عمّان "العُمانية": يشتمل كتاب "خرافة النقد العذري؛ أدبنا العربي القديم في ضوء منهجنا الثقافي الحديث" للناقد د. غسان عبد الخالق على مقدّمة بعنوان "لماذا نقرأ الأدب العربي القديم من منظور النقد الثقافي الحديث؟"، وخاتمة بعنوان "ما الفلسفة والفيلسوف المطلوبان؟".

ويتضمن الكتاب الصادر حديثًا عن دار فضاءات في 200 صفحة، أربعين مقاربة نقدية لأبرز المفاصل في الأدب العربي القديم، تحت عناوين من أبرزها: هل تحالف الشعر والفكر في العصر العباسي؟ ولماذا اختفت دواوين القبائل العربية؟ وهل كان إخوان الصفا فلاسفة أم سياسيين؟ وهل كان الصعاليك فرسانًا اشتراكيين؟ وهل انطلق عنفنا اللغوي من ديوان النقائض؟ وكيف سمحنا لزنديق وشُعوبي بتصدّر النثر العربي القديم؟ ويتساءل عبد الخالق في مقدّمته للكتاب: "هل يستدعي ما جاء في هذا الكتاب أن ندير ظهورنا لأدبنا العربي القديم الذي طالما قدّم لنا أو طالما قدّمناه بصورة وردية جميلة، وخاصة إذا نظرنا بعين الاعتبار الشديد -على سبيل المثال لا الحصر- إلى حقيقة أنَّ الرّاويين الرئيسين لشعرنا القديم (حمّاد الرّاوية وخلف الأحمر) ليسا أكثر من مغامرين أفّاقين، أو إلى حقيقة أنَّ حارسي بوّابة نثرنا القديم (ابن المقفّع وسهل بن هارون) ليسا أكثر من زنديق وشعوبي؟!".

ويجيب قائلًا: "أحسب أنَّ الجواب السديد، يتمثل في ضرورة تفهّم هذا التداخل المربك الذي قد يصل إلى حدود الفوضى أحيانًا، وفي ضرورة مواجهته بدلًا من مواصلة القيام بدفن رؤوسنا في رمال الصور النمطية الوردية الخادعة، لأن هذا التفهّم وهذه المواجهة، هما اللّذان يمكنهما أن يتكفّلا بإنهاء حالة الإنكار العبثي الذي قد يصل بباحث تقليدي، حدَّ الانهيال على معتقدات الجاهليين بالقدح والذم من جهة، وإعلاء المعلّقات فوق مستوى التحليل والنقد إلى درجة التقديس من جهة ثانية؛ فأي انفصام وأي ازدواج بعد هذه المفارقة؟!".

وبخصوص إيضاح مدلول العنوان وأطروحة الكتاب، يؤكد عبد الخالق: "على الرغم من اشتمال المدّونة النقدية العربية المعاصرة على جهود تفكيكية جريئة، فأنا ملزم بالقول: إنَّ غالبية جهودنا النقدية منقوعة في التغنّي بأدبنا العربي القديم على نحو مثالي ورومانسي وانتقائي، وإنَّ غالبية هذه الجهود خجولة وحذرة ومفعمة بالخوف من السقوط في مشاعر الذنب، جرّاء خشيتها من تجاوز الحدّ في التواصل مع هذا الأدب الذي تعالى وتطهّر وتنمّط، على نحو يذكّرنا بموانع خرافة الحب العذري التي لم أدّخر وسعًا في هذا الكتاب لتقويضها جملةً وتفصيلًا، انطلاقًا من قناعتي بأنَّ النقد الجذري هو انتهاك معرفي ومنهجي متواصل لتعالي النص والسّياق، وبأنَّ التنصّل من هذا الواجب -عبر الاختباء خلف الواجهات الجمالية المحايدة أو الموضوعية المدرسية الباردة- ليس أكثر من هروب مكشوف من ضرورة حراثتهما".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مسلسل معاوية بن أبي سفيان وتقديس الشّخوص والتّأريخ

مسلسل معاوية بن أبي سفيان الذي يعرض في رمضان هذا العام، والذي من إنتاج «إم بي سي»؛ أحدث جدلا في الأوساط المعرفية والدينية والمذهبية، وتعددت القراءات حوله، بين مؤيد ومعارض، ومحرم ومشجع، ولكل وجهته ونظرته، فمعاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ) من أكثر الشخصيات الجدلية في تأريخنا الإسلامي، فكونه عاش في الشام، وكان واليا عليها؛ استطاع تكوين مملكة أكثر انفتاحا على الثقافات الأخرى، واتساعا جغرافيا، ولكون غالب تأريخنا كتب بعد العهد الأموي، ولأن التأريخ يكتبه المنتصر عادة، فطبيعي أن تختزل هذه الفترة من الحكم الأموي في صراعات سلبية، لتصبح العديد من الروايات التأريخية أشبه بالمسلمات القطعية، والتي يتصارع حولها العقل المسلم حتى اليوم، فتشكلت في آراء لاهوتية كلامية مدارها التعصب للشخوص والتأريخ.

لا أريد الحديث عن الجدل الفقهي حول تصوير بعض الشخصيات التأريخية كالصحابة أو حتى الأنبياء، فهو جدل متكرر منذ فلم الرسالة (1976م) وحتى اليوم، وسبق أن كتبت عنه أثناء الضجيج حول مسلسل عمر بن الخطاب (2012م)، بيد أن الدراما أقوى بكثير، فلم تعد تنتظر فتوى تبيح لها أو تمنع، ولم يعد المشاهد يعتني بها كثيرا، وكثيرا ما يتجاوزها الواقع بعد ضجيجها، وقد تتغير رؤيتها هي ذاتها بعد عرض المسلسل، ما أريده هنا التركيز حول هذه المسلسلات أو الأفلام التأريخية وقضية تقديس الشخوص والتأريخ.

إن المتأمل في العديد من صراعاتنا اليوم تدور حول تقديس الشخوص والتأريخ، ومثل هذه المسلسلات والأفلام اتفقنا ابتداء في أحداثها ووقت عرضها، أم اختلفنا معها، تكشف لنا هذين الأمرين، وقد شكلا لنا الدين التأريخي، والذي أخذ قداسة تأريخية أكثر منه جانبا نصيا أوليا، على أن ثقافتنا في الدين التأريخي اليوم هي ثقافة عباسية، وقد تشكلت فيها العقلية اللاهوتية عند أغلب المذاهب الكلامية الإسلامية، وظهرت فيها النزعة العلوية، والتي ترى لها خصوصيتها في البيت القرشي، لتتحول مع وضع النص الثاني إلى قضية نصية لاهوتية مغلقة، لتدخل هذا التأريخ في دائرة المقدس، أو الدين التأريخي.

عندما ينزع المرء هذا الدين التأريخي من عقليته، ويبدأ قليلا ينزوي مع النص الأول أي القرآن، يجد القرآن ذاته ينزع القداسة عن الشخوص والتأريخ، ويجعل مدار الدين يدور حول الإله ذاته، بعيدا عن إشراك أي مخلوق معه ولو كان ملكا أو رسولا، فنجد القرآن يتطرق مثلا إلى الأنبياء، بيد أنك لا تجد تلك القداسة كما في العقل الجمعي اللاهوتي }وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَسُولِ يَأْكُلُ الطَعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَالِمُونَ إِنْ تَتَبِعُونَ إِلَا رَجُلًا مَسْحُورًا{ الفرقان: 7 ــ 8 ــ، •وقال حكاية عن نبيه محمد عليه السلام مع قومه: }•وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا، أَوْ تُسْقِطَ السَمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِكَ حَتَى تُنَزِلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ، قُلْ سُبْحَانَ رَبِي هَلْ كُنْتُ إِلَا بَشَرًا رَسُولًا{ الإسراء: 90 ــ 93ــ، وعاتب نبيه في مواضع منها }عَفَا اللَهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَى يَتَبَيَنَ لَكَ الَذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ{ التوبة: 43، }يَا أَيُهَا النَبِيُ لِمَ تُحَرِمُ مَا أَحَلَ اللَهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { التحريم: 1ــ.

وفي السياق التأريخي أسهب القرآن مثلا في ذكر تأريخ بني إسرائيل في مصر، وصراعهم مع فرعون، وما أحدثوه مع نبيهم موسى « عليه السلام » من بعد الخروج، وحتى مرحلة التيه، كما في بدايات سورة البقرة، ومع هذا ختم تلك الآيات التأريخية بقوله: }تِلْكَ أُمَةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ «البقرة: 134»، وعلق الهداية بما تحويه قصصهم وسيرهم من مثل وعبر، ولم يعلق ذلك على شخوصهم، }لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ{ يوسف: 111، }أُولَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ{ الأنعام: 90، ومع ذكر القرآن للعديد من الأنبياء بيد أنه لم يتطرق إلى ذواتهم وأشكالهم ولباسهم وطعامهم وحركات نومهم ويقظتهم إلا في مدار العبرة، ولم يجعلهم شركاء معه لتضفى إليهم قداسة لاهوتية مغلقة أوصلها بعض الغلاة من الأخباريين نتيجة روايات النص الثاني إلى الشراك التكويني في التصرف بالكون ذاته.

والمتأمل في غالب المذاهب الكلامية الإسلامية اليوم يجد عكس النهج القرآني تماما، فتشكلها بدأ منذ حادثة السقيفة وحتى مقتل عثمان، فالجمل والنهروان وصفين وكربلاء لاحقا، جميع هذه الأحداث السياسية قطعا حدثت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد إنزال النص الأول، فهي حالة تأريخية تشكلت لاحقا لا يمكن جعلها في زاوية النص المقدس، وإلا كان النص الأول ناقصا ليس كاملا، ولا معنى لآية إكمال الدين؛ لأنه لم يكتمل بإنزال النص، ولم يصبح المدار هنا هو الله المطلق، بل أصبح المدار هم ما دونه من الشخوص والمخلوقات.

على أن هذه الحوليات غالبها دونت متأخرا، وركزت بشكل كبير على الصراعات السياسية، والتي نقلت حسب رؤية المدون المذهبية، أو السياسة التي ينتمي إليها، ليختصر ما يقارب نصف قرن في صراعات سياسية قبلية مدارها ابتداء بين الأنصار المتمثلين في الأوس والخزرج، والمهاجرين المتمثلين في قريش، ثم صراع المهاجرين في بطون قريش ذاتها، ثم من له قرابة بالنبي في مجاله الأوسع كعمه العباس، أو الأضيق في البطنين، ليهمل التأريخ - كطبيعة الحوليات - الجوانب الحضارية والثقافية، وبهذا يصورون لنا أن هذا الدين كان من أعظم نتائجه وبعد وفاة النبي ذاته هذه الدماء، وهذه الصراعات القبلية، وجميعهم يرجعون إلى ذات المنزع، وكانوا أقرب الناس إلى النبي عليه الصلاة السلام، لأن المنتصر لاحقا، بعقليته اللاهوتية والسياسية المغلقة، أراد أن يكون التأريخ هكذا، ومن زاوية مغلقة لأجل انتصارات مذهبية وسياسية، كما غيب تأريخ أمم أخرى لا علاقة لها بالحجاز ومنطقة الصراع، وكانت أكثر ثراء واستقرارا، لتضيق ثقافة هؤلاء جميعا لاحقا، ويعيشون رهين صراعات هذه الفترة في هذه المنطقة بالذات من عالمهم الجغرافي الأوسع حينها، وكأنه لا وجود لهم، واختفوا من لحظة التأريخ.

هذه الصراعات التأريخية «للأسف» شكلت الدين التأريخي الذي نرى نتائجه اليوم، ومداره لا يتجاوز تقديس الشخوص والتأريخ، ولأجلهما صيغت الروايات، وفسر النص الأول، واستخدم حتى المنطق والفلسفة لتغلق كلاميا لأجل صراعات تأريخية، شكلت هذا المقدس التأريخي لأكثر من ألف عام، والتي أصبحت أقوى من النص الأول، فخضع المطلق للنسبي، والقيم للتأريخ، لنعيش هذا التأريخ في أجوائه الكلامية والمذهبية المغلقة، وطبيعي ما نراه من جدل حول مسلسل معاوية بن أبي سفيان، فهو إما أن يرهن لغايات سياسية ومذهبية مسبقة، لتكون الدراما السينمائية اليوم مكان الروايات الحديثية والتأريخية بالأمس، أو أن يتجاوز العقل المعرفي والدرامي ويشكل مرحلة جديدة في قراءة التأريخ من خلال الدراما، لا علاقة لها بالمقدس أو تكريس قداسة التأريخ، وأن تكون غاياتها نهضة الإنسان المسلم اليوم.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»

مقالات مشابهة

  • سر طبق رونالدو الذي يستعد به لكأس العالم 2026
  • “نيان دي ران” حكايات من السودان القديم
  • مسلسل معاوية بن أبي سفيان وتقديس الشّخوص والتّأريخ
  • بمجموع مختلف ومواد أكثر.. السماح لهؤلاء الطلاب بأداء امتحانات الثانوية العامة بالنظام القديم
  • سموتريتش: اسرائيل أكثر إصرارًا على تدمير حماس
  • القضاء الليبي يدين وزير التعليم بالسجن بسبب الكتاب المدرسي
  • «أحمد مستجير.. رائد التكنولوجيا الحيوية».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • أحمد مستجير.. رائد التكنولوجيا الحيوية.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • الإنسان يحتاج إلى 8 ساعات من النوم يوميا.. حقيقة علمية أم مجرد خرافة شائعة؟
  • مفاوضات خارج النص