الحرة:
2024-07-06@05:08:59 GMT

بـجرائم إبادة.. نظام الأسد ينتقم في شمال سوريا

تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT

بـجرائم إبادة.. نظام الأسد ينتقم في شمال سوريا

لليوم الخامس على التوالي يخيم "الموت والقتل والنزوح" على شمال سوريا، ورغم أن هذا المشهد ليس بجديد على المناطق الخاصعة لسيطرة فصائل المعارضة، باتت الوتيرة المتصاعدة للقصف بمختلف أنواع الأسلحة من جانب قوات نظام الأسد تهدد بـ"كارثة إنسانية"، وفق "الدفاع المدني السوري"، وهو فريق للإسعاف والإنقاذ. 

وتستهدف قوات الأسد والميليشيات المساندة لها والطيران الحربي الروسي، منذ يوم الخميس وبشكل عنيف قرى وبلدات واسعة في محافظة إدلب وريف حلب، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 200 جريح، وفق مصادر طبية وإسعافية مختلفة.

 

وجاءت حملة القصف بعد ساعات من الإعلان عن "هجوم الكلية الحربية" في مدينة حمص، والذي أسفر عن أكثر من 90 قتيلا من عسكريين ومدنيين، في وقت اتهمت وزارة دفاع النظام السوري "تنظيمات إرهابية تدعمها دول معروفة" بالوقوف وراء الحادثة.

ولم يكشف النظام السوري حتى الآن اسم وهوية "الجهة التي نفذت "الهجوم"، لكن وسائل إعلام مقربة منه، بينها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية قالت إن "الهجمات على إدلب وريف حلب انتقامية وتأتي ردا على ما حصل في الكلية الحربية".

وطال قصف النظام السوري والطيران الحربي الروسي مناطق مأهولة بالسكان في قرى وبلدات الريف الجنوبي لإدلب، وتوسعت دائرة الضربات خلال اليومين الماضيين لتصل إلى مركز مدينة إدلب، ومنطقة دارة عزة في ريف حلب الغربي.

وتشمل الأسلحة التي تستخدمها قوات الأسد في التصعيد المدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ، فضلا عن الطائرات الحربية التي ألقت بقذائف النابالم الحارق والذخائر العنقودية، وهي أسلحة محرمة دوليا، حسب ما أوضح "الدفاع المدني السوري"، و"مديرية صحة إدلب".

"جرائم إبادة موصوفة"

وطوال سنوات الحرب الماضية في سوريا، أصبحت محافظة إدلب في الشمال الغربي للبلاد الملاذ الأخير للسوريين الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وبحسب إحصائيات لمنظمات إنسانية يقيم فيها أكثر من 4 ملايين مدني.  

وتخضع المحافظة لاتفاقيات تركية- روسية، تدخل إيران في جزء منها أيضا ضمن تفاهمات "أستانة"، ومع تصاعد وتيرة القصف من جانب النظام لم يصدر أي تعليق من جانب الدول الراعية لاتفاقيات وقف إطلاق النار هناك.

وتحدث "الدفاع المدني السوري"، الاثنين، أن "هجمات قوات النظام وروسيا تستهدف منازل المدنيين والمرافق الحيوية والطبية والتعليمية ومخيمات المهجرين، ومراكز الدفاع المدني السوري"، وذلك بـ"استخدام أسلحة تحوي مواد حارقة".

وبلغت حصيلة الضحايا حتى الآن 40 شخصا بين قتيل وجريح، في وقت تتواصل فيه موجات نزوح المدنيين بشكل كبير من المناطق التي تتعرض للهجمات، إلى المجهول دون وجود مأوى آمن يحميهم.

ويوضح نائب مدير "الدفاع المدني"، منير مصطفى لموقع "الحرة" أن هجمات النظام السوري الحالية لا تختلف عن سابقاتها، ويقول: "الإجرام نفسه والضحية نفسها والأسلحة ذاتها".

ويضيف مصطفى: "النظام لم يتوقف عن قصف المنطقة بالأسلحة المحرمة دوليا دون أي اكتراث من المجتمع الدولي"، وهو ما يكرره في الوقت الحالي "بسبب غياب المحاسبة" منذ 12 عاما.

وتتعامل قوات الأسد منذ خمسة أيام بـ"طريقة الإبادة الجماعية"، ويشير مصطفى إلى "جرائم إبادة موصوفة تحصل، باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا"، من بينها الذخائر العنقودية والنابالم الحارق. 

واستهدفت إحدى الضربات، الأحد، مدارس وسط مدينة إدلب، ومشفيين مركزيين الأول هو "مشفى إدلب الوطني" والثاني "إدلب الجامعي"، ما أسفر عن خروج الأول عن الخدمة، بعدما سقط صاروخ في عيادات المرضى.

وقالت "مديرية صحة إدلب" إن حصيلة حملة "القصف الوحشي" التي بدأتها قوات النظام، الخميس الفائت، وصلت إلى 49 قتيلا و279 مصابا، معظمهم من النساء والأطفال.  وسجل فريق "منسقو الاستجابة في الشمال" الإنساني استهداف المنطقة أكثر من 198 مرة، وتركز الاستهداف على أكثر من 61 مدينة وقرية، كما ساهمت الطائرات الحربية بأكثر من 35 غارة جوية.

وسببت الهجمات المستمرة على المنطقة إلى توقف العملية التعليمية وحرمان أكثر من 400 ألف طالب من التعليم، كما توقفت المشافي والنقاط الطبية عن العمل للحالات العامة مسببة حرمان أكثر من مليوني مدني من الخدمات الطبية، وفق "منسقو الاستجابة". 

كما سجلت حركة نزوح من جميع المناطق المستهدفة هي الأكبر من نوعها منذ عدة سنوات في المنطقة، حيث تجاوز العدد الأولي لإحصاء النازحين من قبل الفرق الميدانية حتى الآن 78,709 نازحين من مختلف المناطق.

"حياة مشلولة"

وقالت "مديرية صحة إدلب" في بيان إن "منشآتنا الصحية تستجيب بأقصى طاقتها لمصابي القصف، حيث تعمل المديرية بالتعاون مع الشركاء لتزويد المشافي بما تحتاجه من أدوية ومستهلكات ضرورية لاستمرار عملها في إسعاف المصابين".

وأضافت: "تم التعميم على المنشآت الصحية، وخاصة الموجودة في المناطق المستهدفة، للعمل بخطة الطوارئ وإيقاف استقبال الحالات الباردة وتركيز الجهد على الخدمات الإسعافية".

وتقضي "خطة الطوارئ"، وفق ما أعلنت  المديرية، بأن يتم تجهيز أقسام الإسعاف وغرف العمليات والعنايات في المشافي والمنشآت والمراكز الصحية، لاستقبال جميع الحالات التي ترد إليها نتيجة القصف.

وتحدث الإعلامي المقيم في إدلب، عدنان الإمام عن "حياة مشلولة في إدلب وريف حلب"، ويقول إن القصف دفع السكان هناك إلى إغلاق المحال التجارية، بينما تعلّق التعليم في المدارس.

ويضيف الإمام لموقع "الحرة": "الناس في مناطق القصف إما بقيت في منازلها أو نزحت، وخاصة من سرمين وأريحا ودارة عزة وبلدة ترمانين".

"المجتمع الدولي صامت ولم نرَ أي إدانة"، ويعتبر الناشط الإعلامي أن نظام الأسد "يستغل اتجاه أنظار العالم إلى ما يحصل بين غزة وإسرائيل وينتقم من المدنيين".

ويتابع: "الوضع الإنساني صعب جدا. هناك مخيمات إيواء أنشئت بعد التصعيد. النساء في مكان والرجال ينامون في السيارت. هناك أيضا سكان لا يعرفون أين سيذهبون".

ويضيف الصحفي السوري، أحمد رحال أن "قوات الأسد تستخدم في حملتها القنابل العنقودية والنابالم الحارق المحرم دوليا"، ويتوازى مع ذلك قصف مكثف بالطائرات الحربية الروسية.

ويوضح رحال لموقع "الحرة" أن "جميع الاستهدافات تضرب المنازل والأحياء المأهولة بالسكان"، وأنهم لم يوثقوا أي استهداف لمقار عسكرية.

وأدى القصف المتواصل إلى موجة نزوح كبيرة، جزء منها "مؤقت" والآخر دائم.

ويتابع الصحفي السوري: "بعض العائلات اتجهت إلى مخيمات ومراكز إيواء وستعود إلى منازلها حتى تهدأ الأوضاع، لكن قسم آخر انتقل بشكل دائم إلى المخيمات الواقعة في المناطق الحدودية".

ومع ذلك يشير رحال إلى أن "مناطق إدلب وريف حلب الغربي باتت جميعها مهددة"، وأن القذائف والصواريخ كانت قد وصلت إلى مدينة الدانا القريبة من الحدود، قبل يومين. 

"حرب ممنهجة"

ومنذ الخامس من أكتوبر استقبلت مشافي ومراكز "الجمعية الطبية السورية الأميركية" (سامز) في شمال غرب سوريا عددا كبيرا من الضحايا الذين سقطوا بسبب التصعيد الجاري في شمال غرب سوريا. 

وأوضحت "سامز" أنه ومنذ يوم الأحد "تم تعليق العمل في مركز صحي إضافي  ليصبح عدد المراكز التي توقفت عن العمل هو 4 مراكز صحية"، مضيفة: "لا يزال تركيزنا حاليا موجها لتوفير الخدمات الإسعافية في بقية المراكز الطبية".

وقال "الدفاع المدني السوري" في بيان الاثنين إن "استهداف المدنيين الممنهج في المناطق المأهولة بالسكان والمخيمات، وقتلهم وبأسلحة محرمة دوليا، واستهداف المرافق العامة والمشافي ومراكز الدفاع المدني السوري والأسواق هو انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الإنساني".

وأوضح البيان أن "القانون الدولي الإنساني يعدُّ هذه المرافق والأماكن محيدة عن القصف. هذه الجرائم والانتهاكات ما كانت لتحصل لو كان هناك محاسبة لنظام الأسد على جرائمه".

بدوره يرى نائب مدير "الدفاع المدني"، منير مصطفى، أن "النظام السوري مأزوم سياسيا واقتصاديا، ولذلك دائما ما يرى مخرجا في الحل العسكري".

ويقول: "من خلال هذا الحل يريد إعادة دوره الفاعل على الأرض، كونه تراجع بعد الحراك الشعبي الأخير في السويداء، استكمالا لثورة السوريين للوصول إلى العدالة والحرية".

"قتل السوريين هو المخرج له، ويجب أن تكون هناك إجراءات من مجلس الأمن والأمم المتحدة، لأن ما يحصل جرائم إبادة موصوفة وضد الإنسانية".

ويتابع مصطفى: "النظام يريد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، من خلال تدمير البنى التحتية والمشافي وفرق الدفاع المدني. ما يحصل حرب ممنهجة والنظام يعرف ماذا يفعل".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الدفاع المدنی السوری النظام السوری قوات الأسد أکثر من

إقرأ أيضاً:

التطبيع بين أنقرة ودمشق.. مسار محفوف بالألغام والأثمان

بالنظر إلى طبيعة الملفات الشائكة والخلافية بين أنقرة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن تكون عملية التطبيع بين الجانبين "سهلة" كما يرى خبراء، ورغم أن التصريحات الرسمية الأخيرة كسرت جزءا من الجمود في العلاقة قد يختلف المشهد بصورته المعلنة عند الغوص بالتفاصيل.

أولى تلك التفاصيل سلطت الضوء عليها صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، إذ تحدثت، الأربعاء، عن وجود اتصالات مستمرة بين دمشق وموسكو وعواصم عربية من أجل أن "يخرج أي لقاء مع تركيا بتعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب الكامل من سوريا، وفق أجندة محددة زمنيا".

الصحيفة اعتبرت أن ما سبق "ليس شروطا مسبقة"، وقالت إنها "قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات"، على رأسها "دعم المجموعات الإرهابية والمقصود بها وتعريفها".

وتقدم تركيا دعما لآلاف المقاتلين في شمال سوريا، وهؤلاء يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري"، وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.

في المقابل يعتبر نظام الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين". وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.

ولا يبدو أن الجانب التركي مستعد حتى الآن لتصنيف حلفائه على الأرض كـ"إرهابيين"، وهي النقطة التي أثارتها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، دون أن تحدد جهة مسلحة دون غيرها.

ورغم أن أنقرة تشترك وتتقاطع مع نظام الأسد في عداء "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على مناطق في شمال وشرق سوريا، تختلف طريقة التعاطي والنظر عند كل طرف عن الآخر.

وتنظر أنقرة إلى "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على أنها ذراع عسكري مرتبط بحزب "العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب لديها، وفي واشنطن وعواصم أوروبية أخرى.

أما نظام الأسد فقد صنّف "العمال الكردستاني" في ثمانينات القرن الماضي على أنه منظمة "إرهابية". لكنه لم يتخذ ذات الإجراء مع "قسد"، وتباينت تصريحاته ضدها خلال السنوات الماضية ما بين وصف أعضائها بـ"العملاء" من جهة وبـ"الخونة" من جهة أخرى.

كما أن الكثير من التقارير الإعلامية وعدة أوراق لمراكز أبحاث محلية وغربية كشفت على مدى سنوات ماضية خيوطا اقتصادية وخدمية تربط كل من النظام و"قسد".

واتضح شكل خيوط أخرى على العلن بعد عام 2019 عندما أبرم الطرفان (النظام وقسد) عدة تفاهمات بخصوص الانتشار العسكري على الأرض، مما فتح بابا لعناصر قوات الأسد للدخول إلى شمال شرق سوريا برفقة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، والذين تمركزا في قواعد بعد ذلك، أبرزها في مطار القامشلي.

"مسار معقد وطويل"

بالنسبة لتركيا وكما يقول الصحفي والباحث التركي، ليفنت كمال لا يوجد إمكانية من جانبها للتطبيع مع النظام السوري في الوقت الحالي.

ويوضح أن بلاده تركز على قضيتين رئيسيتين: حزب "العمال الكردستاني" واللاجئين، لكن في هاتين القضيتين، يتعارض موقف النظام السوري وشروطه مع أنقرة، وفقا لكمال.

سياسة تركيا تجاه سوريا.. حيثيات موقف "لم يتغير" رغم أنها ضربت على وتر "حساس" لدى الكثير من المعارضين السوريين لم تحمل تصريحات وزير خارجية تركيا، حقان فيدان جديدا على صعيد سياسة بلاده تجاه الملف السوري بحسب خبراء ومراقبين، وعلى العكس أعطت صورة أوضح لخارطة طريق طويلة يتطلب المضي بها اتخاذ "خطوة تلو خطوة".

وتشير أنقرة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الخاص بعودة اللاجئين، لكن النظام السوري كان قد عرقل تطبيقه منذ سنوات، ويواصل التهرب من خطواته حتى الآن.

ومن ناحية أخرى، فإن أكبر حليف لتركيا في الحرب ضد "العمال الكردستاني" هو المعارضة السورية، والتي يريد النظام أن يتم تصنيفها على أنها "إرهابية".

ويعتقد الباحث كمال أن تصنيف تركيا للمسلحين المعارضين في الشمال "أمر مستحيل". ويردف بالقول: "بل إن من المستحيل إقناع المعارضة السورية بالانضمام إلى النظام في عملية مشتركة دون إعلانهم إرهابيين".

ويرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن "عملية التطبيع مسار معقد وطويل"، وأن الطرفين يدركان حقيقة ذلك بطبيعة الحال.

وما يجري الآن بحسب حديث الباحث لموقع "الحرة" "محاولة لخلق هامش تتحرك من خلاله الدبلوماسية لكسر الجمود في مسار المفاوضات ومحاولة التوصل إلى بعض التفاهمات".

علوش يشير إلى أنه "لا ينبغي الإفراط في الرهان على الفرص الجديدة الناشئة". ومع ذلك، "لا ينبغي أيضا التقليل من أهمية الحوافز والمزايا التي يتطلع لها إردوغان والأسد من وراء التوصل إلى تفاهمات في بعض القضايا المهمة لكليهما"، وفقا لقوله.

"رغبة مشتركة تحركها ضغوط"

ويقيم في تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، وتضغط أحزاب من المعارضة لإعادتهم إلى البلاد، من منطلق وصفها بأنهم يشكلون "مشكلة وطنية".

وتمثل أحداث الاعتداء على ممتلكات السوريين في ولاية قيصري التركية آخر فصول تلك الضغوط من جهة وحملات التحريض ضدهم من جهة أخرى.

ولم يبد النظام السوري أي بادرة لإعادة اللاجئين، سواء الموجودين في تركيا أو في دول الجوار وأخرى أوروبية.

ويشترط بحسب تصريحات مسؤوليه رفع العقوبات الغربية عنه والبدء بعملية إعادة الإعمار قبل مناقشة أي خطوة لعملية العودة.

إضافة إلى ذلك ما تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا "ليست آمنة لعودة اللاجئين".

وتقول منظمات حقوق إنسان دولية ومحلية إن النظام السوري لا يريد عودتهم، وإن عملية تهجيرهم لم تكن على هامش الأعمال العسكرية في معظمها، بل بشكل ممنهج.

ويعتقد الكاتب والصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق أن "مسألة التطبيع بين دمشق وأنقرة معقدة وشائكة"، ويقول إن "المفخخات فيها متعددة، سواء محلية أو سورية أو تركية أو تلك المرتبطة بمؤثرات اللاعبين على الأرض السورية".

ومن بين اللاعبين إيران وروسيا، إذ يريدان التطبيع "ضمن حدود المكاسب".

وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي يراها توفيق "العنوان الأهم في مسألة تعطيل مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة أو الدفع به، رغم أن الفرضية الأخيرة مستبعدة".

وعلى نحو خاص يعتقد الكاتب أنه "من الواضح أن هناك رغبة مشتركة للمضي بمسار التطبيع، ناتجة عن ضغوط يتعرض لها كل من الجانب التركي والسوري".

إردوغان "يغازل" الأسد.. انفتاح على إعادة العلاقات التركية السورية أطلق الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان تصريحات "غزلية" بخصوص علاقة بلاده مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.

وفيما يتعلق بتركيا يعتبر أن تلك الضغوط تتمثل بـ"مطرقة اللجوء السوري والوجود المسلح لفصائل المعارضة في شمال سوريا وملف إدلب وتحرير الشام".

وتتوسع دائرتها أيضا لتصل إلى مسألة "فشل الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وأنقرة قبل شهرين، من أجل التوصل لتفاهمات".

وأورد توفيق أحاديث أن "الولايات المتحدة طرحت فكرة على أنقرة، بأنها مستعدة بأن تعمل على إخراج حزب العمال وقياداته من شرق الفرات، وتقوم بتوليف قسد كفصيل سوري، لكن الأتراك رفضوا الأمر"، وعادوا إلى تحفيز مسار التطبيع مع الأسد عبر الجانب الروسي.

"عملية قراءة نوايا"

ويعيش في شمال سوريا 6 ملايين نسمة، وهم المركز الرئيسي للمعارضة، وتم نفيهم جميعا وبشكل تقريبي من قبل النظام بطريقة أو بأخرى.

وبالتالي لا يمكن لأنقرة أن تقنعهم بالعودة إلى النظام السوري، بحسب الصحفي التركي كمال. ومن الواضح أن أنقرة تدرك موقف النظام بدقة، ولكن في بعض الأحيان يتعين عليها الحفاظ على بعض الخطاب الدبلوماسي لدفع المحاورين إلى العمل، وفقا لقوله.

ويضيف أن أنقرة تعلم أيضا أن "أيدي النظام مقيدة فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني والمسلحين الإيرانيين".

ويمكن وضع التصريحات التركية الأخيرة وأبرزها تلك التي وردت على لسان إردوغان ضمن "عملية قراءة للنوايا"، كما يتابع الصحفي التركي.

ويقول: "أنقرة عبّرت عن موقفها السياسي بأن سوريا مصانة وحدة أراضيها، خالية من أمراء الحرب والمنظمات الإرهابية والميليشيات الإيرانية، ويستطيع السوريون ضحايا الحرب العودة إليها بحرية وأمان، وتجري فيها انتخابات ديمقراطية وعمليات سياسية".

ويعتبر أن "هذا الموقف يعني بالفعل التفكيك السياسي للنظام بطريقة أو بأخرى"، وأن "أنقرة ليست منفتحة على خيارات أخرى".

"مليء بالألغام"

وأظهرت التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأسبوع الماضي، أن حقبة جديدة يمكن أن تبدأ على صعيد عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وكانت تلك العملية قد بدأت نهاية عام 2022، لكنها توقفت العام الماضي، بسبب إصرار الأسد على شرط انسحاب القوات التركية من شمال سوريا قبل أي عملية حوار.

لكن الأسد نفسه تراجع قليلا إلى الوراء خلال الأيام الماضية. وبعد لقائه مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، أعلن أنه "منفتح على كل المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته".

ويوضح الباحث علوش أن "دمشق بدأت تتعاطى بواقعية أكبر في مقاربة الحوار مع أنقرة من خلال تخفيف شروطها، خصوصا فيما يتعلق بملف الوجود العسكري التركي، لأنها تدرك أن تركيا ليست بوارد التخلي عن هذا الوجود قبل تحقيق أهدافها ومصالحها".

كما أن "دمشق غير مستعدة ولا قادرة حتى على ملء فراغ الانسحاب التركي من شمال سوريا في الوقت الراهن". 

ولذلك يقول الباحث إن "مبدأ المساومات سيهيمن على العملية التفاوضية بين الطرفين"، وإن "فرص نجاحها تتوقف على مدى استعداد كل طرف لتقديم ما يحتاجه الآخر منه".

وترعى موسكو مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة منذ بدايته، وانضمت إليها إيران في وقت لاحق، وتتجه الأنظار الآن إلى العراق كلاعب رابع.

ومن المقرر أن تستضيف العاصمة العراقية بغداد في الأيام المقبلة اجتماعا تركيا-سوريا، كأولى خطوات وساطتها في هذا الأمر.

ووفقا لحديث الكاتب عبد الحميد توفيق تعمل روسيا على "خارطة طريق دون إعلان" للمضي بعملية التطبيع بين أنقرة والنظام السوري.

وتقف وراء ذلك 3 أهداف حسب قوله: الأول: التقرب من تركيا ودفع الولايات المتحدة الأميركية للشعور بالقلق.

ويذهب الثاني باتجاه إرسال رسالة واضحة لجعل تركيا مركزا لضخ الغاز الروسي باتجاه أوروبا.

وتحاول موسكو إعطاء رسالة للأتراك إنهم في حال استجابوا لما تريده موسكو في سوريا "ستعمل الأخيرة على توليف حالة سياسية مع كييف عبر أنقرة"، كما يضيف الكاتب المقيم في دمشق توفيق.

ويعتقد أن "روسيا لها مصالح من ذلك، وتريد توسيع دائرتها في سوريا، لكي تنتقل من ظاهرة الوجود العسكري إلى النتائج السياسية".

ما المتوقع على خط دمشق-أنقرة؟

بعد حادثة الاعتداءات في قيصري وما تبعها من الغضب الذي خيّم على مشهد الشمال السوري قال إردوغان إن هناك فائدة كبيرة في فتح القبضات المشدودة في السياسة الخارجية، وكذلك الداخلية. وأكد بالقول: "ولن نمتنع عن الاجتماع مع أي كان، كما كان الحال في الماضي".

لكنه في المقابل أضاف: "عند القيام بذلك، سنأخذ مصالح تركيا في الاعتبار في المقام الأول، لكننا لن نسمح لأي شخص يثق بنا، أو يلجأ إلينا، أو يعمل معنا، أن يكون ضحية في هذه العملية.. تركيا ليست ولن تكون دولة تتخلى عن أصدقائها".

ويعتقد الباحث علوش أن "تركيا لن تتخلى عن حضورها العسكري والإداري ولا عن علاقتها بالبيئة السورية الحاضنة لها في الأفق المنظور، لأن هذا الحضور والعلاقة يشكلان ركيزة أساسية في سياستها السورية".

وحتى في الوقت الذي تتركز فيه أولوياتها على تقويض مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية "لا تزال أنقرة تتعاطى مع حل الصراع السوري على أنه حاجة وليس خيارا"، وفق قوله.

علوش يوضح أن "مسألة تعريف التنظيمات الإرهابية إحدى الإشكاليات المهمة".

ويقول: "علينا أن ندرك أن طريق التطبيع مليء بالألغام، لكن إذا توفرت الإرادة السياسية لدى أنقرة ودمشق للقفز على هذه الألغام، يمكن لهما الاتفاق على المبادئ العريضة لعملية التطبيع".

ويضيف أيضا أن "هناك مصلحة مشتركة للطرفين في تقويض مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية"، وأن "الأسد يبحث عن الأثمان الكبيرة التي يريد الحصول عليها من تركيا مقابل منحها ما تحتاجه في ملف أمن الحدود".

ويبدو أن دمشق تمكنت من إدارة ورقة "قسد" و"حزب العمال" مع الأتراك "بمهارة" على حد وصف الكاتب عبد الحميد توفيق.

وتم ذلك من جانبها "بحيث لم تواجه بقسد وتفرط بها ولم تصطدم معها، ولا تزال ترتبط معها بخيوط اقتصادية وتبادل عملة ونفط".

ومنذ أسبوع أرسلت "قسد" للنظام السوري مئات الشاحنات المحملة بالنفط، في مقابل طلبها من النظام ضخ العملية السورية المحلية، لأنها شحّت في مناطقها، كما يقول الكاتب.

ويرى أن "الخيوط المذكورة جميعها أدارتها دمشق بمهارة، بصرف النظر عن التقييم".

وفيما يتعلق بمسألة "توصيف وتعريف الإرهاب" يستبعد توفيق أن يكون ذلك معلنا من كلا الطرفين (أنقرة، دمشق)، لكنه يقول إنه "العمل وفق ذلك سيجري، باعتباره نقطة التقارب".

و"إذا ما تم الاتفاق على التخلص من العبئين الخطيرين سواء (قسد أو فصائل المعارضة)"، يعتقد الكاتب أن "مسار التطبيع سيكون جاريا، دون أن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، حيث ستكون العوائق كبيرة وطويلة".

مقالات مشابهة

  • السيدة الثانية.. النظام السوري يعلن وفاة لونا الشبل
  • لُقبت بـ السيدة الثانية.. النظام السوري يعلن وفاة لونا الشبل
  • اللاجئ السوري بين الموت قهرا في بلدان اللجوء.. أو على يد عصابة الأسد
  • أردوغان يلمح لاحتمال دعوة الأسد مع بوتين إلى تركيا
  • حول ما يتم تناقله بخصوص لقاء الأسد وأردوغان في بغداد وتصريح الكرملين.. اللقاء لن يتم
  • زعيم المعارضة التركية: تواصلنا مع الأسد وسأتوجه إلى دمشق للقاء به هذا الشهر
  • التطبيع بين أنقرة ودمشق.. مسار محفوف بالألغام والأثمان
  • داود أوغلو منتقدا أردوغان بشأن سوريا: ليست لقاء عائليا بل حربا قتلت مليون شخص
  • رُفض نقلها إلى بيروت.. ما جديد الحالة الصحيّة للونا الشبل بعد تعرضها لحادث سير؟
  • السيدة الثانية.. كيف شقت لونا الشبل طريقها من الشاشة إلى قصر الأسد؟