هل تختلف حسابات حزب الله عن حساباتحماسالفلسطينية؟
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
أمام هول ما يحصل في الداخل الفلسطيني، وما يمكن أن تؤول إليه التطورات المتسارعة، عسكريًا وسياسيًا، تبدو المشاكل السياسية التي يعاني منها لبنان صغيرة. وقياسًا إلى هذه التطورات، التي يمكن أن تعيد رسم خارطة المنطقة من جديد، لم تعد الأولويات اللبنانية متقدمة على غيرها من الأولويات، وإن كانت من حيث المبدأ تعني الكثير للبنانيين، الذين يهمهم أن يكون بلدهم من بين البلدان، التي ينعم أهلها بالاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، من دون أن يعني ذلك أنهم غير معنيين بما يحصل من تطورات على الساحة الفلسطينية، خصوصًا أن لها ارتباطات مباشرة بالساحة اللبنانية، أقّله بالنسبة إلى اعتبار أن إسرائيل هي عدوة لبنان والعرب، وأن مخططاتها في الجنوب لم تعد مجرد تكهنات، بل هي اليوم أكثر واقعية من أي وقت مضى.
فموقف لبنان الرسمي من إسرائيل معروف، ولا يختلف لبنانيان على اعتبارها محتلة وغاصبة للأرض وللحقوق. إلا أن هذا الواقع لا يعني أن ثمة اجماعًا لبنانيًا على تحويل الساحة اللبنانية جسر عبور لمخططات خارجية. فاللبنانيون يتضامنون مع انتفاضة فلسطين إلى أقصى حدود التضامن، وهم يؤيدون ويدعمون ما قامت به المقاومة الفلسطينية من بطولات لم تشهد الساحة الفلسطينية مثيلًا لها. ولكنهم يختلفون في بينهم حول مسألة جوهرية، وهي أن إمكانات لبنان وظروفه لا تسمح له بتكرار تجربة الـ 2006، مع ما تركته من مآسٍ وويلات على مختلف الأصعدة.
فلبنان، في رأي البعض، ليس أفضل حال من كثير من الدول العربية، وهو على استعداد لأن يحذو حذوها في أي قرار قد تتخذه لمساندة الفلسطينيين في مقاومتهم غير المسبوقة، وفي مدّهم بكل الوسائل لتمكينهم من الصمود. ولكن وضع لبنان، في نظر "القوى الممانعة" يختلف عن غيره من الدول العربية، من حيث الحدود المشتركة بينه وبين فلسطين المحتلة، فضلًا عن أن المقاومة في الجنوب تعمل منذ فترة طويلة على "توحيد ساحات المواجهة مع العدو". وانطلاقًا من هذ القناعة لدى فئة واسعة من اللبنانيين كان الهجوم المحدود بالصواريخ على مواقع في منطقة مزارع شبعا المحتلة، وهي موقع الرادار وموقع زبدين وموقع رويسات العلم.
فـ "حزب الله" أراد بهذه الخطوة أن يوصل رسائل للإسرائيليين أولًا، ولقيادة "حماس" ثانيًا. أراد أن يقول في رسائله للإسرائيلي إنه موجود ومستعدّ لكل الاحتمالات. أما "حماس" فهي تعرف موقف الحزب، الذي يمدّها بكل وسائل الدعم اللوجستي والميداني، ولكنها تعرف أكثر أن ليس في قدرته أن يفعل أكثر مما فعل ضد مواقع العدو في مزارع شبعا المحتلة، لأنه لا يريد أن يعطي العدو ذريعة لتنفيذ ما يتمناه، وهو إعادة لبنان إلى "العصر الحجري"، وإن كانت "حماس" تريد أكثر من ذلك، لأنها تعتقد أن "طوفان الأقصى" إن لم يشمل باقي الساحات، وبالأخص الساحة اللبنانية، يبقى مفعوله محصورًا في مكانه، على رغم أهميته وموقعه الاستراتيجي في المعادلات القائمة، التي اهتزّت بفعل الضربات الموجعة، التي تلقتها إسرائيل.
أمّا ردّ العدو على الهجوم الذي نفذّه "حزب الله" على مواقعه فجاء أيضًا محدودًا. وهذا يدل، كما يراه بعض الخبراء في الشأن العسكري، أن لا نيّة لدى الطرفين بتوسيع نطاق التوتر، إلاّ إذا كان المقصود توريط لبنان بما لا قدرة له عليه، خصوصًا أن إمكاناته المعروفة هي أكثر من متواضعة.
فللتضامن مع ما يقوم به المقاومون الفلسطينيون أوجه كثيرة. ويمكن أن يكون التعبير عن هذا التضامن بوسائل مختلفة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا التضامن بفتح جبهة الجنوب. وهذا ما يدركه "حزب الله" جيدًا. وهو يعرف كيف يختار المكان والزمان المناسبين لأي عمل قد يقدم عليه. هذا ما فعله في السابق. وهذا ما سيفعله اليوم. هو لن يعطي العدو ذريعة لشنّ حرب واسعة ضد لبنان كله، وليس ضد الجنوب فقط. فله حسابات لبنانية تختلف عن حسابات "حماس"الفلسطينية، وإن كانا معًا في معركة واحدة، قلبًا وقالبًا. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
المقاومة تلعب بذكاء والعدو يكرس فشله أكثر.. الهُدنة إلى أين؟
يمانيون/ تقارير
في تطورٍ مفاجئ، أعادت المقاومةُ الفلسطينيةُ فرضَ نفسِها طرفاً فاعلاً في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، عبر طرح مبادرةٍ تُلقي بظلالها على حسابات الكيان الصهيوني، وتُعقِّد موقفه التفاوضي. جاءت هذه الخطوة بعد تصاعد الضغوط الدولية الفاشلة لإجبار حركة حماس على التنازل عن شرطها الأساسي بوقف الحرب والانسحاب الكامل من غزة، فيما رأت أوساط في العدو الإسرائيلي أن الحركة الفلسطينية نجحت في الاستحواذ على زمام المبادرة عبر طرحها إطلاق سراح خمسة أسرى يحملون الجنسيتين “الإسرائيلية” والأمريكية، ما دفع الكرة إلى ملعب الصهاينة وأربك استراتيجيتها التفاوضية.
منذ اللحظة الأولى، حاول العدو الإسرائيلي تحميل الفلسطينيين وزر فشله العسكري والأخلاقي، فشنَّ حربًا استمرت عامًا وخمسة أشهر استشهد خلالها أكثر من 40 ألف فلسطيني، ثلثاهم أطفال ونساء، وفق تقارير أممية. لكن حماس، برغم الدمار، لم تنكسر، بل حوَّلت الملف الإنساني إلى سلاح تفاوضي. فبينما كان قادة الكيان يتباهون بـ”سحق الإرهاب”، يعترف المحللون والنخبة الصهاينة بشيء آخر مغاير من بينهم إيلان بيتون، القائد العسكري الصهيوني السابق، بالهزيمة والذي يقول في حديثه لإحدى القنوات العبرية:
“ارتكبنا خطأً قاتلًا عندما أوقفنا المرحلة الأولى من الاتفاق دون ضمانات. الآن، الأميركيون يتفاوضون مع حماس فوق رؤوسنا، وحكومتنا تتخبط كعجلة مكسورة!”
ويضيف: لم ندخل في المرحلة الثانية من موقع قوة، بل دخلنا في حالة من التأرجح. وعدم طرحنا لموقف خاص بنا أدخل الأميركيين إلى هذا الفراغ، وقد جاء مبعوث ترامب آدام بولر وطرح مواقفه واتصل بحماس، وقد ضرب بذلك قوة موقف ترامب إلى درجة اضطر ترامب للقول إننا لن نهجر أحدا من غزة!
لم تكن هذه الاعترافات صادرة عن ضميرٍ يقظ، بل عن إدراكٍ مرير بأن المبادرة الفلسطينية مزَّقت ورقة التوت عن عورة الكيان العسكري. فحتى الجنرالات الصهاينة بدأوا يتحدثون بلغة الهزيمة، مثلما سُرب عن قائد المنطقة الوسطى في جيش العدو الاسرائيلي قوله:
“غزة صارت مقبرة لشبابنا. كل بيت ندكّه يتحول إلى فخٍّ يفجر أبطالنا!”
أما على طاولة المفاوضات، فقد نجحت حماس في تحويل شروط واشنطن إلى سلاحٍ ضدها. فبعدما طالبت الإدارة الأمريكية بالإفراج عن أسرى يحملون جنسيتها، وافقت الحركة ببرودٍ على العرض، لكن بشمّاعة جديدة: الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين ووقف الحرب إلى الأبد. هنا اشتعلت الأزمة في “تل أبيب”، حيث صرخ اليئور ليفي، المحلل الصهيوني، منفعِلاً في مقابلته مع قناة عبرية:
“هذه مناورة ماكرة! حماس تُظهر مرونة وهمية لتوريطنا أمام حلفائنا. العالم كله يسأل: لماذا ترفض إسرائيل السلام إن كانت حماس موافقة؟!”
لكن الأسئلة الأكثر إحراجًا تأتي من الداخل الصهيوني نفسِه، حيث خرج أهالي الأسرى الصهاينة يهتفون في شوارع “تل أبيب” آخرها مساء السبت الاحد : “كل يوم تأخير هو جريمة، حكومة نتنياهو تقتل أبناءنا بأيديهم!”. هذه الضغوطات تأتي بعد 15 شهرًا من العدوان على غزة، لم يتحرر سوى عدد من الأسرى الصهاينة، بينما قُتل 43 آخرون بقصف جيش العدو نفسه على غزة، وفق اعترافات مخابرات العدو.
على الصعيد الدولي، ما زال “الضمير العالمي” يتغذى على شعاراتٍ جوفاء. ففي الوقت الذي تدين فيه الأمم المتحدة “الانتهاكات الإسرائيلية”، يمنع الفيتو الأمريكي أي قرارٍ بوقف إطلاق النار. حتى الاتهامات الجديدة بجرائم حرب ضد قادة العدو لم تتحول إلى خطوات عملية، ما دفع تاليا ساسون، المسؤولة الصهيونية السابقة، إلى السخرية:
“أمامكم خياران: إما أن تعترفوا أن “القوة” فشلت في غزة، أو تواصلوا الكذب على أنفسكم حتى تسقط الأرقام عليكم!”
تعم حالة الإحباط الأوساط الصهيونية بمن فيهم المسؤولون السابقون؛ أحدهم ايلان سيغف – مسؤول سابق في الشاباك الصهيوني يقول: “نحن نلعب بالكرة مع أنفسنا ونركض من جهة إلى جهة أخرى لنركل الكرة، ونحن يجب أن نفرض عقوبات على حماس، لكن بعد عودة المختطفين أعتقد أنه قد جاء الوقت بعد عام وخمسة أشهر لنقول الكل مقابل الكل بما في ذلك وقف إطلاق النار لعشر سنوات.”
في الوقت ذاته، تصاعدت احتجاجات المستوطنين داخل كيان العدو الإسرائيلي للمطالبة بإبرام الاتفاق بشكلٍ عاجل، وقد حذّر أهالي الأسرى من أن “استمرار المماطلة يُهدد حياة أبنائهم”، وفق تصريحاتٍ متلفزة. هذه الضغوط الداخلية، إلى جانب الانقسامات المهيأة للتفاقم داخل الائتلاف الحكومي، تُفاقم أزمة مجرم الحرب نتنياهو، الذي يوازن بين مطالب الأسرى ورفضه تقديم تنازلاتٍ خشية إضعاف صورته كـ”زعيم أمني” وهو الذي يقف اليوم في قفص الاتهام القضائي بتهمة الفساد والخيانة والفشل.
يبدو كيان العدو الإسرائيلي اليوم رهن عجزه عن كسر الحلقة المفرغة بين خيارين: قبول صفقةٍ تُوقف الحرب مع الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، أو الاستمرار في حربٍ استنزافية تهدد بانهياره داخليًّا وخارجيًّا. وفي الوقت الذي تُعيد فيه حماس ترتيب أوراقها بذكاء، يبدو أن الكرة اليوم في ملعب “تل أبيب”، لكن الساعة تدقُّ لصالح من يملك إرادة التضحية.
نقلا عن موقع أنصار الله