الدروس الخصوصية؛ ثقافة جديدة أم نشاط ربحي لتجارة مستترة؟
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
تمثل الدروس الخصوصية في شكلها الحالي أحد جراثيم التعليم التي باتت تشوه صورة الجسد التعليمي، خاصة في ظل الصورة المادية والجشع الذي ارتبط بها، حتى أصبحت المسالة تفوق إمكانيات ولي الأمر وظروفه، كما لم تكن العصا السحرية وراء نجاح الطلبة وحصولهم على درجات عالية.
إن تعاطي المجتمع اليوم مع الدروس الخصوصية وانتشارها بصورة واسعة في أوساط التربويين، والحركة الدائبة للمعلمين الخصوصيين في تنقلهم رجالا وركبانا بين الأحياء السكنية، حيث يقضي أحدهم وقته حتى ساعات متأخرة لكسب رزقٍ يفوق ما يتحصل عليه في المدارس عبر العقود التعليمية، حتى أصبحت سلوكا شائعا في مجتمع سلطنة عمان، وثقافة مستساغة وللأسف الشديد عند الكثير من الأسر، كما لم تعد المسألة مقتصرة على طلبة الدبلوم العام (الصف الثاني عشر) للحصول على مستوى عالٍ يتيح للطالب الالتحاق بإحدى مؤسسات التعليم العالي أو الحصول على بعثات ومنح داخلية وخارجية، بل أصبحت ممارسة الدروس الخصوصية وتوفير المعلم الخصوصي للطالب يبدأ منذ الصفوف الأولى في التعليم الأساسي وحتى انتهاء الطالب من الصف الثاني عشر، يستوي في ذلك الطلبة محدودي الدخل والطلبة عاليّ الدخل؛ وهو أمر بات يطرح الكثير من التساؤلات حول التداعيات الأمنية والتعليمية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية للدروس الخصوصية، فهي من جهة باتت من أكثر المسائل استنزافا لجيب المواطن وولي الأمر، فقد لا يجد بعضهم قوت يومه أو ما يوفره لأبنائه أو قد يؤخر دفع استحقاقات الإيجار أو سداد فواتير الكهرباء والماء أو التزاماته الاجتماعية والأسرية بينما يجلب لابنه أو ابنته المدرس الخصوصي، الذي يشترط حصوله على عشرة ريالات أو أكثر في الساعة الواحدة، بل أصبح المدرسون الخصوصيون يفرضون لغة مالية، وكان هنالك اتفاق منظم بينهم حتى وصل في بعض الأحيان -خاصة مع بدء اختيارات الدبلوم العام أو النقل- إلى أن الحصول على المدرس الخصوصي بات أمرا صعبا، ويحتاج إلى حجز مسبق، كما وصلت تجارة الدروس الخصوصية إلى أكثر من 30 ريالا للطالب في الساعة الواحدة.
وعليه بات مسار الدروس الخصوصية يلقي على منظومة التعليم المدرسي وتعلم الطلبة تحديات كبيرة، وهدرا في التعليم يفوق التوقعات، وممارسة تعليمية غير عادلة تتجافى والمعايير التي رسمتها رؤية عمان 2040 وأكدها قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023)، فهي تتنافى مع المادة (23) من قانون التعليم المدرسي، في تعزيز الاتجاهات الإيجابية والارتباط بالمدرسة، ذلك أن الدروس الخصوصية في تفاصيلها والغاية منها، تفرض على الطالب قناعات جديدة وأفكار مكتسبة قد تقلل من الاتجاهات الإيجابية للطالب في الارتباط بالمدرسة، وكأنها تسلب روح الطالب وانتمائه وحبه للمدرسة، إذ يجد فيها الطالب بأنها غير قادرة على احتوائه وتوفير فرص التعلم له أو مساعدته في الوصول إلى أهدافه أو معالجة التحدي التعليمي الذي يواجهه، وفي المقابل يخيّل إليه بأن الدروس الخصوصية محطة انقاذ له وفرصة في الخروج من هذا الروتين والاستمتاع بفرص أكبر للتعلم ومنحه فرصة للمشاركة، بالإضافة إلى تحدي الجودة والكفاءة الذي بات يطرح علامات استفهام في قدرة التعليم المدرسي على الوفاء بالتزاماته نحو تحقيق تعلم عالي الجودة للطلبة يراعي الجوانب النفسية والفكرية والاجتماعية للطالب.
أخيرا نختم مقالنا بالسؤال: كيف عالج قانون التعليم المدرسي ظاهرة الدروس الخصوصية؟
إن المتتبع لمواد قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023) يجد بأن القانون لم ينص على الدروس الخصوصية في مواده، ولكنه أوجد جملة من المكنات والبدائل والخيارات التي تتيح للمدارس تجاوز الوقوع في هذا المسار أو التفكير فيه، وعبر ضمان تقنين الممارسة الصفية وفق أطر تعليمية مضبوطة تحددها اللائحة التنفيذية للقانون، وجملة التحديات والمعطيات والتراكمات والظروف والمتغيرات والظواهر التي باتت تقلل من كفاءة الجهد التعليمي أو تؤدي إلى تراجع الجودة فيه، بما يؤكد أهمية معالجتها والعمل على تشخصيها ودراستها، ولعل من بين هذه الظواهر المقلقة والمشتتات التعليمية تأتي ظاهرة الدروس الخصوصية وتداعياتها على جودة التعليم والتعلم وكفاءة الأداء، حيث أجازت المادة (81) من قانون التعليم المدرسي (31/ 2023) للوزارة القيام بإجراء الدراسات العلمية المتعلقة بالتحصيل الدراسي.. بما يهدف إلى تحسن أداء الطلبة؛ ذلك أن مواجهة هذه الظاهرة يتطلب اليوم تكاتف الجهود التعليمة والإعلام والأسرة ومؤسسات المجتمع المدني والمعلمين والطلبة أنفسهم ووعي ولي الأمر والمجتمع بمخاطرها، بالإضافة إلى تأكيد مبدأ الرقابة التعليمية على أداء المعلم والممارسة الصفية، وتوجيه الاهتمام إلى التقييم النوعي المرتبط بالرجع المتحقق منه على أداء الطلبة، كما أعطى قانون التعليم المدرسي مساحة تمكينية واسعة لإدارات المدارس في تبني سياسات تعليمية داعمة لتعلم الطالب النشط وضمان مساحة الاحتواء له في الحصول على التعلم خارج الإطار الزمني الرسمي للتعلم، في مدخل يفهم منه علاج هذه الظاهرة واستمرار تعظيم دور المدرسة وحضورها في اهتمامات الطالب وأولوياته، حيث أجازت المادة (66) لإدارة المدرسة تقديم برامج إثرائية وفق حاجات الطلبة خارج ساعات العمل المدرسي؛ الأمر الذي يمكن أن يعطي مؤشرا إيجابيا لضمان توظيف هذه المساحة في توجيه المعلمين داخل المدارس لتنفيذ دروس وبرامج إثرائية للطلبة في مختلف الصفوف في ظل تقييم مستوى الاحتياج إلى ذلك، وهو أمر يمكن أن يحد من الدروس الخصوصية الاستنزافية وغير المصرحة الفردية والجماعية على حد سواء والممارسة غير الصحية لها، كما إن المادة (19) أجازت للوزارة إصدار تراخيص لإنشاء معاهد ومراكز متخصصة لدعم المستوى التحصيلي للطلبة، وذلك وفق الشروط والضوابط التي تبينها اللائحة؛ والذي يمكن أن يقرأ في إطار تقنين الممارسات التعليمية وتعظيم الجودة فيها، وضبط الممارسة العشوائية لتكون وفق مسار واضح وإطار مقنن يتم عبر المعاهد والمراكز المتخصصة لدعم المستوى التحصيلي للطلبة يمكن للوزارة متابعتها والرقابة عليها، الأمر الذي من شأنه أن يحد من ظاهرة التجارة المستترة في ممارسة الدروس الخصوصية.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: الدروس الخصوصیة
إقرأ أيضاً:
من المصارعة إلى التعليم.. هذه مرشحة ترامب للوزارة التي يريد إلغاءها
اختار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ليندا ماكمان، الرئيسة السابقة لاتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي"، لتولّي حقيبة التعليم، الوزارة التي يعتزم إلغاءها والتي يدور حولها نزاع شرس بين التقدميين والمحافظين.
وقال ترامب في بيان إنّ ماكمان هي "مدافعة شرسة عن حقوق الوالدِين"، مضيفا "سنعيد التعليم إلى الولايات المتحدة، وليندا ستقود هذا الجهد".
ومنذ فوزه في الانتخابات التي جرت في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ الرئيس السابق الذي سيتسلم السلطة مجددا في 20 كانون الثاني/ يناير، بتعيين كوادر إدارته المقبلة، وقد اختار لملء بعض المراكز أسماء فاجأت كثيرين.
وفي بيانه اعتبر ترامب أنّه "بصفتها وزيرة للتعليم ستكافح ليندا بلا كلل" من أجل منح كل ولاية أميركية مزيدا من الحريات التعليمية و"تمكين الآباء من اتخاذ أفضل القرارات التعليمية لعائلاتهم".
وتشهد الولايات المتحدة انقساما حادا حول موضوع التعليم إذ ترفض الولايات التي يقودها جمهوريون نشر المبادئ التي يدافع عنها الديموقراطيون من مثل حقوق المرأة والأقليات وحقوق المثليين.
وماكمان، سيدة الأعمال البالغة من العمر 76 عاما، سبق لها وأن شغلت منصب وزيرة شؤون الشركات الصغيرة وذلك في مستهل ولاية ترامب الأولى، وتحديدا بين العامين 2017 و2019.
وتعتبر هذه المرأة أحد أركان الحلقة الضيقة لترامب الذي اختارها أيضا لتكون أحد قادة فريقه الانتقالي الذي سيتولى السلطة من الديموقراطيين.
ولا تتردّد ماكمان في وصف ترامب بـ"الصديق"، وهي مانحة رئيسية للحزب الجمهوري وقد ساهمت ماليا في دعم ترشيح ترامب للسباق الرئاسي منذ 2016، أولاً في الانتخابات التمهيدية الحزبية ومن ثم في الانتخابات الوطنية.
وهذه السيدة متزوجة من فينس ماكمان، وريث اتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي".
وهذا الاتحاد هو شركة عملاقة تأسّست في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تصبح ماكمان في 1993 رئيستها ومن ثم مديرتها العامة في 1997.
واستقالت ماكمان من هذه المنظمة في 2009 لتجرب حظها في عالم السياسة.
أمام زوجها فقد بقي على رأس الاتحاد حتى كانون الثاني/يناير الماضي حين اضطر للاستقالة بعد أن تقدمت موظفة سابقة بشكوى ضده بتهمة الاعتداء جنسيا عليها.