ياسر عرمان: مش كلمنا وفد الدعم السريع في أديس أبابا عن انتهاكاتهم في الحرب وبس بل وكلمناهم عن انتهاكات القوات المسلحة أيضاً (2-2)
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
جاء العوار لدعوة وقف الحرب لما خلت من الشوكة بالانغماس في سياسات ضحايا الحرب وسياساتهم ميدانياً، من جهتين، فمن جهة أفرغت ملكاتها ووقتها في الحجاج مع الإسلاميين، فما ذكرتهم إلا قلبت صفحات تظلمها منهم لعقود خلال الإنقاذ وقبل الإنقاذ، ويبلغ اجترار هذا التظلم من الإسلاميين حداً يدفع المرء للتساؤل عن متى سيتصالحون مع حقيقة أنهم (أي قحت) هزموهم لخمس سنوات مضت هزيمة نكراء.
تقتضي الشفافية من "قحت"، متى اشتكوا مر الشكوى من عودة الإسلاميين للميدان السياسي، أن يتحلوا بالنفس اللوامة، فعودة الإسلاميين بالقوة التي ينسبونها لهم حتى حملوا الجيش ليشعل هذه الحرب تعليق سلبي كبير على أنهم لم يحسنوا إلى ثورتهم.
والعوار الآخر جاء لقحت من حس كثير من الناس أنها جانحة لـ"الدعم السريع" سراً في حين يقف الإسلاميون مع القوات المسلحة جهرة. فهي و"الدعم السريع" متطابقان في تحميل الفلول وزر بدء الحرب لاستعادة حكم دولة الإنقاذ التي أطاحتها ثورة 2018. ومن "قحت" من يرى الجيش طرفاً أصيلاً في بدء الحرب، وهناك من يراه منجراً بلا إرادة بالإسلاميين، وخلافاً لما يقول الإسلاميون عن "قحت" فهو تطابق في الرأي خلا بالتأكيد من التدبير المسبق، لكن تصادف أنهما معاً تخاصما مع الجيش والإسلاميين كل في توقيته الخاص.
خصومة قوى الحرية والتغيير وأسلافها معهما في الساحة السياسة تاريخية بينما استجد "الدعم السريع" عليها، فبدا للأسماع أن عبارة أحدهم هي الصدى للآخر، فإذا استنفر الجيش الشباب للتدريب لحماية أحياءه ومدنه قالا في الوقت نفسه إن هذا مما سيقود للحرب الأهلية لأنه تجييش عرقي يؤلب شباب الشمال على "الدعم السريع" الذي كثيرة من مناطق الغرب. وكأن الحرب تنتظر لا تزال أن تكون حرباً أهلية. وإذا قال الفريق عبدالفتاح البرهان إنه سيقيم حكومة أمر واقع في بورتسودان لتصريف أعمال الدولة قالا إن تلك دعوة لقسمة البلاد كما في ليبيا.
وإذا خرج الفريق البرهان كما فعل أخيراً من الخرطوم قالا ترك "بدرومه" (نفس الكلمة) وهرب من المعركة، وعليه يصعب على المرء ألا يشتبه في جنوح "قحت" لـ"الدعم السريع" طالما كان صوت أحدهم المحكي والآخر الصدى في قول المتنبي.
ومن أوضح مظاهر ضعف شوكة "قحت" في دعوتها إلى وقف الحرب أنها تكاد تكون منقطعة الصلة بالطرفين المتحاربين ورموزهما، وهما من لا يحرص طالب وقف الحرب على شيء مثل أن تكون طرقه لمثلهما لاحبة.
قد لا يستغرب المرء انبتات علاقة "قحت" مع القوات المسلحة المتهمة عندها بإشعال حرب عبثية، لكن تعز الإجابة عن سبب انقطاعها عن "الدعم السريع" الذي لا تزال تثق في ولائه لاتفاقهما الإطاري، فكشف لقاء قريب لياسر عرمان، القيادي بـ"قحت"، مع قناة "الجزيرة" أن صلتهم بـ"الدعم السريع" غير سالكة، كما يتوقع المرء منهما:
- هل تحدثت أنت شخصياً أو أحد قيادات الحرية والتغيير بصورة مباشرة مع الفريق البرهان أو الفريق حميدتي؟
- نعم. تم حديث معهم ومع عبدالرحيم (دقلو) ومع (شمس الدين) كباشي.
- هل أنت شخصياً تكلمت مع الفريق البرهان أو الفريق حميدتي؟ ومتى كان؟
-لا. لم تتح لي الفرصة. ولكني مستعد للحديث إليهما لإنهاء الحرب.
- أنت قلت لي هناك من قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي من تواصل مع الفريق البرهان والفريق حميدتي. من منكم تواصل معهم بشكل مباشر؟
- هناك لجنة محددة من قوى الحرية والتغيير لا أعتقد أنه من المفيد الآن، ومن السابق لأوانه، أن أذكر أسماءها لأنها يجب أن تتحدث هي عن نفسها. وستتحدث يوماً ما. نحن لا نريد كتابة التاريخ، ولكن نريد إنهاء الحرب.
- ولكن في الأقل وصل لك فحوى الاتصالات. ماذا عرض البرهان وحميدتي عليكم حين تحدثتم إليهما.
- طبعاً الحديث يدور حول إنهاء هذه الحرب بشكل مشرف في جميع السودان.
- حينما تحدثتم إلى الفريق حميدتي، هل حدثتموه عن اغتصاب يشار إليه ومسؤولة عنه قوات "الدعم السريع" كما جاء في بعض التقارير الدولية. هل حدثتموه عن احتلال منازل الناس وعن التهجير الذي حدث لآلاف السودانيين، بل ملايين؟
-الحديث الذي قمنا به بالتفصيل كان مع وفد "الدعم السريع" (في مفاوضات جدة؟) عن الاغتصابات، عن انتهاكات حقوق الإنسان، وعن الانتهاكات التي قامت بها القوات المسلحة. وكان حديثاً واضحاً. وكانت لديهم رغبة في الخروج من الحرب، وفي وقف العدائيات، وفي معالجة القضايا الإنسانية.
- كلام "الدعم السريع" غير منطقي. يقولون ليل نهار إنهم يريدون السلام، ولكن لا يتفق قولهم مع ما يحدث على الأرض. الانتهاكات لا تزال متواصلة. هل حدثتم وفد "الدعم السريع" بهذا الأمر؟
- تحدثنا معهم وناقشناهم. وأنت أيضاً حاورتهم وأجهزة الإعلام حاورتهم. وهذا ليس بسر. أنا شاركت في مفاوضات سلام عديدة، وحضرت حروباً هذه هي الثالثة. الحرب الأولى كنا مع الدكتور قرنق لأكثر من 20 عاماً. وانتهت الحرب باتفاق سلام، ثم أيضاً اتفاق سلام جوبا في 2020. وهذه الحرب الثالثة. خبرتنا تقول إن حركات أقل من "الدعم السريع" لا يمكن القضاء عليها. ولذلك سيكون "الدعم السريع" قوة موجودة يجب التعامل معها ويجب الوصول إلى حلول لأزمة السودان على أساس برنامج وليس العودة إلى النظام القديم.
تجمل ياسر في هذا الحوار وإن لم تفت على المستمع حقيقة عدم وجود صلة مؤسسية بين "قحت" و"الدعم السريع" بعد نصف عام من الحرب. وهي الصلة التي لا غنى عنها لداعية لوقف الحرب لأنها تأذن لهما، ضمن أشياء أخرى، مدارسة مسألة تصعيد الحرب التي أثارتها السيطرة على ود عشانا مما أشفق بريطانيا على مهجري الخرطوم فيما بين النهرين في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحریة والتغییر القوات المسلحة الفریق البرهان الدعم السریع وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تعلن قيام حكومة موازية في السودان مع دخول الحرب عامها الثالث
الخرطوم - أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الثلاثاء15ابريل2025، قيام حكومة موازية في السودان، مع دخول الحرب التي أوقعت عشرات آلاف القتلى وأغرقت أنحاء من البلاد في مجاعة، عامها الثالث.
وطالب 15 بلدا والاتحادان الأوروبي والإفريقي الثلاثاء خلال مؤتمر في لندن بـ"وقف لإطلاق النار فوري ودائم" في السودان، مع التشديد على "ضرورة الحؤول دون تقسيم السودان".
وجاء في بيان لدقلو على تلغرام "نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة - تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان".
وأضاف "ستوفر حكومتنا الخدمات الأساسية - التعليم والصحة والعدالة - ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية. ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه".
ودخلت الحرب في السودان الثلاثاء عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
وخلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في شمال دارفور، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وروت آمنة حسين البالغة 36 عاما لوكالة فرانس برس "دخلوا زمزم وراحوا يطلقون النار علينا".
وأصيبت حسين برصاصة في يدها لدى فرارها من المخيم إلى مدينة طويلة التي تبعد نحو 60 كلم.
وقالت بعدما أنهكها السير لثلاثة أيام وقد تورّمت يدها "لففت يدي بقماشة لوقف نزيف الدماء وركضنا بلا توقف".
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غربي السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
من جهته، أعلن الجيش السوداني أنه نفذ الاثنين "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر" وأدت إلى مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. وتواجه قوات الدعم السريع تحديدا اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي الذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
- كابوس لا ينتهي -
ويقول عبد الرافع حسن (52 عاما) وهو من سكان جنوب الخرطوم "كنا نعيش في رعب من تصرفات أفراد الدعم السريع في الطرقات أو عندما يقتحمون المنازل". ويكشف حسن الذي بقي في الخرطوم لوكالة فرانس برس أنه خسر نصف وزنه خلال سنتين.
ويتابع "الآن بعد أن تحررت منطقتنا منهم نعيش في أمان لكن نعاني من نقص في خدمات المياه والكهرباء" مؤكدا أن معظم مستشفيات العاصمة لم تعد تعمل.
وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون "بلا كهرباء". ويضيف "بعد تحرير المدينة حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها توفر لحوالي 8 ساعات في اليوم".
بعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبد الرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل".
وتقول زينب عبد الرحيم لوكالة فرانس برس إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل. وتضيف "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أم درمان (على بعد نحو 9 كيلومترات)، فسوق مدينة بحري محطم واحترق".
وبحسب الأمم المتحدة، قد يعود أكثر من 2,1 مليون نازح إلى الخرطوم في خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا ما سمحت الأوضاع الأمنية والبنى التحتية بذلك.
- استمرار تدفق السلاح -
وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة".
وشدد غوتيريش في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
ويتّهم الجيش السوداني الإمارات بمدّ الدعم السريع بالأسلحة، ما تنفيه الدولة الخليجية وقوّات دقلو بدورها.
- التخلّي عن السودان -
وفي البيان الختامي، تعهّدت البلدان المشاركة في مؤتمر لندن بأكثر من 80 مليون يورو إضافية لمساعدة السودان في مواجهة أزمة إنسانية كارثية.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في افتتاح المؤتمر المنظّم بمبادرة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والاتحاد الإفريقي "لا يمكننا بكلّ بساطة أن نشيح نظرنا".
وتابع أن "كثيرين تخلّوا عن السودان... وهذا خطأ أخلاقي نظراً لعدد القتلى المدنيين والرضّع الذين بالكاد بلغوا عامهم الأوّل وتعرّضوا لعنف جنسي وعدد الأشخاص المهدّدين بالجوع الذي يفوق المستويات المسجّلة في أيّ مكان آخر في العالم".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توم بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.
واعتبرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف) أن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في أنحاء السودان".