جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-10@16:58:49 GMT

"ساندويش شاورما"

تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT

'ساندويش شاورما'

 

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

أثناء زيارتي الأخيرة لإحدى الدول الإسلامية، شاهدت ما لم أشاهده في كثير من بلاد العالم، مما جعلني أقف حائرًا متأملا وأنا في حالة من التعجب والدهشة، والذي شاهدته: مقهى صغير ومتواضع جدًا يقدم سندويشات الشاورما باللحم والدجاج لزبائنه، والناس تتزاحم عليه من كل مكان وصوب، مما جعلني أتساءل مع نفسي، يا ترى ما هو سر ازدحام الناس على ذلك المقهى على رغم صغره وتواضعه؟ وهل الازدحام فقط لمجرد الطعم اللذيذ الذي يقدمه صاحب المقهى لزبائنه؟ ولماذا الناس تفضل الوقوف صفوفا على أعتاب ذلك المقهى؟ مع أن هناك عددًا لابأس به من المقاهي والمطاعم المختلفة والكبيرة والتي تقدم أيضًا الشاورما في نفس الشارع؟

هنا بدأت رحلة البحث عن سر نجاح ذلك المقهى، فرأيت من الحكمة تجربة ما يقدمه ذلك المقهى من وجبات الشاورما، صَففتُ مع الناس حتى وُفِقت للوصول إلى بائع الشاورما، وهنا كانت المفاجأة العظيمة والإجابة الأعظم على تساؤلي والتي كانت كالآتي:

رأيت بائع الساندويتش واضعًا أمامه الميزان الذي لم أره في مقاهي ومطاعم العالم، كان يقطع اللحم الناضج ثم يضعه على الميزان ويزنه حتى يتأكد من وزن كل حبة ساندويتش يُقدمها لزبائنه، فهو لا يبيع سندويشة إلا ويزن اللحم الذي فيها، بحيث يساوي وزن بقية الساندويتشات الأخرى، سألته: لماذا تفعل ذلك؟ قال: لكي لا أظلم أحداً من الناس وأنقصه حقه من أكل اللحم الحلال، ولأحظى برضا ربي "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ".

أذهلني جوابه وحرصه على إطعام الناس لقمة الحلال، وعدم أكل حقوقهم، وعلمت أن سر نجاحه وحب الناس لمحله، واختياره من بين بقية مقاهي الشاورما، هو بسبب خوفه من الله تعالى وأمانته ومراعاته لحقوق الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْجَنَّةِ جَسَدًا غُذِّيَ بِحَرَامٍ)، وقال: (إِذا وَقَعَتِ اللُّقمَةُ مِن حَرامٍ فِي جَوفِ العَبدِ لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ، وما دامَتِ اللُّقمَةُ فِي جَوفِهِ لا يَنظُرُ اللّهُ إلَيهِ)، فما أجمل هذا الأسلوب الواعي من هذا البائع، وحرصه على إطعام الناس اللحم الحلال والحفاظ على حقوقهم.

لقد أصبح الطعام اليوم هو الاحتياج الأكبر للناس، فهم يتناولونه على هيئة وجبات خفيفة ودسمة، وفي كثير من الأحيان يرغب البعض في تناول طعامه من خارج البيت، من المطاعم والمقاهي المنتشرة في البلاد، ومن المؤسف عندما نرى حال بعض المطاعم والمقاهي في بلادنا العربية والإسلامية، والتي لا تهتم بصحة الإنسان، فتقدم اللحوم الفاسدة أو المصنعة أو المذبوحة على غير الطريقة الإسلامية، فضلاً عن بخس الناس حقوقهم وتعريضهم للأمراض المختلفة بسبب الجشع والطمع بهدف الربح السريع.

لقد أثبتت الشريعة الإسلامية حرصها على تناول الإنسان الأغذية الصحية، لذا نرى اليوم أتباع الديانات الأخرى من غير المسلمين أصبحوا يفضلون تناول الطعام الحلال المُعد بحسب الطريقة الإسلامية، فهناك دراسات علمية لعلماء وباحثين من شتى بقاع العالم أمثال: الدكتور ستيفن ويلكنز من الجامعة البريطانية في الإمارات العربية المتحدة، والدكتور محمد محسن بوت من معهد غلام إسحاق خان للعلوم الهندسية والتكنولوجيا في باكستان، وغيرهم من أهل الاختصاص الذين تحدثوا عن إقبال الناس على الطعام الحلال أكثر من غيره من الأطعمة المعروضة في الأسواق العربية والأجنبية، وهذا يجعلنا أمام مسؤولية عظيمة وهي: مراقبة الأسواق وإخلائها من الأطعمة المحرمة، والتركيز على تقديم المصلحة العامة للناس بما يفيدهم، وإبعادهم عن ما يضرهم وذلك لا يكون إلا بترسيخ مفهوم الأكل الحلال الخاضع للتوجيهات الإسلامية.

ومن أجل نجاح أسواقنا العربية والإسلامية وبالخصوص في الجانب الغذائي السليم، لابد من التركيز على بعض النقاط الهامة والتي من أبرزها:

•     دعم المنتجات الموافقة للشريعة الإسلامية.

•     مراقبة الأسواق وخلوها من البضائع المحرمة شرعا ومخالفة كل ما هو مخالف للشريعة الإسلامية.

•     الترويج للمنتجات المناسبة للعادات الأسرية والاجتماعية العربية والإسلامية، والابتعاد عن كل ما له صلة بالعادات الغربية بقدر الإمكان.

•     تطوير المنتجات بشكل دائم ومراقبة تاريخ صلاحيتها.

•     اختيار وانتخاب أفضل السلع ذات الجودة التي يحتاجها المجتمع.

•     إدارة المشاريع الغذائية وغيرها بشكل يساعد على النجاح والازدهار والتفوق.

•     التسويق المستمر للأطعمة الحلال، فهو يساعد على كسب العملاء وتواجدهم في الأسواق وزيادة المبيعات المعروضة.

•     اختيار أفضل موارد التوريد من حيث السعر والجودة والتسهيلات للتمكن من جذب المستهلكين واقناعهم بما يعرض.

•     توعية الباعة بأهمية الأمانة والصدق واحترام المستهلكين والابتعاد عن الغش التجاري والمعاقبة على ذلك.

أخيرًا قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب في كتابه إلى مالك الأشتر النخعي: "وَليَكُن البَيعُ بَيعا سَمحا، بِمَوازينِ عَدلٍ، وأسعارٍ لا تُجحِفُ بِالفَريقَينِ مِنَ البائِعِ وَالمُبتاعِ). وجاء في تاريخ دمشق عن أبي‏ سعيد: كان خليفة المسلمين علي بن أبي طالب يأتي إلى السوق فيقول: "يا أهلَ السّوقِ، اتَّقُوا اللّهَ، وإيّاكُم وَالحَلفَ؛ فَإِنَّ الحَلفَ يُنفِقُ السِّلعَةَ، ويَمحَقُ البَرَكَةَ. وإنَّ التّاجِرَ فاجِرٌ، إلّا مَن أخَذَ الحَقَّ، وأعطَى الحَقَّ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

واقع الحال

#واقع_الحال

د. #هاشم_غرايبه

كثيرا ما يخطر في البال تساؤل: لماذا تكون الغلبة في هذه الدنيا للشر؟، ولماذا يسود الظلمة ويُقصى الصالحون؟.
الإجابة نجدها في قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم: “وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ”.
هي من حكمة الخالق التي لا يمكننا الإحاطة بكافة جوانبها، لأنها متداخلة مع حكم أخرى كثيرة أرادها حينما خلق الإنسان.
الأنانية وحب الذات هي السمة الأساسية لطبيعة الكائنات الحية، لأنها مستمدة من غريزة حب البقاء، والإنسان المتميز بينها بالعقل لا يختلف عنها في ذلك، إلا أنه يغلف هذا الطبع بأقنعة تجميلية مختلفة.
لذلك يسود الطمع والظلم أكثر بكثير من الإيثار ونفع الآخر، فيتغلب على الصلاح البشري المستمد من الفطرة التي أوجدها الله في النفوس (الضمير)، ويصبح الميل الى اتباع الهوى وإشباع الغرائز، أقوى بكثير من الميل الى الصلاح والإنصياع الى ضوابط الضمير.
ولما كان الدين أحكاما ضابطة تسعى لتوفيق السلوك مع الفطرة، وكبح نوازع الأنانية، لذلك سيجد معارضة وعداء من متبعي الشهوات والهوى، وممن يربحون من تعميم المفاسد، وهؤلاء هم الغالبية العظمى بين الناس.
طوال التاريخ البشري منذ أن أنزل الله هديه برسالاته، ظلت هذه الفئة أشد المناوئين لرسل الله، ونجحوا في تقليل حجم متبعيهم، لكن مع ذلك ظل تأثير الذين استقاموا في الناس بأضعاف تأثير المعادين، لعلو همتهم ومضاء عزيمتهم ولتسلحهم بالمنطق، ولدعم الله لهم، لذلك طور محاربو الدين أساليب مادية بالمحاربة والحصار والملاحقة، لقمع الدعاة لاتباع منهج الله، وأساليب فكرية بالدعاية والتضليل لرد الناس عن اتباع الدين.
من هذه الأساليب (فصل الدين عن الدولة)، بهدف تحييد الدين عن التأثير، وتحويله الى مجرد معتقدات فردية، وتفريغه من مضامينه لإبقائه بشكل شعائر وطقوس، فيشيع الرافضون لتحكيم شرع الله في أمور الناس وحياتهم أن الدين رجعي، أي يعيد الناس الى الماضي ويعيق انفتاحهم على العلوم والتقنية، وبالتالي مانع من التقدم في عصر السباق التقني والعلمي.
أغلب هؤلاء لم يعتمدوا قناعاتهم هذه من دراسة مقارنة بين التشريعات البشرية والدينية، بل قد لا يكون أغلبهم درس تلك التشريعات ولا يعلم من تفصيلاتها شيئا، ولو سألتهم كيف حكمت إذاً؟، سيقول: من ملاحظتي للدول الإسلامية، فهي تطبق الإسلام ولذلك جميعها متخلفة!.
بالطبع من العبث إزالة هذه الفكرة الغبية من عقول معادي منهج الله، حتى بالاستدلال بوقائع التاريخ، التي تؤكد أنه لا دولة في العالم تطبق الإسلام منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، لأنه أمر محظور، فجميع الدول المؤهلة لذلك (من كانت في نطاق دار الإسلام)، جميعها وقعت تحت الهيمنة الغربية المباشرة، حيث كانت سابقا أوروبية: بريطانية أو فرنسية أو إيطالية أو اسبانية، ثم تسلمتها أمريكا منها بعد الحرب العالمية الثانية، وحافظت على النهج ذاته: منع قيام نظام حكم إسلامي، ولو حاول أي نظام إظهار نوايا لذلك يتم استبداله فورا، والتجارب التاريخية شاهدة مثل الإنقلاب على عدنان مندريس (1961) وإعدامه، واعدام ذوالفقار علي بوتو(1979) بعد الانقلاب عليه من قبل ضياء الحق، والإنقلاب على أربكان(1997)، والإنقلاب على مرسي (2013) ثم تدبير مقتله في السجن، والإنقلاب الفاشل على أردوغان(2016)، وأخيرا وليست آخرا، محاولتهم القضاء على النظام الوحيد الباقي مصرا على انتهاج الإسلام في القطاع، فحاصروه عشرين عاما، ثم أغروا الكيان اللقيط بالتدخل العسكري الدموي، فمولوه وغطوا على جرائمه، حالمين باجتثاثه نهائيا.
يتبين لنا أنه يسمح للدول التي أنشأت على أنقاض الدولة الإسلامية التاريخية أن تعلن أنها إسلامية لكن من غير تطبيق النظام الإسلامي، وتظل تحت المراقبة المشددة طوال الوقت، ولا تحصل على حسن السلوك إلا إذا بطشت بكل من يدعو الى تطبيق الإسلام.
القوى الكبرى تستخدم طوابير من العلمانيين اختارتهم من أبناء الأمة، دربتهم في معاهدها، وتشربوا الولاء لقيمها ومبادئها، فهم يحاربون الدين نيابة عنها، مقابل أن يتم اختيار الإدارات والقيادات من بينهم، لحرمان ذوي التوجهات الإسلامية منها.
بذلك استطاعوا أن يسجنوا الأمة في أقبية التخلف، وحراسها أنظمة مستبدة مستأجرة، وذلك لأننا أطعنا الغرب بمسمى خادع هوالتقدم، فأضلونا عن سبيل الله، الذي أرادنا خير أمة، فأبى أكثرنا الا كفورا.

مقالات ذات صلة الأزمة المتوقعة بين الحكومة والبرلمان 2024/09/08

مقالات مشابهة

  • الإمارات تشارك في اجتماع مساعدي وزراء الشؤون الإسلامية والأوقاف بدول التعاون
  • الإمارات تشارك في الاجتماع الـ9 لمساعدي الوزراء المسؤولين عن الشؤون الإسلامية والأوقاف بدول التعاون في الدوحة
  • هل يجوز للراقصة قراءة الفاتحة قبل بدء عملها؟ سعاد صالح تُجيب (فيديو)
  • إِنَّا أرسلنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا
  • غزة والمرجفون في المدينة!!
  • مشكلة الأخلاق
  • نصيحة
  • الزنان
  • «نجيب محفوظ».. حياً
  • واقع الحال