عربي21:
2025-03-10@19:30:01 GMT

ما أبعد من الإسلام السياسي أو الإسلام المذهبي

تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT

يتردد في السنوات الأخيرة قول لا يمتلك حجته العلمية وإنما يعتمد أصحابه عواطفهم وشهواتهم، وهو القول بـ"نهاية الإسلام السياسي"، ويُبدي كثيرون سعادتهم بهذه "النهاية" بل ويفاخر البعض بأنهم ساهموا في تحقيق هذا "الإنهاء".

وبالعودة إلى مضمون التسمية، نجد أنها تسمية قاصرة، فأصحابها عاجزون عن فهم الإسلام بما هو فلسفة حياة وبما هو دين، إنه ليس مجرد نظرية تتاح لأصحابها فرصة التجريب، إنه عقيدة، وليس عقيدة جماعة أو منظمة أو حزب، إنه عقيدة مئات الملايين من البشر، وفيهم علماء وفلاسفة ورجال قانون وعلماء شريعة ومفكرون ومهندسون وأطباء وإعلاميون ورياضيون وفلاحون ورجال أعمال، وكل هؤلاء يعتقدون بأن الإسلام هو نظرية في الحياة، وهو جملة من الأحكام والقواعد والقيم والمبادئ الكبرى التي تنظم حياة الناس وترسم لهم سبيل السعادة وتنبههم إلى منزلقات الشقاء، وهؤلاء يعتقدون أن كمال الإيمان لا يكون إلا بالتزام عملي بتلك المبادئ والأوامر والنواهي.



إن تسمية "الإسلام السياسي" هي تسميةٌ من وضع من يستعجل إنهاء "ظاهرة" عجز عن فهمها ويتمنى زوالها، فيعتمد أسلوب الأطفال القُصّر حين يصنعون دمية من ورق يسمونها "غولا"، ثم يُجهزون عليها فيقدرون بسرعة فائقة على تمزيقها ويتنفسون الصعداء ويشعرون بنشوة الانتصار، ليكتشفوا لاحقا أنهم لم يصبحوا أبطالا حقيقيين ولم يكبروا بسرعة ولم يتحرروا من عجزهم ومن خوفهم الذي يسكنهم.

إن الإسلام بما هو عقيدة يزداد انتشارا لا في مستواه الشعائري، بل في معانيه التي تُضفي على الحياة معنى وعلى الوجود بهاء وعلى الإنسان قيمة إيجابية في زمن يراد له أن يكون ماديا يتم فيه تشيئة كل "شيء" وسلعنة كل قيمة. إن فلاسفة الحياة وفلاسفة الأخلاق ومنتجي الأفكار والمعاني يدركون جيدا أن العالم يتجه نحو الإسلام العظيم، وحدهم التافهون يتمنون زوال القيم وهيمنة اللا معنى وفناء من يُذكرهم بكونهم أشقياء وتافهين وبُلهاء.

من يتوهمون نهاية الإسلام في تجارب سياسية متعثرة وعن طريق "مشاريع" طوباوية مُقعَدة، سيتفاجأون بولادة تعبيرات للإسلام أشمل من السياسة وأعمق وأقدر، وسيجدون أنفسهم عاجزين ليس فقط عن فهمها بل وعن مواكبتها؛ بسبب أعطابهم النفسية والذهنية وبسبب كونهم أصبحوا غير مؤهلين لمواكبة زمن المعنى وعصر القيمة، حيث ولادة الإنسان الجديد، وستظل حظوظ ترميم ذواتهم متاحة لكون الإسلام العظيم في حركته الداخلية وفي مسار التاريخ باتجاه تقدمي؛ يقذف بالنفايات ويصطحب كل عناصر الحياة ومظاهر الجمال التي لا يخلو منها كائن هو من صنع الله الذي أتقن كل شيء.

لقد تفاجأ العالم كله، وخاصة من بشّروا بنهاية الوجود الإسلامي، بترجمة للإسلام قوية وحداثية بل وإعجازية، إنها ترجمة "الإسلام المقاوم" الذي بدا معبرا عما هو أبعد من "الإسلام السياسي" وعما هو أشمل وأعمق من "الإسلام المذهبي".

معركة "طوفان الأقصى" أدخلت على العالم الإسلامي هذه الأيام شعورا بنشوة الانتصار، وأنه لم تعد الهزيمة قدرا إسلاميا، ولم يعد الانتصار مستحيلا، لقد قدمت المقاومة درسا تطبيقيا في الشجاعة وفي الصبر وفي المهارات العالية، فباتت يد المقاومين هي العليا وصار عدوهم في وضعية المهزوم المرتعب يستجدي عطف العالم ويطلب دعم حلفائه رغم ما كدّسه من أسلحة متطورة فتاكة.

متصدرو المعركة هم حركات إسلامية نشأت على عقيدة تجعل الإنسان مقصدا محوريا في شريعتها، الإنسان المتحرر من العبودية ومن الاستبداد ومن الاحتلال ومن غرائزه، عقيدة لا تقبل لمعتنقيها المذلة والاستسلام، وتدعوهم لاكتساب مصادر القوة من علم واقتصاد ومهارات تناسب مقتضيات كل مرحلة وكل معركة.

معارك التحرر توفر كيمياء وحدة الشعوب والأمم، وهي معارك تسمو على ما هو ذاتي وما هو حزبي، وما هو أهواء وهويات جزئية من جهوية ومذهبية وعرقية.

بناء الإنسان المقاوم يحتاج ثورة في الأفكار والمعاني والقيم، ويحتاج إعادة النظر في برامجنا التربوية والثقافية وفي خطابنا الديني وفي أداء وسائل الإعلام، وفي دور المنظمات والجمعيات حتى تكون منابت وعي و"مدارس" لتخرّج أجيالا جديدة قادرة على خوض معارك المستقبل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة التحرر المقاومة الإسلاميين التحرر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإسلام السیاسی

إقرأ أيضاً:

تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة

 

متابعات /الأسرة
تتبدى معاناة أهالي غزة بصور قاسية ومؤلمة مع حلول شهر رمضان، حيث باتت تجاربهم تتحدث عن فقدان الأمل والفرحة، الحرب الإجرامية التي شنها العدو الإسرائيلي بدعم أمريكي حولت الشهر الكريم من فترة للعبادة والمودة إلى زمن للحزن والافتقاد.
استقبل سكان غزة رمضان هذا العام بمعاناة غير مسبوقة، حيث يشاهد العديد من الأشخاص الذين فقدوا منازلهم وأحباءهم. فعندما تتحدث عن العائلات، تجدها مقسمة بين خيام متواضعة، حيث تجرح الذاكرة صور الفقد؛ يذكر عبد الله جربوع كيف كان يجتمع مع عائلته حول مائدة الإفطار، وهو يتنقل بين أنقاض منزله المحطم.
رمضان هذا العام يشبه عام الحزن”، يقول إبراهيم الغندور، ويشعر بالفراق الذي نتج عن فقدان الأحبة. لا وجود للأجواء الرمضانية المعتادة، فقط صمت مؤلم يشهد على الأوضاع الراهنة. والحديث ينساب عن ليالٍ رمضانية لم تعد كما كانت، بل تحولت إلى ذكريات مؤلمة يحملها الناس في قلوبهم.
أما محمد النذر، صاحب متجر متنقل، فيعبر عن التغيرات الصادمة التي شهدها السوق في هذا الشهر. “تنقصنا المواد الغذائية والمال، بينما يعاني الكثيرون في ظل نفاد السلع الأساسية”، يستكمل حديثه بحسرة، مشيراً إلى مأساة العائلات التي لا تجد ما تسد به الرمق. تسيطر أجواء من الألم وعدم اليقين، ولا تجد في وجوه الناس سوى علامات القلق والحزن.
تحت السقف وبين الجدران المتصدعة
تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة، حيث صدى أصوات الغزاويين يتردد عبر وسائل الإعلام، ليعكس معاناتهم وآلامهم التي لا تنتهي. “للأسف الشديد لا يوجد لنا بيوت، لا يوجد معنا مال”، يقول أحدهم بكلمات تكسوها مرارة الفقد، مسترجعاً ذكريات رمضان الماضي: “كنا نجلس حول سفرة واحدة. رمضان اللي فات كان صعباً بشكل مش طبيعي، كان بشكل فظيع صعب”. إنه صراع مزدوج، ليس فقط مع نقص الطعام، بل مع غياب الأمل الذي يرافق كل حبة تمر أو شربة ماء عند الإفطار.
مع حلول اليوم الأول من رمضان، تشهد أسواق خان يونس حركة خجولة تكاد تفتقر للحياة. يتجول المتسوقون بوجوه شاحبة تحمل ثقل المعاناة؛ عيونهم تبحث عن بقايا الفرح. “الأجواء حزينة للغاية، والقلق يتجلى في كل تفصيله”، يقول أحد البائعين، مشيراً إلى انخفاض الإقبال على الشراء بسبب الظروف الاقتصادية القاسية. أسعار الخضار والمواد الغذائية ارتفعت بشكل ملحوظ، فلا يجد الناس ما يسد رمقهم. “الشي غالي كثير، كل شيء فوق طاقة الناس”، تتردد هذه العبارة في الآذان ليصبح صدى الألم أكثر وضوحاً، إذ يُظهر الفقر كيف يحدّ من كينونة الإنسان.
وتظهر الأسواق بوضوح التغيرات الدراماتيكية عن الأعوام السابقة. لم تعد التحضيرات الرمضانية كما كانت، فقد تلاشت مظاهر الفرح: الفوانيس والأضواء والقائمة الطويلة للطبخات التقليدية. “أصبح كل شيء شحيحاً، وباتت الحياة كما لو كانت في حالة تأهب دائم”، يستكمل أحد التجار حديثه بحسرة، مشيراً إلى أن الحياة لم تعد تحتمل أعباء المناسبات.
وكذلك هو الدمار الواسع الذي فرضته آلة الحرب الصهيونية على كل مدن غزة، التي تحولت ليالي رمضان الأولى في ربوعها إلى مشاهد مأساوية، حيث تعيش العائلات النازحة واقعاً قاسياً تحت وطأة الأمطار الغزيرة. بينما كانت هذه الليالي من المفترض أن تتمتع بالسكينة والعبادة، وجدت الكثير من الأسر نفسها محاصرة في خيام تغمرها المياه، ما زاد من معاناتهم. هذه بعض من مشاهد الألم التي تبثها القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني.
وكذلك يشاهد العالم بأم أعينهم، كيف تتسرب الأمطار إلى داخل الخيام التي تأويهم، فتبللت ممتلكاتهم وأمتعتهم، لتجبرهم على مغادرتها بحثاً عن مأوى يحميهم من البرد القارس. الأطفال والنساء هم الأكثر تأثراً في هذه الظروف، حيث فقدوا حتى الأمل في العثور على مكان آمن. وفي الوقت ذاته، حاول آخرون العودة إلى ما تبقى من منازلهم المدمرة، لكنهم واجهوا تحديات جديدة مع تسرب المياه من السقف والجدران المتصدعة، دون أي وسائل تحميهم من البرد.
غمرت مياه الأمطار شوارع غزة، بينما كافحت ذلك فرق الطوارئ والإنقاذ المحلية بقدرات محدودة. نقص الآليات والمعدات الثقيلة حال دون استجابة فعالة لاحتياجات السكان، في ظل تنصل الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ التزاماته الإنسانية. كما أشار المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، إلى أن الحمل الثقيل يقع على عاتق النازحين، الذين يعيشون في العراء دون أي مساعدة تذكر.
ففي وقت تتزايد فيه الأزمات الإنسانية بسبب المنع الإسرائيلي لدخول المستلزمات الأساسية، تكاثرت المعاناة في صفوف النازحين. الكل في غزة يؤكدون أن الأوقات الرمضانية التي كانت تمثل فرصة للسكينة تحولت إلى ساعات مليئة بالمعاناة، حيث أصبح من الصعب عليهم الالتزام بالتقاليد الرمضانية وسط الظروف القاسية.
في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة، رغم جهود بلدية غزة وفريق العمل فيها، يظل الشعب الفلسطيني يعاني، حيث تحذر منظمات حقوقية وإنسانية من تفاقم الأزمة الصحية التي يمكن أن تؤدي إلى كوارث إضافية خلال هذا الشهر الكريم؛ إذ تفتقر العائلات إلى أبسط مقومات الحياة، في وقت يفترض أن يكون مخصصاً للتراحم والتواصل.
ومع تعاقب الأيام، يصبح التحدي في ألا يفقدوا القدرة على الصمود. تجسدت ذكرى النزوح في عقولهم ككابوس لا يُنسى، وقد أصبحت الذاكرة مثقلة بعبء الأحداث المؤلمة. “بينما نواجه الظروف الصعبة، لا بد لنا من إدخال المساعدات الإغاثية والهبات الإنسانية إلى القطاع”، يتساءل الناشطون بقلق، في وقت تزداد فيه الحاجة لدعم المجتمع.
مزيج من الأمل واليأس
وبذلك، يعيش سكان غزة رمضان في غياب للفرحة، مزقته أهوال الحرب وظلام الفقد. وجوههم المتعبة تحمل قصصاً لا تنتهي من الألم، بينما تمنحهم ذكريات الأيام الخوالي بارقة أمل تتوق للعودة إلى أوقات كانت فيها الأجواء مفعمة بالعبادة والمحبة. ولكن، في ظل الفقر وشتات العائلات ودمار المنازل، تزداد مشاعرهم حدة؛ فكل وجبة إفطار تذكرهم بالأحبة المفقودين، وكل خيمة تحت المطر تخبرهم بواقعهم القاسي.
هذه الأنفاس الثقيلة التي تصدر عن قلوبهم المثقلة بالحزن تعبر عن مزيج من الأمل واليأس؛ كيف يمكن لمجتمع أن يحتفل بشهر كريم بينما يمزقهم الألم والفقد؟ رمضان، مفترض أن يكون رمزاً للحرية والصفاء، بات بمثابة تذكير يومي بفقدان كل شيء. ومع تواصل تساقط الأمطار، يبقى الألم في تزايد، تاركاً في نفوسهم جروحاً لن تندمل، وكأن كل سحابة تحمل في طياتها حزناً عميقاً، يختزل معاناتهم وصبرهم الذي قد لا يحتمل طويلاً.
تتزايد مخاوفهم من محاولة مقاومة تأثيرات الحرب التي دمرت كل شيء؛ من المنازل إلى المساجد والأسواق. ومع ذلك، يبقى صمود الشعب الفلسطيني محور هذه القصة، فكل تجربة مأساوية تمر بهم تضيف لبنة جديدة في بناء إرادتهم، على الرغم من أن الحزن يلبس قلوبهم. في مثل هذا الشهر المبارك، يُصمّمون على الاستمرار، حتى لو كان الثمن باهظاً. ومع كل فجر، يبقون يتذكرون ما كانوا عليه قبل كل هذا الدمار، متطلعين إلى مستقبل قد يعود فيه لهذا الوطن بعض من الأمل والأمن.
لم تنتهِ القصة بعد، بل ومع الأيام ستبقى الجراح محفورة في الذاكرة، فكل ليلة تمر تعكس عمق الألم، وتحت شجرة الاحتلال المقيت، يظل الأمل يراودهم: لابد يوما سيعود الفرح إلى قلوبهم التي أبت الاستسلام لغياهب الحزن، رغم سكنه بين أضلعهم.

مقالات مشابهة

  • أزمة مسلمين لا أزمة إسلام
  • الأمطار تعيد الحياة إلى منتجع رأس الماء بشفشاون
  • مصر: السُلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (1)
  • إنتصار الصحافي على السياسي
  • صيب السماء يعرقل الحياة في بغداد (صور)
  • علماء صينيون يكشفون أسرار الحياة في أعمق نظام إيكولوجي بحري
  • العربية لحقوق الإنسان: كل عام والمرأة أكثر قوة والعالم أكثر عدلا
  • محمد بن راشد: المرأة سر الحياة ومربية الأجيال وصانعة الأبطال
  • ما هو أبعد من قدرة الحكومة على معالجة دلفة مزراب
  • تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة