كيف صُدمت واشنطن بـطوفان الأقصى؟
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
واشنطن – دفع فارق 7 ساعات من التوقيت بين واشنطن وقطاع غزة الأميركيين، للاستيقاظ صباح السبت، على وقع الصدمة، إذ لم يصدقوا ولم يستوعبوا حجم عملية "طوفان الأقصى" ضد الاحتلال الإسرائيلي.
واستحوذت "طوفان الأقصى" على شاشات الشبكات الإخبارية التي غاب عنها الحديث عن أزمة السياسة الأميركية الداخلية، المتمثلة في خلو منصب رئيس مجلس النواب منذ أيام للمرة الأولى في تاريخ أميركا، بعد إقالة كيفين مكارثي، وما تبعها من بدء معركة اختيار بديل له.
في هذا السياق، قال صحفي أميركي يغطي القضايا الخارجية، "كما تعلم، هذه عطلة طويلة تمتد لثلاثة أيام حيث الاحتفال بيوم كولومبوس، وهو عطلة فدرالية وعيد وطني يُحتفل به في أكتوبر/تشرين الأول، وقد خططت مع عائلتي لقضاء العطلة الأخيرة قبل حلول برد الشتاء، لكن مع توالي وصول الأخبار، انتهت أحلام العُطلة".
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الصحفي -الذي فضل عدم ذكر اسمه- "زملائي ممن يغطون الشأن الداخلي الأميركي، سخروا من عدم وجود قضايا خارجية ملحة للعمل عليها، في وقت ينشغلون فيه بما يجري في الكونغرس، واحتمال تعرض أميركا لإغلاق حكومي جديد بعد أسابيع، كل ذلك تغيّر الآن".
بيت أبيض هادئ انقلب لخلية نحل
لم يتضمن جدول البيت الأبيض الذي يُرسل للصحفيين في واشنطن مساء الجمعة الماضية، أي فعاليات أو أحداث يشارك فيها الرئيس الأميركي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتكرر الأمر نفسه مع وزارة الخارجية والبنتاغون.
ودفعت عملية "طوفان الأقصى" الرئيس بايدن للاجتماع بكبار أعضاء فريقه للأمن القومي، وهرع وزير الخارجية توني بلينكن ومدير وكالة الاستخبارات المركزية إلى البيت الأبيض، واضطر بايدن لإلقاء كلمة مختصرة جاءت في 120 كلمة فقط، ولم تستغرق أكثر من دقيقتين، بعدما تحدث هاتفيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كما هاتف بلينكن عددا من مسؤولي دول الشرق الأوسط، وتحدث وزير الدفاع الجنرال لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلي. كما كان من المقرر أن يلقي مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وليام بيرنز، خطابا رئيسا أمس السبت في مؤتمر للأمن القومي بولاية جورجيا، لكن أُلغي بسبب الأزمة في إسرائيل، حسب ما قالته المتحدثة باسمه تامي ثورب.
استرخاء أميركي غير مسوغ
تأتي العملية الصادمة في وقت استثمرت فيه إدارة بايدن كثيرا من الوقت والجهد في زيارات عديدة للمملكة السعودية، للدفع بمساعي التطبيع مع إسرائيل، وربما تكون الرغبة واللهفة لإنجاح هذه الصفقة، قد خلقت عمى بين الأميركيين والإسرائيليين على حد سواء، حول ما كان يحدث عبر الحدود في غزة.
وتؤمن النخبة السياسية في واشنطن بأن أي اتفاق بين السعودية وإسرائيل سيساعد الرئيس بايدن في تعزيز سجله في السياسة الخارجية في انتخابات 2024، ويمحو معه أي تأثير سلبي وذكريات الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.
وكانت دوائر الشرق الأوسط داخل واشنطن قد انشغلت بالترقب والاحتفاء بما عدّوه توسيعا لنطاق (الاتفاقات الإبراهيمية)، وأُعلن عن زيارات تجريها وفود من مجلس الشيوخ للقاء زعماء دول عدة في الشرق الأوسط، من أجل الترويج والاطلاع على أحدث خطوات المسار التطبيعي، الذي نتج عن الاتفاقيات الإبراهيمية.
في المقابل، لم تُعِر واشنطن أي اهتمام للاقتحامات المتكررة من الجانب الإسرائيلي لساحات المسجد الأقصى، ولم تُدِن سقوط عشرات الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة والقدس على مدار الأسابيع الماضية، وافترضت أن ذلك هو الواقع الجديد.
كذلك كان وزير الخارجية بلينكن قد خطط لزيارة تل أبيب والرياض خلال الشهر الجاري، للخوض في تفاصيل تتعلق بصفقة التطبيع، التي تروج بها واشنطن بين إسرائيل والسعودية.
وقبل 9 أيام فقط، تفاخر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، متحدثا في منتدى مجلة أتلانتيك، بالعديد من التطورات الإيجابية في الشرق الأوسط، وهي التطورات التي سمحت لإدارة بايدن بالتركيز على مناطق أخرى وقضايا مختلفة؛ مثل: الهدنة القائمة في اليمن، وتوقف المضايقات الإيرانية ضد القوات الأميركية، واستقرار الوجود الأميركي في العراق.
وقال سوليفان، إن "منطقة الشرق الأوسط اليوم أكثر هدوءا مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن، أنا أخصص قليلا من الوقت للشرق الأوسط، وذلك على عكس كل مستشاري الأمن القومي خلال العقدين الأخيرين، خاصة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
نظام الأسد أصبح بيئة سامة لموسكو
لم يكن مفاجئاً أن تلتزم موسكو الحياد مع تقدم المتمردين. ولكن هذه ليست نهاية روسيا في الشرق الأوسط.
اقتصاد الحرب الذي خلقه الأسد كان بمثابة بيئة سامة
هذا ما خلص اليه الدبلوماسي الروسي السابق نيكولاي كوزانوف في صحيفة "غارديان"، معتبراً إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد يمثل نهاية فصل كبير من الوجود الروسي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، هذا لا يعني أن موسكو على وشك الانسحاب من المنطقة، ومعتبراً إن قرارها برفض القتال من أجل نظام بشار الأسد ونقله بدل ذلك جواً إلى موسكو، حيث يبدو أنه سيبقى، كأنه محاولة لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط بالتخلص من أصل سام.في 2015، كان نشر القوات الروسية في سوريا لدعم نظام الأسد علامة فارقة في تاريخ العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط. وبذلك، أعلنت موسكو بصوت عالٍ عودتها إلى السياسة في الشرق الأوسط، حيث ضعف وجودها بشكل كبير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وللمرة الأولى منذ 1991، أجرت موسكو عملية عسكرية كبرى في المنطقة. لم تنقذ النظام الصديق من الانهيار الحتمي فحسب، بل أظهرت أيضاً استعدادها للعب دور نشط في تشكيل العمليات الإقليمية خارج سوريا.
Even if Putin keeps the port, as @HannaNotte says, he has already lost prestige: "No rhetorical gymnastics can distract from the fact that abandoning Assad is the clearest sign, since Putin invaded Ukraine, of new limits on Russian power projection." https://t.co/7dyekA0VAu
— Gregg Carlstrom (@glcarlstrom) December 13, 2024وبمعنى ما، أصبحت التجربة السورية بمثابة مقدمة ضرورية لتدخل موسكو الأكثر نشاطاً في ليبيا والسودان وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويقول الكاتب إن "الربيع العربي" كاد بين 2010 و2012 أن يؤدي إلى الخسارة الكاملة لجميع شركاء موسكو المتبقين في المنطقة الذين ورثتهم من الاتحاد السوفييتي. وعلى عكس ذلك، لم تعمل العملية السورية على إبقاء نظام دمشق الموالي لموسكو في السلطة، وتعزيز علاقات روسيا مع إيران فحسب، بل أجبرت أيضاً دولاً أخرى في الشرق الأوسط على اعتبار روسيا لاعباً مهماً. وهكذا أصبح الوجود العسكري الروسي في سوريا أحد العوامل التي أدت إلى تكثيف حوار موسكو مع دول الخليج، وأوجدت بنداً آخر على أجندة علاقات موسكو مع مصر والعراق وتركيا.
ومنذ التدخل العسكري، عملت روسيا بنشاط على وضع نفسها ضامناً للاستقرار والحماية للأنظمة الموالية من التهديدات الخارجية والداخلية. وعلاوة على ذلك، كانت آلة الدعاية الروسية ترسم دائماً أوجه تشابه بين الأسد ومصير حسني مبارك في مصر، وتزعم أن موسكو هي الداعم الأفضل والأكثر ثقة، من الولايات المتحدة.
In the end, Syria and Assad became just too toxic – even for Putin | Nikolay Kozhanov https://t.co/NitxoQhbk4
— john milbank (@johnmilbank3) December 17, 2024أما بالنسبة للولايات المتحدة والغرب بمعنى أوسع، خلقت تصرفات موسكو قناة اتصال أخرى لموازنة التقليص النشط للاتصال بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014.
وكانت رسالة الكرملين بسيطة: سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن روسيا لاعب مهم وعلى الغرب التحدث معها على الأقل لإنشاء آليات لتجنب الاشتباكات العرضية بين القوات الروسية والأمريكية في سوريا.
وأخيراً، كان الكرملين يعتمد أيضاً على أن جهوده، فضلاً عن جهود القِلة الروسية مثل يفغيني بريغوجين، لإنقاذ الأسد ستكافأ عاجلا أم آجلا بالوصول إلى قطعة من "الفطيرة الاقتصادية" السورية. لكن سقوط الأسد شطب هذه الخطط إلى الأبد.
بعد وقت قصير من بداية هجوم المعارضة على حلب في نوفمبر(تشرين الثاني) 2024، قررت روسيا بوضوح وبشكل متعمد رفض إنقاذ الأسد. ويميل المحللون إلى تفسير هذا بالإشارة إلى حرب موسكو في أوكرانيا، والتي لم تسمح لروسيا بالرد في الوقت المناسب، وبطريقة مناسبة على الهجوم الجديد الذي شنته قوات المعارضة السورية. ولم يكن الأمر يتعلق فقط بتضاؤل عدد الجنود، بل أيضا بتراجع الجودة: فقد تحولت سوريا إلى نوع من مستنقع للرتب العسكرية العليا في روسيا الذين فقدوا النعمة في موسكو والضباط الذين أرادوا الهروب من الحرب في أوكرانيا. كما ضعف الحلفاء الرئيسيون لروسيا والأسد أي إيران ووكلاؤها، بسبب مواجهة طهران لإسرائيل.
وفي حين أن هذه التصريحات صحيحة في الغالب، فإنها تتجاهل عاملاً مهماً آخر، فبحلول 2024، تحولت سوريا من فرصة إلى عبء اقتصادي وسياسي على روسيا. وفقدت سوريا أهميتها لفرض النفوذ في المنطقة. في غضون ثماني سنوات من التدخل الروسي، ظهرت مجموعة من العوامل الجديدة الأكثر أهمية التي شكلت علاقات الكرملين بالمنطقة. وتشمل هذه العوامل دور روسيا في منظمة أوبك، وزيادة التجارة والدبلوماسية المكثفة. كما فقدت سوريا أهميتها السابقة عنصراً من عناصر الاتصال مع الغرب: فقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى تقليص الاتصالات وأصبحت الموضوع الرئيسي للنقاش مع روسيا.
لقد تبين أن اقتصاد الحرب الذي خلقه الأسد كان بمثابة بيئة سامة لدرجة أن حتى رجال الأعمال الروس الذين اعتادوا على العديد من التحديات لم يتمكنوا من ممارسة الأعمال التجارية فيها. وفي الوقت نفسه، أدى عناد الأسد السياسي، ورفضه التسوية مع المعارضة المحلية والجيران الإقليميين، والعمل المتوازن المستمر بين موسكو وطهران، إلى جعل نظامه شريكاً صعباً.
وفي الوقت نفسه، بدأ الاقتصاد السوري، الذي تحركه إلى حد كبير تجارة المخدرات، ومخططات الفساد، يُظهِر علامات متزايدة على الانهيار الوشيك. بلغ اليأس بين السكان، وانعدام جاذبية الجيش، والسخرية بين أجهزة الاستخبارات، ذروتها.