الزراعة «بدون تربة».. حاصلات زراعية بمواصفات عالية وحل لـ«نقص المياه»
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
مع حلول عام 2050 توقعت الأمم المتحدة أن يصل سكان العالم لأكثر من 9 مليارات شخص، ويعد التهديد الأكبر لهذا الكم الهائل من البشر هو تحديات الأمن الغذائى وتأمين إنتاج الغذاء بكفاءة أكبر بكثير مما عليه الحال الآن، وإحدى الطرق الجديدة المبتكرة هى استخدام تقنية الزراعة المائية.
وخلال القرن الثامن عشر، اكتشف باحثو فسيولوجيا النبات أن النباتات تمتص المغذيات المعدنية الأساسية فى صورة أيونات لا عضوية ذائبة فى الماء، حيث تعمل التربة فى الظروف الطبيعية كمستودع للمغذيات المعدنية، ولكن التربة نفسها غير ضرورية لنمو النبات، فتستطيع جذور النباتات أن تمتص المغذيات المعدنية الموجودة فى التربة عندما تضاف مياه تقوم بإذابتها، ولذلك لا تكون التربة مهمة لنمو النبات إذا تمت إضافة هذه المغذيات إلى المياه التى يحتاجها النبات بطريقة اصطناعية.
وتمثل الزراعة المائية اتجاهاً ناشئاً فى مجال النظم الغذائية، تستخدم مساحة أقل من الأراضى، خاصة مع زيادة تحديات الأمن الغذائى وأنماط الطقس التى لا يمكن التنبؤ بها بسبب تغير المناخ، يمكن أن تكون الزراعة المائية هى الطريقة الأكثر فاعلية والأكثر تأكيداً لضمان أن طاولاتنا ومخازننا ومعدتنا مليئة دائماً بالطعام.
أستاذ تغذية النبات: صوبة قيراط تعطى إنتاج فدان تقليدى لأنها زراعة تعتمد على التكثيف فى وحدة المساحةبدوره، قال د. سالم شاور، أستاذ خصوبة الأراضى وتغذية النبات، لـ«الوطن»، إن الزراعة المائية يمكنها أن تحل مشاكل الماء بصورة كبيرة لأن النبات فى هذا النوع من الزراعة لا يحتاج إلى الرى بالغمر كى ينمو ويكوّن المجموع الجذرى والخضرى وإنما يكون بديل الغمر هو استخدام وسط مائى مضاف إليه عدد من العناصر الغذائية التى يحتاج إليها النبات فى مراحل نموه المختلفة، وهو الأمر الذى يسمح له بالنمو فى ظروف متحكم بها، تلك العناصر بعد التحكم بها تعطى نتائج جيدة وتنتج عنها حاصلات زراعية بمواصفات عالية يمكنها المنافسة عالمياً، وهو الهدف الأبرز من تقنيات الزراعة المائية.
وأشار إلى أنه يمكن التحكم فى مواعيد الزراعة والحصول على محاصيل فى غير موعدها بجودة عالية، وأن هذا النوع من الزراعة يقلل هدر الأسمدة لكون النبات لا يحتاج إلى مبيدات مقارنة بالزراعة التقليدية، وذلك لأن الأمراض الفطرية والحشرية للنبات تأتى من التربة الزراعية نفسها كما هو الحال فى الزراعة التقليدية.
إلى جانب تلك المميزات يمكن الحصول من الزراعة المائية على محاصيل وفيرة فى وحدة المساحة المزروعة مقارنة بالزراعة التقليدية، وهذا لأن الزراعة المائية فكرتها تقوم على التكثيف فى وحدة المساحة: «صوبة قيراط تعطى إنتاج فدان تقليدى لأنها زراعة تعتمد على التكثيف فى وحدة المساحة، وممكن أن نحصل على طن خضار من قيراط أرض واحد بس مع العلم إننا بناخد طن من الفدان فى الزراعة التقليدية، وهنا ممكن نحل مشكلة الغذاء ونسد الفجوة ونقلل الاستيراد».
وأوضح أستاذ خصوبة الأراضى وتغذية النبات أن الميكروبات الموجودة فى نظم الزراعة المائية وتحديداً نظام الأكوابونيك «نظام زراعة مائية يسمح بوجود أسماك بالمياه التى يتم تمريرها للنبات» والتى تتكون نتيجة وجود مخلَّفات الأسماك، لها دور مهم فى تغذية النبات والوصول إلى مجموع جذرى وخضرى مميز وذلك لأن البكتيريا النافعة تتجمع فى الفراغات الموجودة بين جذور النباتات، على أن يتم تحويلها إلى مواد تستخدم فى نمو النباتات: «الوسط المائى مهم جداً فى إمداد النبات بالعناصر الغذائية التى يحتاج إليها خلال مراحل النمو، ومن هنا انطلقت فى البحث العلمى الخاص بى حتى أصل إلى نتائج يمكن تطويرها للتوسع بعد ذلك فى الزراعة المائية والتعامل مع المحلول المائى على أنه أهم عناصر النظام لأن نجاح الجذور فى امتصاص الغذاء والعناصر يعود فى المقام الأول إلى جودة الوسط المائى وتوازن تركيزات العناصر به».
دراسة علمية: العناصر الغذائية التى يحتاجها النبات يمكن التحكم فى نسب تركيزها فى الماءوفى دراسة عملية بجامعة الأزهر، حول الزراعة المائية، أوضحت الدراسة أن العناصر الغذائية التى يحتاجها النبات يمكن التحكم فى نسب تركيزها فى الماء وبالتالى الحصول على نتائج إيجابية تحسن من تجربة الزراعة بشكل عام. الدراسة توضح أنه بزيادة تركيز الكلوريد فى وسط النمو انخفض نمو نبات الذرة، محل التجربة، ومع زيادة تركيز الكبريتات إلى ١٥ ملليمول انخفض نمو نبات الذرة وامتصاصه للعناصر المغذية وكان ذلك أكثر وضوحاً بالنسبة لامتصاص الفوسفات. وتضيف الدراسة: «بداية استخدام الماء المضافة له عناصر مغذية كوسط للنباتات كان فى القرن السابع عشر، والشائع أن روبرت بويل هو أول واحد استخدمه وعمل تجارب على النعناع ولاحظ أنه نما بشكل جيد ومع الحرب العالمية الثانية توقفت الأبحاث لكن كانت الحرب سبباً رئيسياً فى تقدم أبحاث الزراعة المائية لأن الجيش الأمريكى استخدم طريقة الزراعة بدون تربة لكى يمد جنوده بالخضار الطازج يومياً».
رئيس قسم الإرشاد الزراعى: تأثيرها على البيئة أقل ضرراً من الزراعة التقليديةبدوره، أوضح المهندس سيد مدنى، رئيس قسم الإرشاد الزراعى بمطروح: «إذا نظرنا إلى الزراعة المائية من وجهة نظر بيئية يمكن القول بأن تأثيرها على البيئة أقل ضرراً من الزراعة التقليدية التى تحتاج إلى رش مبيدات لمكافحة آفات الزراعة التى يكون مصدرها فى المقام الأول التربة الزراعية نفسها، فالزراعة المائية بها ميزة مهمة تجعلها حلاً سحرياً للعديد من المشاكل لكونها تستخدم كميات قليلة من الماء لنمو النبات، وهذا لا يعنى أن النباتات يقل استهلاكها للماء فى هذا النوع من الزراعة ولكن التوفير يأتى من عدم وجود هدر، كذلك تقلل من استخدام الوقود لعدم استخدام آلات زراعية فى الحراثة ولا يتم استخدام مبيدات لمكافحة الأعشاب الضارة».
أضاف: «كلما قل استخدام المبيدات والأسمدة كان هناك مردود إيجابى على البيئة وصحة الإنسان، والزراعة المائية هى تكنولوجيا جديدة يمكن أن تساعد البشرية على محاربة الجوع من خلال زيادة الإنتاج مع قلة الاعتماد على كميات كبيرة من الماء فى ظل أزمة نقص المياه».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الزراعة المائية الزراعة المائیة من الزراعة
إقرأ أيضاً:
زكريا فلاح الدقهلية البسيط يحلم بوا قع أفضل
تميزت الحضارة المصرية القديمة بطابعها الزراعي، وقامت تلك الحضارة حينما استقر الإنسان المصرى القديم وزرع الأرض، وكانت الزراعة أساس رخاء البلاد وثروتها، فقد أحسن المصرى القديم استغلال الأرض وموارد مصر الطبيعية لسد حاجاته،واعتبر نهر النيل من أهم العوامل الطبيعية التي ساعدت على قيام الحضارة المصرية، وقد راقب المصريون القدماء نهر النيل وعرفوا كيف يستفيدون من مياهه عن طريق إقامة السدود وحفر الترع والقنوات.
والفلاح المصرى البسيط هو ملح الأرض، و درة التاج فى صلب الحضارة التى قامت على الزراعة منذ فجر التاريخ . فهو طعم الحياة ورمز السيادة والكفاح وهو رمز العطاء والشقاء المستمر .
مع فجر كل يوم، يستيقظ عم عادل زكريا ذو الوجه الشاحب والجسد النحيل واليدين المتشققتين مرتدياً جلبابه البسيط، حاملاً على كتفه أدوات عمله من فأس ومنجل لكي يتمكن من الحصول على قوت يومه الذي يستطيع من خلاله الإنفاق على أسرته.
لم تكن تلك الأكف التى كستها أخاديد عميقة حفرتها الفأس فأضحت كالوشم الغائر ، لتشعر بالوهن يوما ، ولم تكن تلك التجاعيد التى علت جباهه إعلانا عن قلة الحيلة ، بل كانت صرخةَ عزم فى مواجهة قسوة الحياة وشظف العيش .ويعد عادل زكريا واحداً من بين ملايين المطحونين الذين يعيشون وضعاً صعباً في ظل موجة مستمرة ومتزايدة من ارتفاع الأسعار تشهدها البلاد، مع استمرار تدهور قيمة سعر صرف الجنيه أمام الدولار، لتأتي تلك الفئة التي تعمل تحت خانة مهن غير ثابتة ضمن الأكثر تضرراً من تلك الأزمة.
يقول زكريا غالبية أوقات عملي في زراعة الأرض تكون خلال فترة الظهيرة في ظل درجات الحرارة المرتفعة، وقد أتعرض لضربات شمس في بعض الأوقات ولا أستطيع الحصول على راحة قائلا "ليس أمامي بديل آخر من أجل كسب الرزق.
وتابع زكريا حياة الفلاح بطبيعتها قاسية ولكن كانت الحياة أيام زمان لذيذة بسيطة فلا توجد مغالاة فى المعيشة وكانت تتميز بالهدوء فقد إرتبطت بالطبيعة ، والأرض الزراعية وكان روتين يومنا أن نعمل طوال النهار في حرث وبذر وري الأرض، وفي المساء نجتمع برغم أننا متعبون ومرهقون من أعمالنا الصباحية في جلساتٍ للسمر، نتبادل فيها الأخبار والحكايات وإلقاء النكات الفكاهية.
وكانت الزوجات تمارس هوايتها فى الإستيقاظ يوميا مع بزوغ الفجرتحلب الماشية وتقوم بإعداد الخبز وأشهى أنواع الطعام الأخرى من صوانى الأرز المعمر والفطير المشلتت وغيرها. ويعتبر يوم إعداد العيش الفلاحى أيضًا يومًا للتعاون فى أبهى صوره بين أفراد الأسرة والعائلة الواحدة، فضلا عن صناعة القشطه والجبنه القريش والقديمه بمشهاوالسمن البلدي .
وقال لكن الحال تبدل الآن، ولم يكن بإمكان أكبر المتشائمين أن يتوقع الحالة المتردية التى وصل إليها قطاع الزراعة فى مصر، حتى باتت أقدم مهنة عرفتها مصر، على شفا الانهيار، نتيجة التخبط فى السياسات الحكومية، وغيرها من العوامل التى دفعت الآلاف من العاملين بالزراعة إلى هجرة أراضيهم، والبحث عن مصادر دخل بديلة لهم ولأسرهم، بعدما أصبح ما تجود به الأرض لا يكفى لسد احتياجاتهم، فقد تردت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلاح المصرى وتزايدت همومه ومشاكله، وتنوعت صور استغلاله وإهدارإنتاجه ، وضرب الحصار حوله بفعل السياسات العقيمة فجعلته يعيش فى خطر محدق ويفقد الأمل فى المستقبل الذى ضاع بعد أن اغتالته السياسات الإحتكارية المتوحشة، و كانت سببا جوهريا فى أن يصاحب ذلك حالات من تمرد جيل الشباب من الفلاحين على أرضهم وزرعهم ، ومعه أصيب بأمراض جديدة مستعصية، جاءت أمراض الفشل الكلوى والفيروس الكبدى الوبائى التى انتشرت على أثر تراجع الرعاية الصحية، وتلوث الماء والغذاء.
وإستطرد زكريا نحن نزرع ونحصد، وفى النهاية نسبة الربح لا تزيد على 10% فقط، رغم أننا نربى أطفالاً ومعنا أسرة، وقال «بنشترى الأسمدة من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، حتى المبيدات بنشتريها مغشوشة، والدولة بتتفرج علينا ونحن نعانى، حتى مياه الرى لا تصلنا إلا على فترات»، وتابع زهقنا من كثرة الشكاوى، وما نعانى منه هذا العام يزيد العام المقبل، مشاكلنا مع التقاوى أبدية، ولا يصل إلى الجمعية الزراعية إلا 10% فقط من احتياجاتنا.
وطالب بتدخل الدولة بشكل مباشر لتقديم دعم حقيقى للفلاح من خلال توفير الأسمدة والبذور والمبيدات بجودة عالية وبأسعار مخفضة.وتوفيرها بالكميات اللازمة،وتوفير المياه اللازمة لزراعة أماكن الاستصلاح الحديثة.
كما طالب زكريا ، بعودة الدورة الزراعية،وتفعيل الزراعة التعاقدية على كافة المحاصيل، وإنشاء صندوق التكافل الزراعي، وتسريع الانتهاء من مشروع “حياة كريمة”، واستكمال مشروع تبطين الترع، فضلا عن تخفيض أسعار الكهرباء للمشاريع الزراعية، والتوسع في الصناعات الزراعية.