(1) تجلس أم حسين فى صالة شقتها بحى روض الفرج.. تسند ظهرها العجوز على كنبة الصالة وهى تحرك كنكة القهوة بهدوء فوق السبرتاية.. حولها نساء الحى. ما زالت تحكى أم حسين عن ابنها حسين الشهيد، وما زالت نساء الحى يتشوقن إلى سماع حكايات الشهيد التى تزيدهن حباً فى أم حسين.وجهها يزداد نوره وهى تبدأ حكاياتها عن طفولته وكيف كان صغيراً يرتدى بدلة ضابط الجيش.
(2) واعتادت على الترحيب بابنها تسأله عن أصحابه الشهداء، وتسأله عن أحواله فى جنة الخلد، تسأله ثم تصمت وهى تهز رأسها تستمع إليه بوقار مرعب.تذكُر إحدى النساء أن أم حسين ودّعت ابنها فإذا بعنقود من العنب على حجرها، فتشير إحداهن إلى عنقود العنب فتنبه أم حسين وتقوم بتوزيع عنقود العنب على النساء، تحلف على طعم العنبة التى لم تتذوق مثلها طوال حياتها لدرجة أنهن يتمنين أن يأتى الشهيد بفاكهة الجنة كما جاء بعنقود العنب.تضحك أم حسين وهى تفرد يدها ترحب بالشهيد وهى تُجلسه كعادته بجوارها، لكن هذه المرة يشحب وجه أم حسين فتكرر سؤالها على الشهيد: مالك يا حسين؟.. مالك يا ابنى؟.. فيه حاجة حصلت؟.. والنبى لتقول يا بنى. يا حسين. كده برضو، ده أنا أمك يا حسين. قول لى مالك فيه إيه؟.. إوعى يمنعوك تزور أمك. أنا عارفة إنى طوّلت عليك يا ولدى، عارفة إنى اتأخرت بس دى أعمار.. ظابط زيك فى الجيش بيقول لى إنه مسك فى نفس الكتيبة بتاعتك وإنه بيشوف صورتك مزينة الكتيبة.
(3) رُد عليّا يا حسين.. أقول لك، احكى لى عن حرب أكتوبر، احكى لى كيف عديت الضفة التانية وكيف رفعت العلم بتاعنا تانى، احكى لى عن الانتصار اللى جبته بدمك واحكى لى عن الملايكة اللى كانوا جنبك بيحاربوا معاك.. وقول لى عن التكبيرة اللى كانت بترعب الصهاينة.. أقول لك، خذنى معاك أتحايل على الملايكة يسمحولك تزور أمك.. ومالك يا ابنى مقفل ليه؟!نساء الحى ينظرن إلى أم حسين هذه المرة فى توتر، تبكى النساء حول أم حسين بلا توقف بكاء صادقاً لا صوت له وهن يتابعن يد أم حسين وهى تشير لابنها ووجهها وهو يتمايل.ترفع أم حسين وجهها إلى حسين وهى تشير برجاء وتكرار: والله لتقول لى فيك إيه مخبيه.. تتسع عين أم حسين وهى تودع ابنها فى صمت، تودع حسين الشهيد.بينما يظهر على باب الشقة ضابط فى الأربعين من عمره يسأل عن أم حسين ووجهه حزين.. بينما ترفع أم حسين وجهها للضابط وهى تشير إليه ليجلس بجوارها مكان ابنها حسين.
(4) تتابع النساء طاعة الضابط وهو يجلس فى وقار وصمت بجوار أم حسين.. الضابط لا يتحرك، يعلوه الحزن الشديد بينما تصب أم حسين القهوة إلى الضابط بهدوء وقد علت وجهها أنوار شديدة، وتنظر أم حسين إلى الضابط تخبره بأن ابنها حسين قد أخبرها بأنه استشهد فى سيناء.يفاجأ الضابط بمعرفة أم حسين لمقتل ابنها، بل تطلب منه أن يأخذها معه إلى حيث ابنها الشهيد.ترفع السيدات أصواتهن بالصراخ، فيفاجأن بصوت أم حسين حاسماً شديداً يرفض صراخهن، بل يطلب الزغاريد.تطلب أم حسين أن تحضر زوجة ابنها وأبناؤه الثلاثة حسين وعلى وأبوبكر، تطلب أم حسين حضور أولاد ابنها الشهيد.. ووسط دهشة الجميع يدخل أبناء الشهيد حسين فتخبرهم جدتهم بأنهم أبناء بطل شهيد، جدهم بطل شهيد، فهم أبناء شجرة جذورها شهداء، ثم تنظر فى حسم إليهم: من سيرتدى بدلة الشهادة.ووسط كل العيون ترتفع أيدى الأحفاد الثلاثة فى رغبة صادقة يطلبون حياة الشهادة.. ويأتى صباح جديد بعد مرور الحزن الذى يصاحب الفراق.تعود أم حسين لتجلس كعادتها على السجادة تستند ظهرها للكنبة وهى تقلب كنكة القهوة بهدوء وحولها نساء الحى تحكى لهن عن بطولة ابنها الشهيد فى حرب الكرامة، حرب أكتوبر المجيد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: نصر أكتوبر العبور العظيم أم الشهيد أم حسین
إقرأ أيضاً:
لماذا ظل حميدتي مطمئناً في الخرطوم حتى آخر لحظة، وكيف خرج وإلى أين؟
#حميدتي_في_الخرطوم
عندما نشرت هذا الكلام لم أنشره لأن عندي معلومات، أو تلفيت تنويراً من رئيس مجلس السيادة الذي يونس بعض الصحفيين بأخطر أسرار الحرب ولا يبلغ شعبه بشئ، وإنما نشرته بناء على تحليل تأسس على ٤ معطيات:
١-غياب حميدتي عن هرج حفلات نيروبي وهو شغوف بالظهور الإعلامي ولا يمكن أن يضيع فرصة للجلوس أمام الكاميرات.
٢- هو رجل حذر ولا يمكن أن يبقى في الإمارات رهينة، لذلك سيحرص على البقاء في مكان يستطيع منه تفادي بعض الضغوط من الرعاة والحلفاء.
٣- محتوى خطابه الذي ركز على منح جنوده جرعة من الحوافز والمعنويات ظناً أن الخطب الحماسية ستبقيهم في القصر والمقرن والخرطوم.
٤- مظهره الشخصي حيث بدا شاحباً بشارب غير مصبوغ وغير مشذب، ووجه فارق حمامات الساونا منذ زمن.
ثبت لاحقاً أن حميدتي كان بالفعل في الخرطوم وخرج منها ليلة تحرير القصر، وأن البرهان كان يعلم بوجوده وموقعه، وأسر بذلك لصحفيين مقربين منه.
كان هدفي من نشر ذلك البوست القصير المساهمة في إثارة حوار حول مكان حميدتي، وممارسة بعض #الحرب_النفسية عليه وعلى أتباعه ليدركوا -إن كان موجوداً بالفعل في الخرطوم- أن خبر وجوده قد تسرب.
السؤال هو:
لماذا لم يستخدم البرهان هذه المعلومة في الحرب النفسية ضد قائد عصابات التمرد الإجرامية؟
هو خبير بهذه الشؤون ويدري أن تسريب خبر موقعه سيضطره للخروج من مأمنه، وسيشكل هذا ثغرة في تأمينه تسهل استهدافه والقبض عليه إن كانت هناك خطة محكمة، لأن حميدتي سيكون في وضع ضعيف
Vulnerable
ولن يتحرك في حشد كبير من السيارات والجنود خشية كشف أمره وحتى لا يسهل قنصه.
لماذا ظل حميدتي مطمئناً في الخرطوم حتى آخر لحظة، وكيف خرج وإلى أين؟
نكتفي بهذا القدر هنا
محمد عثمان إبراهيم محمد عثمان ابراهيم