القدس المحتلة- حمل إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي إخلاء منطقة ما يسمى بغلاف غزة من السكان الإسرائيليين رسائل متعددة، مفادها أن الجيش الإسرائيلي يتحضر لشن هجوم واسع على قطاع غزة المحاصر.

وأظهر الهجوم المفاجئ لكتائب القسام على المناطق المحيطة بالقطاع، والتسلل عدة كيلومترات في العمق، والسيطرة على بلدات إسرائيلية، عدم جهوزية المؤسسة العسكرية لمواجهة شاملة مع المقاومة الفلسطينية، في ظل الفشل والإخفاق الاستخباراتي والتقديرات العسكرية التي لم تتوقع مثل هذا الهجوم.

وللتغطية على هذا الفشل، يسابق الجيش الإسرائيلي الزمن من أجل إخلاء "غلاف غزة"، الذي يسكنه نحو 60 ألف إسرائيلي، تم توزيعهم على 21 مستوطنة وبلدة يهودية تعاونية، وذلك لشن عدوان واسع على قطاع غزة.

ووسط حالة التخبط والإرباك من "طوفان الأقصى" التي تعيشها المؤسسة العسكرية، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تقرع طبول الحرب، بينما تمادى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بالتهديد والوعيد والتحضر للانتقام من حماس، في سيناريوهات لهجوم إسرائيلي قد يتخلله توغل بري بالقطاع، واغتيال قيادات من المقاومة والفصائل، واستعمال أسلحة فتاكة ومدمرة لقطاع غزة وسكانها.

وفي السياق الإستراتيجي العسكري فإن إخلاء وإفراغ "غلاف غزة"، وفقا للمحللين، يؤسس لمرحلة جديدة، قد يكون فيها محيط القطاع جزءًا لا يتجزأ من قطاع غزة، بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي، أو قد تقام مستقبلاً منطقة عسكرية عازلة، على غرار النموذج في جنوب لبنان، وهو ما يشكل انتصارا إستراتيجيا للمقاومة.

المنطقة المحيطة بالقطاع شهدت نقل معدات عسكرية، في إشارة إلى احتمالية تنفيذ عملية عسكرية واسعة (الجزيرة) إلى ماذا يُفضي الإخلاء؟

ويعتقد الباحث بالشؤون اليهودية والصهيونية والسياسية الدكتور صالح لطفي، أن "طوفان الأقصى" يعتبر حدثا مؤسسا لحالة جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تنفض غبار الهزيمة أو الانتكاسة، ليس للفلسطينيين فحسب بل وللشعوب العربية والإسلامية، معتبرا أن مجرد إعلان جيش الاحتلال إخلاء "غلاف غزة" يعتبر انتصارا معنويا للمقاومة الفلسطينية.

وفي قراءة سيناريوهات ما سيقدم عليه الجيش الإسرائيلي، يقول لطفي إن "منح فرنسا وألمانيا وأميركا الضوء الأخضر للمؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية للقيام بكل ما تريده في قطاع غزة، يشير إلى أننا أمام مشاهد دمار، ومجازر وإبادة جماعية في غزة".

ويعتقد أن كل السيناريوهات تتجه نحو إقدام إسرائيل على استعمال قوة مفرطة ضد غزة، سواء من البر والبحر والجو، وقد يشمل ذلك توغلا بريا أو حتى إمكانية احتلال قطاع غزة، وهو المطلب الذي تصر عليه أحزاب اليمين المتطرفة في حكومة نتنياهو.

وأوضح لطفي أن تفريغ "غلاف غزة" من الإسرائيليين يعتبر من الناحية المنطقية والإستراتيجية ضربة قاسية للمشروع الصهيوني، الذي تأسس على فكرة طرد السكان الأصليين، وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم.

وفي ظل التطورات الميدانية والوقائع التي فرضتها المقاومة على أرض الواقع، لا يستبعد لطفي أن تستخدم إسرائيل أسلحة فتاكة ومدمرة ضد قطاع غزة، مستذكرا ما جرى في عدوان 2014 واستعمال قنابل فسفورية مشعة، ويقول "إسرائيل ستستعمل في هذه المرحلة أسلحة فتاكة وقنابل فسفورية بدعم وحماية دولية".

أبعاد الإخلاء على إسرائيل

وعن معاني ودلالات إخلاء الجيش لمحيط قطاع غزة من السكان، يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، إن إسرائيل سترد بقوة هائلة، ومع قيود قليلة للغاية على استخدام النار في قلب المناطق المأهولة والحضرية المزدحمة.

وحول السيناريوهات التي سيقدم عليها الجيش، يقول هرئيل إن بنك الأهداف واسع لكنه غير معلن، معلنا أن نشر الفلسطينيين صور الأسرى واحتفالات النصر، يغلي الدم في إسرائيل، حيث تشعر إسرائيل أن لديها شرعية دولية واسعة النطاق للتحرك عسكريا، وستكون النتائج محسوسة في غزة.

وفي ظل الغطاء الدولي للعملية العسكرية، يقول هرئيل "لا ينبغي استبعاد سيناريو وإمكانية القيام بتوغل بري واحتلال للقطاع"، ويضيف أن "قادة حماس مثل يحيى السنوار ومحمد الضيف اللذين كانا فخورين بالهزيمة التي ألحقاها بالجيش الإسرائيلي، ربما يتم اغتيالهما، كما أن قادة التنظيمات في المناطق الأخرى ليسوا محصنين أيضا".

ووفقا لتقدير المحلل العسكري، فإن سيناريو الحرب إذا تحقق لن ينتهي بالضرورة في غزة، ومن المحتمل أن تمتد الحرب إلى بعض الساحات والجبهات الأخرى، وهو ما يضع إسرائيل في توقيت سيئ بسبب أزماتها الداخلية، وربما كان هذا جزءًا من اعتبارات حماس التي افترضت إمكانية استغلال الضعف الإسرائيلي.

وأوضح أنه في ظل الفشل الاستخباري الفادح، لا يمكن استبعاد فرضية أن إسرائيل تعرف ما يجري في الساحات وعلى الجبهات الأخرى، متسائلاً "هل كان هجوم حماس منسقا مع حزب الله وإيران؟ وهل ينتظر حزب الله أن تستخدم إسرائيل جزءًا كبيرًا من مخزون القبة الحديدية من الصواريخ الاعتراضية ثم ينضم بعد ذلك إلى الحرب؟".

وضع استثنائي

يرى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، تمير هايمن، في تعليقه على الحرب بجبهة غزة والحشود العسكرية التي يدفع بها الجيش الإسرائيلي إلى القطاع، أن إسرائيل في حالة حرب لم تعهدها منذ حرب عام 1973.

وأشار هايمن للجزيرة نت إلى أن الحديث يدور عن حدث غير مسبوق، والذي يشكل منعطفا إستراتيجيا، وبالتالي فإن التوقعات ليست ذات صلة وليست واقعية، حيث انهارت الافتراضات الأساسية للمؤسستين الأمنية والعسكرية.

وأوضح هايمن، الذي يشغل منصب رئيس مركز بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أنه في ظل هذه المستجدات، فإن نهاية الحرب يجب أن تشكّل تغييرًا جوهريًّا للواقع في غزة، حيث لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل واقع أن تكون حركة حماس هي عنوانها في القطاع.

وأشار الباحث ذاته إلى أن إسرائيل اعتادت أو اعتقدت خطأً أن حماس ضعيفة وتؤيد تهدئة طويلة الأمد، وأن الجواب أتى في التوغل والتسلل إلى "غلاف غزة" وبلدات إسرائيلية بالجنوب، وعليه لا يمكن الإبقاء على القدرات العسكرية لحماس، حسب تحليله.

وخلافًا للعمليات العسكرية التي كانت تشنها إسرائيل سابقًا ضد حماس والفصائل الفلسطينية في القطاع، يعتقد هايمن أن "هناك أيضا فرصة في هذه الحرب، فإسرائيل تحظى بالشرعية الدولية وبحرية العمل الهجومية التي تمكن من استعمال العدوانية الشديدة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی قطاع غزة غلاف غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

حماس تعتبر أن "الكرة في ملعب إسرائيل" بشأن الهدنة في غزة

أكدت حركة حماس الفلسطينية، السبت، أن « الكرة في ملعب إسرائيل » حاليا، بعد عرضها إطلاق سراح جندي إسرائيلي-أمريكي محتجز لديها إضافة إلى جثامين أربعة من مزدوجي الجنسية، في إطار المفاوضات حول استمرار الهدنة في قطاع غزة. ونددت الولايات المتحدة وإسرائيل بعرض حماس.

وقال المتحدث باسم الحركة عبد اللطيف القانوع لوكالة فرانس برس « الكرة حاليا في ملعب الاحتلال الإسرائيلي »، مضيفا « نريد تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وإلزام الاحتلال بتنفيذ بنود الاتفاق ».

بعد نحو 15 شهرا على اندلاع الحرب في قطاع غزة عقب هجوم حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدأ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي تطبيق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والحركة الفلسطينية تم التوصل إليه بوساطة أمريكية وقطرية ومصرية.

وامتدت المرحلة الأولى من الاتفاق ستة أسابيع، وأتاحت عودة 33 من الرهائن الذين خطفوا بمعظمهم في يوم الهجوم، الى إسرائيل بينهم ثمانية قتلى، فيما أفرجت إسرائيل عن نحو 1800 معتقل فلسطيني كانوا في سجونها.

وسمحت إسرائيل أيضا بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، قبل أن تعلق دخولها في الثاني من آذار/مارس.

وقال قيادي في حماس لوكالة فرانس برس مشترطا عدم الكشف عن اسمه، إن مقترح الإفراج عن الجندي يأتي ضمن « صفقة استثنائية »، مشيرا إلى أنه في المقابل، تطلق إسرائيل سراح عدد من المعتقلين الفلسطينيين لديها.

إلا أنه أوضح أن الاقتراح مشروط بأن تبدأ « بالتزامن مفاوضات تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار » و »الفتح الفوري لجميع المعابر الحدودية والسماح بدخول جميع الاحتياجات الإنسانية إلى قطاع غزة ».

كما تشترط الحركة، وفق القيادي، انسحابا إسرائيليا من ممر فيلادلفيا الحدودي مع مصر، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار كانت نصت على ذلك.

وينص مقترح حماس على أن « تنتهي مفاوضات المرحلة الثانية خلال 50 يوما (بعد بدئها) بضمانة الوسطاء ».

وتتواصل في الدوحة منذ أيام مفاوضات يفترض أن تتناول المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.

واتهمت إسرائيل حركة حماس بـ »التعنت وممارسة حرب نفسية ».

وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو « بينما قبلت إسرائيل مقترح (الموفد الأمريكي ستيف) ويتكوف، تتمسك حماس برفضه ولم تتزحزح قيد أنملة ». واتهم حماس بمواصلة اللجوء إلى « التلاعب والحرب النفسية ».

كما اتهم البيت الأبيض حماس، الجمعة، بتقديم مطالب « غير عملية بتاتا » والمماطلة.

وأعلنت إسرائيل في مارس أن ويتكوف تقدم بخطة لتمديد وقف إطلاق النار في غزة حتى منتصف أبريل، على أن يتم خلال هذا الوقت إطلاق سراح « نصف الرهائن الأحياء والأموات » المتبقين في قطاع غزة في اليوم الأول من دخول الهدنة الجديدة حيز التنفيذ، ثم يتم إطلاق سراح بقية الرهائن الأحياء والأموات « إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن وقف دائم لإطلاق النار »، وفق ما ذكر في حينه بيان صادر عن مكتب نتانياهو.

(وكالات)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات دلالية إسرائيل حماس عدوان غزة

مقالات مشابهة

  • استطلاع: 70 بالمئة من الإسرائيليين يرون إعادة الأسرى الهدف الأهم
  • ماذا تريد إسرائيل من تصعيد عدوانها على غزة؟
  • عودة الحرب "على مراحل".. خيار إسرائيل البديل إن فشلت المفاوضات
  • أغلبية في إسرائيل تفضل إعادة الأسرى على القضاء على حماس
  • صحيفة: حماس فاجأت إسرائيل والوسطاء بشرط جديد في مفاوضات غزة
  • حماس تعتبر أن "الكرة في ملعب إسرائيل" بشأن الهدنة في غزة
  • فصائل فلسطينية تعقب على القصف الإسرائيلي في بيت لاهيا
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن قصفا قرب محور نتساريم في غزة
  • وفد حماس يتوجه للقاهرة لبحث تطورات مفاوضات وقف الحرب: الاحتلال الصهيوني يتنصل عن اتفاق وقف إطلاق النار والمقاومة تدعو الوسطاء للضغط عليه
  • أغلبية في إسرائيل تؤيد إنهاء الحرب على غزة