من نافلة القول التذكير بالمؤسسات البرلمانية واستعراض أعمالها وإنجازاتها خلال الفترة الماضية من عُمر الدولة العمانية الحديثة، إذ قطعت المؤسسات أشواطا في هذا المجال منذ منتصف التسعينيات وإلى الآن، ولسنا هنا بصدد تقييم التجربة أو الحكم عليها، وإنما محاولة طرح رأي آخر غايته ومبتغاه: تطوير العمل البرلماني في عُمان، فكلّ ما نسعى إليه جميعا هو العمل على بناء الوعي بقيمة المؤسسات والتعويل عليها لخدمة الوطن ومن عليه.
إذن ما الذي نحتاجه من مجلس عُمان خلال الفترة القادمة؟ يعلم الجميع أن المؤسسات الفاعلة هي المؤسسات النشطة التي تقدم الخطط والبرامج وكيفية تنفيذها وطرق تقييمها، وأهم ما يمكن أن تقدمه المؤسسة البرلمانية في المرحلة القادمة فكرتان أساسيتان هما الاقتصاد والسياسة، فالمطلوب في الوقت الراهن وجود خبراء في الاقتصاد وأساتذة في القانون يكيّفون القوانين والتشريعات التي تُذلل الصعوبات أمام المستثمر الوطني أو الأجنبي وتدفع بالمزيد من الفرص أمام الاستثمار وتكييف التشريعات للاتفاقيات الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة.
أما دور الاقتصاديين فإن الوضع الاقتصادي يحتاج إلى كوادر وطنية شابّة قادرة على العطاء، وعلى تكوين لجان متعددة نشطة وفاعلة في مجالاتها، وتبعث أفكارا في تخصصاتها، وتعمل على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى سلطنة عمان، وإيجاد فرص عمل وتسريع عجلات الإنتاج. إذا كان المجلس في فترات سابقة قد استفاد من خبرات المتقاعدين، فإن المرحلة الراهنة والمستقبلية تحتاج إلى خلية نحل من الطاقات البشرية الموجودة في القطاع العام والخاص، والذين يمكن انتدابهم لعضوية المجلس لمدة أربع سنوات قابلة للتمديد لمن أثبت قدرته في تقديم المشروعات الناجعة. أما المتقاعد الذي خدم عُمان فبالتأكيد قد حصل على مكافأته نظير جهده، وآن الأوان له للاستمتاع بوقته الحر بعيدا عن الالتزامات الإدارية والاجتماعات الدورية. وهذا ينسحب أيضا على المرشحين لمجلس الشورى الذين نأمل أن يُعاد النظر في شروط ترشحهم للمجلس، بحيث يكون المؤهل الجامعي أحد شروط الترشح، وكذلك ألا يكون المترشح متقاعدا؛ لكي يفسح المجال أمام الباحثين عن عمل وحاملي الشهادات لتجريب حظوظهم في العمل البرلماني.
إذن ما الذي دفعنا إلى طرح مثل هذا الموضوع؟ بالتأكيد إن مبعث طرح مثل هذه الأفكار هي الرؤى والاستراتيجيات الوطنية المُعلن عنها في سلطنة عمان وفي مقدمتها رؤية عُمان (2020-2040) ونظرا لأهمية الاستراتيجيات فإنها بحاجة إلى كوادر بشرية وطنية تعمل على تذليل الصعوبات وتسابق الزمن لتحقيق النتائج المرجوة، وندرك جميعا أن التغييرات الطارئة في العالم وخاصة في الجوانب الاقتصادية والبيئية والسياسية تتطلب كفاءات وطنية قادرة على تنفيذ الخطط المرسومة وحصد نتائجها، لذلك فإن وجود العناصر البشرية القادرة على العطاء والحلم بمستقبل أفضل لعُمان يُعد عنصرا جوهريا في تحقيق الأهداف، مما يعني أن العضو في مجلس الدولة منوط به مسؤوليات مغايرة ومختلفة عن الفترات الماضية، بمعنى أن العضو المُكرم في المجلس مطلوب منه جهد فكري وطاقة على صياغة الأنظمة واللوائح والتشريعات التي تُسرّع من تطور المؤسسات ودفعها إلى التناغم مع طموح المواطن.
لأجل عُمان ومستقبلها نقول بأن مجلس عُمان يحتاج إلى النُخب الفاعلة في المجتمع وفي أجهزة الدولة، وبالتأكيد فإن الأرض العُمانية ولاّدة والكوادر البشرية من الجنسين موجودة على هذه الأرض الطيبة، لهذا فإننا نتطلع إلى تمكين الكفاءات العمانية للإسهام في نهضة عُمان المتجددة من خلال المؤسسات القادرة على تطويع القوانين وتطويرها لمستقبل زاهر، فقوة الدولة تكمن في تشريعاتها وشرعتها وحكومتها وحوكمتها.
إن مجلس عُمان بحاجة إلى أن يضم كافة شرائح المجتمع وأصحاب المهن، والفاعلين في العمل الاجتماعي، وممثلين عن اتحاد العمال العماني وجمعيات المرأة العمانية، وبعض أصحاب الهمم، ونخبة المثقفين والكتّاب والمحامين، وممثلين عن الجمعيات المهنية وليس بالضرورة رؤساء تلك الجمعيات؛ لأن ذلك سيفرز رؤساء جمعيات لا يهمهم إلا عضوية المجلس. إن التحديات التي يفرضها الواقع تتطلب تظافر جهود الدولة والمواطن في العمل سويّا لأجل مستقبل يضمن الرخاء والرفاهية للشعب العماني.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مصطفى بكري: الأزمات التي تحيط بالمنطقة جعلت الدولة تضع قانونا لتنظيم وجود اللاجئين
أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن مصر ملتزمة لكافة تعهداها الدولية في استقبال اللاجئين، ومصر تؤكد على التزامها بالاتفاق الدولي الموقع في فترة الخمسينيات.
وقال مصطفى بكري، خلال تقديمها برنامج “حقائق وأسرار”، عبر فضائية “صدى البلد”، أن الازمات التي ضربت المنطقة خلال الفترة الأخيرة كان لا بد أن يتم وجود قانون لتنظيم وجود اللاجئين في مصر، والدولة هي لها الحق في تقنين أوضاع اللاجئين.
وتابع مقدم برنامج “حقائق وأسرار”، أن هناك 9 ونصف مليون لاجئ، على الرغم أن المفوضية سجلت 850 الف لاجئ فقطـ، فكان لا بد من أن تنظم الدولة وضع اللاجئين.