مع حلول عام 2050 توقعت الأمم المتحدة أن يصل سكان العالم لأكثر من 9 مليارات شخص، ويعد التهديد الأكبر لهذا الكم الهائل من البشر هو تحديات الأمن الغذائى وتأمين إنتاج الغذاء بكفاءة أكبر بكثير مما عليه الحال الآن، وإحدى الطرق الجديدة المبتكرة هى استخدام تقنية الزراعة المائية.

وخلال القرن الثامن عشر، اكتشف باحثو فسيولوجيا النبات أن النباتات تمتص المغذيات المعدنية الأساسية فى صورة أيونات لا عضوية ذائبة فى الماء، حيث تعمل التربة فى الظروف الطبيعية كمستودع للمغذيات المعدنية، ولكن التربة نفسها غير ضرورية لنمو النبات، فتستطيع جذور النباتات أن تمتص المغذيات المعدنية الموجودة فى التربة عندما تضاف مياه تقوم بإذابتها، ولذلك لا تكون التربة مهمة لنمو النبات إذا تمت إضافة هذه المغذيات إلى المياه التى يحتاجها النبات بطريقة اصطناعية.

وتمثل الزراعة المائية اتجاهاً ناشئاً فى مجال النظم الغذائية، تستخدم مساحة أقل من الأراضى، خاصة مع زيادة تحديات الأمن الغذائى وأنماط الطقس التى لا يمكن التنبؤ بها بسبب تغير المناخ، يمكن أن تكون الزراعة المائية هى الطريقة الأكثر فاعلية والأكثر تأكيداً لضمان أن طاولاتنا ومخازننا ومعدتنا مليئة دائماً بالطعام.

أستاذ تغذية النبات: صوبة قيراط تعطى إنتاج فدان تقليدى لأنها زراعة تعتمد على التكثيف فى وحدة المساحة

بدوره، قال د. سالم شاور، أستاذ خصوبة الأراضى وتغذية النبات، لـ«الوطن»، إن الزراعة المائية يمكنها أن تحل مشاكل الماء بصورة كبيرة لأن النبات فى هذا النوع من الزراعة لا يحتاج إلى الرى بالغمر كى ينمو ويكوّن المجموع الجذرى والخضرى وإنما يكون بديل الغمر هو استخدام وسط مائى مضاف إليه عدد من العناصر الغذائية التى يحتاج إليها النبات فى مراحل نموه المختلفة، وهو الأمر الذى يسمح له بالنمو فى ظروف متحكم بها، تلك العناصر بعد التحكم بها تعطى نتائج جيدة وتنتج عنها حاصلات زراعية بمواصفات عالية يمكنها المنافسة عالمياً، وهو الهدف الأبرز من تقنيات الزراعة المائية.

وأشار إلى أنه يمكن التحكم فى مواعيد الزراعة والحصول على محاصيل فى غير موعدها بجودة عالية، وأن هذا النوع من الزراعة يقلل هدر الأسمدة لكون النبات لا يحتاج إلى مبيدات مقارنة بالزراعة التقليدية، وذلك لأن الأمراض الفطرية والحشرية للنبات تأتى من التربة الزراعية نفسها كما هو الحال فى الزراعة التقليدية.

إلى جانب تلك المميزات يمكن الحصول من الزراعة المائية على محاصيل وفيرة فى وحدة المساحة المزروعة مقارنة بالزراعة التقليدية، وهذا لأن الزراعة المائية فكرتها تقوم على التكثيف فى وحدة المساحة: «صوبة قيراط تعطى إنتاج فدان تقليدى لأنها زراعة تعتمد على التكثيف فى وحدة المساحة، وممكن أن نحصل على طن خضار من قيراط أرض واحد بس مع العلم إننا بناخد طن من الفدان فى الزراعة التقليدية، وهنا ممكن نحل مشكلة الغذاء ونسد الفجوة ونقلل الاستيراد».

وأوضح أستاذ خصوبة الأراضى وتغذية النبات أن الميكروبات الموجودة فى نظم الزراعة المائية وتحديداً نظام الأكوابونيك «نظام زراعة مائية يسمح بوجود أسماك بالمياه التى يتم تمريرها للنبات» والتى تتكون نتيجة وجود مخلَّفات الأسماك، لها دور مهم فى تغذية النبات والوصول إلى مجموع جذرى وخضرى مميز وذلك لأن البكتيريا النافعة تتجمع فى الفراغات الموجودة بين جذور النباتات، على أن يتم تحويلها إلى مواد تستخدم فى نمو النباتات: «الوسط المائى مهم جداً فى إمداد النبات بالعناصر الغذائية التى يحتاج إليها خلال مراحل النمو، ومن هنا انطلقت فى البحث العلمى الخاص بى حتى أصل إلى نتائج يمكن تطويرها للتوسع بعد ذلك فى الزراعة المائية والتعامل مع المحلول المائى على أنه أهم عناصر النظام لأن نجاح الجذور فى امتصاص الغذاء والعناصر يعود فى المقام الأول إلى جودة الوسط المائى وتوازن تركيزات العناصر به».

دراسة علمية: العناصر الغذائية التى يحتاجها النبات يمكن التحكم فى نسب تركيزها فى الماء

وفى دراسة عملية بجامعة الأزهر، حول الزراعة المائية، أوضحت الدراسة أن العناصر الغذائية التى يحتاجها النبات يمكن التحكم فى نسب تركيزها فى الماء وبالتالى الحصول على نتائج إيجابية تحسن من تجربة الزراعة بشكل عام. الدراسة توضح أنه بزيادة تركيز الكلوريد فى وسط النمو انخفض نمو نبات الذرة، محل التجربة، ومع زيادة تركيز الكبريتات إلى ١٥ ملليمول انخفض نمو نبات الذرة وامتصاصه للعناصر المغذية وكان ذلك أكثر وضوحاً بالنسبة لامتصاص الفوسفات. وتضيف الدراسة: «بداية استخدام الماء المضافة له عناصر مغذية كوسط للنباتات كان فى القرن السابع عشر، والشائع أن روبرت بويل هو أول واحد استخدمه وعمل تجارب على النعناع ولاحظ أنه نما بشكل جيد ومع الحرب العالمية الثانية توقفت الأبحاث لكن كانت الحرب سبباً رئيسياً فى تقدم أبحاث الزراعة المائية لأن الجيش الأمريكى استخدم طريقة الزراعة بدون تربة لكى يمد جنوده بالخضار الطازج يومياً».

رئيس قسم الإرشاد الزراعى: تأثيرها على البيئة أقل ضرراً من الزراعة التقليدية

بدوره، أوضح المهندس سيد مدنى، رئيس قسم الإرشاد الزراعى بمطروح: «إذا نظرنا إلى الزراعة المائية من وجهة نظر بيئية يمكن القول بأن تأثيرها على البيئة أقل ضرراً من الزراعة التقليدية التى تحتاج إلى رش مبيدات لمكافحة آفات الزراعة التى يكون مصدرها فى المقام الأول التربة الزراعية نفسها، فالزراعة المائية بها ميزة مهمة تجعلها حلاً سحرياً للعديد من المشاكل لكونها تستخدم كميات قليلة من الماء لنمو النبات، وهذا لا يعنى أن النباتات يقل استهلاكها للماء فى هذا النوع من الزراعة ولكن التوفير يأتى من عدم وجود هدر، كذلك تقلل من استخدام الوقود لعدم استخدام آلات زراعية فى الحراثة ولا يتم استخدام مبيدات لمكافحة الأعشاب الضارة».

أضاف: «كلما قل استخدام المبيدات والأسمدة كان هناك مردود إيجابى على البيئة وصحة الإنسان، والزراعة المائية هى تكنولوجيا جديدة يمكن أن تساعد البشرية على محاربة الجوع من خلال زيادة الإنتاج مع قلة الاعتماد على كميات كبيرة من الماء فى ظل أزمة نقص المياه».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الزراعة المائية الزراعة المائیة من الزراعة

إقرأ أيضاً:

البُنى الأساسية للموارد المائية في ولاية مطرح

 

 

أنور الخنجري

 

يُعد الماء مؤشرًا مُهمًا على نمط معيشة الإنسان؛ إذ يُؤثر بطريقة أو أخرى- من خلال توفره أو ندرته أو نوعيته- على صحة الإنسان واستمرار نشاطه في الحياة، ومن أهم التحديات التي نُواجهها اليوم في ولاية مطرح هي وضعية الموارد المائية باعتبارها من البنيات الأساسية المُهمة القادرة على دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحتى الزراعية، خاصة إذا ما نظرنا إلى تلك المياه الطبيعية النابعة من باطن الأرض في عدة مواقع في الولاية، مثل الوطية ووادي عدي والوادي الكبير وبيت الفلج ومنطقة خب السمن في مدينة مطرح ووادي خلفان وربما غيرها من المواقع، والتي مع الأسف أغلبها يذهب هدرًا إلى البحر أو يتبخر مع حرارة الشمس، ناهيك عن تلك المياه المفقودة من خلال شبكة خطوط توصيلات المياه المتهالكة التي مضى على بنائها أكثر من خمسين عامًا.

وفي ظل هذه التحديات والإشكاليات المتعلقة بالموارد المائية في الولاية، فإنِّه لا بُد من وضع الاستراتيجيات والأنشطة البناءة لاستغلال هذا المورد المُهم استغلالًا عقلانيًا على المدى البعيد، خاصةً بعد الظواهر المتكررة للفيضانات التي تحدثها السيول في سوق مطرح أو تلك الانقطاعات المتكررة لإمدادات المياه عن بيوت المواطنين، كالذي حصل مؤخرًا خلال أيام عيد الأضحى المبارك واستمراره لأكثر من 4 أيام؛ مما خلّف استياءً واسعًا لدى المواطنين.

التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي الهدف الأسمى لرؤية "عُمان 2040"، ولا شك أن مؤسسات القطاع العام المعنية لها دور واضح في تعزيز هذه الرؤية والارتقاء بها للأحسن، خاصة فيما يتعلق منها بمشاريع البنى الأساسية؛ فالكثير من مشاريع البنية الأساسية تكون ضرورية لقيام مشاريع اقتصادية جديدة أو تعزيز ما هو قائم منها. وعلى هذا الأساس تنتهج الدولة، في إطار خططها التنموية، سياسة طموحة للبنى الأساسية، وتمثل الموارد المائية أهم الضروريات لتحفيز النشاط الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب أثرها المباشر على الحياة اليومية للمُواطنين، ولا شك أن حكومتنا الرشيدة قد وضعت ذلك في الاعتبار، إلّا أن مدينة مطرح اليوم تئِن من وطأة اللامبالاة ومن جور الزمن الذي استنزف بنيتها الأساسية من خدمات المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الضرورية كالطرق ومواقف السيارات والإنارة والنظافة وجمع القمامة وعشوائية التنظيم، ناهيك عن خدمات الصرف الصحي غير المتاحة أصلًا، وكلها جانبها التقصير والإهمال، وكأنَّ الجميع اتفق على ترك مطرح هكذا تحت دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنًا لتحسين الأوضاع أو استغلال المياه المُهدرة أو إجراء الصيانة اللازمة لشبكة توزيع المياه أو حتى تغييرها إن لزم الأمر.

هذا الأمر لا حياد عنه؛ حيث يجب أن يكون ضمن أولويات الشركة المعنية بالمياه والصرف الصحي، وتغيير الشبكة أمسى ضرورة قصوى حفاظًا على سلامة المستهلكين من هذه الأنابيب الصدئة التي يمر من خلالها أهم مصدر لحياة الإنسان.

ومن أجل الوقوف على إشكالية إدارة الموارد المائية في الولاية وحسن استغلالها، فإنِّه لابُد من إشراك الخبراء والباحثين في مجال التخصص لتشخيص هذه التحديات والخروج بحلول واقعية يُستفاد منها على المدى البعيد، كما إنه من الضروري برمجة حملات توعوية وتدريبية للعاملين في مجال إدارة الموارد المائية بضرورة التحلي بروح المسؤولية لاستغلال هذه الموارد بعقلانية بدلًا من الهدر الحاصل لها حاليًا.

وأخيرًا.. نُناشد الحكومة إعداد ميزانية خاصة ووضع إستراتيجيات مُناسبة وتطبيقها على أرض الواقع للاستغلال الأمثل لمصادر المياه الجوفية النابعة من المواقع سالفة الذكر، وكذلك العمل على تغيير الشبكة المتهالكة لتوزيع المياه في الولاية، حتى وإن تطلب الأمر تخصيص جزء من ميزانية المحافظة لهذا الغرض بدلًا من صرفها على النواحي التجميلية.

مقالات مشابهة

  • الزراعة: إنشاء 3 مراكز تنمية زراعية بشمال سيناء بتكلفة 390 مليون جنيه
  • اجتماع بصنعاء يناقش آليات تقييم المصادر المائية في قاع سهمان بمديرية بني مطر
  • روسيا.. ابتكار مواد كربونية ماصة لتنقية المياه والهواء
  • وزير الماء : المغرب يفقد 1.5 مليون متر مكعب من المياه يومياً بسبب التبخر
  • وزير الماء : المغاربة يشربون 80 مليون متر مكعب من مياه البحر
  • أربيل.. مناطق عديدة بلا ماء منذ 20 يومًا في أزمة مزمنة سنويًا
  • إقليم كوردستان يفتتح سداً جديداً لتعزيز استخدام الموارد المائية.. صور
  • الزراعة تتوسع فى إنتاج التقاوى المعتمدة عالية الجودة.. خبراء: تؤدي إلى زيادة الإنتاجية.. ويجب تحسين البنية التحتية لمراكز الإنتاج
  • البُنى الأساسية للموارد المائية في ولاية مطرح
  • وزير الزراعة يوجه بالتوسع في إنتاج التقاوي عالية الجودة والإنتاجية