جوليان أوبير يكتب: ناجورنو كاراباخ نهاية القصة وصحوة التاريخ!
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
الأمم المتحدة فى غيبوبة.. ما فائدة إرسال بعثة لحماية شعب تم طرده بالفعل من وطنه؟
فى غضون أيام قليلة، انهارت جمهورية ناجورنو كاراباخ الانفصالية وسحقتها جيوش أذربيجان. وبتفكك أوصال هذه المقاطعة المتمردة ضد باكو أُغلق فصلًا من كتاب فتح منذ أكثر من قرن من الزمان. كان هذا الجيب الجبلى هو مهد الحضارة الأرمنية ويسكنه ٩٥٪ من الأرمن وقد قامت القوة السوفيتية بضمه فى عام ١٩٢١ إلى الأراضى الأذربيجانية لكنه تمكن من انتزاع شكل من أشكال الحكم الذاتى ومع سقوط الاتحاد السوفيتي أعلنت استقلالها من جانب واحد خوفًا من فقدان نفوذها داخل جمهورية أذربيجان الجديدة.
تم محوها من الخريطة فى أيام قليلة الأمر الذى أدى إلى إلقاء ما يقرب من ١٠٠ ألف أرمنى من ناجورنو كاراباخ نازحين إلى أرمينيا. ولم تحاول يريفان منع باكو من وضع يديها على الإقليم الذى أصيب بصدمة من الضرب العسكرى الذى تعرض له فى عام ٢٠٢٠. وقد تعافت أذربيجان التى هُزمت عسكريًا فى عام ١٩٩٤. وبمساعدة تركيا ومن خلال بيع المواد الهيدروكربونية استطاعت باكو استغلال هذه الميزة وحصلت من يريفان التى تخلى عنها الروس على الاعتراف بضم ناجورنو كاراباخ إلى أذربيجان فى مايو الماضى وقد انتهى الأمر بأرمينيا إلى الخوف على سلامة أراضيها بعد أن احتلت الجيوش الأذربيجانية ١٥٠ كيلومترًا من الأراضى الأرمنية بعد عام ٢٠٢١.
وعلى هذا، فإن انتصار باكو السياسى والعسكرى ليس بالأمر المفاجئ إذ إنه يعكس ضعف أرمينيا التى اعتمدت على روسيا لضمان الوضع الراهن الإقليمى ثم سعت إلى الحصول على دعم آخر من الغرب الأمر الذى أغضب بوتين. لقد كان النصر حليف المعسكر الأكثر تصميما والأفضل تجهيزًا ألا وهو معسكر الأتراك والأذريين فى مواجهة جُبن الغربيين.
فإن السهولة التى تمكنت بها باكو من حل المشكلة الإقليمية لتنبئ بحالة التدهور التى تعانى منها منظمة الأمم المتحدة.
لقد غاب دور الأمم المتحدة أثناء غزو أوكرانيا الذى هو انتهاك واضح للقانون الدولى قامت به روسيا مما اضطر الجمعية العامة إلى تجاوز مجلس الأمن العاجز. وهكذا تم تطبيق قرار أتشيسون (٣٧٧/v المعروف بالاتحاد من أجل صون السلام) مما جعل من الممكن تعبئة الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة موضوع يخص السلام. فى ٢ مارس ٢٠٢٢ وبعد مرور أكثر من أسبوع على اندلاع الأعمال العدائية اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بأغلبية ١٤١ صوتًا مقابل ٥ أصوات وامتناع ٣٥ عن التصويت يصف غزو أوكرانيا بالعدوان ويدعو روسيا إلى إنهاء تدخلها العسكرى فورًا. ورغم أن هذا اللجوء إلى الجمعية العامة وهى المرة الأولى من نوعها بالنسبة للأمم المتحدة منذ أربعين عامًا رغم أنها أمر يدعو إلى الفخر إلا انها لا تخلو من خطابية وشكليه إلى حد كبير. إذ لم تتابع الأمم المتحدة قرارها من خلال اتخاذ قرار بفرض عقوبات أو حتى توصية الدول الأعضاء بفرض هذه العقوبات ولا شك أن الإجماع الدولى كان مع هذا التخاذل.
وفيما يخص قضية ناجورنو كاراباخ، فإن المشكلة القانونية أكثر تعقيدا بسبب التعارض بين معيارين قانونيين: مبدأ حق الشعوب فى تقرير المصير ومبدأ السلامة الإقليمية.
ولم تقم الأمم المتحدة دائمًا بوزن هذين المطلبين بنفس المعيار: فقد حررت كوسوفو التى هى مهد الشعب الصربى ولكن أغلب سكانها من الألبان حررت نفسها من صربيا وأعلنت استقلالها فى عام ٢٠٠٨. وإذا كانت الأمم المتحدة لم تعترف بكوسوفو كدولة داخل حدودها فإن محكمة العدل الدولية أصدرت فى يوليو ٢٠١٠ فتوى تؤكد إعلان استقلال كوسوفو اتفاقا مع القانون الدولى بينما لم يتم اتخاذ أى إجراء لضمان سلامة أراضى صربيا وعلى العكس من ذلك أدانت الأمم المتحدة بموجب القرار ٦٨/٢٦٢ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٧ مارس ٢٠١٤ صحة الاستفتاء الذى أجرى فى مارس ٢٠١٤ فى جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتى وفى سيفاستوبول مع الأخذ فى الاعتبار عدم اعتراف أوكرانيا بشرعيتها رغم أن هذه المقاطعة يسكنها الروس بشكل رئيسي.
وبذلك فليس من السهل أن نقرر من هو على حق فيما يخص مشكلة ناجورنو كاراباخ. وبالفعل وقع الهجوم الأذربيجانى فى ١٩ سبتمبر ٢٠٢٣، وهو نفس اليوم الذى بدأت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشتها العامة السنوية الرفيعة المستوى والتى ركزت فيها على أهداف التنمية المستدامة لصالح السلام والازدهار والتقدم والاستدامة!
ورغم احتجاجات الغرب لم يحدث شيء على الإطلاق: فقد دعا مجلس الأمن إلى وضع حد للعنف لكنه لم يعتمد أى تدابير قسرية (الفصل السابع) او غير قسرية (الفصل السادس).
وقد تحدث بعض المسئولين الدوليين أو الأرمن عن الإبادة الجماعية واصفين ما يحدث اليوم بأرمينيا هو فى الواقع مجرد بقايا من أرمينيا الكبرى. وفى وقت الإبادة الجماعية عام ١٩١٥ تم تقسيمها إلى كيانين: الثلثين فى الإمبراطورية العثمانية تحت اسم أرمينيا الغربية، والثلث فى الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية الفارسية، أرمينيا الشرقية. لقد تم استئصال الجزء الأول وما بقى وهو أرمينيا الشرقية مهدد بالانقراض الثقافى والسياسي. فهم يرون هذا على أنه استمرار للإبادة الجماعية التى بدأت فى القرن العشرين.
سأكون أكثر دقة لأننى أتحفظ عند استخدام أيه كلمة وأدرك العواقب القانونية التى تحملها. ودون إنكار المعاناة التى لحقت بالأرمن لم تقم الدولة الأذربيجانية بتنفيذ التخطيط المرسوم للسكان الأرمن فى كاراباخ. ومع ذلك فمن خلال طرد كل هؤلاء السكان فإننا نشهد تطهيرًا ثقافيًا وسياسيًا فعليًا كما أن بعض الأفعال المرتكبة مثل إغلاق الممر الذى يربط ناجورنو كاراباخ بأرمينيا أو إستمرار جرائم الحرب من شأنها أن تحث العالم للتحرك لمنع وقوع مأساة ثانية فى أرمينيا.
وبدلًا من ذلك فقد كان رد فعل الأمم المتحدة التى أرسلت بعثة إلى هناك متأخرًا جدًا. ما الفائدة من المجيء لحماية شعب طرد بالفعل من وطنه؟ ومن الجدير بالملاحظة أنه على الرغم من أن الصراع الأذربيجانى الأرمنى الأخير يعود إلى عام ٢٠٢٠ فإن الأمم المتحدة لم تتحرك قط بنشر قوة لحفظ السلام هناك. بل على العكس من ذلك فضلت خصخصة السلام بتكليف روسيا المسؤولة عن وقف إطلاق النار فى عام ٢٠٢٠، بمهمة نشر فرقة من قوات حفظ السلام الروسية. وكان هذا خطأ كبيرًا لأن روسيا ليست محايدة فى اللعبة الإقليمية كما أنها متقلبة فى مسألة القانون.
لقد انتهى العصر الذى افتتح بحرب الخليج وعصر انتصار ميثاق سان فرانسيسكو فى أوكرانيا.. إن صفحة التدخلات الإنسانية الكبرى التى بدأت فى لبنان أو فلسطين قد أغلق اليوم تمامًا بسلبية عالمية بشأن ناجورنو كاراباخ الأمر الذى يعكس غيبوبة الأمم المتحدة شأنها فى ذلك شان فى ذلك عصبة الأمم من قبلها ولكن السبب أعمق: فالقواعد العالمية للعبة والتى صاغتها الدبلوماسية الغربية تتنافس عليها كل الأطراف من خلال علاقات القوة الجديدة.
لقد تحدث فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ بحرف الـ H الكبير فى عام ١٩٩٢. وها هو التاريخ يبدأ من جديد ولكن بشكل مأساوي.
جوليان أوبير: سياسى فرنسى.. انتخب نائبًا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017.. ولم يوفق فى انتخابات 2022.. وهو حاليًا نائب رئيس الحزب الجمهورى ورئيس الحركة الشعبية «أوزيه لافرانس».. يقدم، فى مقاله، تحليلًا متكاملًا حول أزمة ناجورنو كاراباخ وما يواجهه شعبها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ناجورنو كاراباخ جوليان أوبير الجمعیة العامة للأمم المتحدة ناجورنو کاراباخ الأمم المتحدة عام ٢٠٢٠ من خلال فى عام
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: 51 مليون طن من الركام مخلفات حرب إسرائيل على غزة
كشف أحدث تقرير للأمم المتحدة حول تقييم الأضرار التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على غزة لمدة 15 شهرا متواصلة، عن أن الحرب خلفت مستوى غير مسبوق من الدمار حيث تشير التقديرات إلى أن كمية الركام الناجم عن التدمير للمباني والبنية الأساسية، تبلغ 51 مليون طن، كما دمر أكثر من 60% من المنازل ــ أي ما يعادل نحو 292 ألف منزل ــ و65% من الطرق، في مختلف أنحاء القطاع الذي تبلغ مساحته نحو 360 كيلومترا مربعا.
ونقل مركز إعلام الأمم المتحدة عن الممثلة الخاصة للمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمساعدة الشعب الفلسطيني سارة بوول تأكيدها أنه من أجل معالجة موضوع إزالة الركام، وبالتعاون مع وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، يشارك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في قيادة المجموعة الفنية العاملة لإدارة إزالة الركام في غزة.
وقالت "بوول" إن هذه فرصة مهمة لجمع نحو 20 كيانا، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، للعمل معا لجمع الخبرة الفنية والدروس المستفادة من تجارب مختلفة حول العالم فيما يتعلق بإزالة الركام والأنقاض، والمعلومات والمعرفة التي نحتاجها لتطوير خطة منسقة جيدا لمعالجة الاحتياجات الضخمة.
وأشارت إلى عدد من القضايا الحرجة التي يحتاجون إلى أخذها في الاعتبار أثناء التخطيط لإدارة إزالة الركام وتنفيذ الأعمال المتعلقة به، بما فيها الذخائر غير المنفجرة، والمواد الخطرة، والجثث المدفونة تحت الأنقاض، والتلوث، والحفاظ على التراث الثقافي، فضلا عن القضايا المتعلقة بالإسكان وحقوق الأراضي والممتلكات.. ويستفيد موظفو الأمم المتحدة من تجارب مماثلة في الموصل بالعراق ومدينتي حلب واللاذقية السوريتين، التي ألحقت الحروب دمارا كبيرا بها.
ووصفت "بوول"، قضية ملكية الأراضي والممتلكات بأنها "معقدة للغاية".. وقالت: "يمكننا التخطيط بفعالية لمعالجة حقوق الإسكان وملكية الأراضي، من خلال الاستعانة بخبرات مختلفة في منظومة الأمم المتحدة.. نعلم أن هذا يتطلب خبرة فنية وإرشادات قانونية لضمان حصولنا على حلول شفافة وعادلة لحيازة الأراضي تتعلق بالأرض وحقوق الملكية".
وأشارت إلى أنهم يتعاونون مع شركاء مختلفين في هذا المجال يعملون على بعض الجوانب القانونية الأكثر ارتباطا، بما فيها السلطات الوطنية، والمؤسسات القانونية، والجهات الفاعلة الإنسانية، للتمكن من التعامل مع بعض هذه القضايا المعقدة حول حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات.
ولفتت إلى أنه من بين الجوانب الرئيسية التي تم تحديدها - على سبيل المثال - فقدان الوثائق، حيث فقد العديد من ملاك الأراضي صكوك الملكية وكذلك سجلات الميراث والعقود القانونية.. وأضافت: "كل هذا يعقد عملية التحقق من المالك والتي ستكون جزءا كبيرا من هذا الجهد حول حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات".
ومن جانبه، أقر مدير شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة "أمجد الشوا"، بما تمثله مشكلة الركام من تحد كبير أمام كل الفاعلين، وكل المؤسسات والوكالات المحلية والدولية.. وهذا يحتاج إلى وقت طويل وإمكانيات كبيرة جدا لا تتوفر في قطاع غزة، وكذلك آلية التخلص من هذا الركام.
وأشار "الشوا" إلى صعوبة التخلص من مخلفات الحرب في ظل مساحة قطاع غزة الصغير، وشدد على أن هناك حاجة إلى خطة متكاملة للتعامل مع موضوع الركام، وأيضا لضمان حقوق الناس.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قد قال في تقريره حول وقف إطلاق النار في غزة الذي قدمه إلى الجمعية العامة نهاية يناير 2025، إن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المادية نتيجة للصراع في الأرض الفلسطينية المحتلة تقدر بنحو 29.9 مليار دولار على الأقل.. وكان قطاع الإسكان الأكثر تضررا حيث بلغت خسائره 15.8 مليار دولار، أي 53% من إجمالي الأضرار.
وبحسب المسؤولة الأممية "سارة بوول".. بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع شركاء آخرين على الأرض منذ ديسمبر الماضي تنفيذ بعض جهود إزالة الركام، وقالت: "تمكنا من إزالة حوالي 21، 600 طن من الأنقاض، وأعدنا استخدام حوالي 290 طنا منها لأعمال الطرق، وقمنا أيضا بخلق فرص عمل في هذا الإطار حيث تمكنا من خلق أكثر من 1500 يوم عمل لحوالي 53 عاملا ومهندسا محليا".
وأشارت كذلك إلى ربط تنفيذ أولويات إزالة الأنقاض التي قاموا بها على مدى الشهرين الماضيين، "بدعم الاستجابة الإنسانية".. وأضافت أنهم يعملون مع الشركاء الإنسانيين على تحديد الحاجة بالفعل إلى تطهير الطرق من الركام للوصول على سبيل المثال إلى مستشفى أو مخبز أو نقطة حرجة لتوفير المياه.
ومن بين المنظمات الأممية الأخرى التي تدعم عمليات إزالة الركام وتحديدا المواد الخطرة، مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع. حيث طور المكتب الذي أجرى تقييمات للتهديدات والمخاطر في الأرض الفلسطينية المحتلة، تقنيات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي الجغرافي والاستشعار عن بعد، بما في ذلك تقنيات النمذجة ثلاثية الأبعاد، لتعزيز تقييم المخاطر المتفجرة واستراتيجيات إزالة الأنقاض.
وقال المدير التنفيذي للمكتب "جورجي مورييرا دا سيلفا" إن المكتب يعمل مع دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، للتخفيف من مخاطر الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، وأكد أن إزالة الأنقاض والحطام هي أولوية قصوى، وربما تكون المهمة الأكثر إلحاحا بعد الجهود المنقذة للحياة، لحماية الناس.
اقرأ أيضاًالشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة: التحديات في قطاع غزة تتطلب التدخل الدولي السريع «فيديو»
الأمم المتحدة: الكوليرا قتلت ما لا يقل عن 65 شخصا بولاية النيل الأبيض في السودان
الأمم المتحدة: الصراع المستمر حول مناطق في السودان حوّل أجزاء من البلاد إلى جحيم