هل القصيدة عند الشاعر المبدع نزار قباني أهم من الحبيبة أم لا؟ (7)
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
عندما قلت للشاعر الكبير "نزار قبانى" إذن كان لوالدتك تأثير عليك...؟
أجاب:
** لا... أمى امرأة بسيطة متدينة... تخاف الله... تصوم... تصلى...
لكن أبى...
كان من نوع آخر...
كان نارا... مشتعلا دائما... متوترا...
محترق فى أعماقه حتى إذا كان أمامه منظر جميل يتحول إلى رماد...
أما أمى فكانت من النوع الهادئ...
كانت هى الماء.
وأبى هو النار...
وكنت أفضل فى الحقيقة نار أبى على ماء أمى...
“ملحوظة”
عندما توفى أبيه كانت فاجعته كبيرة مملوءة بالذهول والحزن وقال في مطلع قصيدة “أبي”:
“أَماتَ أَبوك؟
ضَلالٌ.. أَنا لا يَموتُ أَبي
فَفي البَيْتِ مِنْهُ..
رَوائِحُ رَبٍّ.. وَذِكْرى نَبِي…"
انتهت الملحوظة
سكت الشاعر لحظات... ولكنى لم أسكت قلت له على الفور...
* لمــــــاذا كنت تَفْضِلَ أَبَاك...؟
أجاب الشاعر بصوته الجميل:
لأن أبى كان يحمل نفسية الفنان... الثائر...
الذى يريد أن يغير الأشياء من حوله سواء سياسيا أو عاطفيا...هو قلق دائما...
تجده فى حالة تربص.. أما أمى فهى كانت مثل الجدول الرقراق اللذيذ يسير فى هدوء
قلت له وهل كانت طفولتك سعيدة... ؟
** أجاب بسرعة شديدة:
جِدًّا... لم اعان في طفولتي من أَيِّهِ عَقْدٍ مثل الاضْطِهَادَ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ
بيتنا كان أَطَارِهِ قَائِمًا على الحب... لا توجد منازعات... إِطْلَاقًا كنا خمسة أخوه...
وابي وامي مسئولان عن هذه المظلة من الحنان والمحبة التى أحاطونا بها فى طفولتنا...
ظل الشاعر الكبير لحظات صامتا وقد انفرجت أساريره وبسط وجهه فرحًا وسرورًا وكأنه عاد إلى سنوات طفولته وانتظرت حتى لا أفسد عليه سعادته ثم سألته هل هل كانت أحلام الطفل نزار توفيق قباني أن يصبح شاعرا...!
رد ضاحكا ما فكرت أَبَدًا أن أَكُونَ شَاعِرَا...ولا أحد يفكر أن يصبح شَاعِرَا.. الشعر هو الذي يداهمك ويصوغك...
والشعر له استعداد جسدي وفكري.... فيه أرض بركانية... وأرض تنبت القطن والقمح...
اسمع... يمكن لطفل أن يحلم بأن يكون طبيبا
أو مهندسا...هذا ممكن....
أما فنان أو رسام أو موسيقى أو شاعر...مستحيل...
لا بد من بذرة داخلية توجد في الأعماق...
اسْتَوْقَفَتْنِى عبارة قالها وهى إن الشعر له استعداد جسدي وفكري، فقلت استعداد فكرى أفهمه ولكن كيف يكون الاستعداد الجسدى...؟
أجاب بحماس شديد وقال:
تركيب الدماغ... في حد ذاته مؤشر... الخلية الأساسية في أعماقه...خلايا في دماغه مستعدة لأن تحب شيئا ما... يا عزيزى حتى اللغة من صنع الشعراء وليس من صنع النحاة...؟
قلت له هل يمكن أن توضح فكرة أن اللغة من صنع الشعراء وليس من صنع النحاة...؟
بانفعاله الحماسى وبلهجته الشامية قال
اللغويون لا يستطيعون أن يقدموا أو يؤخروا...
أو يفرضوا لفظا... الذي يفرضه هو الشاعر... لانه مقروء اكثر بكثير من اللغوى... من يقرأ للغوي
إذا ألف كتابا في النحو أوالصرف... أو في الإعراب... من يقرا له...لا أحد...
أما ديوان شعر مقروء يوزع مئات الألوف إذا كتب لغة جديدة وقد تأثر الناس به... اما إعراب كلمة من الكلمات فيلا تعنيهم...
قلت للشاعر المبدع هل تسمح لى أن أعود إلى أحلام طفولتك وأسألك مما كانت تتشكل...؟
بإذن الله الأسبوع القادم أكمل حوارى مع نزار قبانى أكبر شاعر فى الوطن العربى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: من صنع
إقرأ أيضاً:
الجانب الإنساني في شعر عقيل بن ناجي المسكين
د. جمال فودة **
إن تكثيف بنية دلالية ما في نص شعري يوحى بأنها ظاهرة متميزة ينسجها الشاعر في حالة وجدانية خاصة، حيث تنصهر هذه الدلالة في سياق التجربة، وبفعل إبداعية اللغة داخل النص تحمل إيحاءات ثرية تضفي على النص حيوية متجددة، وحضوراً لا يبلغه النص بدون هذا الترابط بين مبناه ومعناه، وتلك إحدى ميزات العمل الفني الناجح.
وهذا ما نجده عند الشاعر (عقيل المسكين) عندما يوظف الشعر الاجتماعي في كتاباته؛ إذ يستقي المعاني والموضوعات من محيطه الشخصي والاجتماعي، ويعتمد في تصويره على الخيال والملاحظة على نحو يستطيع من خلاله إبراز الدلالة الكامنة وراء الألفاظ، ويتمتع شعراء الشعر الاجتماعي بملكات نفسية يستطيعون من خلالها التعبير عن المواقف الاجتماعية المتفاوتة بل والمتناقضة.
وجاء اعتماد (المسكين) على هذه السمة الدلالية في قصائده، كأداة تعبيرية تسهم في كشف رؤيته لواقعه هذا من ناحية، كما تعين المتلقي على استكشاف أبعاد التجربة واستنطاق الدلالة من ناحية أخرى، وقد استطاع "المسكين" استغلال هذه البنية الدلالية استغلالاً أضحى واضحاً في إبداعه، وأصبح من الملامح الأسلوبية التي تشكل بنية النص في شعره.
فتبدو قصائده حافلة برموز إيحائية ودلالات نفسية، واستبطان لخلجات الوجدان وومضات الفكر، ذلك أن الشاعر مادامت قد أصبحت له رؤية خاصة في إطار تجربته، ومادام يستعين باللغة الإيحائية وليس باللغة المعجمية وسيلة للكشف والتعبير، فإن اللفظة تتجاوز معناها المعجمي إلى دلالة خاصة تتسق ورؤية الشاعر.
إن ما يسميه البعض بـ (شعر المناسبات) كما هو عند (المسكين) ليس مجرد خطرات فكرية اهتدى إليها بتأملاته وتجاربه، بل وعاء انصهرت فيه ثقافته وشخصيته، فكانت خير منهل ارتوى منه وصدر عنه إنتاجه الشعري، فعبر عنها تعبيراً إنسانياً من الناحية الفكرية والأدبية، حيث كان يزاوج بين العقل والحس، وتميزت قصائده بكونها وليدة الوجدان والفكر معاً، فهي تزخر بالمعاني الدقيقة، وتنضج بالعاطفة، وتزدهي بالإيقاع الموسيقي المنتظم، الأمر الذي جعلها تجمع بين قوة الإقناع وجمال الامتاع.
ولسنا ممن يُؤيد رأي بعض النقاد في اتهام الشعر الاجتماعي بالسطحية والتكلف، وأن عناصر وحيه وقف على مواقف يحددها الزمان والمكان، فلا يأتي عفوًا، ولا من فيض الخاطر، في ظننا أن هذا تجنٍ واضحٌ، وظلمُ فادحُ؛ لأن ما يقوله الشاعر من فيض إحساسه بعد معايشة موقفٍ أثرفي نفسه، وأثار وجدانه وفكره، فنظم فيه شعره مثل قصيدة (وُلد الهدى) في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم- لأحمد شوقي، و مثل رثاء (ابن الرومي) لابنه، ورثاء (الخنساء) لأخيها، ورثاء (نزار قباني) لزوجته بلقيس ... هذه كلها وغيرها الكثير من شعر المناسبات، لكنها تجسد تجربة ناجحة ؛ لأنها صادقة، لم يُجبر قائلها على نظمها؛ فقد قالها من فيض خاطره ورهافة مشاعره، وصدق احساسه، وهذا ما ألفيناه جلياً عند ( المسكين).
فمثلاً قصيدته (شيخ المكارم) في مدح الدكتور المهندس (عبد الله السيهاتي) التي نرى الشاعر فيها حريصاً على ذكر مناقب الممدوح من نبلٍ وكرم، ومكارم، وحسن خلق وغير ذلك من الصفات الإنسانية، فإن قصائده امتازت بدقة التفكير، وبعد الخيال، هذا إلى جانب صدق العاطفة بعيداً عن المغالاة والتملق، ففي مدحه تحس نبض قلبه يخفق حباً وتقديراً واحتراماً لمن هو لذاك أهل .
يقول:
شيخ المكارم والندى والجود
شيخ تألق في ذراه نشيدي
وحدود حب الأصدقاء أخوة
والشعر إخوته بغير حـدود
أرضيت ربك طاعة وأمـانة
والربح يبقى جـنة المـعبود
وفي الختام نقول: إن (عقيل المسكين) شاعر لا يُعرف وإنما يُتعرف عليه، من خلال رصد الدلالات التي يبثها في بنية النص الشعري؛كتقنية أسلوبية تشير إلى استرفاد الشاعر من ينابيع ثقافية متباينة؛ سعياً إلى تشكيل الدلالة النصية التي تتكون لبناتها من جمل وتعابير دلالية خاصة، تنتظم في سياق التجربة الشعرية وتنصهر في بوتقتها.
** عضو الاتحاد العالمي للغة العربية