كان لى شرف الإنصات إلى العديد من «رجال» حرب أكتوبر 1973، صانعى معجزة العبور العظيم، سرد كل منهم على مسامعى تجربته من واقع المشاركة الفعلية والمعايشة على الجبهة، ولا أبالغ إذا قلت إن جميع من تشرفت بالاستماع إليهم تمكنوا من نقل قطعة حية ومدهشة من أجواء الجبهة، دخلت قلبى مباشرة، حتى بعد نصف قرن على الحدث العظيم، ولا أعرف إذا ما كان زخم معركة أكتوبر 73 هو ما صنع منهم أبطالاً، أم العكس هو الصحيح!

تتكشف لنا الحقائق، أولاها أن انتصار أكتوبر لم يكن حدثاً مسطحاً، وليد يوم العبور العظيم، وإنما هو نتيجة طبيعية لتراكمات حضارية، شكلت إنساناً مصرياً يمقت الهزيمة، يسير جميعها باتجاه 6 أكتوبر، اليوم المشهود والمسبوق بسنوات من العمل المكثف، خلال حرب الاستنزاف، وعلى مختلف الأصعدة، لمداواة الجرح المفتوح فى قلب الأمة، بسبب نكسة 5 يونيو.

هناك أيضاً وجنباً إلى جنب إعادة تسليح القوات المسلحة، وبطولات حرب الاستنزاف، وإعادة بناء العقيدة القتالية، والتفكير العلمى والتخطيط الجيد، والتدريبات الشاقة وتبنى مبدأ «العرق فى التدريب يوفر الدم فى المعركة» كان هناك استعداد «الرجال» على الجبهة وخارجها، جميعها يشد بعضها بعضاً.

واحد من أكثر التجهيزات اللافتة للنظر، خلال إعادة البناء فى هذه الفترة، تفعيل عمل إدارة التوجيه المعنوى، التى كانت مهمتها الأساسية إعداد الجنود والضباط للمعركة.

جهود مشرفة قامت بها هذه الإدارة لتأهيل المجندين للقتال، تتضمن حل مشكلاتهم الاجتماعية، وقضاء مصالحهم، فى خارج الجبهة، وتخصيص وقت للجانب الترفيهى، تقديم هدايا للعساكر فى المناسبات الدينية وغيرها، وحتى الاطمئنان على مطابخ الوحدات العسكرية، وجميعها أمور تحظى برعاية القيادات، وعلى أعلى مستوى.

ولكن أين نصيبنا نحن من انتصارات أكتوبر؟ سؤال يراودنى عندما تلقيت جزءاً من الحكاية، فإذا كان هناك جيل عظيم من آبائنا تمكنوا من تخليد «أسطورتهم» بالعبور العظيم، فهل نكتفى نحن بالإنصات إلى الملحمة؟

على العين والرأس كل من أسهم فى صنع النصر، على العين والرأس كل من نقل إلينا قبساً من نور المعركة سرداً أو كتابة، لكن وقوفنا نحن عند دور المتلقى السلبى، مهما انفعلنا بروعة الحدث، لا يليق بنا ولا بالتاريخ الذى سيسجله علينا لا لنا.

وهنا أسوق واقعة لعلها تحمل الإجابة، منذ بضع سنوات كنت فى ندوة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، عن الشهيد عبدالمنعم رياض، وبمشاركة أبطال من حرب أكتوبر، روى كل منهم تجربته مستعيناً بالخرائط والأرقام والأدوات التوضيحية، وللحق كان المشاركون جميعاً على درجة عالية من اللياقة البدنية والذهنية، فكانت الندوة غنية، لكنها كانت فقيرة فى الحضور، بما يليق بموضوع النقاش، وبعد الانتهاء تقدمت إلى أحد السادة المشاركين ونقلت له وجهة نظرى، وقلت له: نحتاج لمثل هذه الندوات فى المدارس والجامعات على نطاق واسع، فقال لى بحماس: إحنا مستعدين إيدى على كتفك!

وعن نفسى أكاد أجزم أن جميع من استمعت إليهم من أبطال أكتوبر-أطال الله أعمارهم- يتمتعون بلياقة ذهنية وبدنية تسمح لهم بتسجيل هذا المنجز العظيم، بوعى، ولديه القدرة على نقل قطعة من التجربة «نابضة بالحياة»، لذلك أتمنى من الجهات ذات الصلة أن تأخذ على عاتقها تدشين مشروع جاد لتوثيق نصر أكتوبر بالاستعانة بأبطاله الحقيقيين، من أجل توصيل «الأمانة» إلى أبنائنا وأحفادنا والأجيال المقبلة.

فــ«روح العبور» يليق بها أن تبقى حية، فى وجداننا، تمنحنا الثقة، كلما مرت بنا أزمة، أو أصيبت عزائمنا بالخوَر، حقيقة نستدعيها، شعباً وأفراداً، لتمنحنا اليقين فى أنفسنا مجدداً، من أجل «عبور» آخر فوق المُلمات.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أكتوبر العزة

إقرأ أيضاً:

أحد أبطال «الحرب الإلكترونية»: سجلنا الانهيار التام للعدو فور بدء «العبور» بالصوت (حوار)

كشف البطل صلاح عطوة، أحد أبطال سلاح الحرب الإلكترونية فى حرب أكتوبر المجيدة، أبرز ملامح المهام المكلفين بها من القيادة العامة للقوات المسلحة قبل وأثناء وبعد «الحرب»، موضحاً أن القوات المسلحة اختارت عناصر مؤهلة، وذات قدرات ومعرفة جيدة؛ لتدريبها على أعمال التنصت والتشويش، وكانت لهم أدوار مهمة للغاية خلال «معركة التحرير». وأضاف البطل صلاح عطوة، فى حوار لـ«الوطن»، أنهم اعترضوا إشارات من القيادات والجنود الإسرائيليين يطلبون الاستغاثة والدعم من القيادة الإسرائيلية لإنقاذهم من أبطال الجيش المصرى، موضحاً أن الضباط والجنود الإسرائيليين كانوا فى حالة انهيار تام مع بدء الحرب، وكانوا يبكون، وهو أمر مرصود ومُسجل لدى جيشنا المصرى العظيم.. وإلى نص الحوار:

ما أبرز أدوارك فى حرب أكتوبر المجيدة؟

- الحقيقة أن الاستعداد للحرب بدأ مبكراً، منذ عام 1970 تم تجنيدى للخدمة فى صفوف جيشنا البطل الأبى، ليتم اختيارى وتدريبى للالتحاق بسلاح الحرب الإلكترونية، وظللت فى الخدمة بصفوف جيشنا البطل لمدة 5 سنوات، كانت من الأيام التى لا أنساها نظراً لتأثيرها فى مصير الأمة ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل.

وما كانت مهمتكم فى حرب أكتوبر المجيدة؟

- تم تكليفنا بالتنصت ورصد اتصالات ورسائل العدو، والقيام بأعمال التشويش الإلكترونى لمنع التنصت على اتصالات جيشنا الأبى، وهى مهمة نجحنا فيها باقتدار قبل وأثناء وبعد حرب أكتوبر المجيدة، نظراً للإمكانيات التى كانت متوافرة لنا، ومهاراتنا العالية بفضل الإعداد والتدريب والتجهيز المتميز لنا.

وكيف تم ذلك؟

- لدى التحاقى بصفوف القوات المسلحة عام 1970، تم تكثيف التدريب لنا، وكانت تدريبات مركزة للغاية، لدرجة أن التدريب الذى كان يحتاج 6 أشهر تم الانتهاء منه فى 45 يوماً، والتدريب الذى كان يحتاج 4 سنوات انتهينا منه فى عام واحد فقط، حتى إننا درسنا اللغة العبرية، والتعامل مع الأجهزة الحديثة حتى تم إتقانها بالكامل، وذلك قبل الالتحاق بصفوف الكتائب المقاتلة فى صفوف قواتنا المسلحة.

وما كان دورك بعد الالتحاق بالكتائب؟

- كانت مهمتنا على مدار الـ24 ساعة هى أعمال التنصت على العدو، من اتصالات بين القيادات والضباط والجنود، وما ينقلونه من بيانات ومعلومات.

وهل كانت الأمور تتم بسهولة؟

- فى الوقت العادى كانت معظم الاتصالات مشفرة، وكنا نسعى لفك تلك الشفرة، وتحليل المحتوى، وإرساله للجهات المختصة، كما تم تدريبنا على رصد «شفرة مورس»، وكنا ندونها، ونرسلها للتحليل والدراسة فى الجهات المختصة، أما فى وقت المعارك فتكون الاتصالات مفتوحة وغير مشفرة، ويكون من السهل ترجمتها، وإرسالها للقيادة بشكل مباشر.

وما أبرز ما رصدتموه خلال أعمال التنصت فى حرب أكتوبر المجيدة؟

- أبرز ما فاجأنى بشكل شخصى هو الانهيار الكامل لجنود الجيش الإسرائيلى مع بدء العبور والقتال.

وكيف تيقنتم من ذلك؟

- عبر رصدهم وهم يبكون، والبعض يتحدث عن تدمير الطائرات المصرية لوحدته وخوفه من التحرك لعدم استهدافه، وآخرون يتحدثون عن جسامة الخسائر الموجودة فى وحداتهم نظراً لاستهدافها من نسور قواتنا الجوية الباسلة وقوات المدفعية، فكانوا منهارين بالفعل، ثم فعّلنا التشويش فى توقيتات أخرى لمنع التنصت على اتصالات قواتنا المسلحة أثناء القيام بعمليات معينة.

تحدثت عن اتصالات الجنود.. فماذا عن القيادات الإسرائيلية؟

- كانوا يطلبون النجدة من «تل أبيب»، ويقولون لقياداتهم إنهم لا يستطيعون مواجهة الجيش المصرى، وإنهم سينسحبون من مواقعهم حفاظاً على أرواحهم، وأرواح الضباط والجنود، فإسرائيل كانت منهارة بالكامل، وليس كما يصورون للعالم أنهم انتصروا فى حرب أكتوبر المجيدة. 

مقالات مشابهة

  • الطماطم بـ12 جنيها.. أسعار الخضار والفاكهة اليوم في سوق العبور
  • المتحدث العسكري: المدفعية المصرية كانت مفاجأة قاسية للعدو على طول الجبهة في حرب أكتوبر المجيدة
  • إيناس عز الدين تعلن وفاة جدتها
  • لا مكان البتة لهذه المليشيات في حياة هذا الشعب العظيم
  • أحد أبطال «الحرب الإلكترونية»: سجلنا الانهيار التام للعدو فور بدء «العبور» بالصوت (حوار)
  • باعتراف «ناتو».. مصر نفّذت أعقد عمليات تاريخياً في حرب أكتوبر لتعطيل الدبابات الإسرائيلية
  • «طبيعية بدون فلاتر».. تامر عاشور في أحدث ظهور (صورة)
  • أشرف زكي يشيد بـالسكك الحديدية: ترتدي ثوبا يليق بمصر
  • بيغولا تودّع من ثمن النهائي وتشانغ تكتب التاريخ
  • أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 1-10-2024 في الأسواق.. تشهد تراجعا