محللون: سياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين حفزّت طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
القدس المحتلة- أجمع محللون على أن سياسات حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تجاه الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والأقصى حفزّت الهجوم المفاجئ لحركة حماس على البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة وفي الجنوب.
ووفقا لتقديرات المحللين، فإن تمادي حكومة بنيامين نتنياهو في قمع الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده وتوسيع المشروع الاستيطاني في الضفة والاعتداء على المقدسات في القدس والاعتداء غير المسبوق على الأسرى في سجون الاحتلال حفزت حركة حماس على التخطيط لعملية "طوفان الأقصى".
وعزا محللون الهجوم المفاجئ لحركة حماس إلى غياب الأفق السياسي لأي تسوية سياسة من شأنها أن تضمن حقوق الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال وإقامة دولة وعاصمتها القدس، وكذلك بتمادي نتنياهو بالتفاخر بمواصلة قطار التطبيع مع دول عربية وإسلامية بمعزل عن القضية الفلسطينية.
أعداد المقتحمين للمسجد الأقصى ازدادت بشكل كبير خلال عيد العرش الأخير (دائرة الأوقاف الإسلامية) عنصر المباغتةوعلى هذا الأساس، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطون شلحت "لا شك أن سياسات حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية أدت إلى هذا الوضع وإلى اندلاع الحرب، إذ عمدت حماس إلى اعتماد عنصر المباغتة واستباق أي عملية عسكرية كانت تتحضر حكومة نتنياهو لتنفيذها ضد الفلسطينيين".
واستذكر شلحت في حديثه للجزيرة نت تصريحات نتنياهو فور تشكيله حكومة اليمين المتطرف بأنه يدفع نحو منع أي تسوية للقضية الفلسطينية، وأن حكومته تعمل على توسيع المشروع الاستيطاني في الضفة من أجل فرض وقائع على الأرض تمنع إقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
وأوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن نتنياهو اعتمد إستراتيجية تكريس الانقسام بين غزة والضفة الغربية، وتعامل بازدواجية مع الفلسطينيين، حيث دأب على التعامل مع رام الله بالمنظور الاقتصادي والتنسيق الأمني، فيما تعامل مع غزة بإحكام الحصار وبالعصا الأمنية والعلميات العسكرية المستمرة بشكل دوري منذ العام 2009.
ورجح شلحت أن لدى حركة حماس معلومات مؤكدة مفادها أن إسرائيل تتحضر لشن عدوان شامل على الفلسطينيين وقطاع غزة بعد انتهاء الأعياد اليهودية، وعليه أرادت الحركة استباق إسرائيل واعتمدت فرضية اختيار التوقيت المباغت لعلمية "طوفان الأقصى" التي خططت لها على ما يبدو منذ فترة.
إستراتيجية نتنياهو
تعتبر الحكومة الحالية الأكثر تطرفا دينيا وقوميا، ويقول شلحت "شرع نتنياهو واليمين المتطرف في تطبيق سياسة القمع ضد الفلسطينيين بالضفة، وترجم إستراتيجيته بتوسيع المشروع الاستيطاني، والتحلل من خطة فك الارتباط والعودة لمستوطنات شمال الضفة، والاعتداء غير المسبوق على القدس والأقصى".
كما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية -بحسب شلحت- "أطلقت العنان لعصابات المستوطنين للتمادي بالاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة، وإقامة البؤر الاستيطانية بشكل غير مسبوق، وبغطاء كامل من المؤسسة الأمنية التي كانت في السابق تحاول ولو بشكل صوري كبح عنف المستوطنين".
ويعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أن ما حصل من اندلاع حرب كان شبه حتمي، لافتا إلى أن تطورات إقليمية ساهمت في ذلك، ولعل أبرزها مواصلة قطار التطبيع والوصول إلى واقع أن المزيد من دول عربية وإسلامية تتجه للتطبيع مع إسرائيل، دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
نتنياهو رفع خريطة في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي معتبرا أنها تمثل الشرق الأوسط الجديد (الفرنسية) انعدام التناغم بين السياسي والعسكريبدوره، يعتقد مراسل ومحلل الشؤون العسكرية في موقع والا الإخباري أمير بوحبوط أن ما حصل يعكس انعدام التناغم الذي كان سائدا بين وزراء في الحكومة الإسرائيلية والمؤسستين الأمنية والعسكرية، وهو ما ظهر كثيرا خلال ولاية حكومة اليمين المتطرف على شكل تصادم وخلافات علنية في وجهات النظر.
ورجح بوحبوط أن المستوى السياسي وأحزاب اليمين المتطرف لم تكن تأخذ تحذيرات المؤسسة العسكرية على محمل الجد في حال تم الاستمرار في استفزاز حركة حماس أو التصعيد ضد الفلسطينيين بالضفة، وكان الاعتقاد الخاطئ لدى نتنياهو أن الحركة ضعيفة وتم ردعها وكبحها ولن تتجرأ على شن أي عملية عسكرية ضد إسرائيل.
وأوضح أن أحزاب اليمين المتطرف المشاركة في الائتلاف الحكومي كانت ماضية في تأسيس مشروعها الاستيطاني الواسع بالضفة وقمع الفلسطينيين والتصعيد ضدهم في كافة مجالات الحياة والعمل على إقامة دولة يهودية تمتد من البحر إلى النهر.
وبحسب بوحبوط، تدرك المؤسسة الأمنية جيدا أن "الأدوات التي استخدمت حتى الآن لم تعد ناجعة، وقد حان الوقت الذي يتعين فيه على الجيش الإسرائيلي بموافقة المستوى السياسي أن يخلع القفازات ويفرض ثمنا باهظا على حماس لاستعادة الردع الإسرائيلي".
اتهام بترحيل الصراعمن جانب آخر، حمّل المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير حكومة اليمين برئاسة نتنياهو مسؤولية الحرب على جبهة غزة، مشيرا إلى أن حكومة نفتالي بينيت اختارت أيضا ترحيل الصراع مع الفلسطينيين، وأن تتحمل هي الأخرى المسؤولية.
وأكد كلير للجزيرة نت أن تراكمات السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وتغييب الأفق السياسي لإنهاء الصراع انفجرت في وجه إسرائيل حربا، لكن لم يكن يتوقع أحد في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن تكون بهذا الحجم.
وبعيدا عن التجاذبات السياسية الداخلية في إسرائيل، يؤكد كلير أن نهج وسياسة وممارسات حكومة اليمين المتطرف لم تختلف في جوهرها عن سياسات الحكومات التي سبقتها، وكانت تحمل في طياتها رسائل واضحة وهي أن "على الفلسطينيين عدم توقع أي شيء من إسرائيل لإنهاء الصراع".
"مرحلة جديدة"
وأشار كلير إلى أن المغاير في سياسات حكومة اليمين المتطرف هو العودة إلى مربع الصراع الأول على كل فلسطين التاريخية، وتأسيس دولة المستوطنين في الضفة، والإعلان بشكل مباشر أنه لا يوجد لإسرائيل أي شريك فلسطيني يمكن التوصل معه إلى تسوية.
ويعتقد كلير أن حركة حماس أيقنت معاني ودلالات سياسات حكومة اليمين الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وعليه بادرت بالهجوم المفاجئ والتسلل إلى "غلاف غزة" والبلدات الإسرائيلية بالجنوب، وأرسلت للإسرائيليين رسالة مفادها أن القضية الفلسطينية لم ولن تموت، حيث إن حماس أسست بـ"طوفان الأقصى" مرحلة جديدة وفتحت باب الصراع على مصراعيه.
وأوضح المتحدث ذاته أن الهجوم المفاجئ من قبل حماس بمثابة صفعة موجعة إلى نتنياهو الذي تمادى في التفاخر بأنه بصدد مواصلة التطبيع مع المزيد من الدول العربية والإسلامية دون أن تدفع إسرائيل أي ثمن أو أي تنازلات، مع تجاوز للقضية الفلسطينية وكأنها غير موجودة لتأتي عملية "طوفان الأقصى" وتعيدها إلى الذاكرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: طوفان الأقصى حرکة حماس فی الضفة
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن تقييم عملية طوفان الأقصى بعد مرور عام عليها؟
يدور جدل صاخب على مواقع التواصل الاجتماعي حول تقييم عملية طوفان الأقصى، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي دموي وتدميري على غزة وأهلها، فالمؤيدون للعملية يصفونها بالحدث التاريخي المفصلي الذي حطم كثيرا من الأساطير التي نُسجت حول قوة الكيان الصهيوني، فالجيش الذي لا يُقهر قهرته مقاومة غزة، والكيان الذي ينتفخ بقوته وجبروته لم يستطع كسر شوكة المقاومة، ولم يتمكن من تحرير أسراه من قبضتها لغاية الساعة.
أما المعارضون للعملية فيرونها باب شر فُتح على مصراعيه لتصب منه على رؤوس أهل غزة كل ألوان المصائب والمآسي والشرور والفواجع، وباتت غزة بجميع محافظاتها ومناطقها مستباحة لقوات جيش الاحتلال، الذي أحالها إلى مناطق مدمرة تدميرا شبه كامل، قُوضت معه كل معالم ومقومات الحياة الإنسانية فيها.
يتركز ذلك الجدل في كثير من تجلياته حول ضخامة الخسائر التي تكبدها أهل غزة، والأعداد الكبيرة والضخمة في الشهداء والجرحى والمصابين والمفقودين، (ما يزيد عن 43000 شهيدا، وما يزيد عن 100000 من الجرحى والمفقودين حسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في اليوم 410 للعدوان)، إضافة إلى حجم الدمار المروع والهائل الذي لحق بكافة مناطق قطاع غزة.
بعد مرور عام على عملية طوفان الأقصى، وفي ظل الجدل الصاخب والمحتدم بشأن مآلات العملية ونتائجها حتى الساعة، والتي ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، كيف يمكن تقييم العملية في ميزان الربح والخسارة بنظرة هادئة وموضوعية ومتوازنة؟ وما الأرباح التي حققتها المقاومة وما هي الخسائر التي تكبدتها...؟
وما هي الأثمان التي دفعها الشعب الفلسطيني ومقاومته كردة فعل على عملية طوفان الأقصى؟ وهل كانت حركة حماس تتخيل أن يكون الرد الإسرائيلي بهذا الحجم التدميري الهائل والمروع.. وهل أعدت لذلك عدته أم أنها فوجئت به، وهي تجتهد وتحاول التكيف مع الأوضاع الجديدة، بإعادة ترميم صفوفها، وتنظيم قواتها ومقاتليها؟
في مقاربته التحليلية والتقويمية لعملية طوفان الأقصى قال الباحث والمؤرخ الفلسطيني عبد العزيز أمين عرار "يطيب للبعض القول إن خسارة شعبنا كبيرة جدا في معركة طوفان الأقصى، ولا تستحق ما جرى من إبادة وكارثة إنسانية بمعنى الكلمة، وأنها مقامرة بمصلحة شعبنا، وأنها استفزت الثور النائم، وستكون سببا ودافعا له لاحتلال أراضٍ جديدة".
وأضاف: "وما أود قوله والتأكيد عليه أن حساب الثورات وأعمالها لا تخضع دوما لحسابات الربح والخسارة بالمعنى الحرفي، وإلا فلن يحصل أي بلد محتل على استقلاله طالما أنه اعتمد فقط على المطالبة السلمية، وينطبق ذلك على الجهود المتعددة، والتي أضاعت السنين دون الحصول على الاستقلال لفلسطين، بل إن الاستيطان تغول إلى حد كبير منذ اتفاقيتي كامب ديفيد مع مصر 1979، واتفاقية إعلان المبادئ أوسلو 1993".
وتابع لـ"عربي21": "كما أن الوجود الفلسطيني أصلا مستهدف منذ أن قامت الحركة الصهيونية وأكبر دليل نكبة فلسطين 1948، ولو نظرنا الآن إلى خسائر الفلسطينيين وخاصة قطاع غزة فيها لوجدنا أن حجم الخسائر كارثي، وهي تحتاج إلى ما لا يقل عن 20 مليار لإعادة تعميرها، وربما عقدين من الزمن".
عبد العزيز عرار باحث ومؤرخ فلسطيني
وأردف الباحث والمؤرخ الفلسطيني عرار "لكن بالمقابل فإن إسرائيل خسرت هيبتها وانكشفت على حقيقتها ككيان وظيفي لا يستطيع العيش بمفرده ولا بد له من حبل سري قائم وممتد مع أمريكا والنظام الرسمي العربي وغير ذلك من الدول، كما أن هذا الكيان الإسرائيلي خسر أمن مستوطنيه في الشمال إلى جانب هجرة عشرات الآلاف خارج الكيان، وإلى الداخل نفسه، فباتت منطقة الشمال فارغة من المستوطنين، وهذا يتعارض مع نشأة الكيان".
وتابع: "ومن خسائر الكيان خسائرة الاقتصادية المتواصلة وتأثيرها على مستوى الرفاهية المعيشية للإسرائيليين، ولا يجب أن ننسى في هذا السياق أعداد القتلى والمعاقين والجرحى منهم، وهو ما يستدعي المزيد من العناية، ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين حرب 1948 لوجدنا أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية استطاعت أن تستمر زمنيا وسجلت فعليا مطاولة وإشغال لهذا الكيان الغاصب، وعلى غير المألوف كما في الحروب السابقة التي خاضتها الجيوش العربية 1948 و 1967".
ووصف عرار "الخذلان العربي ووقوف السلطة متفرجة بأنه أكبر خسارة يواجهها الشعب العربي الفلسطيني، أما ما يتعلق بحركة حماس والجهاد فيظهر أنها قرأت الأحداث وفق معادلتين: الأولى أن اليهود سيسلمون بالأمر الواقع بسرعة خاصة وأن عدد أسراهم كبير، ويقبلون بشروط المقاومة وأن حلف الممانعة ودولا أخرى ستقوم بواجبها، ويظهر أنها تلقت وعودا سابقة بذلك".
وأكمل حديثه بالقول "وهذا يذكرني بحادثة يعبد حيث خرج القسام واشتبك في 20/11/1935، واستشهد، وعندما سئل عن أهمية خروجهم إلى جبل نابلس، قال سنشعل جبل الحطب بثورة الأمة، وفي كلا الحالتين التاريخيتين لم يكن الأمر حسب المأمول إذ إن ميزان القوى كان وما زال لصالح الكيان الصهيوني الغاصب".
وأنهى حديثه بالتأكيد على أن المقاومة رغم ذلك كله "ما زالت ترفع الأشرعة، ولم ترفع الراية البيضاء، ولم تستسلم قياداتها لشروط العدو، ناهيك عن خسائر الكيان في الجبهة اللبنانية وعجزه هناك، وهذا كله جزء من مسيرة الأجيال ونضالها الطويل، وهو ما يقربنا من النصر الذي لن يكون بعيدا بمشيئة تعالى".
في ذات الإطار عقد الأكاديمي والباحث الأردني، أستاذ الدراسات المستقبلية، الدكتور وليد عبد الحي مقارنة تحليلية، بلغة الأرقام والإحصائيات الدقيقة بين خسائر الحرب الدائرة وبين أرباحها ومكتسباتها لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أحال "عربي21" عليها، والتي نشرها سابقا بعنوان "غزة بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة".
وخلص في نهاية مقاله إلى القول "من الضروري عدم التعالي على معطيات العقل التي أوردنا، ولكن لا بد للعقل من التواضع أمام الإرادة، وهو ما يستوجب سؤالا جوهريا هو: لماذا تزايد التأييد للمقاومة بعد الطوفان رغم كل الألم والمعاناة والحصار العربي؟ لا يمكن للحساب العقلي الشكلي أن يفسر ذلك، فالتفسير يكمن في الإرادة".
وتابع: "فكما أثبت الفيلسوف الألماني (نيشته) الإرادة بالقبض بكفه على قطعة حديد ملتهبة ليثبت أن الإنسان إرادة، فإن الشعب الفلسطيني يعزز هذه النظرية، ويجبر العقل على تواضعه أو تهذيب معناه، وهو ما يستوجب على أحرار العالم شحن الإرادة بالمزيد، وتهذيب العقل تحت قاعدة أن الشعوب تنتصر بالإرادة، إذا أجبرت العقل على التهذيب، فلم تنتصر فيتنام والجزائر وجنوب إفريقيا وأفغانستان وكوبا واليمن والصين والهند وغيرها الكثير إلا بغرس عقلي في تربة الإرادة".
وردا على سؤال "عربي21" إن كانت حركة حماس قد توقعت أن يكون الرد الإسرائيلي بهذا الحجم التدميري المروع أم أنها تفاجأت بذلك وتحاول وتجتهد أن تتكيف مع المعطيات الجديدة، قال عبد الحي "من متابعتي وحواراتي مع جهات مختلفة، لا أعتقد أن المقاومة تفاجأت بطبيعة الرد الإسرائيلي، من حيث مستوى رد الفعل".
وأضاف: "ومن الوارد أنها لم تتوقع بعض التفاصيل، وهذا أمر طبيعي في صراع من هذا المستوى، لكن قدرتها على الاستمرار في القتال لمدة تزيد عن عام، يشكل مؤشرا على توقع دقيق وإعداد لهذا التوقع، ومن متابعتي لدراسات وتقارير إسرائيلية فإن إسرائيل هي من تفاجأ بالهجوم من ناحية أولى، ومن مستوى الأداء الفلسطيني الميداني من ناحية ثانية، ومن انضمام محور المقاومة بهذه الكيفية من ناحية ثالثة".
من جهته استعرض الباحث السياسي المصري، أحمد مولانا مكتسبات وتداعيات وخسائر عملية طوفان الأقصى بالقول "فمن مكتسباتها أن نظرية الأمن الإسرائيلي التي قامت على الردع والإنذار المبكر، والحسم السريع للمعركة في أرض الخصم، انهارت في السابع من أكتوبر..".
وتابع "ما نتج عنه أن شعور الإسرائيلي بالأمن اهتز واضطرب، فإسرائيل ما زالت إلى اليوم تخوض معركة على جبهات متعددة، وما زالت الصواريخ تنهمر عليها من لبنان، وأحيانا من اليمن، وطائرات مسيرة من العراق، تستهدف تل أبيب وحيفا وإيلات، فشعور الإسرائيلي بالأمن بعد مرور عام على الحرب يتجه للأسوأ".
وأردف: "والنزيف في الخسائر البشرية ما زال موجودا، إضافة لوجود مشاكل وأزمات داخل المجتمع الإسرائيلي، كتجنيد الحرديم، وتحمل عبء العمل العسكري، وثم خلافات سياسية كبيرة، ونقاط الضعف داخل المجتمع تتجلى وتبرز أكثر وأكثر، وهي تدور بمجملها حول فقدان الأمن، فهذا أحد المكتسبات الرئيسية لهذه الحرب".
ولفت مولانا إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يحاول رسم خريطة المنطقة، بالدفع باتجاه سيناريوهات يحول فيها الوضع الاستراتيجي الإسرائيلي الحالي، والخسارة التي مُني بها في بداية الحرب إلى مكسب كبير، من خلال حجم الدمار الهائل في غزة، وقتل قيادات المقاومة، والضربات القوية التي وجهها لحزب الله في لبنان، واغتيال الأمين العام والقيادات العسكرية من الصف الأول والثاني..".
أحمد مولانا باحث سياسي مصري
وردا على سؤال "عربي21" بشأن خسائر الشعب الفلسطيني والمقاومة ذكر "حجم التدمير الهائل والمروع الذي طال غالب مناطق غزة، وهو ما تريد إسرائيل من ورائه تدمير الواقع الحياتي والإنساني في غزة، وجعل مناطق القطاع غير صالحة للحياة البشرية، ودفع أهل غزة للنزوح والهجرة منها، كما أن من خسارة المقاومة فقدان عدد كبير من قياداتها وكوادرها العسكرية والسياسية، كصالح العاروري ويحيى السنوار وغيرهم".
ونبَّه الباحث المصري مولانا إلى أن أحد مكتسبات عملية طوفان الأقصى ما "أظهرته من هشاشة قوة إسرائيل ومدى ضعفها، ما يعزز إمكانية هزيمتها، وهو ما يشير في الوقت نفسه إلى إمكانية التحرير، لأن قوة إسرائيل بالأساس تتمثل بما تتلقاه من الدعم الغربي الأمريكي والأوروبي، فضلا عن التعاون والتواطىء العربي الرسمي..".
بدوره عدد الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، عادل شديد جملة من المكتسبات التي حققتها عملية طوفان الأقصى، من أبرزها أنها "استطاعت أن تضرب منظومة الأمن في إسرائيل، وهزت ثقة الإسرائيليين بجيشهم، كما مست ثقة حلفاء إسرائيل بإسرائيل وقدراتها العسكرية، وضربت مشروع التطبيع الإسرائيلي مع بعض الأنظمة العربية، وكذلك هزت صورة إسرائيل القوية في المنطقة سواء أمام أعدائها أم أصدقائها".
وأضاف "كما وجهت ضربة قوية للجيش الإسرائيلي، الذي فقد حوالي فرقة عسكرية، نتحدث عن أكثر من 20000 جندي خرجوا من الخدمة، سواء بالقتل أو الإصابات والإعاقات أو الضغوط النفسية، ومن الصعب استبدالهم وملء الشواغر بسبب تراجع نسبة الملتزمين بالتجنيد، واستمرار رفض المتدينين (الحرديم) للخدمة العسكرية، ومن مكتسباتها كذلك إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث والاهتمام العالمي بعد نسيانها وتهميشها".
عادل شديد باحث فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي
وواصل الباحث الفلسطيني شديد حديثه لـ"عربي21" بالقول "لكن بالمقابل هناك خسائر باهظة في الجانب الفلسطيني، فغزة بعد التدمير الهائل والمروع الذي مارسه جيش الاحتلال فيها باتت منطقة غير صالحة للحياة البشرية، وهي تتعرض لمجزرة وإبادة جماعية ما زالت قائمة ومفتوحة، وثمة 6 أو 7% من الشعب الفلسطيني في غزة ما بين شهداء وجرحى ومصابين ومفقودين".
وختم كلامه بالإشارة إلى أن حركة حماس "لم تكن تتوقع هذا الحجم المروع من رد الفعل الإسرائيلي، المتمثل بهذا التدمير الشامل، والإبادة الجماعية المروعة، وتوجيه هذه الضربات القوية والموجعة والمؤلمة للشعب الفلسطيني، ولحماس وللمقاومة، وربما يكون هذا الحجم من الرد الإسرائيلي فاجأ الجميع، بما فيهم حركة حماس، وفي تقديري لو أن قيادة الحركة توقعت هذا الحجم من الرد لربما كان لهم موقف آخر، مع أن تسميتهم للعملية بالطوفان، يشير إلى توقعاتهم بإمكانية أن تتطور الأمور إلى الطوفان، وهو ما سيغرق الجميع، ويضعهم أمام تحديات جمة".