يمانيون – متابعات
مر أكثر من 5 ساعات تقريباً على بدء الهجوم الكاسح الذي شنته المقاومة الفلسطينية على مستعمرات غلاف قطاع غزة، وهذه المرة من فوق الأرض، ومن الجو، والبحر، تحت غطاء كثيف من الصواريخ والقذائف التي تجاوزت حتى كتابة هذه السطور 7000 صاروخ.

وفي الحقيقة، لم يكن أشد المتفائلين في الجانب الفلسطيني يتوقع حدوث مثل هذا العمل الاستثنائي، وفي الجانب الآخر، لم يكن أكثر المتشائمين في الجانب الصهيوني، سواء كانوا من المستوطنين، أو من دوائر المخابرات والجيش يعتقدون بأن شيئاً مشابهاً يمكن أن تشهده مستوطنات الغلاف.

وحتى نكون منصفين وواقعيين فإن حجم المفاجأة المدوّية التي استيقظ عليها سكان الجانب الغربي من الخط الزائل، وهم سكان قطاع غزة، لم تكن أقل درجة من مفاجأة سكان الجانب الشرقي منه “المستوطنين الصهاينة”، والذين لم يكن يدور في خلدهم، أو حتى في أسوأ كوابيسهم أن يروا من نوافذ بيوتهم التي اعتقدوا أنها آمنة مقاتلي المقاومة وهم يتجولون في شوارع مستوطناتهم، ويطرقون على الأبواب بكل قوة، بل ويسوقون العشرات منهم كما تقول التقارير الواردة حتى الآن إلى أراضي القطاع.

وفي اعتقادي، أن ما جرى اليوم يمكن أن يُؤرّخ له بأنه من الأحداث المفصلية الكبرى في تاريخ شعبنا الفلسطيني العظيم، بل وفي تاريخ أمتنا العربية والإسلامية. وهذا التأريخ لن يكون في شقّيه العسكري والعملياتي فقط، بل يمكن أن يتوسّع ليشمل جوانب أخرى من قبيل القدرة على اجتراح المستحيل، والرغبة في كسر حدود اللاممكن، والذهاب في اتجاه تحقيق إعجاز فشلت فيه قوى كبرى، وعجزت عنه دول عظمى.

وحتى لا تأخذنا المشاعر الجيّاشة التي تحيطنا من كل جانب عن تحليل ما جرى، والتداعيات التي يمكن أن تترتّب عليه، دعونا نشير إلى بعض الملاحظات الهامة، والتي يمكن أن تشكّل العناوين الفرعية لهذه الملحمة الكبرى، والتي أسمع وأرى جزءاً من تفاصيلها في أثناء كتابتي لهذا المقال.

أولاً: حملة من التمويه
بدا واضحاً خلال المرحلة السابقة حجم عملية التمويه الذي قامت به المقاومة خلال الأسبوعين الأخيرين تحديداً. إذ بدا واضحاً خلال هذين الأسبوعين حجم الرغبة الفلسطينية لا سيما من جانب حركة حماس في الرد على ما يجري في القدس من عدوان، إلى جانب الإجراءات الصهيونية التي هدفت إلى تشديد الحصار على قطاع غزة من خلال بعض التظاهرات على الحدود، والتواصل مع الوسطاء لرفع الحصار، وزيادة حجم المنحة المخصصة للموظفين والعائلات الفقيرة ومحطة الكهرباء.

وفي حقيقة الأمر، فإن ما كان يجري هو عملية تمويه مُحكمة، تم من خلالها توجيه كل الأنظار لا سيما الصهيونية منها نحو اهتمامات أخرى، ركّزت في معظمها على مواجهة التحدي الأمني في مدن الضفة، معتقدة أن بضعة ملايين من الدولارات، وعدة آلاف من العمال ستنهي المشكلة مع غزة، وسيعم الهدوء في المنطقة الجنوبية من جديد.

ثانياً: تخطيط عملياتي مُحكم
بالاستناد إلى بعض الصور والفيديوهات التي ظهرت حتى الآن، والتي يشير معظمها إلى تمكّن المقاومين من اقتحام عشرات المغتصبات الصهيونية، وإحكام قبضتهم عليها، في مقابل حالة من الانهيار سيطرت على أداء الجنود الصهاينة، ضمنهم وحدات نخبوية من لواء “عوز”، الذي يُنظر إليه صهونياً بأنه أفضل لواء مقاتل في “الجيش” الصهيوني، إضافة إلى مقاتلين من وحدة “اليمّام” ذائعة الصيت، يظهر من كل ذلك أن المقاومة خططت لهذا اليوم ببراعة وإتقان منقطع النظير، إذ أخذت في الاعتبار حجم القوات الصهيونية المنتشرة على الحدود، إضافة إلى أفضل الطرق وأسهلها للمرور إلى الجانب الشرقي منها، إلى جانب اختيارها التوقيت المناسب للبدء في التحرك الميداني، خصوصاً أن الفترة الحالية تشهد أعياداً يهودية يكون فيها الجنود والمستوطنون في حالة استرخاء تامة، وهو ما أدى إلى وصول المقاتلين إلى قلب المستعمرات الصهيونية على عمق يزيد على 10 كلم بسهولة ويُسر، وقبل أن يستيقظ الجنود أو المستوطنون من نومهم.

ثالثاً: تغطية نارية كثيفة
كان من المهم لنجاح عملية التوغل البري أن تكون هناك تغطية نارية مناسبة، بحيث ينشغل العدو في النظر باتجاه السماء، محاولاً تفادي أثر الصواريخ والقذائف التي انهمرت بشكل غير مسبوق، وساعياً لتفعيل قبته الحديدية التي انهارت بشكل كبير.

وهذا ما سمح للمقاتلين بالتوغل البري من أكثر من مكان، وعبر أكثر من وسيلة، والوصول إلى مناطق بعيدة نسبياً عن حدود القطاع والسيطرة شبه الكاملة على العديد من المواقع والمستوطنات، وقتل عشرات الجنود والمستوطنين وأسرهم كما يشير الكثير من المصادر حتى الآن.

رابعاً: تعمية استخبارية كاملة
على الرغم من أن هذه العملية النوعية احتاجت عدداً كبيراً من المقاتلين، الذين تحركوا بآلياتهم رباعية الدفع، ودراجاتهم النارية، إضافة إلى من تسلل من البحر، أو هبط من السماء، وما يمكن أن يحتاجه ذلك من تدريبات مكثفة بالذخيرة الحيّة لمدة تتجاوز الأشهر وليس الأسابيع، رغم كل ذلك، فشل العدو الصهيوني الذي يسيطر على أجواء غزة من خلال طائراته المسيّرة، وبعض عيونه المنتشرة في أكثر من مكان، ومن خلال اختراقه لشبكة الاتصالات السلكية الرسمية (الهواتف الأرضية)، والجوّالة من خلال الهواتف المحمولة، ومعظم الشبكات اللاسلكية ومواقع الإنترنت، في التقاط معلومة واحدة تشير إلى سعي المقاومة للقيام بمثل هذا الهجوم الاستراتيجي. واستمر هذا الإخفاق الاستخباري حتى بعد ساعات من بدء الهجوم.

خامساً: حرمان كيان “إسرائيل” من مصادر قوتها
بما أن المقاومة الفلسطينية تعمل بأسلوب “الحرب اللامتناظرة”، ويعد حرمان العدو من مصادر تفوّقه أحد أهم مبادئها، فقد سعت المقاومة لمنع العدو من استخدام قوته النارية الهائلة ضد مقاتليها سواء أثناء تنفيذ العمليات داخل العمق الإسرائيلي، أو أثناء الانسحاب إلى داخل أراضي القطاع. وعلى رأس تلك الإجراءات التي حرمت المقاومة العدو من استخدامها كان إجراء “حنبعل”، الذي يستخدمه العدو عند أسر أحد جنوده، إذ يقوم بعملية قصف عنيفة باتجاه المناطق التي يعتقد أن المقاومين انسحبوا تجاهها، كما حدث في مدينة رفح بعد أسر الجندي “هدار جولدن” في عدوان 2014.

في هذه المرة، ونتيجة العدد الكبير من الأسرى الصهاينة، ونتيجة الإرباك الحاصل داخل وحدات الجيش المنوط بها تنفيذ هذا الإجراء، والتي يتموضع معظمها في موقع كيسوفيم العسكري شرق دير البلح، ومواقع أخرى مقابل حدود مدينة غزة، لم يستطع العدو القيام بأي تحرّك مشابه، لأنه ببساطة سيقوم بقتل عدد كبير من جنوده ومستوطنيه، وهو ما سيفتح على الحكومة و”الجيش” أبواب جهنم من جانب الشارع الصهيوني.

ختاماً، نقول ونحن بانتظار أن ينجلي المزيد من الوقائع والمشاهد من غزوة “طوفان الأقصى”، إن ما جرى اليوم هو هزيمة استراتيجية ساحقة تلقتها “إسرائيل” في عقر دارها، وأن توابع وارتدادات هذه الهزيمة على مستقبل هذه “الدولة” ستكون هائلة.

بعد هذا اليوم لن تبقى سمعة “الجيش” الصهيوني كما اعتدنا عليها، “جيش” من فولاذ يقهر كل أعدائه، ويهزمهم بالضربة القاضية. من اليوم فصاعداً، يمكن النظر إلى هذه القوة الغاشمة بأنها وحش من غبار، يمكن بشيء من التخطيط، وبمزيد من الإرادة، أن تتم هزيمتها وقهرها.

اليوم، نحن أمام لحظة فارقة يمكن البناء عليها لو تضافرت الجهود، واتحدت الساحات، واجتمعت الجبهات. لو حدث ذلك فعلاً في هذه المرحلة الحاسمة، ستكون الأمة أمام نصر كبير لم يحدث له مثيل من قبل.

الميادين نت/ أحمد عبد الرحمن

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: أکثر من یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

عشرات آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى

الثورة نت/..
أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، بسبب تشديدات وقيود قوات العدو الإسرائيلي داخل مدينة القدس، ومنع العديد من الشبان من الوصول إلى المسجد.
وذكرت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة، أن عشرات الآلاف أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، والغائب على أرواح الشهداء في قطاع غزة والضفة الغربية.
وأفاد مراسل وكالة “صفا”، بأن قوات العدو أغلقت صباح اليوم، العديد من الشوارع والطرق المؤدية إلى مدينة القدس، خلال تنظيم بلدية العدو الماراثون التهويدي في محيط البلدة القديمة، بالتزامن مع توافد المصلين إلى المدينة لأداء صلاة الجمعة.
وأشار المراسل إلى اعتداء قوات العدو على المصلين الوافدين للمسجد، بينهم شاباً داخل مركبته في باب الأسباط، وأوقفت الشبان عند الحواجز الحديدية وفتشتهم، ومنعت عدداً منهم من الوصول إلى المسجد الأقصى.
فيما أدى مستوطنون فجر اليوم طقوساً تلمودية استفزازية داخل سوق القطانين، الذي تفضي بوابته إلى المسجد الأقصى، واعتقلت قوات العدو شاباً بعد الاعتداء عليه في طريق المجاهدين بالبلدة القديمة بالقدس فجر اليوم.
وانتقد خطيب المسجد الأقصى، الشيخ محمد سرندح، وضع الأمة الإسلامية بقوله: “الأمة الإسلامية اليوم مليارات متكدسة ومثاقيل من الذهب مكتنزة، وقوى الاستعمار تنهش بالأمة نهشاً”.
وأضاف الشيخ سرندح: “4 ملايين من المسلمين أحيوا ليلة القدر في بيت الله الحرام، وملياري مسلم ترقبوا هلال العيد، واستطاعوا رؤية هلال العيد بين الغيوم المتشابكة، ولم يستطيعوا أن يبصروا الذل والهوان على الضعفاء في غزة وفلسطين”.
وتابع: “لم يترقبوا تلك الأهلة التي أزهقت في أرض فلسطين، لم ترقب الأمة تلك النزاعات التي أثيرت في السودان، رغم وضوح صورتها ونيران الفتنة التي اشتعلت وأحرقت المسلمين في عالمنا الإسلامي”.
وأردف: “الأمة ذاقت الويلات من الصرب في البوسنة، ولكنها لم تتعظ، فهل غم علينا؟ حتى أتممنا قرناً من الزمان ذلاً وهواناً”، مضيفاً: “كلما زادت الغمة علينا وتناسينا عزتنا، نزع الله من صدور عدونا المهابة منا”.
وأوضح الشيخ سرندح، أن “الأرض هانت هي وقدسيتها على البعض، وهانت على الأمة مسراها، ففرق كبير بين من يعمر الأرض بالدين وبين من يكسب الدنيا ويتعالى على الدين، فبداية الوهن والضعف في مخالفة شرع الله وأحكامه، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم”.
وأكد أن أرض الإسلام ما سلبت إلا بعد ظهور فئة المتفرجين المتواطئين، الطامعين المتآمرين على الأمة وأبنائها، ممن تبلد حسهم وماتت قلوبهم.
وقال: “بدأ مرض السكوت وآفة الصمت تنتشر عند ذوي الرأي والمسؤولية، وأصبح لسانهم أخرساً يوجهون الأمة لسفاسف الأمور، مستخدمين وسائل الإعلام والفضائيات لغسل أدمغة الشعوب، ولفت أنظارهم عن أولويات الأمة وهمومها”.
وأردف: “والأقصى ينادي أين طهري؟ فعن أي أبنية شاهقة للعبادة يتكلمون، وبنيان الله يهدم كل يوم، فالإنسان بنيان الله وحرمته عند الله أعظم من الكعبة”.
وتساءل قائلاً: “عن أي مجاعات لأهلنا في غزة تتحدثون؟ أم أنتم تتجاهلون، وعن أي انتهاك للأقصى تتابعون؟، أم أنتم في غفلتكم ساهون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”، مؤكداً أن “ثقتنا بالله عالية والعاقبة للمتقين، فالله مطّلع علينا ولن يضيعنا”.
وعن المسجد الأقصى في شهر رمضان، قال: “لا زال أهل الرباط على الحق ثابتين في مسجدهم، فتلك الأفواج التي زحفت للأقصى في شهر رمضان الخير، تشكل بداية لانفراج الغمة عن الأمة، رغم الانتهاكات والصعوبات”.
وتابع: “نكرر مرة ثانية وثالثة شكرنا للعاملين والمتطوعين والمتطوعات واللجان المساعدة في المسجد الأقصى على مدار شهر رمضان بأكمله، فعملهم يبعث التفاؤل والارتياح، ويرسلون رسالة للأمة الإسلامية أن في الأمة طائفة على الحق ظاهرين، ويبرقون بخدمتهم لزوار بيت الله أن الأوتاد اللامعة في أرض الرباط ستبقى تبث روح الأمل بأن الفرج قريب”.
وبيّن أن التفاف الجيل الصاعد حول المسرى خدمة للراكعين الساجدين، لهو دليل على فشل كل مخطط حيك ضد شباب الأمة ومقدساتها.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تنشر رسالة “خطيرة” بعثها السنوار إلى قادة “القسام” والحرس الثوري الإيراني قبل “طوفان الأقصى”
  • عبد الرحيم علي: لا يمكن أن تُعتبر المقاومة الفلسطينية عملًا شيطانيًا أو مرفوضًا
  • مستوطنون صهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك، بحماية شرطة العدو الإسرائيلي
  • عشرات المستوطنين الصهاينة يقتحمون المسجد الأقصى
  • تحريض إسرائيلي ضد وزير سوري في الحكومة الجديدة بسبب طوفان الأقصى (شاهد)
  • حماس: دعوات ذبح القرابين داخل الأقصى تصعيد خطير
  • حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها
  • حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها
  • عشرات آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • عاجل | السيد القائد: العدو الإسرائيلي يركز على محاربة الجانب الإنساني في كل ما يتعلق به من إعدامات ومنع كل مقومات الحياة