"مُخَلِّص" المجتمع
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية
في ذات ليلة خرج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي اللَّه عنه، مع خادمه -أسلم- ليتفقد أحوال المُسلمين في جوف الليل، وفي إحدى الطرق جلس ليستريح من التجوال إلى جانب أحد الجدران، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه- أي اخلطيه- بالماء، فقالت الابنة: يا أُمَّاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟!، قالت الأم: وما كان من عزمته؟، قالت: إنِّه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء، فقالت الأم: يا بُنيّتي، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر، فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فربُّ أمير المؤمنين يرانا.
من منَّا لم تمر به هذه القصة؟ فقد درسناها ونحن على مقاعد الدراسة، وعلمونا أنَّ من يخاف الله يُجزى الثواب في الدنيا قبل الآخرة، وأن حرص تلك الفتاة على مراقبة الله تعالى الذي يطَّلع على السر والعلن قد زوجها بابن أمير المؤمنين حينها وبارك لها في ذريتها التي كان منها عمر ابن عبد العزيز المُلقب بخامس الخلفاء الراشدين.
جاء تقرير "ملخص المجتمع" الصادر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية قبل أيام معدودات ليؤكد للمجتمع على الثوابت الراسخة في الضرب على الفساد بيد من حديد، ويقطع دابر الفاسدين، أخذ الجميع يتداول رؤوس الأقلام في مواقع التواصل بصدور مثلجة، لأن هناك جهة حكومية تذهب للبحث عن الفساد والخلل المالي والإداري بعين المدقق الواعي، أصبحنا نرى التطور الملموس لجهاز الرقابة المالية والإدارية في الدولة، وبعد أن تم تمكين موظفي الجهاز من الضبطية القضائية، خرجوا اليوم من قالب معدّي التقارير وحسب.
من خلال اطلاعي على ما جاء في الملخص، والمخالفات المذكورة ما بين رشوة واختلاس واستغلال منصب وغيرها، والمبالغ المستردة إلى الخزانة العامة للدولة من مرتكبي المخالفات، أطرقت متسائلة إذا كان الملخص قد أبرز خلاله كل هذا فكيف الحال بالتقرير كاملًا! وما الذي يدفع بالمخالف إلى ارتكاب المخالفة؟ وكيف لأنثى أن تنقاد إلى ارتكاب المخالفات؟ هل هي الحاجة المادية أم غياب الوازع الديني والأخلاقي؟ أم هو الجهل بعواقب الأمور القانونية؟ أم كل ذلك مجتمِعًا؟
هدر المال العام من خلال المخالفات المالية والإدارية يعد من أكبر الجرائم؛ فالمخالف يعتدي على القوانين المنصوص عليها، والصادرة بمراسيم سلطانية وقرارات وزارية، فيجيز لنفسه أو لغيره ويستبيح تجاوز القانون، الذي بدوره يتسبب في اغتصاب الأموال العامة للدولة عمدًا، أو الحصول على منفعة شخصية له أو لغيره، أعطيت لموظف جهاز الرقابة المالية والإدارية صفة الضبط القضائي في أن يحيله إلى الادعاء العام، ثم يحال إلى القضاء إذا ثبت عليه الاتهام، ورغم أن عمان ممثلة في جهازها الرقابي لم تصل إلى التمكين بإحالة الموظف المخالف إلى القضاء مباشرة كبقية دول مجلس التعاون الخليجي، إلّا أنه يقوم بعمله ممثلا في موظفيه بعمله على أكمل وجه جنبًا إلى جنب والادعاء العام العماني.
عندما راقبت أم عمارة أمها وذكرتها بأن لا تمذق الماء بالحليب، وأردفت بأن الله يرى كل شيء، بعثت برسالة واضحة أن الانسياق وراء النفس وخيم العاقبة، وأن عقاب الله أشد من عقاب عمر بن الخطاب، لذا فإن الأمانة تقتضي أن يكون المرء منا جهاز رقابة ذاتي على نفسه، ويُذكر بذلك غيره، وأن يسأل ويستشير الجهة القانونية في وحدته إذا شك في مُعاملة ما، أو إذا استشكل عليه أي صعب، وليصبح كجهاز الرقابة مخلصا (بضم الميم وتشديد اللام مع كسرها) للمجتمع من هذه المخالفات.
------------------------------------------------
توقيع:
"رَثَتِ الأمانةُ للخيانة إذ رأتْ // بالشمس موقفَ أحمد بنِ علِيِّ
منْ ذا يؤمِّلُ للأمانةِ بعده // لوَليِّ سُلطانٍ ثوابَ وَليِّ
بدرٌ ضَحَى للشمس يومًا كاملًا // فبكتْ هناك جَليَّةٌ لجِليِّ
من يَخْلُ من جزع لضَيْعة حُرْمةٍ // من مثله فالمجدُ غيرُ خَليِّ"
ابن الرومي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«الرقابة المالية» تدشن أول مختبر تنظيمي بالقطاع المالي غير المصرفي
أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 163 لسنة 2024، برئاسة الدكتور محمد فريد، بإنشاء وتشغيل مختبر تنظيمي للتطبيقات التكنولوجية يسمح لمزاولي الأنشطة المالية غير المصرفية باستخدام التكنولوجيا المالية وللجهات الراغبة في القيد والمقيدة بسجل التعهيد في مجالات التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية لدى الهيئة، بإجراء اختبارات على تطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة بما في ذلك نماذج الأعمال والآليات ذات العلاقة.
يهدف المختبر التنظيمي إلى دعم وتسهيل دخول الشركات الناشئة ذات الحلول الذكية الرقمية إلى السوق، وتعزيز الفهم التنظيمي، للتكنولوجيا المالية وتحسين الممارسات التنظيمية دعماً للنمو المالي المستدام والشامل، وتعزيز مستويات الابتكار في القطاع المالي غير المصرفي من خلال الاستمرار في جهود تهيئة البيئة التنظيمية المواتية والداعمة لتوفير حلول تمويلية واستثمارية وتأمينية للأفراد والشركات.
قال الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن المختبر التنظيمي سيعمل على تعزيز جهود الهيئة العامة للرقابة المالية، في دعم الشركات الناشئة التي تعمل على أساس تكنولوجي رقمي في تقديم خدمات مالية غير مصرفية، وهو ما يرفع بدوره مستويات الابتكار داخل القطاع المالي غير المصرفي، ومن شأنه أن يؤدي إلى توسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المالية غير المصرفية، وتطوير قدرات وإمكانيات الشركات المالية غير المصرفية ومقدمي الخدمات على أساس رقمي.
الهيئة تعمل على مواكبة التطور التكنولوجيأضاف أن الهيئة تعمل على مواكبة التطور التكنولوجي غير المسبوق بما يحقق صالح المتعاملين، عبر ضمان وجود بيئة تفاعلية بين الشركات التي تقدم الحلول الذكية لصالح المؤسسات المالية غير المصرفية والمراكز البحثية والجامعات بالإضافة إلى حاضنات ومسرعات الأعمال والمستثمرين وشركات التكنولوجيا العالمية.
أوضح أن المختبر التنظيمي للقطاع المالي غير المصرفي، سيساعد الهيئة أيضاً لتحقيق رؤيتها في دعم وتشجيع الابتكار في الخدمات المالية غير المصرفية، مع العمل على تحقيق استفادة المستهلكين من التقنيات الناشئة وكذلك الحفاظ على المعايير التنظيمية، على أن يساعد المختبر التنظيمي الشركات الناشئة على كسب ثقة المستثمرين وجذب رؤوس الأموال وذلك لخلق بيئة تفاعلية نحو النمو المستدام.
المختبر سيعمل على دعم المبتكرينذكر الدكتور فريد، أن المختبر التنظيمي التابع للهيئة العامة للرقابة المالية، سيعمل على دعم المبتكرين لفهم وتحسين الامتثال والممارسات التنظيمية، وكذلك دعم النمو المالي المستدام والشامل للقطاع المالي غير المصرفي، ولتوفير بيئة تجريبية آمنة للشركات الناشئة لاختبار منتجاتها وخدماتها تحت إشراف الهيئة.
وجه رئيس الهيئة الدعوة للشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجال الخدمات المالية غير المصرفية ذات الحلول الذكية والمبتكرة للاستفادة من المختبر التنظيمي في تطوير نماذج أعمالهم وزيادة كفاءة مشاريعهم.
يأتي ذلك اتساقاً مع رؤية الهيئة العامة للرقابة المالية، لرقمنة المعاملات المالية غير المصرفية، وإتمام عملية التحول الرقمي داخل القطاع، تسريعاً وتيسيراً للوصول والحصول على الخدمات المالية غير المصرفية، وتوسيع قاعدة المستفيدين منها. كانت الهيئة انتهت من الإطار التنظيمي والتشريعي الخاص بالتحول الرقمي، حيث أصدرت في عام 2022 القانون رقم 5 لسنة 2022 لتنظيم استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية وتبعه قرار رقم 58 لسنة 2022 بشأن الشروط والإجراءات المتطلبة للتأسيس والترخيص والموافقة للشركات والجهات الراغبة في مزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية من خلال تقنيات التكنولوجيا المالية، إيماناً من الهيئة بأهمية التحول الرقمي في تحقيق مستهدفاتها.
أنظمة المعلومات ووسائل الحمايةوأصدرت الرقابة المالية، القرار رقم 139 لسنة 2023 بشأن التجهيزات والبنية التكنولوجية وأنظمة المعلومات ووسائل الحماية والتأمين اللازمة لاستخدام التكنولوجيا المالية لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية.
وكذلك القرار رقم 140 لسنة 2023، بشأن الهوية الرقمية والعقود الرقمية والسجل الرقمي ومجالات استخدام التكنولوجيا المالية لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية ومتطلبات الامتثال، وهو ما يعد أول قرار تنظيمي صادر عن جهات الرقابة على القطاعات المالية، والذي حدد تفصيلاً متطلبات التعرف الإلكتروني الرقمي على العملاء.
بالإضافة إلى القرار رقم 141 لسنة 2023، بشأن سجل التعهيد في مجالات التكنولوجيا المالية لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية، وهي الشركات التي يجوز لها توفير خدمات التعرف على العملاء وسجلات العقود إلكترونياً، للشركات المالية العاملة في المجال، والذي سمح بإنشاء سجلات التعهيد، وقيد 4 شركات حتى الآن، وتستهدف عدة شركات أخرى الانتهاء من إجراءات القيد خلال الفترة المقبلة.