروة أتت عن طريق غير مشروع تقع في يد غيره لا في يد أطفاله.
ووصف الشاعر السلام والطمأنينة والرخاء التي سادت البلاد بعد هذا الانتصار بصورة هي المثل الأعلى لما يتطلبه الإنسان في الحياة الدنيا، فحتى الحيوان قد تُرك جائلًا بدون راعٍ، في حين أن أصحابهم يروحون ويغدون مغنين، وليس هناك صياح قوم متوجعين. ولا شك في أن هذا هو عين السلام الذي يتطلبه الإنسان في كل زمانٍ ومكان. وفي ختام هذه القصيدة يعدد الشاعر القبائل أو الأقاليم التي أخضعها «مرنبتاح».
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصر ملوك مصر رمسيس الثاني رمسیس الثانی فی هذه
إقرأ أيضاً:
(فؤادنا) الذي رحل
حينما كنت طالبا في الثانوية العامة بمدينة تعز، كان هناك شاب يكتب الشعر ويلقيه في المناسبات الوطنية او المساندة لقضيتنا العربية فلسطين، وكان الكثيرين يتحدثون عن فؤاد مطر الذي شعره لا يختلف كثيرا عن شعر الغاضب العربي احمد مطر..
لم اعرفه بشكل مباشر، حتى انتهيت من دراستي في إعلام جامعة صنعاء وبدأت العمل الصحفي، عرفته على المنابر في صنعاء شاعرا في الفعاليات وسمعت عنه خطيبا مفوها في جامع بجنوب العاصمة صنعاء، وتعرفت عليه أكثر في مؤتمرات الإصلاح العامة حيث كان يلقي أشعارا تحظى بتصفيق من قبل الحاضرين في الجلسات الافتتاحية لتلك المؤتمرات الإصلاحية.
لم يقف الأمر عند ذلك، لكن سمعت عن ذات الشاب الشاعر والخطيب المفوه انه ناشط مجتمعي ويقدم الخدمات لشباب وناس الحي الذي يسكن فيه، الي ان تعرفت عليه في صحيفة الصحوة بعدما تعرض له من اعتقال من قبل السلطات الأمنية بسبب خطبه الغاضبة من الأوضاع المتردية، وكان الكثير من الأصدقاء يحدثونني عن خطبه التي يتوافدون لحضورها في جامعه من مختلف مناطق العاصمة صنعاء.
كان الجميع قد تعودوا على قصائده الجميلة التي يلقيها في افتتاح مؤتمرات الإصلاح العامة، وحتى كان حضوره وطنيا في خطبه وشعره في ٢٠١١ من على منبر ساحة التغيير في الستين، كان الكثيرين يحرصوا على الحضور لسببين حماسهم لثورة ١١ فبراير وتأييدها وأيضا للاستماع لعدد من الخطباء الذين يعبرون عن مطالبهم وفي مقدمتهم فؤادنا الجميل ذو الجسم النحيل والكلام العذب واستخدام فنون اللغة الجميلة الفارس في محرابها.
خلالها ألتقينا لقاءات معدودة في أماكن عدة حتى كان آخر لقاء لي به في مدرسة نعمة رسام عام ٢٠١٥ حينما كنت ناطقا للمقاومة الشعبية بمدينة تعز، لم يزد الأمر على المشاركة في الحديث للصحفيين برفقة الشيخ حمود المخلافي والشهيد ضياء الحق الاهدل، وانقطعنا عن بعض باستثناء تواصل محدود عبر الفيسبوك وحينها وصلتني اخباره عن مرضه وخضوعه لعملية زراعة كلى، حتى كان تواصلي الأخير به تلفونيا وهو في تعز لأجل خدمة لصديق ولم يخذلني فيها بالتواصل معه والسعي لخدمته، وحينما زرت تركيا مؤخرا كنت عازم على التواصل معه واللقاء به فإذا بي اسمع بالصدفة انه تم نقله إلى القاهرة وحالته خطيرة.
كان فؤاد نموذجا للشاب الثائر والإصلاحي المنفتح على مختلف شركاء العمل السياسي كانت بوصلته موجهة نحو الظلم والفساد والفشل ايا كان نوعه ويخاصم سياسيا بأخلاق وقيم قل ان تجدها لدى فرقاء العمل السياسي، لم يقل كلاما جارحا في حق أيا من خصومه ولكنه انتقد وعارض وفق قواعد الديمقراطية المتعارف عليها.
كان فؤاد الحميري مربيا فاضلا وعرفت ذلك من خلال الشباب الذين تعلقوا به وتعلموا على يديه وداعية وسطي وخطيبا غير تقليدي يطوع اللغة الجميلة لإيصال رسالته الوعظية ومقارعة الظلم الجبروت وثائرا يعبر عن ملايين اليمنيين وخاصة شريحة الشباب وشاعرا مفوها كتب قصائده القصيرة والطويلة لأجل القضية التي حملها في وطنه اليمني وامته العربية والإسلامية.
حالة الحزن التي طفت علي سطح الوسائط الاجتماعية تؤكد ان فؤاد الحميري لم يكن صوت معبر عن نفسه وحتى حزبه ولكنه يعبر عن اوجاع وآلام وطموحات واحلام اليمنيين، رحمة الله تغشاه واسكنه فسيح جناته وتعازينا لكافة أسرته واحبائه ومحبيه داخل الوطن اليمني وخارجه.