جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-03@13:59:33 GMT

الوطن.. بين النقد وجلد الذات

تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT

الوطن.. بين النقد وجلد الذات

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

يُحكى أنَّ رجلًا صينيًا أراد الانتحار فتوجه إلى أحد الجبال وفي الطريق لقي كهلًا يعيش في كوخ وحيدًا، فدعاه للمبيت معه، وبعد تردد وافق الرجل ودخل الكوخ، لكنه ظل مستيقظًا، فسأله الكهل عن قصته، ردَّ عليه الرجل وطلب منه أن يدعه في حال سبيله، ولمّا أصرّ عليه، حكى له قصته، وقال له حين ولدتُ توفيت والدتي، وما إن وصلت أنا وأبي إلى البيت حتى توفي هو الآخر، ثم أُخِذتُ إلى دار للأيتام لأنَّ عائلتي أرادوا التخلص مني لاعتقادهم بالنحس الذي يُرافقني بعد أن أصابتهم الرهبة، وفي دار الأيتام، أبتعد الكُل عني وكنتُ وحيدًا لأنني كلما عقدتُ صداقةً مع أحدهم أصيب بمكروه، إلى أن كبرتُ وتزوجتُ ظنًا مني أنَّ هذا النحس سيتركني، لكن في ليلة زفافي مرضت زوجتي مرضًا شديدًا وخشيتُ عليها الموت، فغادرتُ بلدتي ومن يومها وأنا أحاول ألّا أقترب من أحد حتى لا يُصاب بمكروه، طلب الكهل منه أن ينام وفي الصباح سيتحدثون، نام الرجل وفي الصباح وجد الكهل أمامه يبتسم ويقول له ها أنا ذا أمامك لم يُصبني أي مكروه؛ بل إن حتى دجاجتي التي لا تبيض باضت اليوم، لقد رسّخت في عقلك الباطن أنك سيئ الحظ لذلك صدقت نفسك وأصبحت تربط كل ما هو سيئ بك، ولو أنَّك نظرت للأمور الإيجابية التي حدثت لك في حياتك لوجدتها أكثر من السيئة، لقد نسيت أن هناك شيء اسمه قضاء وقدر وأخذت تجلد ذاتك دون رحمة.

كم من شخص بيننا يمارس جلد الذات ولوم النفس على كثير من الأمور لمرحلة أصبح البعض فاقدًا لتقديره لذاته؟ إن أسوأ ما يقدمه جلد الذات للفرد هو إيصاله لمرحلة السخط والسوداوية وتوقع الأسوأ والنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس وعدم الإيمان بقابلية الأوضاع للتبدل، وهل لهذا الأمر انعكاس سلبي على تقدير الفرد لذاته وتقديره لغيره فيصل به الحال إلى المعاناة المستمرة؟!

إننا- كأفراد- ربما نمارس جلد الذات دون أن نشعر حتى على مستوى الوطن فندخل دائمًا في مقارنات مع الغير وننظر للنواقص بعدسة مكبرة ونضخمها لدرجة تصبح الرؤية من خلالها منعدمة، ونبالغ في النقد السلبي بحسن ظن في أحيان كثيرة لدرجة نرى أن كل منجز خلفه الكثير من الفساد والشك والتأويل ونبحث من خلاله عن عثرة نضعها في إطار مزخرف باسم الرأي وحريته وأحقية ممارسته وفق ما أقرته القوانين، هذه الممارسة تعود بالضرر علينا في الدرجة الأولى؛ حيث إن القيم الوطنية تنمو إذا ما عززت ورويت بمشاعر الفخر والاعتزاز والتباهي بالأوطان وإعلاء قيم الانتماء والرضا  بما لدينا وتنتقل هذه المشاعر للأجيال عندما يشاهدونها ويحسونها لدى الكبار والعكس صحيح فمشاعر السخط والنقمة تنمي لدى الفرد الحقد والغضب والشعور بالظلم والكراهية مما يؤثر سلبًا على الأجيال التي تشاهد كل ذلك أمامها.

إنَّ للأوطان حقوقًا علينا، ومهما حدث لا بُد من الفصل بين الأوطان والممارسات التي تصدر من الأفراد.. ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي "وللأوطان في دم كل حر // يد سلفت ودين مستحق"، فإن كان للوطن حق الدم علينا فمن الأجدر أن نوفِّي حقه في الحفاظ عليه من خلال توجيه مشاعر الرضا والبذل والعطاء في سبيل رفعته ووضعه في مكانته المستحقة، والإخلاص في العمل حتى لا يصل بنا الحال للإساءة له من خلال ممارساتنا التي تنتهي بوقوع الظلم على الفرد أو الجماعة؛ فالمُستغِل لسلطته دون وجه حق هو أحد أسباب تنامي الشعور بعدم الرضا والوصول بالمواطن إلى جلد الذات والمقارنة وتقزيم المنجزات، وعليه أن يعرف أنه مساهم في هذا الحال.

لا أدعو لعدم تقديم النقد؛ بل على العكس تمامًا، فأي مجتمع لا يمارس النقد بشكله الصحيح هو مجتمع متهالك زائل لا محالة، ويدمر ذاته تلقائيًا، لأن النقد مفتاح لتجويد العمل والرقي بالأهداف، وسبيلًا للوصول إلى الغايات بشكل أسرع وأتقن..

وأخيرًا.. النقد الحقيقي ينطلق من قيم عالية تتمثل في الإخلاص والتفاني والتضحية وإنكار الذات، ولا يُتقِن النقد إلّا من يسعى لصلاح مجتمعه ورفعته بصدق.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الدول الأكثر اقتراضا لعام 2024

أنقرة (زمان التركية) – أعلن صندوق النقد الدولي (IMF) أنه من المتوقع أن يتجاوز الدين العام العالمي 100 تريليون دولار اعتبارا من عام 2024.

ويسرد تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عن صندوق النقد الدولي، والذي نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أسباب ومخاطر ارتفاع الاقتراض في جميع أنحاء العالم.

وعلى وجه الخصوص، فإن عوامل مثل زيادة النفقات الصحية وميزانيات الدفاع وشيخوخة السكان تضع قدرا كبيرا من الضغط على المالية العامة.

الارتفاع السريع للديون

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة الدين العام العالمي إلى إجمال الناتج المحلي إلى مئة في المئة بحلول عام 2030.

وهذا يعني أن إجمالي الإنتاج الاقتصادي العالمي سيتساوى مع الديون.

من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي فشل الحكومات في اتخاذ تدابير كافية في إدارة الديون إلى أزمات اقتصادية واجتماعية خطيرة، لا سيما في البلدان النامية.

وتتصدر الولايات المتحدة قائمة أكثر الدول استدانة لعام 2024 بحجم دين عام بلغ 36.1 تريليون دولار وهو ما يعادل 34.6 في المئة من إجمالي الدين العالمي.

ويشكل الدين العام للولايات المتحدة 121 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

وجاءت الصين بالمرتبة الثاني بحجم ديون بلغت 16.5 تريليون دولار وهو ما يعادل 16.1 في المئة من إجمالي الدين العالمي.

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة الدين العالمي لإجمالي الناتج المحلي ستتراجع بنحو 20 في المئة في حال استثناء ديون الولايات المتحدة والصين، غير أن عبء ديون هاتين الدولتين يزيد من المخاطر على المنظومة المالية الدولية.

وجاءت اليابان في المرتبة الثالثة تلتها المملكة المتحدة ثم فرنسا وإيطاليا والهند وألمانيا وكندا والبرازيل.

وعلى صعيد الدول العربية، تصدرت مصر القائمة بدين عام بلغ 345.5 مليار دولار تلتها المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بدين عام بلغ 311.5 مليار دولار ثم الإمارات العربية المتحدة بدين عام بلغ 171.1 مليار دولار.

وتلجأ الدول النامية للاقتراض من أجل تمويل مشاريع البنية التحتية والنفقات العامة، غير أن الاستدانة المفرطة تخلق أعباء شديدة لهذه الدول.

لماذا تقترض الدول؟

الحكومات تهدف لتمويل النفقات العامة بعائدات الضرائب، غير أن هذا الأمر ليس ممكنا دائما.
ويعد الاقتراض طريقة تستخدم غالبًا للحفاظ على الخدمات العامة وتمويل مشاريع البنية التحتية ودعم النمو الاقتصادي، غير أن الاقتراض يمكن أن يصبح عبئًا ماليًا ثقيلًا على البلدان في حالة عدم وجود سياسات مالية مستدامة على المدى الطويل.

تأثير الاقتراض ومخاطره

أسرد صندوق النقد الدولي والمنظمات المالية الدولية مخاطر الاقتراض طويلة المدى على النحو التالي:

عبء الفوائد المتزايد

تكاليف الاقتراض في البلدان النامية أعلى بكثير منها في البلدان المتقدمة.

– انخفاض الموارد

يمكن أن يؤدي سداد الديون إلى انخفاض الموارد في المجالات الحيوية مثل الصحة والتعليم واستثمارات البنية التحتية.

– الركود الاقتصادي

يمكن أن يؤدي الإفراط في المديونية إلى إبطاء النمو الاقتصادي وتقليل ثقة المستثمرين.

هذا ومن المهم للغاية أن تطور الدول النامية أيضا سياسات ديون مستدامة، حيث يشكل منع أزمات الديون أولولية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي.

مقالات مشابهة

  • النرجسية في عالم الفن السوداني: فهم الذات دون الغرور
  • مختار جمعة يحذر: الحديث عن الذات الإلهية دون علم يهدد العقيدة
  • الشباب والرياضة تنقذ اللقاء السادس من برنامج تنمية المهارات وتطوير الذات بالبحيرة
  • بقيمة 11 مليون جنيه.. ضربات مستمرة ضد تجار النقد الأجنبي
  • منفرد المسكن والنفقة.. ما المقصود بالفرد المستقل في حساب المواطن؟
  • الدول الأكثر اقتراضا لعام 2024
  • مع بداية العام الجديد 2025.. 15 نصيحة لتحسين صحتك النفسية والبدنية
  • «سوليفيجيا» لبريهان أحمد رواية نفسية تعيد اكتشاف الذات
  • أقرع: وداعا يا ٢٠٢٤ سنة إكتشاف تفاهة الذات
  • حزب المؤتمر يؤكد دعمه للقيادة السياسية في كافة القرارات التي تتخذها لصالح الوطن