“طوفان الأقصى” في الإعلام الصهيوني.. عنصر المفاجأة يربك العدو ويُفشل حساباته
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
الثورة / سبأ / وكالات
مع تواصل عملية «طوفان الأقصى» لليوم الثاني على التوالي والتي انطلقت بشكل مفاجئ ، اربكت العدو واصابته بالشلل التام.. أقرت وسائل إعلام العدو الصهيوني بأن العملية أربكت أجهزة الأمن الصهيونية وأفشلت حساباته، ولم يكن العدو الصهيوني يعلم عنها شيئاً.
وتؤكد تقارير إعلامية صهيونية، أن المقاومین الفلسطينيين أخضعوا في الساعات الأخيرة مواقع العدو للمراقبة بعدسات مكبرة، لأنهم يدركون أنه يجب أن تكون هناك ثغرات، وبعد الرصد والمتابعة تحقق النجاح لعملية «طوفان الأقصى»، من خلال إحداث عنصر المفاجأة حتى آخر لحظة، ولم يتم اكتشافهم أو ملاحظتهم.
إعلام العدو الصهيوني أقر بفشل أجهزة أمن واستخبارات الكيان المحتل في مواجهة معركة «طوفان الأقصى» التي أطلقتها كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وفي هذا الصدد اعتبرت صحيفة «معاريف» الصهيونية أن الهجوم الفلسطيني على كيان الإحتلال «فشل استخباري صهيوني هائل صدم العالم كله».. قائلة: إن «الحكومة الصهيونية تفاجأت بالهجوم”.
وأضافت الصحيفة: إن «جيش الاحتلال لم يقم بمهمته.. وإن القيادات الصهيونية كانت نائمة، بينما كانت المقاومة تدك المستوطنات والقواعد العسكرية”.
بدورها أقرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الصهيونية، بأن «حماس حققت كل صور النصر الممكنة عند بدء هجومها».. مبينة أن كتائب القسام عبرت إلى غلاف غزة من الجو والبر والبحر.
وذكرت الصحيفة أنه «تم اختراق الدفاعات الصهيوني بأكملها في محيط قطاع غزة».
في حين قال «المحلل الصهيوني» «بن كسبيت»: «منيت (إسرائيل) بمفاجأة استراتيجية بحجم يوم الغفران ولكنها أكثر إذلالاً”.
وأضاف: «من كان يخشى الذهاب إلى المعركة البرية في غزة، فقد ذهبت غزة إليه بمعركة برية، أولئك الذين وصفوا أنفسهم بأنهم أقوياء ضد حماس، وجدوا أنفسهم بالأمس ضعفاء أمام حماس القوية”.
بينما رأى المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن «حماس بادرت لهجوم مفاجئ وفعال، فاجأ بشكل كلي أجهزة الاستخبارات، وانهارت العقيدة الدفاعية العملياتية عند حدود قطاع غزة كلياً.. وفي جانبنا عدد كبير من القتلى والمصابين، ولم يتضح عددهم النهائي”.
وأضاف: إن «الجيش يجند قوات احتياط بأعداد تتناسب مع حرب وأن المجهود العسكري لحماس استهدف غلاف غزة، بشكل تراجيدي وحقق نجاحًا كاملًا”.
وركزت الصحف الصهيونية، اهتمامها على تحليل خلفيات الهجوم المباغت الذي نفذته حماس على الكيان الصهيوني صباح أمس السبت، وشبهت الهجوم بانطلاق حرب السادس من أكتوبر عام 1973، حين شنت مصر وسوريا هجومين متزامنين مفاجئين على كيان العدو الصهيوني.
واختارت صحيفة «هآرتس»، عنواناً يختزل الحدث كله، فقالت «تسلل مفاجئ وقصف كبير يصدمان «إسرائيل»، عدة قتلى ومئات الجرحى وعدد غير معروف من الرهائن»، وسردت الصحيفة من الوقائع عن المواجهات التي خاضها مقاتلو حماس في المستوطنات ومواقع أخرى.
عناوين صحيفة «جيروزاليم بوست»، سيطر عليها الذهول ذاته أيضاً، حيث وصفت هجوم «حماس» بـ»غير المسبوق»، وأن الصهاينة لم يروا مثله منذ وصول حركة حماس إلى السلطة في غزة.. قائلة: إن الهجوم فريد من نوعه من حيث المفاجأة، إضافة لكونه تضمن قصفا بالصواريخ وتوغلاً بريا في الوقت ذاته.
ووصف الكاتب الصهيوني ديفيد هوروفيتز في مقال له بصحيفة «يديعوت أحرونوت» بعنوان «فشل ذريع لإسرائيل حين تسلل مسلحو حماس وأخذوها على حين غرة»، بعض ما حدث في عملية «طوفان الأقصى» يوم السبت، وقارن بينها وبين حرب يوم الغفران عام 1973، وأورد شهادات لصهاينة حوصروا في الهجوم وكذلك مسؤولين ومحللين وصحفيين.
وكتب: «كان افتراض الجيش الصهيوني، في السنوات الأخيرة، هو أن حماس تم ردعها عن تنفيذ هجمات كبيرة في الكيان – خوفاً من قوة الرد الصهيوني، وخشية إغراق غزة في دمار متجدد.. ومن الواضح جداً أن هذا الافتراض لا أساس له من الصحة».
وفي مقال آخر على موقع «يديعوت أحرنوت»، جاء الحديث عن فكرة المباغتة بعنوان «حماس باغتت إسرائيل» كتبه يوسي يوشوع.. قال فيه: «لا يمكن التقليل من أهمية الأمر أو صياغته بعبارات أقل حدة.. لقد فوجئ جيش الدفاع الصهيوني، أقوى جيش في الشرق الأوسط وواحد من أكثر الجيوش احتراماً في العالم، تماماً، بهجوم حماس على “إسرائيل”.
وأضاف: “لقد انتصرت حماس في معركة نفسية كبرى أيضاً، وستبقى ذكراها خالدة إلى الأبد”.
كما ورد في مقال بصحيفة جيروزاليم بوست بعنوان «هذه هي أحداث 11 سبتمبر الإسرائيلية»، كتبه أفي ماير، اعتبر الكاتب أن أحداث السبت تمثل أكبر فشل عسكري واستخباراتي للكيان الصهيوني منذ نصف قرن- إن لم يكن خلال 75 عاماً من تأسيسها.
وقال في مقاله: «إن النطاق الكامل للكارثة غير معروف حتى الآن، ولكن هناك شيء واحد واضح: أحداث السابع من أكتوبر 2023 – وهو أحد أحلك الأيام في تاريخ الكيان – سوف تغير كل شيء».. وختم بالقول: «هذا هو 11 سبتمبر في «إسرائيل».. لن يعود أي شيء كما كان».
وعكست وسائل إعلام العدو حالة الصدمة التي شهدتها الأوساط الصهيونية إثر عملية «طوفان الأقصى» التي أسقطت مئات القتلى من صفوف المستوطنين وجنود العدو الصهيوني.. معتبرة أن «تل أبيب» شهدت «يومًا أسود وفاجعة لا تقل بشاعة عن هزيمتها في حرب أكتوبر» وسط نشر مشاهد أظهرت وجوه المستوطنين وقد أغشاها الذهول والهلع من هول الصدمة.
إلى ذلك اعتبر موقع «حدشوت» الصهيوني أن «تل أبيب» شهدت يومًا أسود لا يقل عن فاجعة يوم «كيبور»، في إشارة إلى هزيمة «تل أبيب» في حرب أكتوبر المجيدة.
وتعتبر العملية المتعددة الأولى من نوعها منذ قيام الكيان الصهيوني حيث تمكنت قوات كتائب القسام من دخول المستوطنات الصهيونية، جنوبي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأيقظت الداخل الصهيوني على كابوس باستهدافها نحو 21 موقعاً بالتزامن في مباغتة بحرا وبرا وجوا.
ونشر نوعام أمير، المراسل العسكري لصحيفة «مكور ريشون» اليمينية عنواناً عريضاً هو «حرب العار»، يتحدث فيه عن العار الذي لحق بالجيش الصهيوني جراء عملية المقاومة التاريخية في مستوطنات غلاف غزة.
أما «القناة 12» الصهيونية فجاء عنوانها الرئيسي (إنه الكابوس).. مستعرضة ما تعرض له المستوطنون من صدمة جراء مشاهدتهم المقاومين الفلسطينيين أمام أعينهم فجأة دون سابق إنذار، في عملية راح خلالها المئات من القتلى والأسرى على يد المقاومة الفلسطينية.
وفي عنوان آخر، جاء في موقع «ويللا» العبري بقلم نير كيبنس، وصفٌ ما حصل بأنه «إخفاق غير مسبوق» للجيش الصهيوني، الذي لم يتجهز لمثل هذا السيناريو من دخول المستوطنات ومهاجمة المستوطنين براً وبحراً وجواً.
ويشار إلى أن معظم الاعترافات في الإعلام الصهيوني حول «طوفان الأقصى»، جاءت بأن «عملية حماس التي حصلت فجر السبت، 7 أكتوبر 2023 تأتي بعد 50 سنة ويوم واحد على هزيمة حرب أكتوبر، وأن الصهاينة أصابتهم ذات الغطرسة والغرور الذي قاد «إسرائيل» آنذاك إلى نفس الكارثة التي تعيشها الآن».
واعتبر خبراء صهاينة أن مفاجأة 1973 شكلت خطراً وجودياً حقيقياً على الكيان الصهيوني، إلا أن ما حصل اليوم «طوفان الأقصى» أثبت أن الكيان الصهيوني كان مخطئاً، فقد فازت حماس بالفعل بهذا الحدث، وتمكنت من مفاجأة الأجهزة الأفضل والأكثر استخباراتية في العالم، وتمكنت من السيطرة على الحدث لساعات طويلة.
وتشير المعطيات الصهيونية إلى أن «التجارب العسكرية منحت المقاومين مزيداً من الخبرة، مستفيدين من تجارب سابقة في عمليات لم تحقق النجاح المرجوّ منها.
وشكل هجوم المقاومة «طوفان الأقصى»، وفق الاعتراف الصهيوني، فجر أمس السبت، «نجاحاً للمقاومة من اكتشاف وصفة جديدة لكيفية مواجهة المستوطنات اليهودية المحصنة والمنيعة، من خلال تنفيذ عدة عمليات عسكرية نوعية، وقد استفادت قوى المقاومة في قطاع غزة من تجارب تراكمية خلال أعوام من العمل العسكري.
واطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة عملية «طوفان الأقصى» أمس السبت السابع من أكتوبر 2023، رداً على الانتهاكات الصهيونية المتواصلة ضد المسجد الأقصى والمقدسيين، تمكنت من خلالها السيطرة مؤقتا على العديد من مستوطنات غلاف القطاع، وقتل المئات من الجنود والمستوطنين الصهاينة وأسر آخرين بالإضافة إلى مستوطنين في عملية تعد الأكبر للمقاومة ضد الكيان الغاشم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني مختبر الفاشية الغربية
رغم أنّ الفاشية أحد مكوّنات المشروع الغربي الرئيسية الأربعة: الإمبريالية، والرأسمالية، والعنصرية، والفاشية، إلا أنها المكوّن الأكثر التباساً وتنكّراً في التجربة الغربية. ويتّفق مفكّرون غربيون على أنها لا تأتي إلا متدثّرة بالعلم القومي وتحمل صليباً أو متخفّية في صورة أيديولوجية مركّبة من العنصرية والدين والاشتراكية بمُسمّى “الاشتراكية القومية”، أو “إعادة أمريكا عظيمة” واسترداد الفوقيّة العنصرية البيضاء و”تلفيق الإجماع”.
أخيراً عادت الفاشية الغربية لتقمع حرية التعبير والحرية الأكاديمية والاحتجاج السلمي على الإبادة الإسرائيلية في غزة، بدعوى “محاربة عداء السامية” و”حماية اليهود”!
عودة الفاشية مُتنكّرة
يقول الكاتب البريطاني، جوناثان كوك، مؤخّراً في مقال بعنوان “الفاشية الجديدة: إسرائيل نموذجٌ لحرب ترامب وأوروبا على الحرية”، إنه ما كان للفاشية أن تعود أبداً إلى أوروبا أو الولايات المتحدة في رداء النازية. وما كان لها أن تصل أبداً مُرتديةً أحذية عسكرية ورافعةً صليب النازية المعقوف. في الحقيقة، كان يُتوقّع تماماً أن تصل مُتنكّرة، مُرتديةً بدلات رسمية أنيقة وجذّابة، على شاشات التلفزة، مُصوِّرة خصومها، لا نفسها، كنازيّين أشرار.
هنا تكمن فائدة “إسرائيل” مرة أخرى، فهي لم تُصبح نموذجاً للفاشية فحسب، مُحافظةً على أفكار الفوقيّة والتفوّق العرقي والاستعمار والإبادة الجماعية ومُجدِّدةً لها. بل طيلة عقود، سمحت أيضاً للغرب بإضفاء شرعية أخلاقية على الفاشية الإسرائيلية. وتمّ ترويج ودعم تسلسل الهرمية العرقية الإسرائيلية، التي تُضحّي بأرواح الفلسطينيين بالكامل، كضرورة “لحماية اليهود”.
بدورها، أتاحت هذه الفرضية للإبادة الجماعية أن تصبح قضية “محترمة” أخلاقياً. وهذا تحديداً ما جعل رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، قادراً على القول إنّ لإسرائيل “حقاً” في حرمان أكثر من مليوني رجل وامرأة وطفل فلسطيني من جميع أنواع الطعام والماء والوقود. إنّ الإبادة الجماعية التي كان سيرفضها ستارمر في ظروف أخرى (بل رفضها بالفعل) باتت مقبولة طالما أنّ “إسرائيل” هي من تقوم بها.
لهذا السبب، لم يحظَ تقرير الأمم المتحدة الصادر بشهر مارس 2025 عن “أعمال الإبادة الجماعية” الإسرائيلية باهتمامٍ يُذكر في وسائل الإعلام الغربية. يُظهر التقرير كيف جعلت “إسرائيل” الاعتداء الجنسي والاغتصاب – ضد فلسطينيين تعتقلهم تعسفيّاً – ممارساتٍ روتينيةً كأوراق مساومةٍ مقابل رهائن لدى حماس في غزة.
ولهذا السبب أيضاً، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مجرم الحرب المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية وغيرها والهارب من العدالة، موضع ترحيب العواصم الغربية، وكذلك جنرالاته الذين يرتكبون الإبادة الجماعية في غزة.
حساباتٌ مُشوّهة
إنّ تساهل الغرب المستمرّ مع تنوّع الفاشية الإسرائيلية الصهيونية قد سمح لأفكاره بالتسرّب بهدوءٍ إلى مجتمعاته، حيث لا تزال الصهيونية تُعامل باحترامٍ شبه مُبجّل.
وإذا كان تسلسل الهرمية العرقية أمراً جيداً في “إسرائيل”، فلماذا لا تكون كذلك في الولايات المتحدة وأوروبا؟ لهذا السبب، يُطلق قطاعٌ كبيرٌ من قاعدة ترامب على أنفسهم بفخرٍ لقب “الصهاينة البيض”. إنهم يرون في “دولة إسرائيل” اليهودية المحَصّنة نموذجاً للولايات المتحدة كدولة بيضاء محصّنة ضدّ مخاوفهم من “الاستبدال العظيم”.
إذا كانت “حماية اليهود” في “إسرائيل” تبرّر أيّ جريمة ترتكبها “الدولة” الصهيونية ضدّ الفلسطينيين، فلماذا لا تبرّر “حماية اليهود” أيضاً سلوك دول الغرب غير القانوني تجاه شعوبها؟!
فـ “حماية اليهود” تعني وجوب تجريم أيّ خطاب ينتقد “إسرائيل”، حتى مع ارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية، لأنّ هذا النقد يُسيء لمنظمات يهودية محلية تُشجّع “إسرائيل”.
يجب سحق الحرية الأكاديمية أيضاً، لحماية مشاعر الطلاب والأساتذة اليهود الذين يعتقدون أنّ المذبحة الجماعية لأطفال فلسطين ثمن مقبول لإعادة تأكيد الردع الإسرائيلي العسكري.
وبمنطق تبريري ذاتي، يُعتبر اليهود الغربيون الذين لا يسجدون لـ “إسرائيل” بحماس كافٍ من “النوع الخطأ من اليهود” أو “فلسطيني”، كإهانة جديدة وجّهها ترامب لتشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية (اليهودي) في مجلس الشيوخ الأمريكي.
في هذه الحسابات المشوّهة الأنانية لحقوق الإنسان، تُوضع حساسية اليهود الصهاينة في القمة، وحقّ الفلسطينيين في عدم التعرّض للقتل في القاع.
ولهذا تحديداً، تسعى السلطات الفيدرالية الأمريكية لإرساء سابقة باختطاف وترحيل محمود خليل، المقيم الدائم بشكل قانوني، لدوره في قيادة احتجاجات طالبيّة ضدّ الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة.
ويُتهم، من دون أيّ دليل، بـ “الاصطفاف مع حماس” و”دعم الإرهاب” و”تبنّي آراء معادية للسامية” والرغبة في تدمير الغرب بواسطة التطرّف الإسلامي.
وكما جنّدت “إسرائيل” الذكاء الاصطناعي لاختيار المستهدفين بالإعدام في غزة، باستخدام أوسع فئات يُمكنها ابتكارها كمحفّزات خوارزمية، يستخدم البيت الأبيض الذكاء الاصطناعي لاختيار أوسع نطاق ممكن لمن هو [بزعمه] مُنحاز لحماس، ومن هو إرهابي ومعادٍ للسامية.
كذلك، تُلغى المنح الحكومية الفيدرالية لمؤسسات أكاديمية أمريكية بدعوى أنها لا تبذل جهوداً كافية لمعالجة “معاداة السامية”، أي لا تسحق الاحتجاجات ضدّ الإبادة الجماعية. ويتسارع انضمام الجامعات المطيعة لحملة القمع الحكومية.
تُصوّر إدارة ترامب هذه التحرّكات، ولا شكّ أنّ المزيد منها مقبل، كجزء من “الحرب على معاداة السامية” وهي امتداد لـ “الحرب على الإرهاب”.
في هذه العملية، تُهيّئ واشنطن أرضيةً لشيطنة شرائح واسعة من الطلاب الأمريكيين ومن الجالية اليهودية، خاصة الشباب اليهود الرافضين لارتكاب إبادة جماعية باسمهم. ويواجه الجميع الآن التشهير بهم بتهمة “الاصطفاف مع الإرهاب”.
وإدارة ترامب ليست الوحيدة في هذا. لقد هيّأت حكومة ستارمر ببريطانيا، كسابقتها، بعناية مناخاً سياسياً يُشوّه سمعة صحافيين وباحثين وطلاب ومنظمي احتجاجات وسياسيين وناشطين – وكثير منهم يهود – بوصفهم كارهين لليهود، وتعتبر احتجاجهم ضدّ الإبادة الجماعية عداءً للسامية.
وسّعت الحكومة البريطانية نطاق تشريعات الإرهاب القاسية، بصياغة غامضة وفضفاضة، للتحقيق والادعاء الجنائي على من تتهمهم بالتعبير عن آراء أو سرد حقائق تنتقد “إسرائيل” بشدة، وتوجيه الاتهامات إليهم – وترى الحكومة أن انتقاد “إسرائيل” قد “يشجّع على دعم” حماس.
حالياً، يتمّ نبذ حرية التعبير وحجب الحقّ في الاحتجاج والحرية الأكاديمية – كمبادئ أساسية للديمقراطية الليبرالية – على عجل، ويُفترض أنها تُشكّل تهديداً للديمقراطية!
تفاوت قيمة البشر
هناك نمطٌ لافت ومتكرّر من ممارسات الفاشية تتضح معالمه أكثر فأكثر.
لقد أعادت إدارة ترامب قانون الأعداء الأجانب، وهو تشريع غامض من القرن الثامن عشر صُمّم لمنح السلطة التنفيذية صلاحيات استثنائية لإخفاء (اعتقال) الأجانب أثناء الحرب من دون إجراءات قانونية واجبة. لم يُستخدَم هذا القانون إلا في ثلاث فترات تاريخية – آخرها لاعتقال عشرات الآلاف من ذوي الأصول اليابانية من دون محاكمة خلال الحرب العالمية الثانية.
جرّب ترامب هذا القانون للمرة الأولى على مجموعة يفترض أنّ أحداً لن يدافع عنها: أشخاص يصفهم مسؤولوه بالمجرمين الفنزويليين. لكنّ المؤكد أنّ الإدارة حريصة على توسيع نطاق تطبيقه.
كما استعانت إدارة ترامب الأولى بقانون غامض آخر، هو قانون التجسّس لعام 1917، لاستخدامه ضدّ جوليان أسانغ، وهو غير مواطن، معتبرةً عمله الصحافي الذي يكشف جرائم الحرب الأمريكية والبريطانية في العراق وأفغانستان “تجسّساً”. أُقرّ القانون على عجل خلال الحرب العالمية الأولى.
كان هدف واشنطن من استهداف أسانغ هو إرساء سابقة قانونية تُمكّنها من القبض على أيّ شخص، في أيّ مكان بالعالم، واحتجازه لأجل غير مسمّى كجاسوس.
والمؤكّد أنّ مسؤولين في إدارة ترامب يُنقّبون في كتب القوانين القديمة بحثاً عن قوانين أُهملت زمناً طويلاً، ويمكن إعادة توظيفها لقمع المعارضة وسجن من يقف في طريق إدارة ترامب.
لكن أسوأ السوابق قائمة بالفعل، وتُقدّمها “إسرائيل”.
إذا كانت “إسرائيل” تستطيع إبادة الشعب الفلسطيني الذي تضطهده منذ عقود لمنع ما تدّعي، بشكلٍ غير معقول، أنه تهديد وجودي مستقبلي من جماعة مسلحة صغيرة، في حين تتلقّى دعماً غربياً قوياً، فلماذا لا تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا أن تحذو حذوها؟
بإمكانهما اللجوء إلى مزاعم مماثلة حول تهديد وجودي لتطبيع معسكرات الاعتقال، أو الترحيل، أو حتى برامج الإبادة الجماعية.
كان اليهود الألمان يعتبرون أنفسهم مواطنين ألماناً حتى قرّرت حكومة أدولف هتلر أنهم عنصر دخيل تُطبّق عليه قواعد مختلفة. لم يحدث ذلك بين عشية وضحاها. بل كان انزلاقاً تدريجياً تراكمياً في القواعد القانونية، أدى إلى تأكّل قدرة الجماعات المستهدفة على مقاومة اعتبارها كبش فداء، وتأكّل قدرة أنصارها على الاحتجاج، بينما انصاعت الأغلبية انصياعاً أعمى.
يؤكد جوناثان كوك أنه في الواقع، لم تختفِ الفاشية قط. لقد أوكل الغرب أمرها إلى دولة تابعة مهمتها، نيابةً عن الغرب، الترويج للأفكار القبيحة نفسها حول هرميّة وتفاوت قيمة البشر وحقوقهم في الشرق الأوسط. نحن نتعاطف مع “إسرائيل” إذ يُقال لنا إنها تُمثّلنا، وتُمثّل قيمنا وحضارتنا.
والحقيقة أنها كذلك، ولهذا السبب تقع مسؤولية 18 شهراً من الإبادة الجماعية في غزة علينا. هذه إبادتنا الجماعية. وقبل أن تكتمل، ستعود لتوجعنا!