محمد الغريب يكتب: ما بين الطوفان والغفران.. لِمَن النَّصْر الْيَوْم !!
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
كأي عربي مسلم كان أم مسيحي فإن قضيته الأولى عروبة ومقدسات آن الوقت لأن تعود إليه ويعود إليها، فما شاهدناه وما يقلقنا بشأن المسجد الأقصى مسألة تجعله القضية المحورية والشغل الشاغر لأذهاننا جميعا، وقبل أن استهل هذه السطور، يدور في ذهني سؤال: هل حقًا إسرائيل قوة نعجز نحن العرب عن مواجهتها؟!. قد لا أميل إلى أكلاشيهات الإجابات العاطفية وإن كانت ترجمة للواقع في كثير من الأحيان.
فنحن وإذ نحتفي بـ يوبيل ذهبي و50 عامًا مضت على انتصارات السادس من أكتوبر، هذه الذكرى من تاريخ أمة استطاعات بوحدتها أن تستعيد مجدٍ سُلب على غفلة من الزمان وأن تقلب الطاولة على المحتل وداعميه، في برهان لا يقبل الشك أن إرادتنا العربية أقوى بكثير مما يوهمنا به البعض من قوة النبت الصهيوني المسمى بـ إسرائيل.
وإن أقرب الإجابات والتحليلات في ظني مصداقية فيما يدور الآن مع الصهيونية أن تحلي كلا من القلب والعقل بمصادر الشجاعة والإيمان سلاح يخفت ويضيء عند الأجيال المتعاقبة من العرب، وأن المباغتة تعوض فارق الإمكانات بين طرفين أحدهما أشبه ببلونة اختبار، والآخر إبرة معطلة عن العمل.
فلم يعد للصهاينة أي مبررٍ للاحتفاء أو إحياء يوم الغفران أو العُرش فقد باتا يومين من الكابوس بل الطوفان الذي سيصاحبهما ذكرى ليومٍ أسودٍ كما حبذا أن يصف وزير خارجيتهم بنيامين نتنياهو، السابع من أكتوبر الجاري في خطابه عشية طوفان الأقصى.
ذاك المشهد من الرواية، لم يكن ليتوقعه أكثر المتفائلين أو يحسبه يحدث في ظل ارتكان ووداعة وتشرذم، أفقد الكثيرون إحساسهم أن للأقصى قضية مُلحة في أذهان الجيل الحالي على أقصى تقدير، إلا أنها كانت باعثة لأمل طال انتظاره منذ أن دنست أقدام الصهاينة باحات الأقصى المبارك، واستباحته طمعًا في هيكلها المزعوم، ومع تفاؤل صاحبه قلق وحذر، يبقى لصدى طوفان الأقصى الذي يتزامن هذا العام مع أعياد بني صهيون واحتفالهم بيوم العُرش أو المظال وسمحات توراة، كانت لنا وقفة مع بشارات الأعياد المباركة لشعب التيه.
فمع تجاوز القتلى والأسرى لأول مرة منذ عام 1948 حد الألفين والثلاث، حق لنا أن نتخذ تلك الأعياد أيام بشارة بنصر الله تعالى وتأييده، فبالأمس القريب كان الغفران- السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان- يومًا سطر عبورًا للمصريين وتفوقهم على الكيان المحتل، واليوم أضحى يوم العُرش وما تلاه من أعياد هوشعناه رباه وسمحات توراة ستظل خالدة في ذاكرة الفلسطينيين، ومن آمن بهم وقضيتهم من العرب، وباتت أيامنا في أكتوبر أمجادًا تترا، صارت رغبتنا في محو الكيان الزائف أكبر مما مضى، لكن تظل التحديات والعراقيل أكثر من كونها صراع مع محتل بل زاد من أبناء الدم الواحد سلسالًا لقابيل يؤمنون ويآمنون لمن هم بالخيانة والعار جبلوا.
فلم تعد مصيبة الأقصى مقتصرة على أحفاد القردة والخنازير وحدهم، بل شاركهم أيضا من هم بالتنطع فطموا والدياثة فطروا، من ذهب عنهم أبسط معاني الإيمان بالإنسانية ودعم المظلوم، من غلبت مصالحهم حدود العقيدة، فغابت عنهم نخوتهم وسلبت منهم عزتهم. وعزاؤنا فيهم قول الحق تبارك وتعالى: «وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ».
وحسبنا فيما يفعله الفلسطينيون اليوم قوله سبحانه: «إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»، وأيضا: «قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ».
وختامًا ربما أصُب بالخزي ممن يسمون أنفسهم عربًا ومسلمين، وهم يطالبون بالترقق والتلطف مع كيان محتل لم يعرف للبشرية حقوق، وآسف في مواطن أخرى لنكران البعض الدعم المصري لبني جلدتهم في مشارق الأرض ومغاربها، بأن يكون جزاء الإحسان كمثل ما عاهده سنمار، إلا أننا لا نزال نؤمن بأن صاحب الحق لابد وأن ندعمه دون انتظار للجزاء فما عندكم ينفد وما عند الله باق.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
فقدت البحرين ودول الخليج العربية، اليوم الخميس، المفكر البحريني الكبير الدكتور محمد جابر الأنصاري، مستشارَ ملك البحرين للشؤون الثقافية والعلمية، أستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، عميد كلية الدراسات العليا الأسبق بجامعة الخليج العربي، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والعلمي.
يُعدُّ الدكتور محمد جابر الأنصاري أحد أهم رواد الحركة الفكرية والثقافية في البحرين، والخليج عموماً، وباحثاً مرموقاً في دراسات ونقد الفكر العربي، وقدَّم إسهامات نوعية في مجالات الفكر، والأدب، والثقافة.
الديوان الملكي ينعى د.محمد جابر الأنصاري مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان#البحرين #bahrain pic.twitter.com/3P98Q2uzsE
— بوابة البحرين (@b4bhcom) December 26, 2024 أعمالهوتميزت أعماله "باتساق الرؤية الفكرية في إطار مشروع نقدي للفكر العربي السائد تطلعاً إلى تجديد المشروع النهضوي، كما تميزت رؤيته الفكرية بالتشخيص العيني للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية في حقلَي التراث العربي الإسلامي وفكر عصر النهضة".
كتبُه تكشف عن مشروع فكري عربي، فقد كتب عن "تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1930-1970" و "العالم والعرب سنة 2000"، و "لمحات من الخليج العربي"، و "الحساسية المغربية والثقافة المشرقية" و "التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق" و "تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها" و "رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر".
كما أصدر كتاباً بعنوان "انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية" و"الفكر العربي وصراع الأضداد" و"التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، لماذا يخشى الإسلاميون علم الاجتماع" وكذلك "التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، مكونات الحالة المزمنة"، وكتاب "تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية: مدخل إلى إعادة فهم الواقع العربي"، وكتابه المهمّ "العرب والسياسة: أين الخلل؟ جذر العطل العميق"، وكتاب "مساءلة الهزيمة، جديد العقل العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية" وكتابه "الناصرية بمنظور نقدي، أي دروس للمستقبل؟" وكتاب " لقاء التاريخ بالعصر، دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل".
تراث ابن خلدونوعند المرور بابن خلدون، تجدر الإشارة إلى أن الدكتور الأنصاري كان أحد أهم الدارسين لتراث ابن خلدون ومتأثراً به إلى حد لا يخلو من مبالغة، وهو القائل في كتابه "لقاء التاريخ بالعصر" و "كل عربي لن يتجاوز مرحلة الأمية الحضارية المتعلقة بجوهر فهمه لحقيقة أمته... إلا بعد أن يقرأ مراراً مقدمة ابن خلدون! (ص 63)".
في هذا الكتاب، كما في كتاب "تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها"، يستعيد الأنصاري فكر ابن خلدون داعياً لتحويله إلى منهج للمثقفين العرب، مركّزاً بنحو خاص على تميّز ابن خلدون في الدعوة لثقافة نثر تتجاوز لغة الشعر، داعياً لإيجاد نثر عقلاني يتجاوز مفهوم الخطابة.
وكتابه "لقاء التاريخ بالعصر، دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل" رغم حجمه الصغير (120 صفحة) وكونه عبارة عن مجموعة مقالات جمعها المؤلف، لكنه يقدم صورة نقدية تدعو لتحرر الرؤية من الماضي وتأسيس ثقافة عربية تعتمد منهج ابن خلدون في مقاربته للتاريخ، وخاصة تجاوزه "الفهم الرومانسي العجائبي، الذي ما زال يطبع العقلية العربية"، هذه المقاربة توضح أن "إطار العقلية الخلدونية يعني اكتساب قدرة أفضل على فهم العالم الجديد، الذي لم يتكيف العرب معه بعد، فما زالوا يتعاملون، كارثياً، مع واقع العالم شعراً" وهي "دعوة إلى إعادة التوازن في ثقافتنا بين الوجدان والعقل، حيث لم تعدم العربية نثراً فكرياً راقياً تعد (مقدمة ابن خلدون) من أبرز نماذجه، إلى جانب كتابات الجاحظ والتوحيدي والفارابي وابن طفيل وابن حزم".
في رحيل المفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري، عزاؤنا أنه ترك بصمة لا تُنسى في الفكر العربي والثقافة. ستبقى أعماله وإرثه الفكري للأجيال القادمة. الرحمة لروحه، والعزاء لأهله ولكل محبيه. pic.twitter.com/jAXNWCrt1Y
— ميّ بنت محمد (@Mai_AlKhalifa) December 26, 2024 مسيرتهوُلد الأنصاري، في البحرين عام 1939، درس في الجامعة الأمريكية ببيروت وحصل فيها على درجة البكالوريوس في الأدب العربي عام 1963، ودبلوم في التربية عام 1963، وماجستير في الأدب الأندلسي عام 1966، ودكتوراه في الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر سنة 1979.
كما حضر دورة الدراسات العليا في جامعة كامبريدغ عام 1971، وحصل على شهادة في الثقافة واللغة الفرنسية من جامعة السوربون الفرنسية سنة 1982.
في عام 2019، داهمه المرض العضال الذي منعه من مواصلة إنتاجه الفكري، ليرحل، اليوم، بعد مسيرة عامرة بالعطاء، وزاخرة بالدراسات المهمة التي أثرى بها المكتبة العربية.