صدر حديثاً عن "منشورات المتوسط" في إيطاليا، مجموعة قصصية جديدة للكاتب الفلسطيني زياد خداش بعنوان "الجراح تدلّ علينا".

جاء في كلمة الناشر: يبدو أنه من الصعب التمييز بين ما يكتبه خداش كسيرة شخصية، وما يكتبه كتخييل فنّي، إذ إنه، في الكثير من قصصه، يكون اسمه، زياد، حاضراً في القصة وفي الحوار وفي الحدث. نوع من إيهام القارئ/ أو بالأحرى نوع من التأكيد على زوال الحدود بين الواقع وما يمكن أن يفرزه من خيال وذُهانٍ ووساوس في الزمن الفلسطيني أولاً، وفي زمن المنطقة المليء بالألغام والمتفجرات تالياً.



أكثر من ذلك، فإن سؤال الواقع والخيال هنا، في "الجراح تدلّ علينا"، يبدو أنه غير مطروح، أو أنه خطاٌ ينبغي عدم التفكير فيه. فليس أمراً شاذّاً أن يفكر بالانتحار أو أن يُقتل من يرسل لصاحب عمله الجديد وردةً على سبيل المجاملة الاجتماعية، فيما يحسبها الآخرون، ويعتبرونها، نفاقاً! (قصة "وردة الواتس أب") فأي صرامة في القيم تجعل الناس يمشون في المجتمع كما لو أنهم يمشون على حد السيف، ويتوجب عليهم الحذر على طول الطريق لأن أي اختلال في ميزان القيم سيتعبه السقوط على حد السيف ذاك! النفاق يعادل الخيانة، إنه شيء خيالي، لكنه واقعي إلى درجة الرعب.

يبدأ خداش مجموعته بقصة "رجال غرباء"، وكيف أن طفلة يهودية في فلسطين تسأل جدتها عن أولئك الرجال الذي يقفون أمام "بيتهم" ويصطحبون صوراً فوتوغرافية وأطفالهم ويبكون، فتخبرها الجدة إنهم لصوص يحاولون سرقة سيارة جدها طوال الوقت، فتنشأ الطفلة على هذا: غير اليهود، وهم الفلسطينيون أصحاب الأرض، ليسوا سوى لصوص يحاولون سرقة "اليهود"! عملية تزييف تاريخية وواقعية لدرجة الصفاقة وعلنية استغرقت قرناً كاملاً ولم تزل مستمرة حتى يومنا هذا.

قراءة يسيرة وسلسة تتيحها قصص المجموعة التي كُتبت برشاقة وبلغة خالية من أي نزوع أو ادعاء بلاغي، ثمة حدث وثمة أشخاص ومكان، يذهب الكاتب إليها مباشرة دون لف ولا دوران حول اللغة والمعنى، بلا أي فوقية يمارسها تجاه القارئ، بل بصداقة تؤهله لأن يكتب كما لو أنه يتحدث مع القارئ مباشرة ودون وساطات.


جاءت المجموعة في 116 صفحة من القطع الوسط، وصدر ضمن سلسلة "براءات"، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.

من الكتاب قصة بعنوان "لم يجدوا قربه بنتاً حلوة":

لا أحد في المخيّم يعرف غيره، أن الطريق إلى حيفا من مخيّم الجلزون في السبعينيات كانت ممتعة وسهلة وسريعة.

ضخماً وطويلاً مثل شاحنته وبشارب أسود، كان سائق الشاحنة الذي نسيتُ اسمه.

كنتُ مع صديقي "م" في ذروة مراهقتنا وعطشنا طالبَي صفّ إعدادي، نراقبه وهو يفتح الباب لبنت حلوة، تصعد قربه فرحة وضاحكة، فتصعد أرواحنا إلى الله، تاركة إيّانا جثّتين رخوتَين على قارعة الطريق.

كان ثقيلاً علينا أن نتخيّل أشياء لذيذة تفعلها له البنت بينما هو يسوق شاحنته الضخمة مغمضاً نصف عينَيْه، الشاحنة التي لم تسجّل مخالفة مرور واحدة طيلة عشرين عاماً من عمله.

الشاحنة التي أحضرت له جائزة أفضل سائق في الضفّة الغربية، تسلّمها من ضابط يهودي في حفل كبير، صفّقت فيه البنت الحلوة كثيراً، بينما أنا وصاحبي "م" نتصبّب عرقاً.

كم كنّا نكرهه:
- "يا ربّ، تتدهور الشاحنة، يموت هو، بس البنت الحلوة ما تموت."
- "يا ربّ، تخطفه بنت من حيفا أحلى منها، وتتخلّى عنه حلوة المخيّم."

مازلتُ أتذكّر صرخة أبي في وجهي وهي تهزّ أزقّة المخيّم:
- ولك انجنّيت أنت؟ قال كيف الواحد بصير سائق شاحنة؟!

هذه كانت مقدّمة ضرورية لأتذكّر صديق عطشي "م" الذي مات دون جائزة في منتصف التسعينيات محروقاً في شاحنته الطويلة والضخمة التي تدهورت في منحدرات قرية "دورا" قرب المخيّم.

لم يجدوا قربه بنتاً حلوة، وكانت حيفا بعيدة جدّاً.
عن المؤلف:
زياد خداش: كاتب فلسطيني من مواليد القدس عام 1964، ولكنه في الأصل من قرية بيت نبالا-الرملة المهجرة ويعيش كلاجئ في مخيم الجلزون في رام الله.

يعملُ أستاذاً للكتابة الإبداعية في مدارس فلسطين، وصدر له حتى الآن اثنتا عشرة مجموعة قصصية.

حصل في عام 2015 على جائزة الدولة التقديرية عن مجموعته القصصية (خطأ النادل).

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير قصصية الفلسطيني فلسطين رواية قصص سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المخی م

إقرأ أيضاً:

هيئة الإمداد: العبء الأكبر علينا لاستعواض هذه الخسائر وتوفير الدعم اللوجستي ومعينات العمل

وقف اللواء شرطة / أحمد علي ادريس رئيس هيئة الامداد على مقار الادارات العامة التابعة للهيئة بولاية الخرطوم بحضور مدراء الإدارات.وتفقد سيادته مقر الهيئة الى جانب إدارات الإمداد والنقل والصيانة والمشروعات والشئون الهندسية وأراضي وعقارات الشرطة مستمعاً لتنوير مفصل بكل من هذه الادارات عن ما تعرضت له من تخريب واضرار على يد المليشيا المتمردة والخطوات التي جرى اتخاذها لاستعادة العمل وتهيئة بيئته والخطط التشغيلية للمرحلة القادمة.رئيس هيئة الإمداد شدد على ضرورة بذل أقصى الجهود لتجاوز آثار التدمير الممنهج الذي استهدف الشرطة في مقارها ومقدراتها منوهاً الى ان هيئة الامداد واداراتها يقع عليها العبء الأكبر لإستعواض هذه الخسائر وتوفير الدعم اللوجستي ومعينات العمل لبقية الادارات الشرطية حتى تتمكن من القيام بواجبها وتقدم خدماتها للجمهور على الوجه الأمثلوتفيد متابعات *المكتب الصحفي للشرطة* ان هيئة الامداد أكملت انتقالها للعمل من داخل ولاية الخرطوم بكامل اداراتها عقب تحريرها من يد المليشيا المتمردة وفقاً لمصفوفة الانتقال الشرطي للعاصمة.المكتب الصحفي للشرطة إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ناشطة بأسطول كسر الحصار: قلقون من احتمال حدوث هجوم إسرائيلي آخر علينا
  • الرئيس السوري: إن فرضت علينا الحرب جعلناها كصلاة العصر لا شفع فيها ولا وتر
  • الحوثي: استهداف هدف في حيفا
  • مدرب مانشستر يونايتد: علينا الاستعداد للمجازفة أمام برينتفورد
  • “هيئة النقل” تحجز 8 شاحنات أجنبية في المملكة وترصد 1462 مخالفة
  • “هيئة النقل”: حجز 8 شاحنات أجنبية بالمملكة ورصد 1462 مخالفة
  • هيئة النقل توقف 8 شاحنات أجنبية لممارستها نقل البضائع بطريقة غير نظامية
  • رصد أكثر من 1462 مخالفة لاشتراطات النقل داخل المملكة خلال شهر
  • هيئة الإمداد: العبء الأكبر علينا لاستعواض هذه الخسائر وتوفير الدعم اللوجستي ومعينات العمل
  • باكستان: الهند تنوي شن ضربة عسكرية علينا خلال الساعات المقبلة