هل عاد جوني ديب حقا؟.. جين دو باري سقطة فنية لنجم قراصنة الكاريبي
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
يعد فيلم "جين دو باري" (Jeanne du Barry) صك البراءة السينمائية الذي أعاد نجم "قراصنة الكاريبي" إلى الأضواء بعد ما لاحقه من ميلودراما زوجية لسنوات، لكن صك البراءة هذا شابه الكثير من الجدل النقدي حول مستوى العمل.
و"جين دو باري" من إخراج وتأليف وإنتاج وبطولة "مايوين"، في دوري الكونتسية جين دو باري، و"جوني ديب" في دور الملك لويس الخامس عشر، ويعالج السنوات الأخيرة من حكم ذلك الملك، قبل وفاته وتولي حفيده لويس السادس عشر وقيام الثورة الفرنسية.
ينتمي فيلم "جين دو باري" إلى نوع الدراما التاريخية، فهو يقدم قصة تنتمي إلى البلاط الملكي ما قبل الثورة الفرنسية، ويتتبع صعود واحدة من نساء الطبقة الدنيا، لتصبح عضوا أصيلا في البلاط، وتستحوذ على اهتمام ومحبة الملك "لويس" بشخصيتها الآسرة، وصراحتها الشديدة وذكائها في مواجهة تعقيدات العائلة المالكة وقوانينها التي لا تنتهي.
حاولت مخرجة الفيلم "مايوين" الاستفادة من التجارب المميزة في هذا النوع السينمائي، وخاصة من فيلمي "ماري أنطوانيت" (Marie Antoinette) لصوفيا كوبولا و"باري ليندون" (Barry Lyndon) لستانلي كوبريك، ولكن مشروعها في النهاية لم يخرج عن دائرة أفلام الدراما التاريخية عالية الميزانية، وقد كان من أعلى أفلام 2023 الفرنسية تكلفة، بميزانية بلغت 22 مليون يورو.
قالت "مايوين" في حوارها مع مجلة "بازار" (Bazaar) الفرنسية إنها تأثرت بفيلم "باري ليندون" الذي كان تجربة فنية رائدة، وقد قرر كيوبريك – حينها- الاعتماد فقط على الإضاءة الطبيعية خلال التصوير، سواء ضوء الشمس للمشاهد النهارية، أو الشموع للمسائية، هذا بالإضافة إلى تأثره الخاص بالفن التشكيلي، واللوحات الزيتية من هذا العصر، فقدم صورة سينمائية لم تتكرر لأصالتها الشديدة.
اهتم فيلم "جين دو باري" بشكل أساسي بصعود الشخصية الرئيسية، وتصوير طبيعة البلاط الملكي الفرنسي بتقاليده، وقصر فرساي شديد الشهرة، فظهر شبيها بعشرات الأفلام الأخرى من النوع ذاته، والتي تسلتزم بالفعل ميزانيات كبيرة لتغطية عناصر الأزياء والديكور، ولكنه لم يقدم جديدا على أي صعيد، سوى استغنائه عن الحوار بصورة واضحة، تصل للحدود الدنيا، ولكن على الجانب الآخر اعتمد بدلا منه على راوٍ عليم يسرد كل ما خفي من جوانب الحبكة، وهو ليس الكثير بالفعل.
وقد تحررت الكثير من أفلام الدراما التاريخية من أصفاد التقليدية في السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال، اتخذت وجهة نظر مختلفة لشخصية تاريخية شهيرة أو تلاعبت بالصورة السينمائية باستخدام التصوير والعدسات المميزة، كفيلم "المفضلة" (The Favourite) ليرغوس لانثيموس أو "ماري ملكة الأسكتلنديين" (Mary Queen of Scots) (2018) لخوسيه روك، ولكن فيلم "جين دو باري" يبدو بجوار هذه الأفلام منتميا للماضي، وعائدا لفخاخ المعتاد والمتوقع.
اعتمد فيلم "جين دو باري" على سرد خطي، يقدم قصة حياة الشخصية الرئيسية من طفولتها وحتى وفاتها، في تقليدية تم تجاوزها في العقدين الأخيرين، وقد أصبحت الأفلام تركز على لحظة مثيرة من حياة البطلة أو البطل، تستحق إلقاء الضوء عليها، مثلما رأينا في فيلم "الساعة الأسوأ" (Darkest Hour) لجو رايت، الذي تناول لحظة اتخاذ تشرشل قرارا حاسما في الحرب العالمية الثانية كمفتتح لتقديم شخصيته وزمنها.
يقف فيلم "جين دو باري" عند حدود المعتاد، في كل المجالات، بصورة سينمائية تبدو براقة، ولكنها لا تحمل داخلها معنى، وسيناريو محدودا، وقصة صعود وهبوط مكررة في كل الأفلام التي تناولت حبيبات الملوك في البلاطات الأوربية القديمة.
فيلم جوني ديب رغم اسم مايوينتعرضت مسيرة النجم الأميركي جوني ديب لعثرات كثيرة خلال السنوات السابقة، بدأت باختيارات متواضعة للأفلام التي يشارك بها، ثم انتهت باتهامه من زوجته السابقة "آمبر هيرد" بالاعتداء عليها جسديا ونفسيا، الأمر الذي جعله ضحية لثقافة الإلغاء، وذلك حتى المحاكمة الشهيرة التي عُقدت عام 2022، وخرج وقد طهر سمعته الشخصية.
وجاءت عودة ديب لتكون مناسبة سينمائية عالمية، احتفل بها مهرجان "كان" على طريقته، حيث عرض فيلم "جين دو باري" (Jeanne du Barry) باعتباره العمل الذي شكل عودة منتصرة للممثل الذي كاد أن يأفل نجمه، ولكن هل يستحق الفيلم هذا العرض وأن يصبح تذكرة عودة جوني ديب؟
بالنسبة لـ "مايوين" كانت إضافة جوني ديب تعني وجود ممثل ذي خبرة كبيرة، والأهم، أنه يملك شهرة عالمية تتجاوز حدود اللغة والثقافات، ولكن الوجه الآخر للصورة هو أن الفيلم بالنسبة له، كان "قبلة الحياة" في ظل التدهور المستمر لمسيرته السينمائية حتى من قبل الاتهامات، فمنذ العقد الثاني من الألفية الثالثة، وأفلام ديب المختلفة تلاقي من الإخفاق أكثر من النجاح.
بدأ ت التجارب الفيلمية الضعيفة والاختيارات السيئة عام 2012 بفيلم "الظلال الداكنة" (Dark Shadows)، الذي أعاد شراكة ناجحة جمعت بينه وبين المخرج تيم بروتون، ولكنه أخفق تجاريا، ونقديا بمعدل 35% فقط على "روتن توماتوز" وفي 2013 شارك جوني ديب بفيلم "الحارس الوحيد" (The Lone Ranger)، الذي حقق أيضا نتائج متواضعة تجاريا، ومعدل 31% على روتن توماتوز.
استمر الوضع حتى عام 2016 وفيلم "موردكاي" (Mortdecai)، الذي رشح عنه لجائزة التوتة الذهبية لأسوأ ممثل، ومثل فشلا تجاريا، وحصل على 12% على موقع روتن توماتوز. وعند اشتراكه في السلسلة المشتقة من "هاري بوتر" التي صدرت تحت عنوان "الوحوش المذهلة" لم يحصل أداء جوني ديب على الثناء المتوقع، وتم استبداله.
ما ميز "جين دو باري" بالنسبة للمهرجان -وأي مشاهد آخر- أنه مثل عودة كبيرة لجوني ديب، ولكن هل يحمل هذا الفيلم بداية جديدة للممثل، ومرحلة أكثر نضجا واختلافا من مسيرته بعد الكثير من الإخفاقات؟
تكمن الإجابة على السؤال في الأداء المتواضع لديب في فيلم "جين دو باري"، أو يمكن أن نقول إنه لم يختبر بالأساس، فالملك لويس في فيلم "جين دو باري" ليس سوى تمثال شمعي، يبتسم بإعجاب لحبيبته الجميلة المتمردة، لم يقل سوى جمل محدودة، ولم تتعرض شخصيته لأية محنة أو تطور إلا بموته قرب نهاية الفيلم، وقد بدا طوال الوقت مثل كاريكاتير لشخصيات الملوك الذين تتحكم بهم تقاليد ممالكهم.
يستحق جوني ديب دورا أفضل لاستعادة أسطورته السينمائية السابقة، ولكن بعيدا عن مكان عرض الفيلم، أو كونه الأول بعد المحاكمة سيسقط "جين دو باري" من ذاكرة السينما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جونی دیب فی فیلم
إقرأ أيضاً:
الدُّب … الذي بكته السماء !
مناظير الخميس 1 مايو، 2025
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* في مساء حزين غابت فيه شمس العام الماضي، صعدت روح صديقي العزيز (عزالدين علي عبدالله)، المعروف بين أصدقائه بـ"عزالدين الدب"، إلى بارئها، وعلى وجهه نفس الابتسامة التي رافقته في الحياة، كأنما كانت تعانق الموت وترحب به، فبكته السماء قبل أن يبكيه البشر، وسالت دموعها فوق مقابر عين شمس في القاهرة، حيث وُري جثمانه الثرى بعد رحلة صمود طويلة، لا يملك من يعرفها إلا أن ينحني احتراماً أمام عظمة هذا الإنسان الفريد.
* لم يكن "الدب" مجرد لقب طريف أطلقه عليه الأصدقاء في صباه بسبب امتلاء جسمه، بل صار مع الأيام رمزاً لقلب كبير يسع الدنيا، وروح مرحة، وجَنان صلب لا تهزه العواصف. ورغم إصابته بالفشل الكلوي لأكثر من عشر سنوات واعتماده على الغسيل المنتظم، لم يكن أحد يصدق أنه مريض، فقد كان صحيح البدن، قوي النفس، عالي الضحكة، حاضر النكتة، سيّال الفكرة، متوقد الذهن.
* عرفته كما عرفه غيري إنسانا مثقفا ومحدثا لبقاً، مجلسه لا يُمل، وحديثه لا يُنسى، وتحليله السياسي والاجتماعي لا يشق له غبار. كان موسوعة متحركة، لا تسأله عن شأن في السودان أو في العالم إلا وتنهال عليك منه الدهشة والإفادة. ولم يكن هذا لشغفه بالسياسة فقط، بل كان عاشقاً للفن والشعر والغناء، يحفظ القصائد والأبيات والأغاني ومَن قالها ولحّنها وغنّاها وتاريخها، وكأنما خُلق ليكون ذاكرة حية لكل شيء جميل.
* عشق الفروسية ونادي الفروسية وسبق الخيل، وكان يحفظ عن ظهر قلب اسماء الفرسان والخيل وصفاتهم وحركاتهم وسكناتهم، وظل طيلة الخمسين عاما الاخيرة من حياته التي لم يغب فيها يوما واحدا عن ميدان السبق مع رفيقه وصديقه (ماجد حجوج) من أعمدة النادي والمؤثرين والمستشارين الذين يؤخذ برأيهم، ومحبوبا من الجميع.
* كان بيت أسرته في حي بانت شرق بأم درمان ندوة يومية يقصدها الناس من كل فج، ينهلون من علمه ويضحكون من قلبهم لطرائفه التي لا تنتهي، وحكاياته التي تتفجر دفئاً وإنسانية، كما لو أنه خُلق من طينة خاصة لا تعرف غير البهجة، رغم معاناته الطويلة مع المرض.
* ثم جاء يوم 15 أبريل، يوم الفجيعة الكبرى، وانفجر جحيم الحرب اللعينة في السودان، وسقطت القذائف على المدن والناس، وأظلمت الحياة، وانعدم الأمان وانهارت المستشفيات، وانقطع الدواء، وتوقفت جلسات الغسيل، فصار عزالدين يخاطر بحياته بحثاً عن مركز يعمل، ينتقل على عربات الكارو بين الدانات والقذائق وزخات الرصاص، ورغم كل ذلك لم تغب ابتسامته، ولم يفقد شجاعته.
* نزح إلى كسلا، ثم بورتسودان، الى ان قادته الأقدار إلى القاهرة، حيث احتضنه أصدقاؤه الأوفياء الدكتور مجدي المرضي، وشقيقه ناصر المرضي، والدكتور صالح خلف الله، وفتحوا له قلوبهم وبيوتهم ووقفوا بجانبه حتى آخر لحظة من حياته، جزاهم الله خير الجزاء، وجعل ما فعلوه في ميزان حسناتهم.
* لكن القلب الذي صمد كثيراً، أنهكته أيام السودان، وضربات الحرب، وعدم انتظام الغسيل وصعوبة الحياة تحت نيران المدافع، فلم يحتمل، واختار الرحيل في صمت هادئ، بابتسامته البهية التي كانت عنواناً له في الحياة، كأنه يقول لنا وداعاً دون نحيب.
* نعزي أنفسنا وأسرته المكلومة، وشقيقاته العزيزات د. سامية، د. سلوى، وسميرة، وأصدقاءه الذين كانوا له عوناً وسنداً، ونبكيه بقدر ما أحببناه، ونترحم عليه بقدر ما أدهشنا بعظمة صبره وروعته وبهاء روحه. إنّا لله وإنّا إليه راجعون.