أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

تمثل الدروس الخصوصية في شكلها الحالي أحد جراثيم التعليم التي باتت تشوه صورة الجسد التعليمي، خاصة في ظل الصورة المادية والجشع الذي ارتبط بها، حتى أصبحت المسالة تفوق إمكانيات ولي الأمر وظروفه، كما لم تكن العصا السحرية وراء نجاح الطلبة وحصولهم على درجات عالية.

ولم تشر دراسات الفكر التربوي والتعليمي إلى التأثير الإيجابي للدروس الخصوصية بقدر ما أظهرته من تداعياتها على جودة التعليم في زيادة الفاقد التعليمي وغياب الممارسة الحسنة في الصف الدراسي، والخلل في المسار التدريسي للمعلم والدور المنوط به في تعزيز تعلم الطلبة النشط، أو فيما يتعلق بدوره في ضبط الصف الدراسي واحتواء الطلبة وتمكينهم من تحقيق تعلم عالي الجودة، سواء في وقت التمدرس الذي يمنحه لهم، والفرص التي يحيطها بهم، والوقت الذي يستقطعه من أجل تعلمهم، في حين أدى الاعتماد على الدروس الخصوصية إلى إحداث فاقد التعلم لدى الطلبة في ظل مساحة الإهمال وعدم الجدية التي يبديها بعضهم في تعلمه بانتظار المعلم الخصوصي الذي يقدم له هذه المادة بطريقة أخرى -قد يعتبرها أنها أفضل- خاصة أنه يتعامل معه كمفردة تعليمية وليس كمجموعة من الطلبة في الصف الدراسي، وانعكاس ذلك على أداء المعلم ذاته سواء في مستوى جديتهم والتزامهم وإخلاصهم في تدريس الطلبة وتوظيف الموقف التعليمي أو عبر فرض واقع جديد علي تعلم الطلبة، بالتلميح لهم أو وضعهم في الأمر الواقع بقبول الدروس الخصوصية، حتى أصبح خيار اقتصادي للكثير من المعلمين وفرصة للكسب السريع.

إن تعاطي المجتمع اليوم مع الدروس الخصوصية وانتشارها بصورة واسعة في أوساط التربويين، والحركة الدائبة للمعلمين الخصوصيين في تنقلهم رجالا وركبانا بين الأحياء السكنية، حيث يقضي أحدهم وقته حتى ساعات متأخرة لكسب رزقٍ يفوق ما يتحصل عليه في المدارس عبر العقود التعليمية، حتى أصبحت سلوكا شائعا في مجتمع سلطنة عمان، وثقافة مستساغة وللأسف الشديد عند الكثير من الأسر، كما لم تعد المسألة مقتصرة على طلبة الدبلوم العام (الصف الثاني عشر) للحصول على مستوى عالٍ يتيح للطالب الالتحاق بإحدى مؤسسات التعليم العالي أو الحصول على بعثات ومنح داخلية وخارجية، بل أصبحت ممارسة الدروس الخصوصية وتوفير المعلم الخصوصي للطالب يبدأ منذ الصفوف الأولى في التعليم الأساسي وحتى انتهاء الطالب من الصف الثاني عشر، يستوي في ذلك الطلبة محدودي الدخل والطلبة عاليّ الدخل؛ وهو أمر بات يطرح الكثير من التساؤلات حول التداعيات الأمنية والتعليمية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية للدروس الخصوصية، فهي من جهة باتت من أكثر المسائل استنزافا لجيب المواطن وولي الأمر، فقد لا يجد بعضهم قوت يومه أو ما يوفره لأبنائه أو قد يؤخر دفع استحقاقات الإيجار أو سداد فواتير الكهرباء والماء أو التزاماته الاجتماعية والأسرية بينما يجلب لابنه أو ابنته المدرس الخصوصي، الذي يشترط حصوله على عشرة ريالات أو أكثر في الساعة الواحدة، بل أصبح المدرسون الخصوصيون يفرضون لغة مالية، وكان هنالك اتفاق منظم بينهم حتى وصل في بعض الأحيان -خاصة مع بدء اختيارات الدبلوم العام أو النقل- إلى أن الحصول على المدرس الخصوصي بات أمرا صعبا، ويحتاج إلى حجز مسبق، كما وصلت تجارة الدروس الخصوصية إلى أكثر من 30 ريالا للطالب في الساعة الواحدة.

وعليه بات مسار الدروس الخصوصية يلقي على منظومة التعليم المدرسي وتعلم الطلبة تحديات كبيرة، وهدرا في التعليم يفوق التوقعات، وممارسة تعليمية غير عادلة تتجافى والمعايير التي رسمتها رؤية عمان 2040 وأكدها قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023)، فهي تتنافى مع المادة (23) من قانون التعليم المدرسي، في تعزيز الاتجاهات الإيجابية والارتباط بالمدرسة، ذلك أن الدروس الخصوصية في تفاصيلها والغاية منها، تفرض على الطالب قناعات جديدة وأفكار مكتسبة قد تقلل من الاتجاهات الإيجابية للطالب في الارتباط بالمدرسة، وكأنها تسلب روح الطالب وانتمائه وحبه للمدرسة، إذ يجد فيها الطالب بأنها غير قادرة على احتوائه وتوفير فرص التعلم له أو مساعدته في الوصول إلى أهدافه أو معالجة التحدي التعليمي الذي يواجهه، وفي المقابل يخيّل إليه بأن الدروس الخصوصية محطة انقاذ له وفرصة في الخروج من هذا الروتين والاستمتاع بفرص أكبر للتعلم ومنحه فرصة للمشاركة، بالإضافة إلى تحدي الجودة والكفاءة الذي بات يطرح علامات استفهام في قدرة التعليم المدرسي على الوفاء بالتزاماته نحو تحقيق تعلم عالي الجودة للطلبة يراعي الجوانب النفسية والفكرية والاجتماعية للطالب.

أخيرا نختم مقالنا بالسؤال: كيف عالج قانون التعليم المدرسي ظاهرة الدروس الخصوصية؟

إن المتتبع لمواد قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023) يجد بأن القانون لم ينص على الدروس الخصوصية في مواده، ولكنه أوجد جملة من المكنات والبدائل والخيارات التي تتيح للمدارس تجاوز الوقوع في هذا المسار أو التفكير فيه، وعبر ضمان تقنين الممارسة الصفية وفق أطر تعليمية مضبوطة تحددها اللائحة التنفيذية للقانون، وجملة التحديات والمعطيات والتراكمات والظروف والمتغيرات والظواهر التي باتت تقلل من كفاءة الجهد التعليمي أو تؤدي إلى تراجع الجودة فيه، بما يؤكد أهمية معالجتها والعمل على تشخصيها ودراستها، ولعل من بين هذه الظواهر المقلقة والمشتتات التعليمية تأتي ظاهرة الدروس الخصوصية وتداعياتها على جودة التعليم والتعلم وكفاءة الأداء، حيث أجازت المادة (81) من قانون التعليم المدرسي (31/ 2023) للوزارة القيام بإجراء الدراسات العلمية المتعلقة بالتحصيل الدراسي.. بما يهدف إلى تحسن أداء الطلبة؛ ذلك أن مواجهة هذه الظاهرة يتطلب اليوم تكاتف الجهود التعليمة والإعلام والأسرة ومؤسسات المجتمع المدني والمعلمين والطلبة أنفسهم ووعي ولي الأمر والمجتمع بمخاطرها، بالإضافة إلى تأكيد مبدأ الرقابة التعليمية على أداء المعلم والممارسة الصفية، وتوجيه الاهتمام إلى التقييم النوعي المرتبط بالرجع المتحقق منه على أداء الطلبة، كما أعطى قانون التعليم المدرسي مساحة تمكينية واسعة لإدارات المدارس في تبني سياسات تعليمية داعمة لتعلم الطالب النشط وضمان مساحة الاحتواء له في الحصول على التعلم خارج الإطار الزمني الرسمي للتعلم، في مدخل يفهم منه علاج هذه الظاهرة واستمرار تعظيم دور المدرسة وحضورها في اهتمامات الطالب وأولوياته، حيث أجازت المادة (66) لإدارة المدرسة تقديم برامج إثرائية وفق حاجات الطلبة خارج ساعات العمل المدرسي؛ الأمر الذي يمكن أن يعطي مؤشرا إيجابيا لضمان توظيف هذه المساحة في توجيه المعلمين داخل المدارس لتنفيذ دروس وبرامج إثرائية للطلبة في مختلف الصفوف في ظل تقييم مستوى الاحتياج إلى ذلك، وهو أمر يمكن أن يحد من الدروس الخصوصية الاستنزافية وغير المصرحة الفردية والجماعية على حد سواء والممارسة غير الصحية لها، كما إن المادة (19) أجازت للوزارة إصدار تراخيص لإنشاء معاهد ومراكز متخصصة لدعم المستوى التحصيلي للطلبة، وذلك وفق الشروط والضوابط التي تبينها اللائحة؛ والذي يمكن أن يقرأ في إطار تقنين الممارسات التعليمية وتعظيم الجودة فيها، وضبط الممارسة العشوائية لتكون وفق مسار واضح وإطار مقنن يتم عبر المعاهد والمراكز المتخصصة لدعم المستوى التحصيلي للطلبة يمكن للوزارة متابعتها والرقابة عليها، الأمر الذي من شأنه أن يحد من ظاهرة التجارة المستترة في ممارسة الدروس الخصوصية.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الدروس الخصوصیة

إقرأ أيضاً:

قرار هام لوزارة التربية بشأن امتحان الرياضيات

#سواليف

اكد أمين عام #وزارة_التربية والتعليم للشؤون التعليمية الدكتور نواف العجارمة،أن الوزارة قررت بعد ما أثير حول #امتحان_الرياضيات/الورقة الأولى إحالة الموضوع إلى لجان المشرفين التي من المقرر أن تجتمع يوم غد الثلاثاء عقب انتهاء امتحان الرياضيات/الورقة الثانية، حيث ستناقش #الأسئلة والإجابات النموذجية ويتم التوافق على رأي واحد، مشيراً الى أن الوزارة ستكون مع القرار الذي فيه مصلحة الطالب فيما يخص القرارات الفنية حيث سنحدد القرار الذي فيه #مصلحة_الطالب ونوافق عليه.

وأضاف إن الوزارة تهتم بكافة الملاحظات والآراء التي ترد إليها من الميدان سواء من الطلبة والأساتذة #المعلمين في القطاعين العام والخاص وأصحاب الخبرة والاختصاص ايضا.

وقال إنه من المبكر أن نحكم على مصير الامتحان قبل الاستماع إلى قرار اللجان الفنية، مؤكدا في الوقت ذاته أن ما يحكم سهولة أو صعوبة الامتحانات ليست الآراء والانطباعات التي نسمعها يومياً سواء نتفق أو نختلف معها بل هي نسبة النجاح العام في المباحث، وايضاً نسب الإجابة الصحيحة عن السؤال الواحد في ذلك الامتحان.

مقالات ذات صلة القسام تنشر مشاهد من عمليات التصدي للآليات المتوغلة بالشجاعية 2024/07/01

مقالات مشابهة

  • خبير اقتصادي: الدروس الخصوصية تستنزف اقتصاد البيوت المصرية
  • هذه أهم مخرجات الندوة الوطنية الخاصة باختتام السنة الدراسية 2023-2024
  • المقريف: العملية التعليمية لا زالت تحتاج الكثير للارتقاء بها.. ولن نظلم أي طالب
  • رسائل أولياء الأمور لوزير التعليم.. صعوبة المناهج و5 طلبات للتطوير
  • التربية والغرفة الفتية الدولية تطلقان مشروع المشتل المدرسي
  • عبد الرحمن الأمين يفجر قنبلة عن اللاجئين السودانيين في مصر
  • قدر الأمة ومصيرها يبدأ من الفصل الدراسي: طموحات ما بعد الحرب – الجزء (25)
  • قرار هام لوزارة التربية بشأن امتحان الرياضيات
  • «مجلس التعليم» يعتمد نتائج نهاية العام الدراسي
  • برئاسة عبدالله بن زايد .. “مجلس التعليم” يعتمد نتائج نهاية العام الدراسي ويناقش الخطط و البرامج التطويرية