تأتي معركة طوفان الأقصى في ظل بيئة عربية وإقليمية ودولية غير مواتية، لا بل تحولت مع مرور الوقت الى بيئة غير صديقة للفلسطينيين ولمقاومتهم، وتعمل كلما مر الوقت لصالح الاحتلال الصهيوني، في ظل استمرار للانحياز الغربي، وبالذات الأميركي، الوقح للاحتلال رغم فاشيته وعنصريته وتطرفه الواضح.

وهي أيضا معركة في مواجهة حكومة دينية يمينية فاشية تضم غلاة المتطرفين الصهاينة الذي يتنكرون ليس فقط لحقوق الشعب الفلسطيني، بل ينكرون وجوده ويدعون علانية لطرد من تبقى منه على الأرض الفلسطينية وتهجيرهم وإلى حرق وإبادة القرى والمدن التي يخرج منها المقاومون.

حكومة تزداد غطرسة وإجراما بحق الفلسطينيين ومقدساتهم وبالذات في المسجد الأقصى كل يوم يحفزها ويوفر لها الغطاء، بالإضافة للرعاية الدولية، موجة التطبيع العربي وتنامي العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول عربية وإسلامية.

هذه المعركة ستكون قاسية وسيمارس فيها الاحتلال كل ما يستطيع من قتل وتدمير وتخريب وستقف خلفه قوى الظلم والإجرام في العالم، لكن ذلك لا يعني أبدا أنه سيكون قادرا على تحقيق أهدافه أو كسر شوكة الفلسطينيين ومقاومتهم

هذه البيئة السياسية رسمت مشهدا بدا فيه الفلسطيني وحيدا في مواجهة دولة الاحتلال، وجرت محاولات كثيرة لاستغلال ما اعتقد البعض أنه ضعف لفرض تسويات مهينة عليه وتحويل قضيته الوطنية المقدسة والعادلة إلى مطالب اقتصادية ومعيشية، عبر عنها البعض بتحسين ظروف الحياة للفلسطينيين. وهو ما أشعر الفلسطينيين بالاستخفاف والإهانة، فكان محفزا للشباب الفلسطيني للثورة والانتفاض في الضفة الغربية، مخيماتها وقراها ومدنها، فكانت جنين وعرين الأسود وشباب الثأر وغيرها.

غير أن هذه الهبة المفاجئة من جيل الشباب الذي حاولت مشاريع كثيرة ترويضه على مدى العقود الثلاثة الماضية لم يكن كافيا لردع الاحتلال ولجمه ووقف إجراءاته الدموية اليومية. فكانت معركة طوفان الأقصى التي أعلن القائد العام انطلاقها في السادس من أكتوبر/تشرين الأول لتشكل محطة فارقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال.

ورغم أننا ما زلنا في بداية المعركة، التي وصفت بحق من قبل الكثير من المحليين بأنها استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ النضال الفلسطيني، ولم يتضح بعد كيف يمكن أن تتطور في الأيام والأسابيع القادمة، فإننا يمكن أن نسجل الملاحظات الآتية:

البراعة في اختيار التوقيت، حيث ما زال هذا الشهر يحمل في العقل والوعي العربي والفلسطيني مخزونا كبيرا من الكرامة والعزة والفخر، فقد كانت معركة أكتوبر 1973 محطة فاصلة بين الهزيمة وإمكانية النصر وبين العربدة والتفوق الصهيوني والبطولة والتضحية والكبرياء العربي، فنجحت القسام في إعادة الاعتبار لكل معاني الكرامة والعزة والقدرة والنصر لدى الفلسطينيين والعرب، وفي الوقت ذاته فتح نافذة للعقل الصهيوني على ذاكرة مكتظة بالهزيمة والضعف والإذلال والخوف في المستقبل. العبقرية في التخطيط والتكتيك العسكري ومباغتة جيش الاحتلال وأذرعه الأمنية والاستخبارية واختيار ساعة صفر قاتلة لبدء المعركة، فكانت صبيحة يوم نهاية الأعياد ونهاية الأسبوع، وتوضح المشاهد القادمة من المعركة حالة الجنود في تلك الساعة بالتحديد. التفوق النوعي الذي أظهرته كتائب القسام تدريبا وتخطيطا وإدارة وإقداما وقدرة على التنفيذ المحكم لما خططوا له، وصولا إلى نتائج أذهلت العدو وفاجأت الأصدقاء. كشف مدى هشاشة وضعف جيش الاحتلال على أكثر من صعيد، وبالذات على مستوى الأفراد والمقاتلين. شكلت هذه المعركة لدى الكثيرين سيناريو مصغرا لمعركة التحرير الممكنة، وأحدث كياً لوعي طرفي الصراع، فعلى الصعيد الفلسطيني، ستعيد هذه المعركة للفلسطيني ولمناصريه الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على الانتصار ودحر الاحتلال وستحرر العقل العربي والإسلامي من وهم التفوق الإسرائيلي، وعلى الصعيد الصهيوني ستفقد هذه المعركة المجتمع الصهيوني بمكوناته المختلفة الثقة في نفسه وفي قدرته على الاستمرار في احتلاله وغطرسته، وستجعل جنوده يفكرون كثيرا قبل التقدم في أي جبهة كانت. كمان أنها ستفقده الثقة في قيادته العسكرية والسياسية مما سيكون له آثار كبيرة على المديين القريب والبعيد. تثبت معركة طوفان الأقصى أن القضية الفلسطينية لها حماة، وأنها ليس حمى مستباحا يتصرف بها أو يتحدث باسمها كل من يشاء وبما يشاء، وأن الشعب الفلسطيني ومقاومته لا يمكن أن يفرطوا بوطنهم وبقضيتهم وبحقوقهم المشروعة حتى وإن تركوا لوحدهم، فهم حراس وطنهم وحماة حماهم. وما زالوا يثقون بقدراتهم وبدعم وإسناد شعوب الأمة والقوى الحية فيها، مما يدفعهم للتضحية بكل ما يملكون إذا ما تهدد الخطر مقدساتهم أو قضيتهم. إن التطبيع والعلاقات الاقتصادية مع دولة الاحتلال لن تجلب سلاما ولا أمنا، وإن المسار الوحيد الكفيل بضمان الاستقرار والأمن والهدوء في المنطقة هو الإقرار بالحقوق الفلسطينية وتحقيق طموحاتهم الوطنية ودحر الاحتلال. وهي رسالة للمطبعين بأن الكيان الصهيوني لا يعوّل عليه ولا يصح ولا يصلح اتخاذه حليفا أو التوقع بأنه يمكن أن يشكل سندا لأي من دول المنطقة. إننا أمام نموذج فلسطيني مقاوم مختلف، وأن المقاومة بقيادة كتائب القسام تشكل حالة فلسطينية غير مسبوقة على الأرض الفلسطينية، فهي جادة صادقة مؤمنة تماما بما تفعل وعاقدة العزم على التحرير لا تظهر في هذا الطريق أي تردد أو تهاون. وهو ما جعل الفلسطينيين في كل مكان يلتفون حولها ويهتفون باسمها وباسم قائدها.

بلا شك، إن هذه المعركة ستكون قاسية وسيمارس فيها الاحتلال كل ما يستطيع من قتل وتدمير وتخريب وستقف خلفه قوى الظلم والإجرام في العالم، لكن ذلك لا يعني أبدا أنه سيكون قادرا على تحقيق أهدافه أو كسر شوكة الفلسطينيين ومقاومتهم، لأن سلسة الحروب في السنوات الأخيرة قد برهنت على أن زمن الحروب الخاطفة والرادعة التي كانت تخوضها إسرائيل قد ولّى إلى غير رجعة، وأن هذا الجيش لم يعد قادرا على حماية معسكراته ومقراته وتحرير أسراه، فضلا عن قدرته على إلحاق الهزيمة بعدو أو ردع شعب صاحب حق.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: معرکة طوفان الأقصى هذه المعرکة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم الفلسطيني يطلب عقد امتحانات الثانوية العامة للطلبة الفلسطينيين في مصر

استقبل محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، الدكتور أمجد برهم وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني ، بحضور السفير دياب اللوح سفير دولة فلسطين لدى جمهورية مصر العربية والمستشار جهاد القدرة مستشار أول بالسفارة والمستشار ناجي الناجي، المستشار الثقافي، والدكتور إياد أبو الهنود مسؤول الشؤون الاكاديمية والبحثية بالسفارة؛ لبحث آليات التنسيق لدعم العملية التعليمية في دولة فلسطين.

وقد حضر من جانب وزارة التربية والتعليم، الدكتورة هانم أحمد مستشار الوزير للعلاقات الدولية، و أميرة عواد منسق الوزارة لمنظمات الأمم المتحدة، وراندة صلاح مدير العلاقات الثقافية والوافدين.

باحثة: إسرائيل تحاصر البشر والحجر وتدمر الحياة في وطننا فلسطينالمنظمة الدولية للتربية توجه التحية لمن يواجهون الموت بشجاعة في فلسطينالحرب مزقتهم.. الزناتي يكشف حجم الدعم المقدم من القاهرة لطلاب فلسطيننقيب الخدمات الإدارية: إقامة دولة فلسطين الحرة مطلب مصر قيادة وشعبا

وفي مستهل اللقاء، أكد الوزير محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني أن العلاقة بين مصر وفلسطين لم تكن يوماً مجرد علاقة سياسية أو دبلوماسية، بل هي علاقة أخوة ومصير مشترك تمتد عبر السنين، قائلًا: "نحن دائماً معكم، قلباً وقالباً، قبل أن نكون شركاء في أي تعاون رسمي، أنتم جزء منّا"، معربًا عن كافة أوجه الدعم اللازم للشعب الفلسطيني في مجال التعليم، ودعم جهود الشعب الفلسطيني في تعزيز نظامهم التعليمي في مواجهة التحديات الحالية.

ومن جانبه، أعرب الدكتور أمجد برهم وزير التربية والتعليم العالي الفسطيني عن بالغ شكره وتقديره لجمهورية مصر العربية قيادةً وحكومةً وشعباً، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لدورهم التاريخي والمستمر في دعم القضية الفلسطينية، وخاصة في مجال التعليم.

وقال: “نشعر دائماً في مصر بأننا بين أهلنا، وما تقدمه مصر ليس غريباً على أشقائنا الذين نعتبرهم امتدادنا الحقيقي.”

وقال وزير التربية والتعليم العالى الفلسطيني إن التعليم بالنسبة للفلسطينيين ليس مجرد حق، بل هو وسيلة مقاومة وبقاء، رغم الظروف الصعبة التي نعيشها في ظل التحديات الحالية، ودائمًا آبائنا يحثونا على التعلّم لأنه السبيل الوحيد لتحقيق آمالنا".

وتناول الاجتماع بحث تقديم دعم إضافي من الجانب المصري من خلال إنشاء مراكز تعليمية لدعم التعليم الإلكتروني، خاصة في المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغات، والموافقة على فتح هذه المراكز التعليمية، والسماح للمعلمين الفلسطينيين المقيمين في مصر مع أسرهم بالمساهمة في تقديم الدروس التعليمية، دعماً للتعليم الإلكتروني للطلبة الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين.

عقد امتحان الثانوية العامة للطلبة الفلسطينيين

كما تطرق الاجتماع إلى تجربة العام الماضي الناجحة في تنظيم امتحان الثانوية العامة للطلبة الفلسطينيين في مصر، حيث تقدم أكثر من 1350 طالباً وطالبة للامتحان في مدارس مصرية حكومية، بدعم وتنسيق كامل من الحكومة المصرية، ما كان له أثر كبير في دعم الطلاب نفسياً وأكاديمياً، حيث أعرب الدكتور أمجد برهم عن أمله في تكرار التجربة هذا العام، خاصة أن عدد المتقدمين للامتحان من الطلبة الفلسطينيين داخل مصر يُقدّر ما بين 1800 إلى 1900 طالبا.

ومن جانبه، أكد الوزير محمد عبد اللطيف   حجم الدمار الذي تعرض له قطاع التعليم في غزة، أن وزارة التربية والتعليم على استعداد تام لتقديم كافة سبل الدعم والمساعدة للسعب الفلسطيني فلسطين في مجالات التعليم المختلفة وتعزيز قدرات النظام التعليمي الفلسطيني لضمان حصول الطلاب الفلسطينيين على التعليم الجيد والمستدام في مواجهة التحديات والصعوبات الحالية.

مقالات مشابهة

  • والي الجزيرة يعلن توفير 850 برميل زيت لإمداد كل الولاية بالكهرباء
  • وصول عدد من الأسرى الفلسطينيين إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح
  • لجان المقاومة: الشعب اليمني الشريف يدفع ثمنَ مواقفه الإيمانية بمساندة الشعب الفلسطيني
  • لجان المقاومة الفلسطينية تدين المجزرة الأمريكية في الحديدة
  • تحقيق إسرائيلي يكشف تفاصيل الفشل في سديروت يوم 7 أكتوبر
  • اللواء سمير فرج يؤكد: ما قامت به المقاومة في 7 أكتوبر أحيا القضية الفلسطينية
  • وزير التعليم الفلسطيني يطلب عقد امتحانات الثانوية العامة للطلبة الفلسطينيين في مصر
  • كاريكاتير .. مجدداً.. صواريخ المقاومة الفلسطينية تزلزل كيان الاحتلال
  • موت بطيء.. معركة حياة لمرضى السرطان في غزة وسط الدمار
  • تكريم فريق الزوراء بشرارة بطل طوفان الأقصى بعمران