ترجمة: أحمد شافعي -

كانت الأحداث جميعا شديدة الشبه بالهجمات التي مرّ عليها في الأسبوع الماضي 50 عاما، أي أحداث صباح يوم الغفران، أقدس يوم في السنة اليهودية، في أكتوبر من عام 1973، حينما تعرّضت إسرائيل لهجوم تحالف عربي منسق، مما أدى إلى حرب استمرت ثلاثة أسابيع. ولم ينجُ البلد إلا بفضل التضحيات الهائلة التي قدمها شبابها وشاباتها.

وكانت صدمة لجيل كامل من الإسرائيليين غيّرت الأمة تغييرا عميقا.

كان يوم السبت الماضي هو عام 1973 مرة أخرى.

مقاطع الفيديو المنتشرة للإسرائيليين -نساء وأطفالا وكبار سن- ممن اتخِذوا رهائن، لا حول لهم لا قوة، سوف تظل تطاردنا ما حيينا. وليست هذه الصور لعنة فقط لروح إسرائيل الأساسية، أعني روح الدفاع عن الذات، وإنما هي لعنة حلّت على مبرر وجود البلد نفسه بوصفه ملاذا آمنا لليهود. فهي صدمة لنا حتى النخاع، وليست لدينا أيضا رفاهية أن نعيش هذه الصدمة. فليس لدينا الوقت لاستيعاب الأهوال.

ليس لهذه الأحداث المأساوية إلا بطل واحد، هو حماس. ولكنّ هناك نقطتين عمياوتين رئيسيتين منعتا إسرائيل من إدراك ووأد ما كان ينبغي علينا رؤيته. الأولى هي سياسة محاولة استرضاء العدو، على أمل أن تتخلى حماس في نهاية المطاف عن أصلها الجهادي. فبدلا من ذلك، نما الجناح العسكري لحماس -من منظمة صغيرة إلى جيش قوي. ونقطتنا العمياء الثانية هي السماح لخلافاتنا السياسية الداخلية باستهلاكنا، وصرف انتباهنا عن التهديدات الخارجية وتقسيم مجتمعنا، وجيشنا وهو الأهم.

خلال أربع سنوات، خصصت إسرائيل ثلاث عمليات عسكرية في غزة لمحاربة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي منظمة صغيرة تابعة لإيران. أمَّا حماس، وهي الحزب الحاكم في غزة الذي يدير جيشا يضم عشرات الآلاف من الصواريخ ووحدات كوماندوز نخبوية، فقد تركت وشأنها إلى حد كبير منذ عملية حارس الأسوار في عام 2021. ولقد دفعنا ثمن الحرب -مثلما دفعه المدنيون في غزة- ولم نحصل إلا على صفر من المكاسب الاستراتيجية. لماذا؟ لأن الجهاد الإسلامي الفلسطيني كان الهدف الأسهل. أرادت إسرائيل أن تجتنب حربا كبيرة في غزة، فنلنا مجزرة في إسرائيل.

في الوقت نفسه، راوغت حماس وصولا إلى هذه اللحظة. فقد حصلت على ما يرى إلى ضمان فعلي لحصانة من قوة إسرائيل العسكرية وحصلت على أموال قطرية كل شهر لتأمين الاحتياجات الأساسية للشعب حتى لا يتمرد. وأنفق الساسة والضباط العسكريون على حد سواء العامين الماضيين في دفع الجمهور إلى الاعتقاد بأنه قد تم ردع حماس، فلم تعد مهتمة بالتصعيد الكامل، وأنها تستوعب دورها بوصفها حكومة شرعية في غزة.

والآن يتساءل الكثيرون في إسرائيل، ولهم الحق، كيف فشل أحد أفضل الأجهزة الاستخباراتية في العالم في رؤية الإشارات؟ إحدى الإجابات هي أننا نميل إلى تجاهل التفاصيل بناء على تصوراتنا المسبقة، ولقد كانت تصوراتنا المسبقة في هذه الحالة فكرة خاطئة حول ماهية حماس وماهية نواياها الحقيقية. لكن هذا محض جزء من القصة.

في السنوات الخمس الماضية، بينما قامت إسرائيل بحل الحكومة تلو الأخرى وإجراء الانتخابات المنقسمة تلو الانتخابات المنقسمة، وبصورة أكبر في العام المنصرم منذ إعادة انتخاب بنيامين نتانياهو رئيسا للوزراء، انشغلت إسرائيل بتمزيق نفسها من الداخل. ويبدو أن الدولة اليهودية نسيت دورها الثاني في العالم، بوصفها مكانا يجسد فكرة التضامن اليهودي. ووجد الإسرائيليون أنفسهم -بدلا من ذلك- منخرطين في حرب شاملة، لا ضد الحمساويين وإنما ضد أنفسهم.

على مدار قرابة الأسابيع الأربعين الماضية، التي صعدت خلالها إلى السطح معركة إصلاح السلطة القضائية بشكل عنيف، اهتز الشعب بعنف من جراء الأسئلة القديمة المتعلقة بالهوية والانتماء الديني، فضلا عن العرق والطبقة والامتيازات. أيهما أكبر في تكوين إسرائيل: اليهودية أم الديمقراطية؟ اعترى قلق حقيقي الكثيرين في إسرائيل: فقد بدا أن التغيير القضائي، الذي قدمته الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، يهدد الطبيعة الليبرالية لبلدهم. وشعروا أنهم يقاتلون من أجل روح الأمة، وأن جميع الرهانات -في هذا القتال- قد سقطت مثلما سقطت القداسة عن كل شيء - بما في ذلك فكرة التنصل من الخدمة الاحتياطية في الجيش، وكانت من قبل فكرة لا يمكن المساس بها. وبرغم اضطرابات الشوارع، رفض الائتلاف الحاكم قبول حقيقة أنه بأغلبيته الضئيلة لن يتمكن من فرض هذه التغييرات الكبيرة بلا إجماع، ومضى قدما في سياسات مثيرة للقلق يوما بعد يوم.

على مستوى الأمة، تصرف الإسرائيليون وكأننا قادرون على تحمّل ترف خوض معركة داخلية شرسة، من النوع الذي يتحوّل بموجبه المنافس السياسي إلى عدو. سمحنا للعداوة والديماغوجية والخطاب السام في وسائل التواصل الاجتماعي بالسيطرة على مجتمعنا، وتمزيق الجيش اليهودي الوحيد في العالم. وهذه هي مأساتنا.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

من إسرائيل.. تقريرٌ يكشف مصير حماس بعد هُدنة غزة!

نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيليّة تقريراً جديداً قالت فيه إن إنتصار إسرائيل على حركة "حماس" الفلسطينية لن يكون حاسماً أبداً، معتبرة أن الحركة "لن تختفي" حتى بعد الحرب الأخيرة على غزة والتي انتهت بموجب إتفاق لوقف إطلاق النار.   ويرى التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنَّ المعضلة التي تحيط بصفقة الرهائن مع "حماس" لا يمكنُ التقليل من شأنها، فمن ناحية، هناك الحاجة الملحة التي لا يمكن إنكارها لإعادة الرهائن إلى ديارهم لاسيما أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة، وأولئك الذين تحتجز حركة حماس جثههم لديها.   واعتبر التقرير أن الحكومة الإسرائيلية دخلت في صفقة غزة على مضض، وهي تُدرك تماماً العيب الأساسي فيها والمتمثل في رفض "حماس" إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، وأضاف: "بدلاً من ذلك، تم تنظيم الصفقة على نحو يسمح بإطلاق سراح 33 إسرائيلياً على دفعات مُتعدّة على مدى الأيام الـ42 المُقبلة. وفي اليوم الـ16، سيبدأ الجانبان المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الصفقة والتي من المُفترض أن تضمن عودة الرهائن المُتبقين".   وأمام ذلك، يجد التقرير أن هذا الأمر يجعل بقاء الرهائن في الأسر مستمراً، كما أن هذا الأمر يعني أنّ "حماس" ستحتفظ بنفوذها وستظلّ قائمة، وأضاف: "أيضاً، فإن إسرائيل سوف توقف عملياتها العسكرية وتنسحب من مناطق معينة في غزة فيما ستُحاول حماس بكل تأكيد إعادة بناء نفسها".   مع هذا، فإنّ التقرير وجد أن هذا الأمر لا يشكل "مُعضلة جديدة"، بل كان واضحاً منذ بداية الحرب، وأضاف: "في اللحظة التي اختطفت فيها حماس هذا العدد الكبير من الناس، أصبح من الواضح أن تحقيق نصر حاسمٍ لن يكون مُمكناً".   في المُقابل، يقول التقرير إنه يجب الاعتراف بأمر أساسي وهو أن المشهد في الشرق الأوسط كان مُختلفاً بشكل جذري قبل بضعة أشهر فقط، وهناك مجالٌ للقول بأن الاتفاق في ذلك الوقت لم يكن ليأتي من موقع قوة بالنسبة لإسرائيل، وأضاف: "إن الخسارة الأخيرة لحزب الله في لبنان وإضعاف إيران والتدهور المُستمر لحركة حماس، كلُّ هذا جعل الاتفاق أكثر قابلية للتطبيق الآن مما كان عليه قبل 6 أشهر".   في الوقت نفسه، اعتبر التقرير أنَّ "حماس لن تختفي ببساطة"، وسوف تضطر إسرائيل إلى مواصلة حربها ضدّ الجماعة الفلسطينيَّة في المُستقبل. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • من إسرائيل.. تقريرٌ يكشف مصير حماس بعد هُدنة غزة!
  • هجمات لـ«الدعم السريع» تقطع الكهرباء عن معظم مناطق سيطرة الجيش .. المناطق المتضررة تستضيف ملايين النازحين داخلياً ما يفاقم المعاناة الإنسانية
  • الإسرائيليون يهرعون إلى الملاجئ مع دوي صفارات الإنذار جراء هجوم يمني يسبق وقف إطلاق النار في غزة
  • «الصحة العالمية»: الرهائن الإسرائيليون والأسرى الفلسطينيون يواجهون مشاكل صحية معقدة
  • فريق «General Shield» يستعرض فكرة مشروعهم في «GEN Z»: يساعد طلاب الهندسة
  • فريق «Flourish» يستعرض فكرة مشروعه في برنامج «GEN Z».. ابتكار أصباغ طبيعية
  • بايدن: أنفاق “حماس” مذهلة ولم تكن لدى أي شخص فكرة عن عمقها
  • 30 فكرة تساعد على كسر الروتين وجعل يومك جميل
  • مصطفى بكري: الإسرائيليون حاولوا تنفيذ مخطط التهجير بكل السبل ولكنهم فشلوا
  • أبو تريكة يعلق على وقف العدوان: أنتم تيجان الرؤوس وحميتم شرف الأمة (شاهد)