كثيراً ما نذكر اسم البعض دون ألقاب نذكر اسمهم وكفى؛ ذلك أن قامتهم تضفى على اسمهم فخامة دونها الألقاب! لذلك أقول بكل احترام: إننى التقيت فى الماضى «محمود قنديل»، كروائى مبدع ومميّز!

وألتقيه الآن «قنديل محمود»، ناقداً بين الأدباء، وأديباً بين النقاد.. يضىء لحروف الآخرين لتصل إلى مكانها، ومكانتها!

وكان هذا الحوار:

- المسألة هنا ليست تجاوزًا، فأنا أرى نفسى قاصًا وروائيًا بالدرجة الأولى، أما النقد فهو يأتى من باب التذوق؛ تذوق الإبداع (قصة، رواية، قصيدة، مسرح) من خلال القراءة المتأنية لكل نصوصه، وأعتقد أن النقد يمثل – أيضاً - لونًا من ألوان الإبداع، حيث يجب على الناقد ألا يكون جافًا فى عرض أفكاره ورؤاه، وألا يتوكأ - كثيرًا – على المصطلحات والألفاظ المعجمية والمفاهيم الغامضة، فالنقد معنىّ بكشف ما خفى على المتلقى؛ وإنارة مساحات الدجى وقشع أمكنة الضباب داخل النصوص.

والنقد له وظيفة حين يكون مُوَجَّها للكاتب الواعد أو المبتدئ، فهو – هنا – يقوم بدور التوجيه والإرشاد أمام هؤلاء المبشرين، لكن وظيفته تختلف حين يتناول نصوصًا ناضجة وراسخة ليكون المنوط به إضاءة النص وتفسير رموزه وفك طلاسمه واستخلاص القواعد الخاصة به مثلًا.

- لابد من النقد الذاتى فى كل أطوار الكاتب ومراحله حتى يستطيع التقييم والتقويم والتعديل، لكن البعض يعرض ما يكتبه – قبل النشر – على أترابه ليستفيد من ملحوظاتهم حول ما صاغه، المهم - فى كل الأحوال - أن المبدع يظل هو المسئول الأول عمَّا يكتبه أو يستقر عليه.

- فى تصورى أن النقد حلقات متواصلة لا يمكن تفضيل حلقة على أخرى، أو الاستغناء عن حلقة والالتزام بأخرى، والنصوص هى التى تدعو الناقد إلى اعتماد منهج معين أثناء التناول النقدى، لأن الإبداع - كما أقول دائمًا – سابق على النقد، وبالتالى يصبح النقد مدينًا للإبداع وليس العكس، لذا يحق لى أن أقول إن البنيوية والتفكيكية والسيميائية والنفسية والأسلوبية وغيرها ليست سوى أدوات يجوز للنقاد استلهامها واستدعاؤها كلما تطلب الأمر ذلك.

- من يعرفنى عن قرب يدرك تمامًا مدى موضوعيتى، فلا مجاملة فى الإبداع على الإطلاق، تلك الموضوعية التى راعيتُها عندما توليت مواقع ثقافية عديدة؛ كمدير لتحرير سلسلة النشر الإقليمى بالقليوبية، ورئيس تحرير مجلة «نوافذ جديدة» عن نفس الإقليم، وعضو لجنة الفحص بهيئة الكتاب، وعضو لجنة القيد ومدير تحرير مجلة «ضاد» باتحاد كتاب مصر؛ فى كل هذه المواقع كنتُ - كما أنا - متسمًا بالموضوعية، فرغم انحيازى للرواية التجريبية وقصيدة التفعيلة - كما قلتُ من قبل - إلا أننى وافقتُ على إبداعات كلاسيكية وقصائد عمودية لأنها توافرت فيها ملامح التجويد.

- النقد – بصفةٍ عامة – لا يواكب الإبداع، فأنتَ تجد مئات الإصدارات مقابل القليل جدًا من الدراسات التى تتناول بعضًا قليلًا من هذه المؤلفات، فإذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعى أن يكون التقصير أكبر تجاه ما يكتبه أدباؤنا بالمهجر.

وأظن – وقد يكون ظنى إثمًا – أن مسئولية عدم مواكبة النقد للإبداع يتحملها الأكاديميون بجامعاتنا والمثقفون والمبدعون أيضاً، وهذا الأمر جعل نقد المجاملة يحل محل النقد الجاد والموضوعى، إنها مشكلتنا جميعًا.

- ظهرت العولمة – فى بداية الأمر – بأهداف حسنة ترجو رواج العالم وتطوره وترابطه، لكن تلك الأهداف الحسنة ضمرت بداخلها نوايا شريرة ونزعات عدوانية، ليصبح الهدف من العولمة سياسيا يعمل على فرض الهيمنة والسيطرة من قِبَل الكيانات الكبرى على الدول النامية، وفى ظل العولمة شاهدنا انحسار سيادة الكثير من الدول على مقدراتها واستجابة الدول الصغرى لإملاءات الكيانات الكبرى اقتصاديًا وسياسيا وثقافيًا، هو وضع خطير ينال من هوية الأوطان وتاريخها وجذورها.

من هنا يتوجب على القادة والشعوب والمثقفين والكُتَّاب التصدى لما يُسمى بالعولمة حفاظًا على الأصول والجذور.

- ليس من حق الناقد أن يوجه مبدعًا ما نحو أفكار بعينها، أو قضايا معينة، فهو ليس مرشدا أو مصلحًا اجتماعيًا، ما يراه المبدع يعبر عن فكره الخاص، وله فى ذلك كامل الحرية والمسئولية.

ولكن دعنى أوضح أن الإبداع منوط بالشجب والإدانة لكل ما هو سلبى ومخيف ومفزع.

- لابد للكاتب أن يسأل نفسه قبل الشروع فى الكتابة: لماذا أكتب وما الذى يجب أن أضيفه إلى ما سبق وما هى المناطق البكر التى يجب أن أرتادها؟، وهنا سيجد نفسه مندفعًا نحو صياغة إبداع مميز ومختلف لا يشبه ما كتبه غيره.

إن المبدع الحقيقى – فى حقيقة الأمر - لا ينشد سوى التفرد.

- بالفعل هناك رواية لى تحت الطبع بعنوان «مراسم البعث الجديد»، وبمشيئة الله تعالى سوف تكون بمعرض الكتاب القادم، وهى رواية تستلهم الأسطورة المصرية القديمة (إيزيس وأوزوريس)، وتمزج بين الواقعى والخيالى، كما تمزج بين الحقيقى والأسطورى؛ إنها تجربة جديدة أردتُ من خلالها تقديم صورة عن العلاقة بين الماضى والحاضر والمستقبل عبر طرائق فنية مختلفة، أتمنى أن تحوز ذائقة المتلقى.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: القليوبية اتحاد كتاب مصر الأدب العربى

إقرأ أيضاً:

إيران تعلن التزامها باستمرار صادرات الغاز إلى العراق

إيران تعلن التزامها باستمرار صادرات الغاز إلى العراق

مقالات مشابهة

  • نجم الأهلي السابق: إمام عاشور كان يحتاج لـ"قرصة ودن"
  • الفيصلي يحتاج وقفة من أبناء حرمة
  • شادي محمد: غياب وسام أبو علي عن الأهلي مؤثر والأحمر يحتاج هذه الصفقات
  • أسعار سبائك الذهبBTC  اليوم الثلاثاء 26-11-2024 في محافظة قنا
  • إيران تعلن التزامها باستمرار صادرات الغاز إلى العراق
  • إفيه يكتبه روبير الفارس: سرقة السلطان
  • الصين تسجل مستويات قياسية في تدفقات النقد الأجنبي
  • لأول مرة بمحاكم الأقاليم الجنوبية.. الحكم على متهمين بالإعدام
  • أسعار سبائك الذهبBTC اليوم 24-11-2024 في محافظة قنا
  • لجنة متابعة وحدات التطوير تزور وحدة الأحياء لتقييم الخدمات الصحية المقدمة