لجريدة عمان:
2024-07-03@18:32:52 GMT

إسرائيل تجني ثمرة كبريائها

تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT

ما يحدث الآن في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة من «طوفان الأقصى» من قبل حماس، والتي ألحقت أضرارا كبيرة بالكيان الصّهيونيّ، وأرعبت المخابرات الإسرائيليّة، وشلّت الحياة في إسرائيل؛ في الحقيقة هي حالة طبيعيّة، ومتوقعة بشكل كبير؛ بسبب الوضع المأساويّ الّذي يعيشه الفلسطينيّ في بلده وخارج بلده.

إنّ وضع غزة اليوم من حصار دام أكثر من عقد، حصار لا يتقبله الضّمير الإنسانيّ، ولا يمكن تبريره بحال من الأحوال، وبعيد عن الفطرة الإنسانيّة المسالمة، فنحن أبناء العقد الثّاني من القرن العشرين الميلاديّ، منذ نشأنا نرى القتل لأطفال ونساء وشيوخ وعجزة، وأصبح الإعلام يوثق ذلك يوما بعد يوم، وساعة إثر ساعة، وما زالت المجازر ضدّ هذا الشّعب الأعزل لا تفارق مخيلتنا، والعالم يدور بين غطرسة إسرائيل بقوّتها من جهة، وبيانات السّلام وضبط النّفس من جهة أخرى.

ثمّ كلّما سافرنا وجدنا الفلسطينيّ المشرد، والعديد منهم في مخيّمات لا تقيهم برد الشّتاء، ولا تخفّف عنهم حرارة الصّيف، فضلا عن الوضع الدّاخليّ كما في البيان الصّادر عن مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المقدّسة والّذي نشره موقع Zenit، وكما ذكرته بمقالة لي في «صحيفة شؤون عمانيّة» أنّ «في دولة فلسطين بالرّغم من وجود السّلطة الفلسطينيّة ما زال الفلسطينيون يعيشون حياتهم تحت احتلال عسكري، يشمل كلّ حياتهم اليوميّة، فهناك المستوطنات وبناء الطّرق، وشرعنة الأبنية الإسرائيليّة على أراض فلسطينيّة خاصّة، والمداهمات المتكرّرة للبيوت، والاغتيالات، والاعتقالات التّعسفيّة، والعقاب الجماعيّ، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت، والحواجز العسكريّة الّتي تحدّ من حرّية الحركة، وتضع العديد من العقبات أمام النّمو الاقتصادي، ومنع لمّ شمل العائلات، الّذي هو امتهان لحق طبيعيّ لأعضاء العائلة».

لهذا ردّة الفعل الفلسطينيّ ولو كانت بعض المشاهد سلبيّة في نظر العديد؛ إلّا أنّ الوضع المأساوي الّذي يعيشه الشّعب الفلسطينيّ، والحالة غير الإنسانيّة الّتي يعانيها أمام مرأى من العالم، والطّرف الآخر يفتخر بقوّته وجبروته أمام شعب أعزل، فما من طفل يرحم، وما من شيخ يراعى، ولا امرأة تحفظ، وكأنّهم يعيدون الصّورة الّتي جاءت في التّناخ بسفر يشوع: «وحرَّموا كلّ ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتّى البقر والغنم والحمير بحدّ السّيف... وأحرقوا المدينة بالنّار مع كلّ ما بها».

إنّ لغة القوّة الّتي تتباهى بها إسرائيل لم تعد تجني شيئا اليوم، وكما جاء في مقالة تم تناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي حملت عنوان: «إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة» للكاتب اليهوديّ آري شبيت في صحيفة هآرتس العبريّة ما نصّه ‏«فقلنا نهدم بيوتهم، ونحاصرهم لسنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدّمار، فأخذنا نخطّط لهم بالجدران والأسلاك الشّائكة، ‏وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلا في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصّناعيّ «الإسرائيليّ» (عاموس)، ويدخلون الرّعب إلى كلّ بيت في إسرائيل، عبر بث التّهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثّانية الإسرائيليّة، خلاصة القول، يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التّاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال».

وبعيدا عن هذا الاقتباس؛ إلّا أنّ مصاديقه واقعة من داخل شهادات المجتمع الإسرائيليّ ذاته، كشهادات أوري أفنيري وإسرائيل شاحاك وغيرهم، فاستخدام البطش والقوّة، واستجداء النّصوص التّوراتيّة في ذلك، وتبريره عن طريق رجال الدّين والحاخامات داخل المجتمع اليهوديّ، وباسم السّلام والحفاظ على النّفس وباسم الإنسان في الخطاب الدّوليّ، كلّ هذه الأوراق أصبحت مكشوفة، والإعلام لم يعد كالأمس يتلاعب به، بل ذاته مكشوف على الجميع، وأصبح العالم اليوم مدركا للوضع الإنسانيّ الكارثي الّذي يعيشه الشّعب الفلسطينيّ.

نعم ندرك جليّا كالعادة أنّ الرّدّ الّذي ستستخدمه إسرائيل ضدّ «طوفان الأقصى» هو المزيد من الغارات الّتي سيكون ضحيّتها الأطفال والنّساء والشّيوخ والعجزة والمدنيون، وسنرى الدّم يجري في زقاق غزة، والجثث تتطاير في كلّ مكان، والبيوت والطّرق تهدم بطرق عشوائيّة، وهي تدرك أنّ العالم العربيّ لن يقابلها إلّا ببيانات على خجل، مع تأييد من المجتمع الدّولي، وكأنّها الوجه البريء الّذي لا ذنب له.

إنّ لغة القوّة الّتي تستخدمها إسرائيل ضدّ شعب محاصر وأعزل لن يزيد هذا الشّعب إلّا قوّة، فلكل شيء ردّة فعل، على أنّ قوّة الذّاكرة والإرادة أقوى من قوّة السّلاح، فلن ينسى الفلسطينيون ما فعل في آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم، وما سُلب من أراضيهم، وأخذ من حقوقهم، كما لن تنسى ذلك الأجيال القادمة، وهذه الذّاكرة الأليمة بجراحاتها وآلامها هي أكبر داعم للإرادة، والّتي ستخلق من المستحيل شيئا واقعا.

لقد وَثَقت دول العالم العربيّ في نيّتها تجاه إسرائيل عقودا من الزّمن، من كامب ديفيد وحتّى اليوم، على أن تكون لفلسطين دولة مستقلة على حدود 1967م عاصمتها القدس الشّرقيّة، فأسهبت في ذلك البيانات واللّقاءات، وأنفقت في تحقيق ذلك الأموال والأوقات، إلّا أنّ إسرائيل تماطل وتلعب بالأوراق، ولم تكن رغبتها ذلك، بل حتّى مناطق الضّفة الغربيّة وفق اتّفاقية أوسلو الثّانية 1995م، والّتي تشكل مناطق السّلطة الفلسطينيّة، فلم تكن لهذه السّلطة مساحة حكم كاملة إلّا لأقل من ثلاثة بالمائة فقط، والباقي تتحكم بها إسرائيل بشكل كامل أمنيّا وإداريّا، أو بشكل أمني واسع.

واليوم وبعد هذه العقود أصبح العالم مدركا لهذه الحقيقة، ليس على مستوى العالمين الإسلاميّ والعربيّ فحسب؛ بل على مستوى العالم أجمع، وإنّ قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة إداريّا وأمنيّا، ولو على حدود 1967م؛ هي حالة من الأماني والوهم، لهذا لا بّد أيضا من قوّة إرادة سياسيّة دوليّة وإسلاميّة وعربيّة تحمي هذا الشّعب المستضعف والأعزل، وتُرجع له حقوقه الإنسانيّة كأي شعب في العالم، وتحميه من حركات البطش والإبادة والدّمار والتّجويع والتّشريد، في حالة غير إنسانيّة، وغير أخلاقيّة لا تتناسب وتطوّر المجتمع الإنسانيّ.

إننا كأمّة عربيّة نكرّر ذات الخطاب والبيانات، ويتكرّر علينا ذات السّيناريو أو المشهد عاما بعد عام، ونكتفي بالشّجب والاستنكار، ومنهم من يستغل هذه المواقف لمآربه السّياسيّة والأيديولوجيّة، ونحن كشعوب نُعذر في هذا، ولكن لا بدّ من إرادة وقوّة عربيّة خصوصا، وإسلاميّة عموما، تدفع بالعالم الإنسانيّ والدّوليّ في حماية الشّعب الفلسطينيّ، وإعطائه حقوقه المشروعة.

أنا لست مع قتل الأبرياء الّذين لا ذنب لهم، خصوصا من الأطفال والنّساء والمغرر بهم، إلّا أننا ندرك أيضا أنّ «الإنسان الفلسطينيّ كغيره من البشر، له كرامته ومكانته في وطنه وخارج وطنه، ومن حقّه الإنسانيّ الحفاظ عليه، وتحقيق حرّيّته وكرامته ومكانته داخل بلده، ونضاله لتحقيق ذلك ليس إرهابا ولا نشازا وتطرّفا، بل هو طبيعة إنسانيّة ترفض الذّلة والاستبداد والصّغار»، وهو كما ابتدأت الحالة الطّبيعيّة للمعاناة الّتي يعانيها ردحا من الزّمن بسبب التّجويع والحصار والاستبداد، بل ومن البطش والقتل والسّجن والحرمان.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة ال تی إل ا أن

إقرأ أيضاً:

عُمان تدعم الشعب الفلسطيني

 

علي بن بدر البوسعيدي

المواقف العُمانية النبيلة والمُشرِّفة تجاه القضية الفلسطينية يعلمها القاصي والداني؛ إذ إنها تُعبِّر عن مكنون الاهتمام العُماني بالأشقاء في فلسطين، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس، وكلها للأسف ترزح تحت نير الاحتلال المُجرم الغاشم.

وفي ظل العدوان الإسرائيلي البشع على الشعب الفلسطيني الشقيق في سلطنة عُمان، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء، وإصابة عشرات الآلاف بجروح خطيرة وحروق وتعرض كثيرين منهم لبتر في الأطراف، ساهمت سلطنة عُمان في استقبال عدد من الإخوة الفلسطينيين لتلقي العلاج وإجراء العمليات الجراحة اللازمة، في ظل انهيار القطاع الصحي في غزة، وعجز الأطباء والطواقم الصحية عن تقديم الخدمات الطبية اللازمة، خاصة مع استمرار القصف برًا وجوًا وبحرًا وتدمير كامل قطاع غزة.

الحقيقة أن الموقف العُماني- الذي يفخر به كل مواطن بل كل عربي ومسلم- ليس بغريب عن حكومتنا الرشيدة تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وهو الموقف الذي يترجم الثوابت الوطنية العُمانية ويؤكد أن دبلوماسيتنا العريقة تقف بكل صلابة في وجه هذا العدوان الغاشم.

لقد كانت سلطنة عُمان أول دولة عربية تدعو لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحاكم الدولية، وذلك عندما دعا معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية إلى محاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي على الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني. كما إن عُمان منذ اليوم الأول للعدوان وهي تستضيف الاجتماعات والوفود وتجري المباحثات مع مختلف الأطراف الفاعلة، على المستوى الخليجي والعربي والدولي.

كل هذه المواقف والسياسات والإجراءات تؤكد وقوف عُمان حكومة وشعبًا في صف الأشقاء الفلسطينيين، وتقديم كل سبل الدعم والمؤازرة لكي يتحقق الأمن والسلام لهذا الشعب الذي يتعرض لمؤامرة عالمية تاريخية، ويواجه بمفرده بصدور عارية أعنف حرب إبادة جماعية في التاريخ الحديث.

لقد آن الأوان لهذا العدوان أن يتوقف، وأن يحل السلام في ربوع منطقتنا، وذلك بإجبار دولة الاحتلال على وقف إطلاق النار والانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية، والبدء الفوري في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، ومحاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحاكم الدولية وإلحاق أشد العقوبات بهم، وصرف التعويضات لكل الأسر الفلسطينية، عن منازلهم التي هُدِّمت وومتلكاتهم التي فقدوها، بل وعن شهدائهم الذين ارتقوا، رغم أنهم لا يقدرون بثمن.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يدمر أبراج الاتصالات لحجب مأساة غزة عن العالم
  • أحداث قيصري ثمرة التساهل مع العنصريين
  • أبو الغيط: الحروب كانت دافعاً للهجرة على مر التاريخ الإنساني و أدت إلى ارتفاعها
  • وزارة الخارجية والمغتربين : إن الكيان الإسرائيلي يثبت يوماً بعد يوم بأنه لا يعير أي اهتمام للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ويستهتر عن عمد بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويستمر في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، التي راح ضحيتها
  • مهرجان العالم علمين.. 50 يوما من الإبداع والدعم للشعب الفلسطيني
  • الحكومة المرتقبة شابة.. 70% من وزرائها ثمرة جهود الدولة خلال 10 سنوات
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الهوية
  • عُمان تدعم الشعب الفلسطيني
  • السلطة الفلسطينية ترفض استقدام قوات أجنبية إلى غزة
  • السلطة الفلسطينية ترفض استقدام قوات أجنبية لغزة