لدعمه الاحتلال.. زيلينسكي يشبه المقاومة الفلسطينية بروسيا
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
شبه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالعملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بالعملية العسكرية الروسية على بلاده.
وحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، قال زيلينسكي في كلمة بالفيديو أمام الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي في كوبنهاجن "وحدتنا يجب أن توقف الشر، ويمكنها ذلك.
وأضاف أن القواعد والقانون الدولي فقط هما اللذان يمكنان بضمان السلام في جميع أنحاء العالم.
ومن المعروف أن زيلينسكي من أبرز المؤيدين للاحتلال الإسرائيلي، حيث دعا زعماء العالم إلى إظهار التضامن والوحدة مع الاحتلال وإدانة عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية.
وفي وقت سابق، قال زيلينسكي، إنه تم مقتل 2 أوكرانيين على الأقل في العمليات التي قامت بها المقاومة الفلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي.
ولم يحدد زيلينسكي التفاصيل المحيطة بالوفيات، لكنه قال إن السفارة الأوكرانية في تل أبيب تعمل مع السلطات الإسرائيلية "للكشف عن تفاصيل الأوكرانيين الذين في وسط الحرب",
وقال زيلينسكي في خطابه اليومي: "إن سفارة أوكرانيا في الاحتلال الإسرائيلي، وجميع دبلوماسيينا المسؤولين عن هذه المنطقة، جنبًا إلى جنب مع جهاز المخابرات الأوكراني، يعملون على مدار الساعة لمساعدة جميع أفراد شعبنا الذين يحتاجون إلى المساعدة، وقد تلقت السفارة بالفعل أكثر من 100 نداء من جانب مواطنين أوكران".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: زيلينسكي المقاومة الفلسطينية الاحتلال الاحتلال الاسرائيلي الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المقاومة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
المقاومة بالسرد الجميل.. تجربة القصة الفلسطينية القصيرة من محمود شقير إلى زياد خداش
عبّرت القصة القصيرة في مسيرتها الطويلة عن حياة الإنسان الفلسطيني وعن واقعه، ونهضت بأدوار مختلفة، تمتد من الدور الجمالي المرتبط بالأدب وأجناسه، مرورا بأدوار سياسية واجتماعية وتربوية وتثقيفية متشابكة.
ورغم انشغالها القدري بالتعبير عن مواجهة الاحتلال، وباختلالات الواقع، وعما نتج عن التهجير وتجارب الشتات وحرب الإبادة المفتوحة، فإن انشغالها الموضوعي والفكري لم يصرفها عن التطور الفني، بل يمكن القول إن التحديات التعبيرية قد دفعتها إلى البحث عن سبل فنية جديدة تطوّر الشكل القصصي ليتسع للتعبير عن هذه التجارب المختلفة.
وفي المسيرة الطويلة نجد علامات تستحق الالتفات لدورها المركزي في تطوير القصة، وبوجه خاص تجارب الريادة التاريخية المتمثلة في خليل بيدس، وعارف العزوني، ونجاتي صدقي، ومحمود سيف الدين الإيراني، وصولا إلى جبرا إبراهيم جبرا وإميل حبيبي وغسان كنفاني وسميرة عزام. وامتدادا إلى الأجيال اللاحقة في سبعينيات القرن العشرين وما بعدها، وحتى مآلها اليوم الذي نجد فيه أصواتا مميزة تواصل هذه الرحلة الفنية والجمالية السردية.
ولقد مثّل جيل "الأفق الجديد" القصصي، الذي ولد في ستينيات القرن العشرين في ظلال مجلة "الأفق الجديد" المقدسية، أهم حاضنة لأدباء تلك الحقبة، وقد ترأس تحريرها الأديب والشاعر الراحل أمين شنار، وصدرت بين عامي 1961-1966 في القدس، واستقطبت المجلة إنتاج معظم الأسماء البارزة في فلسطين والأردن ونجحت في اكتشاف الأسماء الأدبية الجديدة إلى جانب العناية بثقافة القصة ونقدها. وقد نضج هذا الجيل في المراحل اللاحقة وغدا موجة وتجربة قصصية بارزة في الكتابة القصصية في فلسطين والأردن.
إعلانوأسهمت الصحافة والمجلات الأدبية بسهم وافر في العناية بالقصة وتطويرها، إلى جانب موارد مهمة تشترك فيها القصة الفلسطينية مع القصة العربية منها -بإيجاز-: الاتصال بالقصة الغربية والعالمية، فما يحدث من تطور عالمي في القصة القصيرة نجد أصداءه في نماذج كثيرة، ولذلك فإن هذا العامل عامل مهم في تطوير القصة وانفتاح آفاقها. وهناك عنصر تراثي يتمثل في الموروث السردي العربي، الذي عرف ألوانا من القص الموجز أو القصير، كما عرف صورا من التقنيات والحيل السردية التي أفاد منها القصاصون.
وأخيرا عنصر المطبعة والطباعة وما تطور عنها من صناعة النشر، التي أسهمت في تعميم الكتاب القصصي، وتوسيع دائرة تأثيره على الكتاب والقراء معا، وتبعه تأثير الإنترنت ووسائل التواصل والمنشورات الإلكترونية التي أثرت في حياة الإنسان المعاصر، كما تركت تأثيرات ملحوظة في الآداب والفنون.
الأنواع الفرعية والوضعية البينية للقصة القصيرة
من مظاهر نضج الجنس الأدبي ولادة تفريعات له في صورة أنواع فرعية، تتفاوت في استمراريتها وقوة ظهورها وإمكانية التعرف إليها، وتدل فيما تدل على ثراء الجنس الأدبي واتساع إمكاناته.
وفي حالة القصة القصيرة تمكن ملاحظة أنواع فرعية من أمثلتها:
القصة القصيرة جدا وهي أكثر الأنواع كثافة وإيجازا. المتوالية القصصية أو سردية الحلقات القصصية التي تبنى من عدة قصص مترابطة. القصة الحوارية التي تبنى على عنصر الحوار ذي الطابع المسرحي. القصة المشهدية التي تفيد من التقنية السينمائية ومن مبدأ عين الكاميرا، فتتجول وتتظاهر بعدم التدخل، سوى التقاط أطراف المشهد ومكوناته.أما الناحية الثانية التي يمكن أن تساعدنا في ملاحظة تحولات القصة القصيرة فتتمثل في التركيز على الوضعية البينية التي رافقتها منذ نشأتها، أي أن هذه الوضعية تمثل سمة أصيلة فيها وليست سمة طارئة أو مستجدة، وما يفعله القصاصون لا يجاوز تلوينها بصور وألوان جديدة تدل على انفتاحها وعلى قابليتها للتطور. ومن صور هذه البينية الصور الآتية:
إعلان التأرجح بين الدرامي والغنائي، فمن الدرامي تتأتى حمولة الأحداث المؤثرة وألوان الصراع التي تعبر عنها القصة، ومن الغنائي تتفجّر شعرية القصة القصيرة، وأبعادها التأثيرية وحمولتها العاطفية. المراوحة بين الشعر والقص مما يتمثل في شعرية القصة القصيرة، وهي تكاد تكون سمة خاصة لبعض أنواعها كالقصة القصيرة جدا، مثلما تكاد تلحق بكثير من نصوصها، في مستوى ملاحظتها لموضوعها أو لغتها وبنيتها. الدمج بين الحقيقيّ والسيريّ والمتخيل: بحيث تغدو بعض القصص أقرب إلى ما يسمى بالمتخيل الذاتي، وهو لون فرعي يختلف عن السيرة الذاتية ذات المنزع الواقعي، ويختلف عن القصة القصيرة بصفتها التخييلية المعروفة. الواقعي والحلمي/الكابوسي: وكثيرا ما تلجأ القصة القصيرة إلى عالم اللاوعي ذلك المورد الحيوي للأدب والفن بوجه عام، وهو ليس موردا جديدا ولا اكتشافه بجديد، وإنما يكتسب صورا وأمثولات جديدة في كتابات جديدة. التفاعل مع وسائل الاتصال، ومع تأثيراتها الأسلوبية واللغوية ومع موضوعات وأفكار مستوحاة من هذه الوسائل الجديدة، وكذلك تصوير علاقات البشر/الشخصيات في هذا العالم الجديد. ولا شك في أن الاتجاه إلى موضوعات ومضامين جديدة يستدعي تطويرات وتغييرات تلقائية في الأبنية والأشكال الفنية وصولا إلى اكتساب النوع نفسه سمات جديدة. ضروب الميتاسرد "قصة القصة": لم تعد القصة تكتفي بالواقع الحقيقي أو المتخيل مادة لها، بل غدت مشاغل الفن القصصي مادة للقص نفسه. بحيث تتأمل القصة نفسها وتتأمل تاريخها وتقنياتها، وقد تعرض لكتاب أو قصاصين ولقصص سابقة، وقد تعبر عن آراء نقدية أو فنية، فلم يعد الحديث عن القصة ومشاغلها وتاريخها حكرا على النقد والبحث وإنما أصبحت النصوص الإبداعية تشارك في هذه المراجعات والتأملات. ويمكن النظر في هذه المسألة بصفتها ضربا من البينية التي تصل الإبداع الأدبي بنقده وقراءته. التنوع في لغة القصة القصيرة: فغالبا ما تكتب بالعربية المعاصرة المتحررة من البيان التراثي، ومن صفات عبّر عنها القدماء بالجزالة والفحولة، لصالح لغة طيّعة، تتداخل فيها الفصيحة المعاصرة مع مستويات مختارة من اللهجة المحكية، ولذلك فمعجمها ينتمي إلى المستوى المعاصر وإلى ما يقرب من اللغة التي طورتها الصحافة والطباعة الحديثة، في حين تحافظ على سلامة التراكيب بالحدود التي يسهل على القارئ العام التواصل معها، وتبتعد عن التراكيب الصعبة الموروثة. الجمع بين الجد والهزل من خلال تطوير استعمال السخرية والفكاهة في معالجة مواقف الواقع. وأخيرا المراوحة بين السرد الواقعي والسرد المتصل بعالم الإنسان والانتقال منه إلى سرد متصل بالعالم الطبيعي، كما في السرد على ألسنة الحيوان ومفردات طبيعية أخرى، وهو لون قديم في التراث العربي والإنساني، ولكنه يشهد توسعا أو عودة في السنين الأخيرة. إعلانإن أحد الموارد الكبرى في تطور الأجناس والأنواع يتمثل في انفتاح الأجناس وإفادتها من بعضها، كعلاقة القصة بالشعر والرواية والمقالة والمسرحية، وعلاقتها بأنواع غير أدبية كالأنواع الفنية، مثل السينما، وتقنيات الصورة، ووسائل التواصل، وإنتاجات الذكاء الصناعي مؤخرا. ولعل أية نظرة منصفة متأملة لأنواع القصة الفرعية ولسماتها البينية التي أشرنا إليها ستطلعنا على أن علاقة القصة بغيرها من أنواع أدبية وغير أدبية تمثل موردا مفتوحا للتجريب والتطوير، وهو في الوقت نفسه مبعث تعدد الأنواع الفرعية للقصة التي يمثل اتساعها مظهرا تجريبيا لا يخفى.
تجربة محمود شقير: رائد التجريب القصصي
يمكن أن نقف تطبيقيا عند تجربة الأديب محمود شقير (مواليد عام1941) نظرا لتميزها بالتجريب المتزن المدروس، وبما فيها من مظاهر التفاعل مع الواقع الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه، وإذا تجاوزنا كتاباته الواقعية في المرحلة الأولى من إنتاجه فسنوجّه أنظارنا إلى اهتمامه الواسع بتطوير القصة القصيرة جدا منذ صدور مجموعته (طقوس للمرأة الشقية) عام 1986م التي خصصها بشكل كامل لهذا النوع، وواصل هذه الرحلة التجريبية في مجموعات متتابعة بلغت 8 مجموعات صدرت آخرها بعنوان (حليب الضحى) عام 2021.
ويمكن تسجيل بعض المعالم التي تعيننا في تبين هوية هذا النوع استنادا إلى تجربة محمود شقير، ومن أهمها: قِصر الشريط اللغوي، والتركيز على بناء الحالة القصصية ويقتضي ذلك التخلي النسبي عن قصة "الحكاية" أو "الأحدوثة" لصالح قصة "الحالة" مما يسمح بالانتقال من الحبكة التقليدية إلى لقطة الحالة الوجدانية أو الموقف الإنساني ذي الطابع الغنائي، وينتج عن ذلك ويترافق معه ما نصفه بشعرية القصة القصيرة جدا، "وذلك عندما تقترب القصة من الشعر وتلجأ إلى بعض أدواته".
ومن أهم مظاهر شعرية القصة، ما يتمثل في المحتوى الوجداني-الانفعالي الحاد، كما يتمثل في اللغة التي تتظاهر بالتقشف والزهد الجمالي، ولكنها تلجأ في الوقت نفسه إلى تقنيات صياغة الجملة الشعرية التي تبرز فيها مكانة اللغة وقوتها وإيجازها وكثافتها واختزالها، إلى جانب إمكانات استعمال بعض الصور الشعرية والتخييلية المدروسة.
إعلانومن مظاهر التجريب وخصائصه الفنية، ما يتصل بتوظيف السمات العجائبية والغرائبية، والاعتماد على بلاغة المفارقة التي تبدو تعويضا فنيا عن قصر الشريط اللغوية، لضمان اتساع الدلالة وإشباع المعنى.
وهناك الاهتمام بطرق الافتتاح والاختتام، ذلك أن البداية والنهاية مهمتان إلى حد كبير في بناء القصة القصيرة جدا. وإذا كان الافتتاح يغلب أن يكون بجملة قابلة للانفتاح والاستئناف ليشكل مظلة للعبارات اللاحقة، فإن الختام ينبغي أن يقفل القصة وأن يميل إلى تركيز الدلالة المفتوحة. "إخفاق النهاية قد يؤدي إلى إخفاق هذا النوع الدقيق".
المتوالية القصصية تمثل كتابا قصصيا تاما تشكل فيه القصة القصيرة جدا وحدة صغرى، مثل: "القدس وحدها هناك" لمحمود شقير (الجزيرة) جماليات المتوالية القصصيةوفي مجموعات أخرى طوّر محمود شقير كتابته من كتابة قصص قصيرة جدا مستقلة ومنفردة لصالح نوع أقرب إلى المتوالية القصصية التي تمثل كتابا قصصيا تاما تشكل فيه القصة القصيرة جدا وحدة صغرى، تمتلك اكتمالها الداخلي واستقلالها النسبي، ولكنها تسمح بالانفتاح على القصص اللاحقة المكونة للكتاب.
استعمل هذا البناء الجديد في مجموعات مثل: "القدس وحدها هناك"، و"احتمالات طفيفة"، و"مدينة الخسارات والرغبة". وهي خطوة غير هينة في التحول من الجزئي إلى الكلي، وفي تطوير إمكانات القص المتناهي الصغر ليغدو مترابطا مع غيره، في بناء تجربة كلية، لا تتحول إلى رواية أو نوفيلا، وإنما تبقى من ناحية مكوناتها الأساسية ضمن دائرة القصة القصيرة جدا.
تمثل "المتوالية القصصية" نوعا قصصيا آسرا من الناحية الشكلية ومن ناحية تجربة الكتابة والقراءة، فهو يتطلب تجربة موسعة أو موحدة ويتجاوز ما ألفناه في المجموعات التقليدية التي تجمع قصصا متباينة، ولا بد للمتوالية من نقطة ارتكاز تمثل سر وحدة الكتاب وأساس بنائه، وقد تستند إلى ما يقرب من المكونات الروائية التي تضمن وحدة التجربة وما يقرب من وحدة المكان والزمان أحيانا، ولكن مع ضمان الوحدة العامة.
إعلانفلا بد من احتراف مبدأ الوحدات الصغيرة التي ينبغي أن تظهر مستقلة ويمكن قراءتها بصفتها قصصا مكتملة قبل البحث عن روابطها مع غيرها، وهكذا تتأسس هذه التجربة على مبدأيْن لم نألف الجمع بينهما ونعني الفصل والوصل بمصطلحات البلاغة، حيث تقتضي المتوالية توفر المبدأين معا وليس واحدا منهما، ولذلك فإنها تظل ضمن الأنواع القصصية الفرعية بالرغم من تلقيها في صورة تجربة متصلة أو مكتملة.
تجربة زياد خداش: قصص التخييل الذاتييمثل زياد خداش (مواليد 1964م) جيلا آخر هو جيل التسعينيات القصصي، وهي مرحلة ذهبية نشطت فيها كتابة القصة القصيرة في فلسطين والأردن، كما تتميز تجربة خداش بالاستمرار والإخلاص في الكتابة وتبني الأشكال والطروحات الحديثة، مما أسهم في بقاء تجربته مفتوحة على التجريب والتجديد.
وقد أصدر في مسيرته عددا من المجموعات القصصية منها: نومًا هادئا يا رام الله (1993) بالاشتراك مع وداد البرغوثي، خذيني إلى موتي (1996)، خطأ النادل (2015)، أسباب رائعة للبكاء (2016)، غارقون بالضحك (2019)، وآخر إصداراته: الجراح تدل علينا (2023).
تتشكل قصة زياد خداش في إطار قصدي من تحولات التخييل الذاتي، الذي يقرب أن يكون "كتابة حرّة تتولى الصدع وتتعهده، إن لم تتعهد الانكسارات الوجودية وتتولاها" على ما تقول إيزابيل جريل، في كتابها عن "التخييل الذاتي". ومن مظاهر التخييل الذاتي اعتماد الكاتب على وقائع حياته اليومية والواقعية وعلى الأحداث والتفاصيل التي مرت في تجربته، وبناء قصة تنقل المعاناة بحسّ فكاهي يخفف من تراجيدية الواقع، ويوفر أفقا قرائيًا ممتعا، ينفتح على تفاصيل الحياة اليومية التي لا يغيب عنها الاحتلال وأعوانه. ولكن في كل حال فإن شخوص القصة وأماكنها ومناخاتها أليفة يومية تضج باصطياد المفارقات.
أيضا يمكننا أن نلاحظ في كتابة خداش القصصية ذلك الطابع التجريبي وعدم الالتفات الحاسم أو القطعي لمسألة التجنيس بصفة مركزية والتفلت منها تحت تسميات مواربة مثل: نصوص، كتابات.. وكأن ذلك صدى للدعوات التي ترى في التجنيس قيودا على الإبداع، إلى جانب ما يؤدي إليه التخييل الذاتي من التقاطع مع السيرة الذاتية وألوان الأدب الشخصي، مما يعلي العنصر الذاتي ويضبّب العنصر الموضوعي ليغدو ثاويا في تجربة الذات وليس مستقلا أو منفصلا عنها.
إعلانويمكن ملاحظة الاعتماد البليغ على ضمير المتكلم لا بصفته ضميرا سرديا يشير إلى الراوي الذي اعتدنا على تمييزه عن المؤلف في النظرية السردية التقليدية، بل بصفته ضميرا يجمع المؤلف بالراوي، وهذا الجمع هو الصيغة التي دافع عنها رواد كتابة المتخيل الذاتي منذ صَكّ "دوبروفسكي" المصطلح في مواجهة مصطلحات فيليب لوجون وتحديداته في السيرة الذاتية.
إنه صيغة جديدة ليست تخييلية ولا وقائعية تامة، إنها في منطقة بين بين، تعتمد على الوقائع المرتبطة بالحياة الحقيقية للفرد، ولكنها لا تعد بلزوم الصدق الذي تعد به السيرة الذاتية في ميثاقها الأصلي. وهكذا يتيح التخييل الذاتي للفرد أن يروي أطرافا من وقائع حياته، دون خوف الوقوع في دعوى الكذب ذات الحساسية الأخلاقية، بل يتاح له أن ينتقل من الواقع إلى الخيال بحرية تامة، وبما يسمح له بتأويل الواقع ونقده والسخرية منه إذا شاء.
تحتاج تجربة زياد خداش إلى دراسة تفصيلية، وإلى تأويل يأخذ بعين الاعتبار تمثيلها للمهمش الفلسطيني سياسيا واجتماعيا خصوصا في مرحلة "ما بعد أوسلو"، فهذا الكاتب الذي ولد في القدس لأسرة مهجرة من إحدى قرى الرملة، وأقام معظم سني حياته في مخيم الجلزون قرب رام الله، ودرس في بير زيت وجامعة اليرموك قبل أن يقضي عدة عقود في التعليم، حاول أن يقاوم جهامة الواقع وأكاذيبه بالسخرية والمواربة والمفارقة، وباكتشاف طاقة الحياة خلف الطبقة الظاهرة من الحياة الفلسطينية.
يستعمل خداش اسمه الحقيقي (زياد) أو كنيته الشعبية (أبو الزوز) صراحة في قصصه، كما لو كان يروي فصولا ذاتية ومواقف حقيقية، ولكنه لا يقف بها عند حدود الحقيقة، وإنما يصعّد تلك الوقائع ليغدو لها معنى في إطار الوجود الفلسطيني والحياة المدججة بالصراع ومواجهة الاحتلال وأحوال الحياة في ظلال السلطة الفلسطينية الهشّة.
إعلانإنه يكتب عن جيرانه ومعارفه وأصدقائه، ويورد أسماء حقيقية ويخلط الواقع بالخيال في تركيبة عجيبة لا يصلح لها إلا أن تصنف تحت مسمى قصة التخييل الذاتي، إطارا موسعا لها يمكّن من تسويغ وجودها ومن إنصافها في التلقي والتأويل.
وإذا كانت المكونات الواقعية والتاريخية واضحة المعالم فإنها تنجدل مع سمات تخييلية في مقدمتها سمة التغريب أو إعادة التفريد عبر إضفاء صفة الغرابة وصفة التعجيب على مكونات الواقع، سواء عبر التحول (الكافكاوي)، الذي يأخذ صيغة فلسطينية في كتابات خداش، أو عبر التهيؤات والكوابيس التي تفتح كوى في جدران الواقع الصلد، وتسمح بمعاينته وتأويله من جديد.
وكثيرا ما يضفر الكاتب السمات الغرائبية والعجائبية بمسحة شعرية تسمح بدمج الحقيقي بالتخييلي استنادا إلى ما يوفره الموقف الشعري واللغة الشعرية من رحابة تخييلية.
المجموعة الأخيرة لزياد خداش (الجراح تدل علينا) الصادرة عن منشورات المتوسط، إيطاليا، 2023 (الجزيرة) الجراح تدل علينا: تحويل الواقع إلى قصص غرائبيةفي مجموعته الأخيرة (الجراح تدل علينا) الصادرة عن منشورات المتوسط، إيطاليا، 2023 يواصل زياد خداش استثمار الطريقة المميزة التي انتهجها وطورها على مر السنين، إنه يحدّق بعينين مفتوحتين على الواقع الفلسطيني الذي ينخرط فيه، ولكنه يبقي على مسافة الأمان الضرورية استنادا إلى اللغة القصصية التي يكتب بها، وعبر تحويل الواقع إلى قصص يكابد ما يكابد في قراءة هذا الواقع ونقده دون أن ينفصل عنه.
ولعل صيغة الاندماج بين المؤلف والسارد أو الراوي في حالة هذه الكتابة ليست إلا صيغة من صيغ المواجهة المواربة، وليس تحويل الذات المتمثلة في ضمير المتكلم إلى راو أو شخصية قصصية إلا صيغة تصالحية على مستوى الكتابة، بينما هي صيغة تعارضية على مستوى الموقف والرؤية.
وأخيرا فإن القصة القصيرة في فلسطين والعالم العربي تشهد تقدما ملحوظا يلمسه القارئ المتابع، وهو تقدم فني وموضوعي هادئ بعيد عن ضجيج الاحتفاء بالرواية التي ملأت فضاءات الإعلام ودور النشر والجوائز وغيرها، ولعل هذه الوضعية من الهدوء النسبي أفادت القصة فنيا وسمحت لها بقدر من الصنعة الفنية التي وجدنا أمثلة قوية عليها في تجربتي محمود شقير وزياد خداش.
إعلانوعلى امتداد العالم العربي هناك صور أخرى من جماليات القصة القصيرة نجدها في تجارب تسير في هذا الطريق القصصي الجديد، ومنها على سبيل المثال: تجربة أنيس الرافعي (المغرب)، وضياء الجبيلي (العراق)، وأماني سليمان داود (الأردن)، ومحمد رفيع (مصر) ونحو ذلك من تجارب السرد الجديد.