المقاومة تجمع العرب.. والتطبيع يُفرقهم
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
يأتي طوفان الأقصى اليوم كحلقة في سلسلة النضال العربي من أجل فلسطين، فلسطين التي قد يختلف العرب على كل شيء إلّا على حقها وعدالة قضيتها، فلسطين الحق الذي عَبَرَ الحدود والأجيال وجيَّش الملايين من عرب الموقف والضمير الإنساني حول العالم، ليلتحموا مع عرب الدم في مفاصل تاريخية مُهمة، فلسطين التي سال لأجلها وفي سبيلها جميع دماء العرب وشرفاء العالم من اليابان إلى أمريكا الجنوبية.
احتلال فلسطين ليس كأي احتلال عرفه البشر؛ بل انقلاب عصابات على أصحاب أرض وحق، بمباركة غربية وتواطؤ شرقي؛ لغرس كيان مُعطِّل للأمة العربية في نموها وحقها في استرداد عزتها وقوتها ومكانتها اللائقة بين الأمم ورسالتها الحضارية الشاغرة منذ تغييبها قسرًا في زمن الاحتلال العثماني، ثم تمزيقها إلى أقطار وظيفية في زمن قوى الاستعمار عبر "سايكس- بيكو" و"وعد بلفور".
مسلسل ومراحل وأدوات التآمر على الأمة العربية لم تعد سرًا اليوم؛ بل السر في ركوننا لهذا القدر الغربي المفتعل وبُعدنا عن القدر الإلهي بأننا "خير أمة أخرجت للناس".
ليت عرب زماننا يدركون أن القبول بالكيان الصهيوني كأمر واقع لا يعني السلام ولا حقن الدماء والأموال ولا استبدال الرصاص بالورد؛ بل يعني المزيد من التمزيق للعرب والتشتيت للعرب والوهن للعرب؛ لتمكين الكيان من دور السيد والمايسترو للأمة العربية وتقرير ما تبقى من مصير لها؛ فالكيان الصهيوني ووظيفته المرجوة حالة تاريخية لا مثيل لها في التاريخ الإنساني.
لو عادت الصهيونية جولدا مائير للحياة اليوم وعاد معها بن جوريون وموشي دايان وزمرتهم التي سوّقت نفسها بأنها لا تُقهر، وعاشوا تفاصيل الذل والهزائم المتلاحقة لكيانهم المزعوم منذ عام 2000 ولغاية طوفان الأقصى اليوم؛ لرفعوا الرايات البيضاء وحزموا حقائبهم ورحلوا وأعلنوها صراحة، أن فلسطين ليست أرض ميعاد؛ بل أرض محشر للصهيونية العالمية المُتستِّرة بلبوس اليهودية.
الفلسطيني الذي يحاربونه لم يعد تحت الأرض وكما طمحوا؛ بل فوق الأرض ويزلزل كيانهم كل حين، والفلسطيني الكبير الذي مات لم يُخلّف صغيرًا ينسى حقه وقضيته؛ بل عملاقًا بيده مفتاح عودة وسلاح مقاوم.
التطبيع لم يعد يُطرب أحدًا اليوم، كما لم يعد شماعة لما يُسمى بـ"السلام" ونشر الورود والحمام في ربوع الوطن؛ فالجيش الذي لا يُقهر لم يعد له وجود على خارطة الصراع العربي الصهيوني، والموساد- اليد الطولى- بُترت منذ بزوغ فجر المقاومة وقادها فتية آمنوا بربهم وحقهم.
النظام الرسمي العربي اليوم في تِيهٍ سياسيٍ غير مسبوق بعد كساد التطبيع وبواره في ظل خيار المقاومة.. المقاومة التي وحّدت العرب من المحيط إلى الخليج، وأحيت فيهم العزة والشموخ والكبرياء، بعد عقود من تسول الاستسلام والمواقف السياسية من صنف المخدرات الفاخرة وجوائز الترضية.. التطبيع اليوم لا يعني الوقوف ضد خيار المقاومة، وكما كان سابقًا قبل الطوفان؛ بل يعني الوقوف ضد الأُمّة بكاملها وضد الأوطان ومصالحها بلا تورية أو رتوش.
متى يفهم النظام الرسمي ويُدرك أن التطبيع يعني ويُعادل حالة الفناء تمامًا؟ وأن الكيان الصهيوني الذي يطلبون وده ويسعون ليتقوا بطشه وشروره قد خرج من الخدمة فعليًا بعد حرب يوليو (تموز) 2006، تلك الحرب التي أنتجت "طوفان الأقصى" اليوم بالتراكم النضالي، وستنتج ما هو أدهى وأمر في قادم الأيام.
قبل اللقاء.. كثيرة هي الشواهد والعبر التي تُبرهن كل حين على أنَّ الغرب وكيان العدو ليسوا قضاءً وقدرًا؛ بل بشر مثلنا، والفارق بيننا وبينهم، أنهم أوفياء لباطِلهم ونحن مُتنكرون لحقِنا وجاحدون له!
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سالم عوض الربيزي: السعودية والتطبيع: أولوية أمريكية وخيانة للقضية الفلسطينية
حديث مستشار ترامب مايك والتز؛ عن جعل التطبيع بين إسرائيل والسعودية أولوية قصوى يعكس توجّهًا نحو إعادة تشكيل الخريطة السياسية في المنطقة على حساب القضايا الجوهرية للأمة العربية، وأهمها القضية الفلسطينية. مثل هذه التصريحات تكشف عن مستوى التآمر الذي وصل إليه بعض الحكام العرب الذين يسعون لتقديم تنازلات استراتيجية على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، بل وعلى حساب أمن واستقرار شعوبهم.
التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، الذي استمر في انتهاك حقوق الفلسطينيين وارتكاب الجرائم بحقهم لعقود، يُعدّ خيانة واضحة للقضية الفلسطينية وموقف الأمة العربية التاريخي تجاهها. دعم هذه التحركات من قبل بعض الأنظمة العربية، بدلاً من الوقوف بحزم في وجه الاحتلال، يُسهم في ترسيخ الاحتلال وتقوية سيطرته، كما أنه يضعف التضامن العربي ويعمّق الانقسامات داخل المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن مثل هذه التوجهات تخدم أجندات القوى الكبرى التي تسعى لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها، وليس مصالح شعوب المنطقة. التطبيع ليس مجرد علاقات سياسية أو اقتصادية، بل هو اعتراف ضمني بشرعية الاحتلال وتجاهل لحق الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم، مما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني ويضعف أي أمل في تحقيق العدالة والسلام الحقيقي.
هذه السياسات لا تساهم فقط في تدمير القضية الفلسطينية، بل تلعب دورًا كبيرًا في تفتيت المنطقة وإثارة الفوضى. فالحل الحقيقي يكمن في التمسك بالمبادئ والقيم العربية والإسلامية ودعم المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال والعمل على استعادة الحقوق المسلوبة، بدلاً من الارتماء في أحضان قوى تسعى لفرض الهيمنة.